هل يلقى مهرجان القاهرة السينمائي مصير «ماسبيرو»؟

الجونة يتقدم بقوة على الساحة الدولية

ملصق مهرجان الجونة السينمائي - من دورة سابقة لمهرجان القاهرة السينمائي
ملصق مهرجان الجونة السينمائي - من دورة سابقة لمهرجان القاهرة السينمائي
TT

هل يلقى مهرجان القاهرة السينمائي مصير «ماسبيرو»؟

ملصق مهرجان الجونة السينمائي - من دورة سابقة لمهرجان القاهرة السينمائي
ملصق مهرجان الجونة السينمائي - من دورة سابقة لمهرجان القاهرة السينمائي

في مصر، لم يعد لتلفزيون الدولة الرسمي، الذي يطلق عليه شعبياً «ماسبيرو»، أي وجود، ولا مصداقية، ولا شعبية تُذكر في الشارع، رغم أنه من أوائل التلفزيونات العربية، حيث انطلق البث تحديداً في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وكان يُطلق عليه في ظل سنوات المد القومي بزعامة جمال عبد الناصر «التلفزيون العربي».
ومن المعروف أن اللحظة التي شهدت بداية انطلاق البث من القاهرة، كانت هي نفسها التي شهدت انطلاقه من دمشق، حيث واكب ذلك الوحدة بين مصر وسوريا، التي أجهضت بعدها بعام، وكان للتلفزيون كثير من النجاحات، وأيضاً السبق في تقديم البرامج وإنتاج المسلسلات التي تحقق رواجاً عربياً، والكل يتهافت من أجل أن يعرض على شاشته، والنجوم تلبي أي نداء للظهور في برامجه.
إلا أنه ومنذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، حدث تراجع حاد في مصداقية التلفزيون الرسمي، كما أن القنوات الخاصة المصرية - على كثرتها - صارت الأقرب للدولة، في التعبير عنها وحمل أفكارها، ولم تعد في حاجة إلى أن تجد لها مساحتها في التلفزيون الرسمي الذي بات يعاني من شيخوخة مبكرة، بعد أن لاحقته أيضاً الديون، وصار غير قادر حتى على دفع التزاماته تجاه موظفيه، فكيف يستطيع حمل رسالة إعلامية تعبر عن الدولة للشارع.
شيء من هذا من الممكن أن تلمحه مع بداية ظهور مهرجان الجونة، للأخوين نجيب وسميح ساويرس، ومعهما عدد من رجال الأعمال الذين قرروا دعم المهرجان مادياً بقوة، حيث إن للمهرجان الجديد توجهه السياحي، وهم لديهم استثمارات في الغردقة - والجونة تحديداً. وهكذا، حمل المهرجان هذا الاسم، للترويج. وكما أن اسم مدينة كان في فرنسا صار منذ عام 1946 أشهر مدن العالم بسبب ارتباطه بالمهرجان، فإن الجونة يريد أن يحظى بمكانة مماثلة.
يفتتح المهرجان دورته الأولى يوم 22 سبتمبر (أيلول) الحالي. ونظراً لأنه لن يكلف الدولة المصرية أية نفقات، جاءت الموافقة الرسمية على إنشائه في لحظات، وهو بالقطع عامل إيجابي، في ظل تقلص ميزانيات وزارة الثقافة التي لم يعد أمامها الكثير لتقدمه للأنشطة المختلفة، ولهذا تبقي المقارنة المادية في الإمكانيات المتاحة لكلا المهرجانين ليست على الإطلاق في صالح مهرجان القاهرة. ربما في الحد الأدنى، سنجد أن ميزانية الجونة تتجاوز 10 مرات. وفي حدها الأقصى، قد تصل إلى 20 ضعفاً.
ويعاني مهرجان القاهرة الكثير، حتى في الحصول على فيلم مصري كعرض أول، ولا أقول فقط عربي أو أجنبي. فلم يعد على الرقعة المصرية هو الاختيار الأول لأصحاب شركات الإنتاج، فهو لا يملك الكثير من الجاذبية.
شركات الإنتاج حالياً تفضل مهرجان الجونة الذي يسبق مهرجان القاهرة بنحو شهرين، كما أنها من الممكن أن تجد أن العرض في مهرجان دبي الذي في العادة ينطلق بعد القاهرة بأقل من 10 أيام، والذي يفتتح في 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل دورته الرابعة عشرة، جاذبية أفضل. كل متذوق للفن السابع من المؤكد يسعد بأن يقام مهرجان سينمائي عربي في بلادنا، فهذا مصدر قوة وفخر لنا، ولكن لا أحد يُنكر أن هناك توجساً ما يحيط بمصير مهرجان القاهرة، في ظل منافسة غير عادلة تضعه بين المهرجانين المصري والعربي.
المساحة الجغرافية التي يتوجه إليها مهرجان الجونة الوليد عالمية بطبعها. وغالباً ما تتباهي المهرجانات بأنها صاحبة أول عرض عالمي أو عربي. وبالطبع، فرصة الجونة على الصعيد المصري في التفاخر أكبر، وكما يبدو فإن الصراع غير متكافئ، للفارق في الإمكانيات المادية. وإليكم مثلاً تلك الواقعة: كان مهرجان القاهرة قد فكر جدياً - مثلاً - في عرض فيلم «الشيخ جاكسون»، من إخراج عمرو سلامة وبطولة أحمد الفيشاوي وماجد الكدواني، وبدأ مسؤولوه في التواصل مع شركة الإنتاج. ولكن القائمين على الفيلم فضلوا قبول دعوة مهرجان الجونة. وهو ما تكرر في فيلم «فوتو كوبي»، للمخرج تامر العشري وبطولة محمود حميدة وشيرين رضا، الفيلم الثاني الذي يمثل السينما المصرية في المسابقة الرسمية بالمهرجان.
لا أحد من صُناع الفيلمين سيذكر الحقيقة، وهى أن مهرجان الجونة لديه جائزة مادية ضخمة، كما أنه يضمن لهم رحلة ممتعة، بينما ما الذي يملكه مهرجان القاهرة، في ظل غياب ثقافة الدعم الثقافي لدي رجال الأعمال في مصر، وهو ما يدعونا إلى أن نثمن تجربة الأخوين نجيب وسميح ساويرس، خصوصاً أن لهما أيضاً نشاطاً سابقاً في دعم السيناريوهات والقصص والمسرحيات، من خلال مؤسسة ساويرس الثقافية، بينما لدينا رجال أعمال آخر ما يفكرون فيه هو الاستثمار الثقافي؛ قد يوجهون أموالهم لـ«الإعلام» لتسويق مشروعاتهم الاقتصادية، ولكن الاستثمار الثقافي يظل خارج نطاق الاهتمام.
مهرجان «الجونة» اختار أن يحمل شعار «سينما من أجل الإنسانية»، الذي يشي برحابة في التوجه لاختيار كل الأطياف بعيداً عن ضيق الأفق وضيق الفكر الذي صار يغلف كثيراً من اختياراتنا في مختلف مناحي الحياة، فصارت الثقافة في كثير من جوانبها تتبع تلك السياسة التي يقيدها ضيق الأفق. يتصدر المشهد في المهرجان الوليد ثلاثة يتولون مسؤولية إقامته، وهم انتشال التميمي خبير المهرجانات الدولي، الذي كان آخر منصب تولاه هو الإدارة الفنية لمهرجان أبوظبي.
ويبقي السؤال الخاص بمهرجان القاهرة: كيف يستطيع في ظل هذا الصراع المصري والعربي والعالمي البقاء على الخريطة، وهو تاريخياً ثاني أقدم مهرجان عربي، سبقه فقط «قرطاج» الذي بدأ عام 1966 بتوجه عربي أفريقي، بينما القاهرة الذي بدأ أولى دوراته عام 1976، كان له توجهه العالمي منذ بدايته؟ كما أنه حظي بموافقة الاتحاد الدولي للمنتجين الذي تنضوي تحت مظلته المهرجانات العالمية الكبرى في العالم كله، مثل كان وبرلين وفينيسيا.
مهرجان القاهرة صاحب إنشاءه قرار سياسي من الرئيس أنور السادات، وحظي برعايته، لأنه كان يتردد وقتها أن إسرائيل تسعي لأن تحظي بتلك المكانة، ليصبح مهرجانها هو الأول في الشرق الأوسط المعترف به دولياً. وهكذا، افتتح الدورة الأولي رئيس الوزراء ممدوح سالم لتأكيد أهميته، حيث كانت تقيمه جمعية كتاب ونقاد السينما، التي كان يرأسها الكاتب الفنان الأثري صاحب اكتشاف مراكب الشمس كمال الملاخ.
ومع الزمن، صار المهرجان ليس فقط تحت رعاية وزارة الثقافة، بل تقيمه أيضاً وزارة الثقافة، وتعددت القيادات التي ترأسه، بداية من سعد الدين وهبة حتى الباحثة السينمائية د. ماجدة واصف، حيث رأست الدورات الثلاث الأخيرة من المهرجان. ومنذ دورته الأولى التي انطلقت عام 1992 حتى 2006، تباين المستوى طوال تاريخ هذا المهرجان العريق، لكن يظل أن العائق الاقتصادي لعب دوراً محورياً في تكبيل قدرة المهرجان على التحرك، فهو لا يستطيع رصد جائزة مالية للفيلم الفائز، مثل دبي أو الجونة، نظراً لعدم توفر الإمكانيات، ولا يستطيع الاتفاق على استضافة نجم عالمي، فهو لا يملك هذا الترف، إلى درجة أن الاتصالات تعثرت تماماً مع النجم الهندي شاروخان؛ مهرجان القاهرة لا يستطيع أن يرصد أي ميزانية للضيوف. كما أن رجال الأعمال الذين تواصل معهم لتحمل نفقات استضافة نجم عالمي لم يرحبوا بالفكرة.
ويبقى السؤال عن دور الدولة، وتحديداً وزارة الثقافة: هل تترك مركب المهرجان معرضاً للغرق وهي مسؤولة عنه؟ من الممكن أن أتفهم - على مضض - مثلاً تقاعس الدولة عن إنقاذ تلفزيون ماسبيرو من كبوته، لأن لديها قنوات تلفزيونية خاصة تتولي مهمة مخاطبة الرأي العام، وإيصال الرسالة التي تريدها للعالم كله، ولكن مهرجان القاهرة الذي يحمل اسم مصر، وجائزته هي عنوان مصر عالمياً (الهرم)، فلا أتصور أنها من الممكن أن تتنازل عنه بسهولة! أكرر: مرحبا بمهرجان «الجونة» الذي ينطلق من مصر، ويحمل اسمها، ولكن يظل على الدولة الحفاظ على أن عنوانها الأثير سينمائياً في العالم هو مهرجان القاهرة.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.