وزير خارجية فرنسا: حان الوقت لنفكر بمرحلة ما بعد «داعش» في سوريا

جان إيف لو دريان: نعمل على تشكيل «مجموعة الاتصال»

سورية تحمل طفلها إلى مدرسة الحزمة شمال الرقة حيث يدرس أطفال النازحين من معارك ضد «داعش» (رويترز)
سورية تحمل طفلها إلى مدرسة الحزمة شمال الرقة حيث يدرس أطفال النازحين من معارك ضد «داعش» (رويترز)
TT

وزير خارجية فرنسا: حان الوقت لنفكر بمرحلة ما بعد «داعش» في سوريا

سورية تحمل طفلها إلى مدرسة الحزمة شمال الرقة حيث يدرس أطفال النازحين من معارك ضد «داعش» (رويترز)
سورية تحمل طفلها إلى مدرسة الحزمة شمال الرقة حيث يدرس أطفال النازحين من معارك ضد «داعش» (رويترز)

يلتقي وزير الخارجية الفرنسية اليوم في موسكو نظيره الروسي سيرغي لافروف، وسيكون للملف السوري الأولوية في المحادثات بالنظر للمهمة التي أناطها الرئيس إيمانويل ماكرون بالوزير جان إيف لو دريان، وهي تشكيل «مجموعة عمل» عالية المستوى للعمل على إيجاد المخارج للولوج إلى الحل السياسي في سوريا. وتأمل باريس في أن تعقد المجموعة أول اجتماع لها على المستوى الوزاري في الأيام القليلة المقبلة، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وحتى اليوم، ما زالت الدبلوماسية الفرنسية تعمل على تشكيل هذه المجموعة. ولم تكشف باريس عن لائحة محددة. إلا أن وزير الخارجية أفاد في محاضرة ألقاها مساء أول من أمس في معهد العلوم السياسية في باريس وحضرتها «الشرق الأوسط»، أن المجموعة ستضم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وإلى جانبهم وزراء الدول المعنية مباشرة بالملف السوري التي ذكر منها تركيا والمملكة السعودية والأردن وإيران. وقالت مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن مصر «مهتمة» بأن تكون داخل اللجنة. كذلك طرح موضوع وجود العراق فيها. لكن المشكلة الأساسية التي واجهتها باريس تكمن في كيفية ضم إيران وهو الأمر الذي عارضته واشنطن. وتعمل باريس على استنباط صيغة تسمح بإشراك إيران من غير «تنفير» واشنطن. ترجح هذه المصادر أن يكون الحل بأن تلعب باريس دور «الوسيط» الذي ينقل للطرف الإيراني مضمون المناقشات ويتلقى الردود عليها.
تنطلق الدبلوماسية الفرنسية، كما فصلها الوزير لو دريان، من اعتبار مفاده أن الحرب على «داعش» «تتقدم إيجابيا» بالنظر لتراجع التنظيم الإرهابي، أكان ذلك في العراق أو سوريا، وبالتالي فإنه «حان الوقت» من المنظور الفرنسي للتفكير في مرحلة «ما بعد (داعش)» والبحث عن «المخارج السياسية» بالاعتماد على مقاربة تتسم في الوقت عينه بـ«البراغماتية والفاعلية» وتكون كفيلة بـ«وضع حد لآلام الشعب السوري». وما تريده باريس وتسعى إليه هو الحل الذي لا يسمح لاحقا بعودة «داعش» أو بظهور حركات إرهابية أو تنظيمات بأسماء أخرى وتكرار التجربة العراقية.
وفق الرؤية الفرنسية، تتحمل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي من بينها فرنسا، مسؤولية خاصة في الدفع باتجاه حل سياسي ليس فقط بالعمل لدى ومع الأطراف السورية ولكن أيضا بـ«تحفيز» الدول الإقليمية ذات التأثير على الأطراف المتحاربة في سوريا على الدفع باتجاه الحل السياسي. وذكر لو دريان بأن عدة سنوات من المناقشات بين السوريين لم تفض إلى أي نتيجة تذكر. ولذا، هناك «حاجة» لانخراط مجلس الأمن الذي عليه أن يوفر «الزخم الضروري» من أجل ضم الدول المؤثرة والدفع باتجاه المخرج السياسي.
وبعد الإرباك الذي أصاب الدبلوماسية الفرنسية في الأيام الماضية والتصريحات المتضاربة، عاد وزير الخارجية ليؤكد أن السير بالمناقشات بين السوريين يجب أن يكون «من غير شروط مسبقة». وقال لو دريان: «لا نعتبر أن رحيل الأسد هو شرط سابق للنقاش (التفاوض) ونريد البدء مباشرة بالمفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي يفترض أن يمر عبر حصول انتخابات».
حقيقة الأمر أن باريس الراغبة في العودة إلى الملف السوري، التي قامت باستدارة صريحة بالتخلي عن مطالباتها السابقة بالنسبة لمصير الرئيس السوري، عادت إلى مقاربة «براغماتية» بالنظر للتغيرات الميدانية ولتغير المعطيات الدولية. لكنها في مقاربتها «الجديدة» تحرص على المحافظة على نوع من «الغموض». والدليل على ذلك أن الوزير لو دريان، الذي يربط المسار السياسي بكتابة دستور جديد وبحصول انتخابات، لا يأتي على ذكر الإشكالية الرئيسية وهي إمكانية ترشح الرئيس السوري لهذه الانتخابات وهو ما كانت المصادر الفرنسية ترفضه سابقا بقوة. ويبدو واضحا أن الدبلوماسية الفرنسية تعول كثيرا على «الاستجابة» الروسية لطروحاتها. وقال لو دريان إن لروسيا «دورا مهما تلعبه أولا لأنها موجودة ميدانيا ولأن الفائدة بالنسبة لها أن تسعى لعملية خروج من الأزمة تحافظ على مصالحها الخاصة وتضمن لها أمنها».
هل تنجح المبادرة الفرنسية؟ تقول المصادر الرسمية في باريس إن الاتصالات التي أجرتها الدبلوماسية الفرنسية في الأسابيع والأيام الأخيرة «لقيت قبولا» من الأطراف المعنية وأهمها واشنطن وموسكو. وتذكر هذه المصادر باللقاءات التي أجراها الرئيس ماكرون مع رئيسي البلدين خارج وداخل فرنسا و«التفاهمات» التي توصل إليها معهما. لكن السؤال الذي لا بد من طرحه يتناول الجديد الذي يمكن أن تأتي به المبادرة الفرنسية، إذ إن مجلس الأمن لم يكن يوما «غائبا» عن الجهود الخاصة بسوريا وقراره الذي يحمل الرقم 2254 يبقى الأساس للحل السياسي. كذلك، ثمة تساؤلات عن «الفائدة» التي يمكن لموسكو أن تجنيها من إشراك مجلس الأمن في الترتيبات التي تقوم بها في سوريا، خصوصا عبر اجتماعات آستانة ومناطق خفض التوتر التي اقترحتها، والتي نجحت في تنفيذها ميدانيا.
والرد الفرنسي «والأوروبي» على ذلك هو أنه يتعين النظر لما بعد انتهاء الحرب وإعادة الإعمار وإحلال السلام وكلها مسائل لا يمكن أن تتم وفق منطق المنتصر والمهزوم ومفتاحها المصالحة والعمل الجماعي الدولي والإقليمي من أجلها وإعادة بناء ما دمرته الحرب. والمهمة الأخيرة لن تستطيع موسكو أو طهران القيام بها، الأمر الذي يفترض مشاركة الغربيين والدول الخليجية والأخرى القادرة على المساهمة. ويلخص مصدر فرنسي موقف بلاده بالقول: «لن ندفع يورو واحدا من غير حل سياسي نعتقد أنه قابل للحياة».


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.