فلورنسا... حين تدعوك المدن لقراءتها كنص

السائح {محاصر} في عاصمة النهضة

لوحة «عيد البشارة» لليوناردو دافنشي
لوحة «عيد البشارة» لليوناردو دافنشي
TT

فلورنسا... حين تدعوك المدن لقراءتها كنص

لوحة «عيد البشارة» لليوناردو دافنشي
لوحة «عيد البشارة» لليوناردو دافنشي

في فلورنسا، أو فيرينزي كما يسميها الإيطاليون، تشعر بجلال الفن ومهانته في الوقت نفسه، عظمة التاريخ وتحوله إلى بضاعة معلبة، عمق الثقافة وتدجينها تحت أقدام السياحة المنمطة. عاصمة عصر النهضة، حيث دانتي ومايكل أنجيلو ودافنشي وميكيافيلي و... و...، تتحول إلى سوق للسياحة العالمية التي تدعم الاقتصاد المحلي والإيطالي، لكن على حساب الجمال والتفرد والعمق الذي يصعب التقاطه في زحمة الطوابير أمام المتاحف، وظلال الجوالات المتزاحمة لتصوير التحف ومناظر الغروب وانسياب نهر أرنو وسط المدينة العتيقة التي شهدت إحدى أهم ولادات الحضارة الإنسانية.
أمام المدن، يجد المرء نفسه أمام نصوص هائلة. يقول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا إنه لا شيء خارج النص، والصدق - وإن كان نسبياً في هذه المقولة - هو ما يحسه المشاهد أمام ذلك الحشد من الإنجازات الفنية والمعمارية في الشوارع المؤدية إلى تاريخ ملتف عامر بالأسماء والأعمال والأحداث. المدينة تدعوك لقراءتها كنص، لكن أي نص هو؟ وأي أدوات ستوظف؟ أي منهج ستسلك للوصول إلى حقيقة النص وأنت أمام ركام القراءات السابقة والمقترحة التي تطالبك أو تدعوك إلى الانسجام مع مضامينها؟ ومع التسليم بأهمية تلك القراءات، بما هي مؤسسة على معرفة مباشرة ومعلومات مؤكدة حول تاريخ المدينة، أو منجزات أهلها ومبدعيها، فإن تلك الأهمية كثيراً ما تحول دون الخروج بما هو مختلف جديد، قادر بالتالي على الإضافة. تجد نفسك مسوقاً إلى الطوابير لترى ما يراه الآخرون، وتسمع ما يسمعونه، ويُلفَت انتباهك إلى ما يُلفَت إليه انتباههم؛ التفاصيل هي هي، حتى النهر يكاد جريانه يتعثر بتاريخ آل مديتشي الذين حكموا المدينة قروناً، وكانوا وراء عصر النهضة بأكمله: النهر والأسرة الحاكمة أسرى معلومات تتكرر، معرفة معلبة تسوق للسائحين، ابتداء من غرف الفنادق والمطارات ومحطات القطار حتى الوقوف أمام تمثال ديفيد أو قباب الكاتدرائيات.
ليست فلورنسا هي المدينة الوحيدة التي تئن تحت وطأة الركام المعلوماتي، والطرائق المتبعة في قراءتها، لكن الزائر إلى مدينة مثلها سيواجه مهمة بالغة الصعوبة، ربما فاقت ما سيواجهه في مدن أخرى أوروبية وغير أوروبية، صعوبة تتمثل في رؤية مدينة يكاد تاريخها يحجب واقعها، تكاد قداستها الفنية تحول دون رؤية فنونها، الفنون التي يقدسها البعض من بعيد، ويرى البعض الآخر مشاهدتها لازمة أو فرضاً لا بد من أدائه لكي تكتمل فيه معاني السياحة أو الزيارة الحقة.
عند متحفي أوفيزي وبالازو، بيتي الشهيرين، سيعرف الزائر أن عليه في معظم المواسم أن ينتظم في طابور مدته ساعتان ونصف الساعة إلى 3 ساعات لمشاهدة الأعمال الفنية بالداخل، أو أن يعمل حجزاً مسبقاً بموعد فينتظم في طابور أسرع. وحين يدخل، سيجد أنه يمارس طقساً تكرر آلاف المرات، بتلاوة المرشد كلاماً ردده آلاف المرات أيضاً، لكن الثقافة المعلمنة التي حولت الفنون، لا سيما الآتية من الماضي، إلى أيقونات ومجسمات ورموز، قامت أيضاً بتجريد تلك الأيقونات والمجسمات والرموز حتى من بقايا روحانيتها، وذلك بتعليبها تجارياً في المحال التجارية التي تتيح للزائر شرائها بأسعار معقولة، واصطحابها معه إلى بلاده أو منزله.
لوحات دافنشي وتماثيل أنجيلو وغيرها تتحول إلى سلع يشعر الإنسان بالسعادة حين يمتلكها، وإن لم يدرك قيمتها الجمالية أو دلالاتها الثقافية وسياقاتها التاريخية؛ لقد تجردت الأعمال من كل ذلك، وصارت تحفاً تقف على الفترينات، وتنتقل منها إلى صالات الجلوس أو الغرف في جميع أنحاء العالم. ومما يزيد من عبء عملية التسليع تلك عملية الاستنساخ. تقف تحت تمثال هائل، أو عند لوحة مدهشة، فتعرف أنها ليست الأصول، وإنما نسخ للأصل. عندئذٍ، قد تتذكر الألماني فالتر بنيامين، وحديثه عن تأثير الاستنساخ على الفنون، ثم تكتشف أن الاستنساخ قديم قدم الفن نفسه، وأن النسخ لا يعني تكرار الأصل فحسب وإنما قد يعني محوه أيضاً.
إحدى الطرق لكسر طوقي الاستنساخ والنمطية، سواء في فلورنسا أو غيرها، هي أن تزورها لكن دون أن تكون «سائحاً»، أن تشب عن الأطواق، لا سيما طوق الأدلة السياحيين و«القروبات» وكتيبات الشركات والباصات وطوابيرهم، أن تذهب بناء على معلومات تجتهد في لملمتها، وشوارع قد تضل أثناء السير فيها، فهي وإن اعتورها النقص وتخللها الخطأ ستقودك إلى تجربتك الخاصة في المشاهدة والتعرف. لكن كم هم الذين لديهم الاستعداد لتجربة صعبة كتلك؟! حاولت ذلك شخصياً ولم أحقق النجاح المطلوب، لكني على يقين أن الطريق الآخر، الطريق التقليدي السهل، لن يقود إلى المدينة الحقيقية بتاريخها ومنجزاتها. وليس هذا محصوراً في فلورنسا، وإنما هو منسحب على غيرها. لقد قيل إن الطريق الصحيح للتعرف على مدينة جديدة هو أن تضل في شوارعها (وأظن أن الاحتياط الوحيد هنا هو ألا تكون الشوارع خطرة).
من المعلومات المهمة والطريفة حول فلورنسا، التي ليس من المحتمل أن يبحث عنها السياح، أو يذكرها أدلتهم، أن اللغة الإيطالية ولدت من لهجة تلك المدينة العتيقة. في الربع الأول من القرن الرابع عشر، أتم دانتي رائعته الشهيرة «الكوميديا الإلهية»، تحفة الأدب الإيطالي والعالمي، وذلك باللهجة المحلية، مخالفاً عرف الكتابة باللاتينية السائد في أوروبا آنذاك، الأمر الذي أدى إلى تكريس تلك اللهجة، لتصبح مع الأيام، وبإضافات أدبية وفكرية أخرى، لغة إيطاليا «الفصحى».
الآخرون الذين أضافوا كان من بينهم بوكاتشيو الذي ألف حكايات «الديكاميرون»، في القرن الرابع عشر، معتمداً على قصص شائعة وضعها على لسان أشخاص تجمعوا في مكان معزول هرباً من مرض الطاعون الذي انتشر في ذلك الجزء من أوروبا، وحصد أرواحاً كثيرة. الطريف أنه على الرغم من أجواء الرعب المحيطة، جاءت الحكايات، أو بعضها، مثقلاً بالرغائب الحسية (الإيروتيكية)، وكأن بوكاتشيو على ما يبدو يساير انفتاح الفنون وتوجهها، وما تمخض عن ذلك من التماثيل العارية التي استعاد فنانو إيطاليا الكبار من خلالها الأساطير الدينية المسيحية والوثنية الإغريقية والرومانية، فتحقق معنى عصر النهضة، أو النهوض مرة أخرى (رينيسانس أو الولادة من جديد).
العمل الفلورنسي الآخر، الذي كرس الإيطالية المحلية، كان كتاب «الأمير» لمكيافيلي. فعلى الرغم من العنوان اللاتيني، فإن الكتاب ألف بالعامية، أو الإيطالية المحلية، الأمر الذي كرس تلك اللغة ومكانة فلورنسا الثقافية، ليس في إيطاليا وحدها وإنما في أوروبا ككل، لشهرة الكتاب، وتحول المؤلف إلى أب لعلم السياسة الحديث. هذا الكتاب، وغيره من روائع فلورنسا، ليس مما تكرسه السياحة النمطية بحصاراتها المألوفة، وطوابيرها الطويلة. إنها الثقافة التي يصعب «تسييحها» أو تعليبها لتناسب عصر السرعة.



أمير المصري لـ«الشرق الأوسط»: خضت تدريبات شاقة من أجل «العملاق»

الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)
الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)
TT

أمير المصري لـ«الشرق الأوسط»: خضت تدريبات شاقة من أجل «العملاق»

الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)
الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)

أكد الفنان المصري - البريطاني أمير المصري أنه يترقب عرض فيلمين جديدين له خلال عام 2025، هما الفيلم المصري «صيف 67» الذي يلعب دور البطولة فيه أمام نيللي كريم، وإخراج أبو بكر شوقي؛ والفيلم البريطاني «العملاق» الذي يجسِّد فيه شخصية الملاكم اليمني الأسطورة نسيم حميد الملقب بـ«البرنس»، ويشاركه البطولة بيرس بروسنان نجم أفلام «جيمس بوند».

وقال المصري في حوار لـ«الشرق الأوسط» إنه يهتم بتقديم أعمال فنية مصرية وعربية إلى جانب عمله في السينما والدراما البريطانية، مشيراً إلى أن الفنان لا بدّ أن يخطّط لما يريده، وعبّر عن سعادته بالمشاركة بفيلم «In Camera» الذي عُرض في «مهرجان القاهرة السينمائي» الـ45.

وشارك أمير المصري في فيلم بـ«مهرجان القاهرة» للمرة الثالثة، بعد مشاركته بفيلمي «دانيال» و«ليمبو»، وقد حاز عن الأخير 3 جوائز، كما حصل على جائزة «البافتا» 2021 لأفضل ممثل عن دوره في الفيلم نفسه.

أمير المصري في أحد مشاهد فيلم «In Camera» (صفحته على «إنستغرام»)

ويكشف الفنان المصري البريطاني أنه قدم أحدث أفلامه «In Camera» منذ العام الماضي للمهرجان، حسبما يقول: «كنت حريصاً على المشاركة في الفيلم خلال العام الماضي، وقد اختير ليكون أحد أفلام المسابقة الدّولية ومع تأجيل الدورة الماضية، شارك الفيلم بمهرجانات أخرى من بينها (كارلو في فاري) و(لندن)، ورفضنا مهرجانات أخرى كي يُعرض في القاهرة حتى لو كان خارج المسابقة، فالمهم أن يُعرض وسط أصحابي وأهلي وناسي».

وحرص المصري على حضور العرض الخاص وسط الجمهور الذي تفاعل مع مواقف كوميدية عدة في الفيلم، ويوضح أنه «على الرغم من اختلاف ثقافات كل مجتمع، فإن الفيلم أثار ضحك الجمهور في جميع عروضه، وأنا ممتن لمخرجه نقَّاش خالد، وقد تحمست له أكثر من الفكرة نفسها، فهو أستاذ جامعي مثقف للغاية، وهناك ما يجمعنا، فهو بريطاني من أصل باكستاني، وقدم لي معالجة للفيلم في 200 صفحة تضمّنت صوراً ولوحات، وأعجبني اهتمامه بالبروفات، فقد طلب أن نُذاكر المَشاهد معاً لمدة أسبوع قبل التصوير، كما أعجبني أن هناك مخرجين يفكرون بالفن أكثر من المكاسب المادية، وبصفتي ممثلاً يهمني أن أخوض تجارب فنية متباينة».

كان المصري قد شارك في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة بمهرجان «الجونة السينمائي» خلال دورته المنقضية، التي يصفها بأنها «تجربة ممتعة»، قائلاً: «استمتعت بمشاركتي في لجنة التحكيم برفقة الفنانات أمينة خليل وركين سعد ولينا سويلم، وأنا أحب الأفلام القصيرة التي كشفت لنا عن مواهب واعدة تشقّ طريقها بثقة عبر تجارب سينمائية مميزة».

يبدو الفنان كأنه يوازن بدقة بين أعماله في كلٍّ من مصر والخارج، فقد انتهى من تصوير فيلمين جديدين يُعوِّل عليهما كثيراً لتميّز تجربته بهما، ويترقب عرضهما في 2025، وهو يشدّد على أهمية أن يكون له حضوره في السينما المصرية والعربية إلى جانب أعماله الفنية في أوروبا، لذا يتنقل كثيراً بين القاهرة ولندن.

ويتحدث بسعادة عن فيلم «صيف 67» الذي انتهى أخيراً من تصويره في مصر، موضحاً: «هو فيلم اجتماعي تدور أحداثه عبر عائلة مصرية تعيش في القاهرة خلال فترة الستينات وتشاركني بطولته الفنانة نيللي كريم ومن إخراج أبو بكر شوقي الذي يُعدّ من أهم المخرجين في السينما العربية حالياً، وقد أعجبني فيلماه (يوم الدين) و(هجان)، فهو مخرج زكي وموهوب وكنت محظوظاً باختياره لي في هذا الفيلم».

خلال تدريبات الملاكمة قبل تصوير «العملاق» («إنستغرام» أمير المصري)

ويترقب المصري أيضاً عرض الفيلم البريطاني «العملاق» الذي يتناول سيرة ذاتية للملاكم اليمني العالمي نسيم حميد ومدربه بريندان إنجل، ويؤدي المصري شخصية الملاكم الملقب بـ«البرنس»، في حين يؤدي شخصية مدربه النجم بيرس بروسنان، وعن هذا الفيلم يقول: «خضعت لتدريب 12 ساعة يومياً على رياضة الملاكمة قبل وفي أثناء التصوير، كما خضعت لنظام غذائي يعتمد على تناول وجبات صغيرة جداً 5 مرات في اليوم لتخفيض وزني 8 كيلوغرامات، كما تدرّبت على اللهجة التي كان يتحدث بها، وكان معي فريق عمل بقيادة مدربة عملت معي من قبل في مسلسل (The Crawn) لتدريبي على الحركة، كانت تجربة صعبة لكنني أحببتها كثيراً، وقضيت شهراً بعد التصوير أواصل التدريب بعدما راقت لي رياضة الملاكمة. وأتوقع أن نشارك به في مهرجانات خلال العام المقبل».

وشارك المصري في مسلسل «مليحة» خلال رمضان الماضي، الذي تناول قصة عائلة فلسطينية تنزح لغزة عبر مصر بعد وقوع الحرب في ليبيا، وعنه يقول: «شعرت أنني لا بد أن أشارك به لأجل القضية الفلسطينية، كان هذا هدفي وقراري في المقام الأول، كما كنت أجرّب شيئاً جديداً بالنسبة لي، وشخصية قريبة من الناس، ولم أكن أعلم بحجم الدور، ففي أثناء التنفيذ أشياء عديدة قد تتغير».

سنوات قطعها أمير المصري في مشواره الفني قدم خلالها أعمالاً كثيرة، ويكشف عمّا تغيَّر فيه قائلاً: «أصبحت صبوراً بشكل أكبر، وواقعياً في أشياء كثيرة، وعلى المستوى الفني أحاول اختيار أعمال جيدة وأعرف ماذا أريده وأخطط له، وأسعى لتنفيذ ما أستطيعه، فأحيانا نخطط لشيء وتذهب بنا الحياة إلى اتجاه آخر، والفن عمل جماعي تشاركني فيه أطراف أخرى من إنتاج وفريق عمل ومخرج، وعلى الرغم من ذلك حققت نسبة كبيرة مما خططت له، لذا أشعر بتفاؤل وأراه مفتاح الوصول إلى ما أطمح إليه».