معجم الأمثال الصينية... مقاربة عربية

معجم الأمثال الصينية... مقاربة عربية
TT

معجم الأمثال الصينية... مقاربة عربية

معجم الأمثال الصينية... مقاربة عربية

الترجمة نوع من السفر. يأخذنا الكتاب المترجم إلى اللغة البعيدة، وبقيادة مترجم حاذق يكون السفر مريحاً وممتعاً، وهو يتيح لنا تأمل ثقافات العالم، عبر الزمان والمكان، ليزداد وعي القارئ وتصقل طريقة قراءته، وترتقي ثقافته لأن الكتاب المترجم ينطوي على اكتشافات بليغة أكثر من الكتاب المكتوب باللغة الأم.
كتاب مجلة «الفيصل» السعودية، المجاني، صدر تحت عنوان «معجم الأمثال الصينية - مقاربة عربية للشعريات الصينية» قبل أيام، بترجمة الشاعر د. شاكر لعيبي، من بين الكتب المترجمة التي تغني قارئها معرفياً، وتمده بالمتعة الجمالية، في آن، لأكثر من سبب: طبيعة الفكرة الأس وقوامها الشعري، رغم أن النصوص المترجمة صُنفت على أنها أمثال لا قصائد، ومثل كثير من الشعوب التي تتميز بثقافة شفاهية، يأتينا هذا الكتب عن الصين وأمثالها وبيئتها الثقافية واللغوية وقوانينها الشعرية «المقدسة» التي يعني فيها «المقدس» معناه الديني، إنما النقدي الصارم الضابط للتقنية الداخلية للقصيدة.
مقدمة المترجم للكتاب دراسة غنية للأمثال الصينية من حيث التاريخ الثقافي للنص وجمهرة الأصول والتأسيسات التي ستتطور وتتراكم وتتغير بمرور الزمن مستفيدة من ينابيعه الكثيرة التي روّت الشكل النهائي للمثل ليصلنا على تلك الدقة اللغوية والحكمة الموجزة (جرى توصيفها بالشذرة) وهي ثمرة ثقافات مختلفة وتجارب متنوعة اجترحها الناس. عبر عصور، حتى أنك تجد تشابها بين المثل الصيني وقرينه العربي، مثل «عندما تنام القطط ترقص الفئران» الذي يقابله عربياً «إذا غاب القط العب يا فأر». ومثل هذا كثير، وأشار المترجم إلى بعضها في مقدمته.
ترجم المترجم هذا الكتاب عبر لغتين رئيستين هما الفرنسية والإنجليزية، ومن هنا ينبثق سؤال الترجمة، فنياً ومهنياً، عندما يتعلق الأمر باللغة الوسيطة. يجيب المترجم مستشهداً بباحث صيني هو فينغ خويوين إذ يقول:
«تُعدُّ ترجمة التعابير الصينية من أعظم التحديات، لأنها انعكاس لميراث ثقافي صيني غني، ومعظمها ليس من السهل فهمه بغياب خلفية ثقافية صينية، ولأن المسألة تثير مشكلات الترجمة الحرفية والترجمة الحرة، استجابة القرّاء الأصليين واستجابة قراء النص المترجم، والاختلافات بين بنية النص الصيني عن مثله الإنجليزي... إلخ».
إذن، هي شهادة «شاهد من أهلها» بخطورة اللعبة التي خاض غمارها د. شاكر لعيبي، لكنها لعبة جادة يقتضيها الحس الثقافي بوحدة الثقافة الإنسانية وتجاور وحداتها الجغرافية والتاريخية، وأخذ بعضها بأردان بعض، فالمترجم كان أمام مثلث لغوي أضلاعه الفرنسية والإنجليزية والصينية، والأخيرة ليست سوى مسعى للتثبت وإشباع الفضول. لكنها تظل لعبة خطرة وشاقة، مهما كانت ممتعة للمترجم والقارئ معاً.
التوقف، عند مقدمة المترجم، ولو باختصار، أمر لا بد منه لأنها تتقصى المنابع الأولى، كما أشرنا، وقوانين النص الصيني، مثلاً أو قصيدة، بل تدخل قصيدة «الهايكو» اليابانية على مدار البحث، ولكن المثل الصيني، غالباً، أقصر من قصيدة «الهايكو» وإن قاربها من حيث عدد الكلمات أو تجاوزها، نادراً، ويمكن أن نطلق على المثل الصيني، مجازاً: هايكو الهايكو.
وعلى وفق المقدمة، عند الصينيين ثمة «كتاب مقدس» يسمى «قانون القصائد»، وهو واحد من خمسة كتب مقدسة في الصين وهي كتب «نقدية» وأضع كلمة «نقدية» بين قويسات لأنها، حسب المقدمة كتب معيارية، صارمة، كما أسلفنا، وتتضمن شروطاً ومقاييس وضوابط لتحديد النص الصيني وقبوله والاعتراف به، رغم ما تنطوي عليه تلك الكتب من مفاهيم فلسفية وروحانية وثقافية، ويشير المترجم في مقدمته إلى هذا، مع أن «قانون القصائد» «يتشكل من القصائد الشعبية (...) لكنها خلاف شعرنا الشعبي حيث تكمن في الأول أسرار المفاهيم الشعرية والأسس الجمالية لكتاب الشعر الصيني برمته».
ماذا تعني مفردة «شعر» في الثقافة الصينية؟
وهل الأمثال الصينية نوع من الشعر أم النثر؟
أحسن من يجيب على هذين السؤال هي أوديل كالتينمارك، الفرنسية المتخصصة بالشعر الصيني بقولها:
«يصعب، أحيانا، تصنيف نوع أدبي بصفته نثراً أو شعراً، لم يقع (الكلام) بالشعر قط، فقد كان يُنشد حيناً ويغنى حيناً، وكان يوجد (بهذه الصفة) في كل مكان من الصين».
ينبثق سؤال الترجمة، بهذه المناسبة، بشأن الثقافة عموماً والشعر خصوصاً، عن مجهولية، أو تجاهل أو إنكار، ليس الثقافات، البعيدة جغرافياً، ونحن نعيش في قارة واحدة، آسيا، بل بثقافة الشعوب والأقليات (وحتى الأكثريات) التي تشاركنا التاريخ والجغرافيا نفسيهما، فماذا نعرف عن الشعر الكردي أو الفارسي، مجاورنا ومخترقنا، وماذا نعرف عن الشعر التركي الذي حجبه ناظم حكمت بقامته الفارعة وسجنه المديد، وماذا نعرف عن الشعر الشركسي في الأردن، وماذا نعرف عن الشعر الأمازيغي، رئة الجزائر المثقوبة بالصمت، وماذا نعرف عن الشعر التركماني الذي تجاهله الشعراء العرب الذين يجيدون التركية؟
هذا الكتاب ينطبق عليه القول «إضافة للمكتبة العربية».
أسئلة الشعر والترجمة كثيرة. دعونا نقرأ بعض أمثال الصين كقصائد ذهبت مثلاً.
> حديث الإنسان مرآة أفكاره.
> الباب جيد الإغلاق هو الباب الذي يمكن تركه مفتوحاً.
> قليل من العطر يعلق دائماً باليد التي تهدي الأزهار.
> الدولة حسنة الإدارة هي التي يكون فيها سلّم المدرسة مستهلكاً (متهالكاً، وهو اقتراح من كاتب هذا المقال) والعشب متطاولاً على (بناية) المحكمة.
> وفق الطبيعة، جميع البشر متساوون، وفق التربية يصيرون مختلفين تماماً.
> لا يمكنك الحصول على جلدين من بقرةٍ واحدة.
> تخضع الصبية إلى أهلها، الزوجة لزوجها، والأم لابنها.
> شجاعة قطرة الماء أنها تسقط في الصحراء.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.