العائدون من «داعش»

إشكالية المواجهة ما بين خياري الاحتواء أو الردع

عناصر من المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» («الشرق الأوسط»)
عناصر من المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

العائدون من «داعش»

عناصر من المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» («الشرق الأوسط»)
عناصر من المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» («الشرق الأوسط»)

في أوائل التسعينات من القرن الماضي عاشت غالبية الدول العربية أزمة كبرى أثرت تأثيراً واضحاً على مقدرات الأمن القومي فيها، عرفت الأزمة بأنها «إشكالية أو سيناريو» العائدين من أفغانستان، أولئك الذين خلفتهم من ورائها الحرب ضد الاتحاد السوفياتي هناك. والشاهد أن هؤلاء كانوا وبالاً شديد القسوة على بلادهم وموطنهم وقد تسببوا في موجة عاتية من الإرهاب في تلك الفترة، وباتت فلولهم نواة تشكلت منها تنظيمات إرهابية جديدة، لا تزال تؤجج نيران التطرف وتكتسب عناصر جديدة من الأجيال الشابة.

ولعل التساؤل محل هذه القراءة: «هل هذه الأزمة قابلة للتكرار؟».
المقصود هنا ولا شك أزمة فلول «داعش»، بعد السقوط في العراق وسوريا وشبه الحصار التام في ليبيا، فهل سيكرر هؤلاء تجربة سابقيهم في أفغانستان؟
الهول هنا أوسع نطاقاً جغرافياً، حيث إن العائدين هذه المرة منهم جنسيات كثيرة ولا سيما من الأوروبيين، وليسوا من العرب فحسب، وعليه باتت علامة الاستفهام: «كيف يمكن التعاطي مع هؤلاء وأي السيناريوهات أفضل وأقرب... الردع أم الاحتواء، الإدماج أم الإبعاد؟... وأسئلة كثيرة أخرى.
ربما نحتاج في بداية المشهد إلى أن نقف عند حدود الأرقام والحقائق، لنتبين كيف أن الأمر جلل وخطير بالفعل، ويحتاج إلى شكل من أشكال التفكير العميق وإعداد الخطط المسبقة.
الكثير من الأرقام والدراسات صدرت في أوروبا عن عدد من المراكز البحثية والدراسية عن أعداد هؤلاء.
المتوسط الرقمي يقول إنه من فرنسا سافر نحو ألف متطرف وأن أكثر من مائتي فرد عادوا للداخل، أما بريطانيا فقد رجع إليها نحو 450 متطرفا من أصل 850 سافروا للالتحاق بالتنظيم في الشرق الأوسط، وتحتل ألمانيا المركز الثالث في أوروبا، حيث ورّدت لـ«داعش» نحو 800 مقاتل عاد منهم قرابة الـ300 فرد، في حين السويد ذهب منها 300 عضو، وعاد نصفهم تقريباً، وإلى النمسا عاد 50 متطرفا من أصل 300. أما الدول الاسكندنافية وبعض الدول الأوروبية فقد انتشر فيها أكثر من مائتي داعشي.
ولعل السؤال المهم والرئيسي في هذا السياق: «ما الخطورة الحقيقية لهؤلاء؟».
يمكن القطع، والعهدة على عدد من رجال الأمن والاستخبارات أصحاب الخبرة في التعامل مع العائدين من أفغانستان، أن المشهد الآني أكثر شراسة، فقد تحصل الدواعش على خبرات قتالية ودموية أشد قسوة وعنفاً وتطرفاً، من تلك التي عاشها من أطلق عليهم «المجاهدون في أفغانستان»؛ ولهذا فإن طرق المواجهة لا بد أن تكون بدورها مختلفة هذه المرة، وبدرجة كبيرة على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي دفعة واحدة.
والثابت، أنه وبالقدر نفسه تشعر الدول العربية بأن هناك أخطاراً حقيقية تتهددها، فالعائدون من العراق وسوريا حكماً سينتشرون في أرجاء العالم العربي ما بين مصر والأردن، تونس والجزائر، المغرب وموريتانيا، عطفاً على الفلول التي تحاول اختراق دول الخليج.
والحديث عن الدواعش العائدين إلى العالم العربي يحتم الإشارة إلى بلدين بنوع خاص، حتماً ستكون المواجهة فيهما مختلفة، تونس بداية، وليبيا تالياً. وتعد تونس المصدر الرئيسي للإرهابيين في سوريا والعراق، وهذا لا يعني أن الإرهابيين التونسيين هم بأنفسهم المصدر الرئيسي، ولكن تونس بوصفها أيضا ممراً للقادمين من أفريقيا، وحسب بعض التقديرات، هناك أكثر من ستة آلاف تونسي بين صفوف التنظيمات الإرهابية هناك.
أما ليبيا، فقد باتت مركزاً جاذباً لكل التيارات الجهادية والمتطرفة، وبخاصة في ظل الأوضاع المضطربة والصراع بين الليبيين أنفسهم، ولا نغالي إن قلنا إن ليبيا في وقت ما كانت مركز تجمع للمتطرفين القادمين من دول كثيرة، كاليمن والصومال والسودان قبل السفر إلى تركيا، ثم دخول سوريا أو العراق.
إما مصر والتي تعد من أكبر الدول التي اكتوت بنيران «العائدين من أفغانستان»، فتعلم تمام العلم أنها مستهدفة من هؤلاء بالدرجة الأولى، ولا سيما وأن فصيلا منهم لا يزال في أرض سيناء تحت اسم «ولاية سيناء».
والآن إلى عمق المسألة وكيف يتجه الأوروبيون إلى التعاطي مع العائدين من «داعش»، وهل تقفل أمامهم الأبواب وتسد الطرق والمسالك وترفض عودتهم مرة واحدة وإلى الأبد؟ أم يعاد دمج هؤلاء والنظر إليهم على أساس أنهم كانوا ضحايا أكثر منهم جناة أو إرهابيين؟
الثابت أن القضية لم تحسم بعد، والشقاق الفكري قائم بين مدرستين: المدرسة الأولى أنصارها بكل تأكيد غلاة اليمين الأوروبي المتشدد، والذين يرون أن هؤلاء خطراً لا يمكن قبوله داخل صفوف المجتمعات الأوروبية مرة أخرى، وقد جاءت العمليات الإرهابية العامين الماضيين في أوروبا لتعزز من وضعية هؤلاء، بعد أن رأى الأوروبيون بأعينهم مواطنيهم على الطرقات مضرجين في دمائهم. في حين فريق آخر يذهب إلى رؤية تحليلية أعمق، انطلاقاً من أنه حال إغلاق «أبواب العودة» أمام هؤلاء فإن المخاطر سوف تضحى أكثر فداحة، ليتحول هؤلاء إلى «قنابل موقوتة» تزرع في الخفاء وتنفجر في العلن.
هنا يقول المدعي العام البلجيكي، فريريك فان لوف، إنه «سبق أن اتصل أشخاص بالسفارات ليتمكنوا من العودة، أغلبهم من النساء والأطفال»، وقد شدد على الحاجة إلى آليات مناسبة للتعامل مع عودة القاصرين الذين تدربوا أو تربوا على العنف.
وفي هذا السياق كانت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية الشهيرة تشير إلى دعوات تصاعدت في الداخل البريطاني مؤخراً، تدعو لدمج المقاتلين البريطانيين العائدين من مناطق القتال مع تنظيم الدولة، وإعادة تأهيلهم بدلاً من زجهم في السجون، ومنحهم الفرصة، وإلا فإنهم قد يجدون جماعة متطرفة أخرى وينضمون إليها.
فلسفة الاتجاه السابق تتبلور في أنه عندما يشعر العائدون بالاحترام، وأن حكومتهم تعاملهم باعتدال، فإنهم سيندمجون، أما إذا لم يساعدهم أحد وذهبوا بهم إلى السجن، فإن ذلك سيدفعهم إلى مزيد من الإرهاب؛ ولهذا يجب أن يشعروا بأن حكوماتهم تهتم بهم.
لكن المشهد لا يمضي قدماً على هذا النحو الطهراني، ولا سيما أن الكثيرين من هؤلاء أياديهم ملطخة بالدماء، فقد حذر على سبيل المثال المدير التنفيذي لمؤسسة لمكافحة التطرف في بريطانيا، آدم دين، من أنه «يتعين إحالة المقاتلين العائدين إلى برامج متخصصة والتأكد من أنهم لا يخططون لتشكيل خلايا إرهابية أو شن هجوم» وتابع: «من المهم أن يكون المزيد من المقاتلين العائدين تحت الرقابة، ولاسيما أن هناك الكثير ممن سيعودون مع خسارة التنظيم مزيداً من الأراضي، ومن ثم يجب أن تكون هناك جهود لاحتوائهم».
وجهة النظر الثانية تميل إلى الوجهة المتشددة أوروبياً في مواجهة الدواعش العائدين والسبب هو الخوف من أن يكون هؤلاء قد جرى دفعهم من قبل التنظيم لتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، ومن ثم فإنهم مصدر قلق كبير، وبخاصة أن احتمالات أن ينفذ هؤلاء هجوماً إرهابياً هي احتمالات قائمة ومرتفعة جداً في الحال والاستقبال على حد سواء. لكن، وعلى الرغم من حضور الطرف الأخير بقوة، فإن الحس الإنساني والفلسفي وإرث التنوير عند الأوروبيين في هذه القضية يبدو غالباً، وهذا ما يمكن للمرء أن يستنتجه من تصريحات منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، جيل دي كيرشوف، حيث أشار إلى أهمية معالجة عنصريين رئيسيين في مواجهة هذه القضية المثيرة والخطيرة: لم الشمل بين العائدين المعزولين وعائلاتهم وأصدقائهم، ومجتمعهم، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية إبطال الأفكار العقائدية المتطرفة التي غرست في عقولهم.
هل يمكن للواقع العربي أن يتساوق مع مواجهة أوروبا للعائدين من «داعش»؟
بالقطع لا تستقيم المقاربات لاختلاف البيئات الأمنية والاجتماعية، كما أن الأعداد نفسها لا تتساوى، والأضرار بل الكوارث المحتملة بدورها لا تتوازن، وفي الغالب يبدو هنا ميل أكثر رفضاً لفكرة القبول والاندماج مرة أخرى، وإن كانت هناك أصوات تنحو لجهة الليبرالية والتمسك بقوة بحقوق الإنسان، وحقوق المواطنة، مبدأً رئيسيا يحكم التعاطي مع هذه الإشكالية. من بين الأصوات الأخيرة، يرتفع صوت الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، الذي تحدث منذ فترة إلى وكالة الصحافة الفرنسية أثناء زيارته لأوروبا (عام 2016 أواخر ديسمبر/ كانون الأول)، مؤكداً أنه من حق التونسيين أياً كانوا في العودة إلى وطنهم والاحتفاظ بجنسيتهم احتراماً لنص في الدستور الجديد (المادة رقم 25).
المسألة مثيرة للجدل، فالبعض على سبيل المثال يرى أن تفكير الرئيس التونسي عرضة للتشكيك؛ بسبب تحالفه مع حزب النهضة ذي الطبيعة الدينية، لكن على الجانب الآخر يدافع أنصار السبسي بأن الأمر هو احترام للحقوق الدستورية التي تصون للمواطن الحفاظ على جنسيته، وإن تطلب الأمر إخضاعه للمحاكمة بمقتضى قانون الإرهاب.
هل يمكن التساؤل عن الوضع في مصر التي عانت مرارة شديدة ولا تزال من أفعال كافة الجماعات الظلامية والتي تصل إلى «داعش» اليوم؟
يمكن القطع بأن مصر لديها تجربة سابقة مع تلك الجماعات، التي مرت بمراحل مختلفة في نشوئها وارتقائها، وقد عرفت فترة التسعينات بفترات المراجعة داخل السجون المصرية، شارك فيها تيارات من الجماعات الإسلامية والمتطرفين والإخوان المسلمين، عطفاً على فصائل أخرى وإن تعددت أسماؤها، إلا أنها آمنت بالعنف آليةً للتعامل مع الدولة.
المراجعات المشار إليها تقف الآن حائلاً أمام القول بحتمية المعالجة الفكرية للعائدين من «داعش»، فقد انقلب هؤلاء بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) على كافة ما تراجعوا عنه من تفكير العنف في القراءات السابقة، وعاد البعض منهم إلى سياقات العنف كخلفية وحتمية تاريخية في التعامل مع الدولة، وبقية المصريين، ومن بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، أبو العلاء عبد ربه، قاتل الكاتب المصري فرج فودة، الذي أمضى نحو عشرين عاماً في السجون المصرية، لم تردعه عن فكره، ولم يغير عقيدته القتالية والذهنية؛ ولهذا رأيناه لاحقاً ينضم إلى «جبهة النصرة» في سوريا، وصورته المتلفزة عام 2016 وهو يعتلي إحدى الآليات العسكرية الخاصة بـ«داعش» لا تزال حاضرة في الأذهان، وهو يزخم ويحض أعضاء التنظيم على القتال.
في دراسة مهمة للأستاذ، علي بكر، مساعد رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» المصرية وخبير الحركات المتطرفة، نطالع الجانب السلبي من فكرة إدماج العائدين من «داعش»، بل وتقديم المساعدات لهم داخل المجتمع لإعادتهم إلى جادة الصواب، وعنده أن أولئك العائدين قد يرون تلك المساعدات حقاً مكتسباً لهم، وبالتالي تكون وسيلة لإكمال طريق «التشدد» المزعوم؛ نظراً لأنه فكر قائم على التقية في مواجهة الحكومات «الكافرة»، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أبو زكريا البريطاني، الذي قام بعملية انتحارية استهدفت الجيش العراقي في فبراير (شباط) 2017؛ إذ كان قد أطلق سراحه من معتقل غوانتانامو في 2004، وصرفت له الحكومة البريطانية تعويضاً ماديا بلغ مليون جنيه إسترليني، ورغم ذلك توجه إلى سوريا عام 2014، وانضم لتنظيم داعش.
يمكن القطع بأن كارثية العائدين من «داعش» في الوقت الراهن باتت تشبه الساعات الأولى من المخاض، فرغم الألم الأولي، فإن الآلام الأشد والمعاناة الأكبر لم تظهر بعد، وغالباً ما سيكون ظهورها محدداً رئيسياً للآليات التي سوف يتفق على اتباعها، فإذا مالت الكفة لجهة المزيد من العمليات الإرهابية والمسلحة، وسقط الكثير من القتلى والجرحى، وتهدد الأمن والسلم المحليين والدوليين، فساعتها سيكون خيار الإبعاد هو الأقرب، عطفاً على الاحتجاز داخل سجون مقسمة حسب الأفكار والآيديولوجيات وبعيداً كل البعد عن المجرمين الجنائيين؛ حتى لا تصبح السجون «مفرخة» لإرهاب جديد أشد وقعاً ووحشية.
وحال حدثت تراجعات حقيقية، بعيدة عن طروحات وشروحات التقية، وهو احتمال ضئيل في المشهد، ساعتها يمكن تدبر حلول إنسانية وتبني مراجعات فكرية حقيقية غير منحولة، واعتماد برامج اجتماعية تصحح خطأ بشريا أرتكبه البعض على كارثيته... إلى أين سيمضي مشهد الدواعش العائدين؟... مبكر حسم المشهد بدرجة يقينية مطلقة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».