فرسان السينما الأميركية المستقلة

اللقاء المثالي بين تمويل المؤسسات وانفرادية المخرج

روبرت ألتمان شيخ المستقلين - سبايك لي خلال تصوير أحدث أفلامه
روبرت ألتمان شيخ المستقلين - سبايك لي خلال تصوير أحدث أفلامه
TT

فرسان السينما الأميركية المستقلة

روبرت ألتمان شيخ المستقلين - سبايك لي خلال تصوير أحدث أفلامه
روبرت ألتمان شيخ المستقلين - سبايك لي خلال تصوير أحدث أفلامه

رغم أن فيلم افتتاح الدورة الحالية من مهرجان فينيسيا ينتمي إلى صرح السينما الأميركية المؤسسة على قواعد سرد كلاسيكية (ثلاثة فصول، اعتناء بالقصة أكثر من سبر غور شخصياتها. فإن الفيلم ملتصق بشخصية مخرجه ألكسندر باين الفنية وأسلوبه في العمل. في الواقع فإن كل الأفلام الأميركية التي عرضت داخل المسابقة على الأقل تنتمي إلى مخرجين مستقلين، وغالبيتها من توزيع استوديوهات هوليوود، أو شركات إنتاج معروفة. بذلك شكلت الواجهة اللقاء المثالي بين تمويل المؤسسات وانفرادية المخرجين. وهذا يشمل، على سبيل المثال فيلم دارن أرونوفسكي «أم!» بطولة جنيفر لورنس (توزيع بارماونت)، «شكل الماء» لغويلرمو دل تورو مع سالي هوكنز (فوكس). أما «تصغير» فأنتجته وتقوم بتوزيعه بارماونت أيضاً.
التركيبة ليست جديدة لكنها متزايدة والمخرج ألكسندر باين ليس سوى واحد من أهم المخرجين المستقلين في الولايات المتحدة مما يدفعنا هنا إلى إضافة تسعة آخرين لهذه القائمة

روبرت ألتمان

> سنوات المهنة: من أواخر الستينات إلى عام وفاته سنة 2006 بعد بداية تلفزيونية في الخمسينات٠
> اتبع روبرت ألتمان نوعين من الأعمال: حقق أفلاماً مستقلّة بأسلوبه القائم على استعراض الأشخاص تبعاً لحالة محصورة في مكان معيّن خلال فترة معينة، وأخرى اتبعت خطاً سردياً شبه تقليدي لحساب هوليوود من دون أن تفتقد أسلوبه الخاص٠ الأولى هي التي تبقى غالبة وإليها ترجع شهرته.
> بعض أشهر أعماله: «نشفيل»، و«ثلاث نساء»، و«كنساس سيتي»، و«ماكاب ومسز ميلر».

بول توماس أندرسن

> سنوات المهنة: من التسعينات إلى اليوم
> أصر هذا المخرج من البداية وحتى اليوم على نسيج من الكوميديا الساخرة لجانب الملاحظة الحادّة واستلهام التفاصيل لأجل الإتيان بصورة إنسانية شاملة عما يحدث على الشاشة. وهي تنساب جيداً رغم هذا الخليط. شخصياته عادية المظهر ومتوحّدة حتى حين تكون جزءاً من نسيج كبير.‬
> بعض أشهر أعماله: «بوغي نايت»، و«مانغوليا»، و«سيكون هناك دم»، و«ذا ماستر».

وس أندرسن

> سنوات المهنة: من التسعينات إلى اليوم
>‫هوى المخرج السينما منذ كان في العقد الثاني من عمره. اشترى سوبر 8 كاميرا وأخذ يصوّر. حين دخل الإخراج محترفا، بتشجيع من المخرج (غير المستقل) جيمس ل. بروكس برهن على أنه يستطيع ممارسة أسلوبه الخاص والمستقل حتى حين يعمل تحت مظلّة هوليوود٠ وهو أحد الذين استفادوا من انفتاح هوليوود على المخرجين المستقلّين من دون الاضطرار لتغيير منهجهم٠ هو من الذين تعرفهم مباشرة حتى ولو دخلت الفيلم من منتصفه. قائم على الغرابة ولاعب ألوان مبتكر.‬
> بعض أشهر أعماله: «راشمور»، و«فانتاستيك مستر فوكس»، و«مونرايز كينغدوم»، و«ذا غراند بودابست هوتيل».

جون كازاڤيتيز

> سنوات المهنة: من الخمسينات إلى وفاته سنة 1989
> في معايير كثيرة، هو عنوان السينما المستقلّة بين أبناء جيلها السابق على الأقل. أسلوب عمله كان متحرراً بالكامل من التقليد. القصّة لا يمكن لها أن تأخذ المقدّمة. مثل في إنتاجات هوليوود التقليدية («الدزينة القذرة» لروبرت ألدريتش، و«طفل روزماري» لرومان بولانسكي إلخ...) لكنه ترك بصمته من منتصف الستينات عبر أفلامه مخرجاً. كان يحيط شخصياته بكثير من الحميمية وينجح في خلق علاقة بين المشاهد وبينها.‬
> بعض أشهر أعماله: «وجوه»، و«أزواج»، و«مقتل مراهن صيني»، و«غلوريا».

هال هارتلي

> سنوات المهنة: من التسعينات إلى اليوم
> على قلة أعماله هو أحد أفضل المخرجين الحاليين في هذه السينما. أفلامه تتماوج بين الدراما العاطفية والبوليسي مع معالجة كوميدية سوداء جيّدة وغير مفروضة. أفلامه تبحث عن الحقيقة وفي النوازع الدفينة والرغبات التي تحرّك الشخصيات قبل أن تكتشف كم دفعتها تلك الرغبات للحياد بعيداً عما توقّعته لنفسها.‬
> بعض أشهر أعماله: «رجال بسطاء»، و«هنري فوول»، و«كيمونو»، و«ند رايفل».

جيم جارموش

> سنوات المهنة: من الثمانينات وبعد.
> جيم يارموش قادم من مفهوم السينما المستقلة الصافي مع أسلوب عمل خاص، وسلسلة أفلام هي في ذات الوقت جيّدة، مبدعة، خصوصية وأحيانا ترفيهية. وأجمل ما فيها أنها ليست معنية كثيراً بتأليف عقدة للقصّة المطروحة ولا حتى بتقديم شخصيات تتطور سواء بالمرجعية النفسية أو الدرامية بل تتوجّه إلى المشهد بحد ذاته والموقف الذي فيه.‬
> بعض أشهر أعماله: «أغرب من الجنة»، و«قطار الغموض»، و«كلب شبح: طريقة الساموراي»، و«العشاق فقط عاشوا».

سبايك لي

> سنوات المهنة: من الثمانينات حتى الآن.
> على الرغم من أن سبايك لي، مثل كونتين تارانتينو، رفع من عدد الأفلام التي بات يحققها الآن لحساب هوليوود مباشرة، فإن إسهامه في هذا الجانب من السينما الأميركية لا يزال طاغياً ومهمّاً ولا يمكن تجاوزه. سبايك لي كان الأول من بين «الأفرو - أميركيين» الذين كسروا القالب المعتاد لما هو متوقّع منهم. أفلامه الهوليوودية لم تترك أثراً كما حال أفلامه المستقلة.‬
> بعض أشهر أعماله: «افعل الشيء الصحيح»، و«حمى الغابة»، و«صيف سام»، و«الساعة الخامسة والعشرون».

ديڤيد لينش

> سنوات المهنة: من السبعينات وبعد.
> فك طلاسم أفلامه واربح جائزة. يستلهم أدواته من المعنى الشامل للمخرج - المؤلّف. يمنح أي موضوع يريد خوضه بصمة خاصة فيه لا تخطئها العين. لديه قدرة رائعة على التجريب من دون تغريب ولديه لحظات من العنف الجانح المستخدم في مكانه. إلى ذلك، يستطيع أن يصوّر حكايته بأكثر من وسيلة. هو في أوج لياقته الفنية حين يعمد إلى أسلوب سرد معقّد ومركّب ‬
> بعض أشهر أعماله: «الرجل الفيل»، و«بلو ڤلفت»، و«طريق مفقودة»، و«مولهولاند درايڤ»، و«توين بيكس».

جون سايلس

> سنوات المهنة: من الثمانينات إلى اليوم.
> حين يضطر جون سايلس للتعامل مع هوليوود، يختار أن يكتب ويبيع السيناريوهات. ينفي أنه يهدف لتحقيق أفلام فنيّة، إلا أنه أفلامه تحمل سمات فنية مؤكدة وسياسية أيضاً من دون الاندفاع عميقاً وبعيداً في ضروب الأسلوبية. على ذلك، مهارته الحرفية رقيقة. أفلامه لا تفرض نفسها بل تتعامل، في الشكل والمضمون، مع المشاهد برويّة وهدوء. ‬
> بعض أشهر أعماله: «الأخ من الكوكب الآخر»، و«ماتوان»، و«مدينة الأمل»، و«لون ستار»، و«رجال مسلحون».


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.