الكيمونو يتجدد حتى يبقى معنا

عندما تدخلين أي محل من محلات «زارا» هذه الأيام، لا بد أن يشد انتباهك كيمونو معلق في ركن بارز من أركانها. يتراقص على حرير مقصب باللونين الأسود والذهبي فيما تزين أطراف أكمامه قطع من الفرو غير الحقيقي. كل ما فيه يشي بالرقي والفخامة. تقتربين منه وتلمسينه ولا يقل انجذابك إليه. فإلى جانب أنه منفذ بطريقة جيدة تجعله إضافة أنيقة لخزانتك فإن سعره لن يؤثر كثيرا على ميزانيتك مقارنة بما طرحه الكثير من المصممين العالميين لهذا الموسم. فهذه القطعة التي تسللت إلينا بخجل منذ بضعة مواسم استقوت وازدادت حلاوتها عل يد «غوتشي» وغيرها من بيوت الأزياء، ممن يروجون لأسلوب منطلق مستوحى من الأزياء التي كانت المرأة العربية تلبسها في البيت من «روب دي شومبر» الذي لا يختلف عن الكيمونو إلا في بعض التفاصيل الصغيرة إلى الشبشب المزين بالفرو الذي أصبح موضة في كل شوارع الموضة العالمية.
الخلاصة أن الكيمونو سيبقى معنا لمواسم كثيرة قادمة. أغلبه مصنوع من الحرير أو البروكار تتخلله تطريزات من إيحاءات الطبيعة. قليل منه يأتي من الدينم أو الكتان والقطن ليخاطب شريحة الفتيات الصغيرات. إلا أنه مهما تغيرت خاماته وألوانه فإن أهم ما فيه هو تطريزاته التي تُفسح المجال للتفنن فيه. وبما أن الطبيعة هي الملهم الأول في هذه التطريزات، لا سيما الأزهار وأشجار الخوخ والكرز، وبما أن معظم المصممين المعاصرين أدمنوا هذه الأشكال، فإن هذه الموتيفات تتكرر في معظم مقترحاتهم إن لم نقل كلها. قد لا تكون بالأسلوب نفسه الذي تتم به في المعامل اليابانية القديمة لكنه يبقى أسلوبا يتمتع بالكثير من الجمال والدقة عندما ينفذه الإيطاليون تحديدا.
أما من ناحية تصميمه، فقد حافظ على بساطته. اكتشفوا أنها لا تتحمل أي فذلكات أو شطحات فنية، لهذا لا يزال يأتي في الغالب بشكل مستطيل وواسع مع حزام يلف الجسم. الحزام في المقابل فقد بعضا من حجمه واكتسب نحافة أكثر مقارنة بحزام الأوبي الياباني التقليدي. طوله أيضا خضع لتغييرات طفيفة جعلته يتباين ما بين الطويل الذي يصل إلى الكاحل وبين الأقصر الذي يجلس فوق الركبة أو تحتها مباشرة. وكلما كان غير مبطنا اكتسب خفة تُدخله خزانة شابات صغيرات السن، قد لا يعرفن الكثير عن تاريخه وجذوره اليابانية، حيث تعتبر خياطته فنا لا يُتقنه سوى من يتمتع بالمهارة والحرفية، خصوصا أن لكل غرزة وتطريزة قواعدها ومغزاها. هذا التاريخ لا يهم المرأة العصرية بقدر ما تهمها عمليته وأناقته. فقد اكتشفت أنها أناقة تناسب الصيف والشتاء على حد سواء، حسب طريقة ارتدائه. وفي كل الحالات فإنه يضخ لونا وحيوية على أي زي مهما كانت بساطته.
عدوى الكيمونو انتقلت من باريس وميلانو إلى عواصم عالمية أخرى. في ألمانيا مثلا، جعلته المصممتان نينا كون وريانا نكتاريا ماركتهما المسجلة. تصاميمهما تجمع الـ«فينتاج» بالألوان المتوهجة والرسمات الصاخبة. وحتى تُوفرا على أنفسهما مهمة التطريز وما تُكلفه، فإنهما تستعملان في صنعها الأوشحة المطرزة باليد التي طرحتها بيوت أزياء عريقة مثل «هيرميس». أغلبها من حقبة الخمسينات من القرن الماضي. فيما يتعلق بباقي المحلات، مثل «زارا» و«توب شوب» فإنها تعتمد إما على المخمل والحرير أو الدينم، فيما تركز بيوت الأزياء على الأقمشة المترفة مثل الحرير تطرزه باليد فيما بعد، أو على البروكار لما يتخلله من طبعات وخيوط ذهبية تُغني عن أي تطريزات أخرى إلا إذا كانت النية الإغراق في أسلوب «الماكسيماليزم»، كما هو الحال بالنسبة لدار «غوتشي».

> التأثير الياباني لم يقتصر على الأزياء وشمل أيضا الإكسسوارات بما فيها حقائب اليد. دوناتيلا فيرساتشي واحدة من المصممين الذين أصابتهم عدوى ثمار الساكورا، وليس أدل على هذا من هذه الحقيبة. فهي بتصميم كلاسيكي، يمكن القول إنه عملي، لكن الورد التي طبعتها وتُجسد أزهار ساكورا، أو ما يعرف في الغرب بأشجار الكرز، ارتقت بها إلى مستوى فني تريد المصممة دوناتيلا أن يكون بمستوى توقعات امرأة عارفة بالموضة، ولها أسلوب راق، لا تقبل التنازل عنه.
وحتى إذا كانت أشجار الكرز بكل ثمارها رمزاً يُذكّر اليابانيين بأن الحياة سريعة الزوال، فإن هذه الحقيبة أبعد ما تكون عن الموسمية. بمعنى أن موضتها لن تنتهي بانتهاء فصل أو موسم، بل يمكن أن تبقى معك لعقود من الزمن. تُدخل بألوانها الجمال على أي قطعة مهما كانت بساطتها.