{الحوت الأزرق} يتسبب في انتحار 15 شاباً هندياً

أخطر الألعاب على الإنترنت تكلف اللاعب بمهام مضرة ومؤذية آخرها قتل نفسه

{الحوت الأزرق} يتسبب في انتحار 15 شاباً هندياً
TT

{الحوت الأزرق} يتسبب في انتحار 15 شاباً هندياً

{الحوت الأزرق} يتسبب في انتحار 15 شاباً هندياً

اتصل صبي في الثانية عشرة من العمر من ولاية تاميل نادو في جنوب الهند مؤخرًا بخط الطوارئ التابع للدولة وأخذ يصرخ بشكل هستيري قائلا: «سيقتلونني أنا وأسرتي». وعندما سأله المختص على الجانب الآخر من الخط عن هوية الشخص الذي يحاول القيام بذلك، سكت هنيهة قبل اعترافه بأنه قد شارك في «تحدي الحوت الأزرق» وأراد التوقف.
ليست هذه حالة فردية، فقد تسببت لعبة «الحوت الأزرق» في وفاة نحو 15 شابا تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 24 عاما، منتحرين، في حين تم التمكن من إنقاذ كثيرين في الوقت المناسب.
وقد استيقظت الهند على كارثة «الحوت الأزرق» في 29 يوليو (تموز) حين قفز صبي في الرابعة عشرة من العمر من شرفة في الطابق السابع من إحدى البنايات في مومباي، مما أدى إلى مقتله. وقد التقط لنفسه صورا فوتوغرافية وهو يجلس على حافة سور الشرفة قبيل قفزه وكتب: «الشيء الوحيد الذي سيتبقى مني قريبا هو صورتي».
وبينما كانت كاتبة هذه السطور تعكف على كتابة الموضوع، قفز أشوك مالونا من جسر أعلى نهر سابارماتي في غوجارات بعد فترة قصيرة من نشر مقطع مصور على موقع «فيسبوك» ذكر فيه أن هذه هي المرحلة الأخيرة من «تحدي الحوت الأزرق الخاص به، وسوف ينتحر. كذلك تم العثور على شاشيكانت بورها، الطالب في علوم الإدارة البالغ من العمر 21 عاما، معلقا بحبل من رقبته في شجرة في سكن جامعة بونديتشيري في منتصف الليل. كذلك شنق طالب جامعي يبلغ من العمر 19 عاما نفسه باستخدام مروحة سقف في منزله في مادوراي»، وكتب أيضًا قبل انتحاره عن لعبة «تحدي الحوت الأزرق» الخطيرة التي تسبب الإدمان.
كذلك تم العثور على بارث سينغ، طالب في الصف السادس يبلغ من العمر 13 عاما، وهو معلق في غرفة نومه في 28 أغسطس (آب)، وكان في يده هاتف والده كانت عليه اللعبة المذكورة حين تم إنزال الجثة المعلقة.
على الجانب الآخر، تم إنقاذ آخرين في آخر لحظة على مدى الأيام القليلة الماضية. وتم وضع مراهق في دلهي تحت الملاحظة بعدما قطع شرايين ذراعه، ونقله أبواه إلى المستشفى. كذلك تم إنقاذ فتى آخر في السادسة عشرة من العمر من جايبور كان قد ترك منزل والديه في إطار المرحلة الأخيرة من تلك اللعبة؛ وقال إنه كان في المرحلة الأخيرة وكان يوشك على الانتحار.
وتم نقل طالب في الصف العاشر، على يده رمز الحوت، إلى مستشفى حكومي في أسام، عاصمة ولاية غواهاتي. كذلك وردت الأنباء من كل أنحاء الهند من مومباي، ودلهي، وكيرالا، وكلكتا، وتاميل نادو، وبونديتشيري، وبونه، وغوجارات، وإندور، ودهرادون، بانتحار مراهقين أو إنقاذهم قبل قفزهم من بنايات بناء على تعليمات مروجي اللعبة.
«غوغل تريندز» المثير للقلق
في ظل استيقاظ الهند يوميا على أنباء انتشار اللعبة في مختلف أنحاء البلاد على نحو لم يتصوره أحد، رصد محرك البحث العملاق «غوغل» أرقاما مفزعة. أوضح محرك «غوغل» أن الهند قد شهدت أكبر قدر من مرات البحث المتعلق بـ«تحدي الحوت الأزرق» على مستوى العالم. الأسوأ من ذلك هو أن هناك تقارير ذات صلة قد كشفت عن أن الهند شغلت هذا المركز لمدة ثلاثة أشهر، وإن كانت ذروة عمليات البحث في يوليو 2017.
هناك اعتقاد بأنه قد تم صنع لعبة الكومبيوتر المذكورة في روسيا عام 2013، وأنها قد أصبحت واحدة من أكثر ألعاب الإنترنت إثارة للجدل على مستوى العالم، وتم اعتبارها السبب وراء انتحار أكثر من 130 مراهقا على مستوى العالم. وقد كشف «غوغل تريندز»، الذي يحلل ويجمع كلمات أو عبارات البحث الأكثر استخداما، عن تزايد عدد الأشخاص الذين يبحثون عن لعبة الحوت الأزرق من الهند خلال الاثني عشر شهرا الماضية. مع ذلك لا تعني نتائج «غوغل تريندز» بالضرورة أن الذين يبحثون عن اللعبة المرتبطة بالانتحار يلعبونها بالفعل. بحسب التقرير، من بين الكلمات المفتاحية الأكثر استخداما «تحدي الحوت الأزرق»، و«تحدي لعبة الحوت الأزرق»، و«تنزيل لعبة تحدي الحوت الأزرق»، و«تنزيل لعبة تحدي الحوت الأزرق على الإنترنت».
كذلك قدم التقرير تحليلا للتوجهات بحسب الولايات. في الوقت الذي تصدرت فيه كل من ولايتي مانيبور، وناغالاند، قائمة البحث عن اللعبة باستخدام الكلمة المفتاحية «تحدي الحوت الأزرق»، تصدرت أسام قائمة البحث عن اللعبة باستخدام الكلمة المفتاحية «تحدي لعبة الحوت الأزرق». وتشير البيانات أيضا إلى تصدر كل من جامو، وكشمير، وأسام، وتاميل نادو، قائمة البحث باستخدام كلمة «تنزيل لعبة تحدي الحوت الأزرق». على الجانب الآخر تشير البيانات الخاصة بالمدن إلى تصدر مدينة كلكتا قائمة البحث باستخدام كلمة «تحدي الحوت الأزرق».
آثار لا تمّحي
كانت تلك اللعبة مدمرة، فمجرد دخول المرء إلى عالمها، لا يتمكن من الخروج بحسب ما كتب فيغيش، طالب يبلغ من العمر 19 عاما من تاميل نادو، قبل إتمامه المرحلة الأخيرة من اللعبة وانتحاره باستخدام ساري والدته. وقد صرحت والدته المكلومة لقناة تلفزيونية خاصة بأنها قد رأت علامات غريبة على جسده، وسألته عنها فرد عليها قائلا: «لا شيء، لا شيء سيحدث لي». وقد اكتشفت أن ابنها كان متعلقا بتلك اللعبة المميتة التي كان يقول إن نحو 75 طفلا يشاركون فيها في مجموعة واحدة. وأوضحت قائلة: «أناشد الحكومة بأن تنقذ هؤلاء الأطفال. ينبغي ألا تمر أم بمأساة فقد طفلها، وتعاني من آثار الصدمة». بعد حدوث عدد من حالات الانتحار المرتبطة بتلك اللعبة الخطيرة في أنحاء الهند، يبحث المراهقون الذين شاركوا في التحدي عن مخرج. يقول دكتور لاكشمي فيجاياكومار، مؤسسة مركز «سنيها» للوقاية من الانتحار: «يخشى أكثرهم الخروج لأنه يتم تهديدهم بالقتل أو بإلحاق الأذى بأسرهم». وأوضح قائلا إن كثيرا من الأطفال المرضى قد اعترفوا بمشاركتهم في اللعبة؛ وكان ذلك بدافع الفضول في أكثر الحالات. وكان التحدي يتضمن قيام المسؤول عن اللعبة بتكليفهم بخمسين مهمة، أكثرها مضرة ومؤذية للذات. وتتمثل المهمة الأخيرة في الانتحار.
أقوال الآباء ومقاطع
مصورة على الهواتف
في حالتي انتحار من ولاية كيرالا بجنوب الهند إحداهما تمت في 19 مايو (أيار)، والأخرى في 27 يوليو، حين لم تكن أغلب المناطق في الهند تدرك خطر «الحوت الأزرق»، أشارت تحقيقات الشرطة وأقوال الآباء إلى وجود صلة بين الخطر وتحدي الحوت الأزرق.
وذكرت صحيفة «تايمز أوف إنديا» أن ساوانت، وهو خريج حديث في معهد التدريب الصناعي يبلغ من العمر 22 عاما، ومانوج تشتاندران، طالب في الصف الحادي عشر، قد شنقا نفسيهما في المنزل وقام الأول بذلك في 19 مايو، في حين قام الثاني بذلك في 27 يوليو.
ونقلت الصحيفة عن والدة تشاندران قولها للشرطة إن ابنها قد أخبرها ذات مرة عن لعبة مثيرة منتشرة تسمى «الحوت الأزرق»، وأنها قد تقود إما إلى الجنون أو الانتحار. كان هذا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. وقالت: «طلبت منه ألا يلعب هذه اللعبة، فقط لاحظت تغيرا في سلوكه بعد شهر ديسمبر (كانون الأول)، لكنني لم آخذ الأمر على محمل الجد». وكانت من بين التغيرات السلوكية، التي أشارت إليها الأم، رفضه للمذاكرة، ورغبته في التجول في أنحاء الهند بدراجة نارية، وزيارته الشاطئ والمقابر ليلا. وحين تم سؤالها عن عدم تقدمها بشكوى فور وفاة ابنها، أجابت قائلة: «لقد فتحت هاتفه المحمول بعد أيام طويلة من وفاته. لم أصدقه حين قال لي إنه قد زار المقابر والشاطئ ليلا. لكن أذهلتني المقاطع المصورة التي وجدتها على هاتفه؛ وقد أدركت حينها فقط أنه قد شارك في تحدي الحوت الأزرق». بحسب والدة ساوانت، كان ابنها مدمنا على ألعاب الفيديو، وكان يبقى لوقت متأخر من الليل لممارستها. كذلك كان يعاني من مشكلات سلوكية، فقد خرج دون أن يعرف أحد مكانه لمدة 10 أيام، وحاول الانتحار مرتين، إحداهما في عام 2016، والأخرى في 2017.
السبب العزلة والوحدة
دفع انتشار اللعبة الحكومة الهندية نحو إصدار توجيهات لكل من «غوغل»، و«فيسبوك»، و«واتساب»، و«إنستغرام»، و«مايكروسوفت»، و«ياهو» بإزالة تلك الروابط فورا. كذلك أصدرت وزارة الداخلية إرشادا لقوات الشرطة في مختلف أنحاء الهند باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المواقع الإلكترونية التي توفر تلك الروابط الخاصة بتنزيل اللعبة.
وقال دكتور رانا، استشاري بارز في طب أعصاب الأطفال في المستشفى: «من المعتاد أن ينغمس المراهقون في سلوكيات خطيرة من أجل التباهي بقدراتهم أمام أقرانهم. لذا من الضروري أن يقيم الآباء علاقة صداقة قوية مع أبنائهم، بدلا من الاتجاه إلى التعنيف والتوبيخ، حيث من شأن ذلك أن يزيد من احتمالات مناقشة الأبناء شؤون حياتهم مع آبائهم». ويقول أمولي، صانع أفلام: «ما يحدث سببه هو شعور المراهقين بالعزلة والوحدة. لهذا السبب يبحثون عن واقع افتراضي خاص بهم. حين تكون طفلا وتشعر بالعزلة تتجه إلى مثل تلك الأشياء». ويحمّل أمولي الآباء مسؤولية حدوث ذلك، حيث يرى أنهم ليس لديهم الوقت الكافي للاعتناء بأبنائهم. ويضيف قائلا: «ليس لدى الآباء وقت لأبنائهم، وكذلك يختفي الجدود من المشهد بسبب تباعد أفراد العائلة عن بعضهم».


مقالات ذات صلة

«سوني» تكشف عن خوذة جديدة للواقع الافتراضي لجهاز «بلايستيشن 5»

يوميات الشرق «سوني» تكشف عن خوذة جديدة للواقع الافتراضي لجهاز «بلايستيشن 5»

«سوني» تكشف عن خوذة جديدة للواقع الافتراضي لجهاز «بلايستيشن 5»

كشفت مجموعة «سوني» العملاقة في مجال الإلكترونيات، أمس (الثلاثاء)، عن خوذة جديدة للواقع الافتراضي مخصصة لأجهزة اللعب «بلايستيشن 5»، في تعزيزٍ لطموحاتها في سوق تشهد طفرة كبيرة. وكانت المجموعة اليابانية قد أطلقت في مرحلة أولى إكسسواراً أول من هذا النوع سنة 2016 لجهاز ألعاب الفيديو الشهير بنسخته السابقة. وتتسم خوذة «بلايستيشن في آر 2» ذات اللونين الأبيض والأسود، بشكل أكثر استشرافية وسهولة أكبر في الحمل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق «إنفوغراف»... أسعار مبيعات أجهزة «بلاي ستيشن» منذ عام 1994

«إنفوغراف»... أسعار مبيعات أجهزة «بلاي ستيشن» منذ عام 1994

تُطلق شركة «سوني» جهاز «بلاي ستيشن 5»، هذا الخريف. وبالجهاز هذا، جنباً إلى جنب مع الأجهزة الأربعة السابقة التي تحمل الاسم نفسه يصبح عدد أجهزة وحدات التحكم التي أنتجتها شركة التكنولوجيا اليابانية العملاقة، منذ ظهورها لأول مرة في عام 1994 ما يقرب من 20 جهازاً، بيع منها 560 مليون وحدة. ويوضح «الإنفوغرافيك» التالي أسعار مبيعات جميع أجهزة «بلاي ستيشن» من عام 1994 إلى 2020:

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «سوني» تكشف النقاب رسمياً عن «بلاي ستيشن 5» وألعابه الجديدة (فيديو)

«سوني» تكشف النقاب رسمياً عن «بلاي ستيشن 5» وألعابه الجديدة (فيديو)

كشفت شركة «سوني» للصناعات الإلكترونية رسمياً النقاب عن منصة ألعاب الفيديو «بلاي ستيشن 5»، التي من المقرر إطلاقها في الأسواق في وقت لاحق من هذا العام. وبحسب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، فقد أشارت «سوني» خلال عرض فيديو جديد بعنوان «مستقبل الألعاب»، إلى أن الجهاز سيكون متاحاً في لونين، الأبيض والأسود، وفي نسختين، الأولى ستتضمن قارئ أقراص ليزرية «Ultra HD Blu - ray»، في حين ستفتقر النسخة الأخرى، إليه معتمدة فقط على الألعاب التي سيتم تنزيلها عبر الإنترنت، وستحمل اسم «PlayStation 5 Digital Edition». ولم تعلن «سوني» عن سعر الجهاز أو تاريخ إطلاقه في الأسواق، لكنها قالت إنها لا تزال تخطط لإطلاقه قبل نه

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق «سوني» تكشف عن جهاز تحكم «بي إس 5» الجديد

«سوني» تكشف عن جهاز تحكم «بي إس 5» الجديد

كشفت شركة «سوني» للصناعات الإلكترونية عن المزيد من التفاصيل حول جهاز التحكم الجديد التابع لـمنصة ألعاب الفيديو «بلاي ستيشن 5» أمس (الثلاثاء)، وقالت إنها بدأت في شحن وحدة التحكم إلى مطوري الألعاب.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق «سوني» تطلق «بلاي ستيشن» جديداً بنكهة الماضي

«سوني» تطلق «بلاي ستيشن» جديداً بنكهة الماضي

تعتزم شركة «سوني» اليابانية إطلاق نسخة جديدة من جهاز «بلاي ستيشن كلاسيك»، ستحمل نفس تصميم النسخة الكلاسيكية القديمة التي تم إطلاقها قبل 25 عاما، ولكن بحجم أصغر من النسخة القديمة. وبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، سيتم إطلاق النسخة الجديدة في يوم 3 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو نفس اليوم الذي أطلقت فيه النسخة الكلاسيكية لأول مرة في اليابان عام 1994. وستحمل النسخة الجديدة نفس تصميم النسخة القديمة ولكن بحجم أصغر بنسبة 45 في المائة وستحتوي على نحو 20 لعبة مدمجة. وستتضمن قائمة الألعاب معظم الألعاب الموجودة في النسخة القديمة، بما في ذلك Final Fantasy VII وRidge Racer Type 4 وTekken 3 وjumping f

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».