«المصداقية» و«وسائل التواصل الاجتماعي» تتسيدان مناقشات اليوم الثاني لمنتدى الإعلام العربي

الشيخ محمد بن راشد يتوج 15 إعلاميا بجوائز الصحافة العربية

الشيخ محمد بن راشد يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة العربية أمس  (المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
الشيخ محمد بن راشد يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة العربية أمس (المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
TT

«المصداقية» و«وسائل التواصل الاجتماعي» تتسيدان مناقشات اليوم الثاني لمنتدى الإعلام العربي

الشيخ محمد بن راشد يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة العربية أمس  (المكتب الإعلامي لحكومة دبي)
الشيخ محمد بن راشد يتوسط الفائزين بجائزة الصحافة العربية أمس (المكتب الإعلامي لحكومة دبي)

توج 15 إعلاميا عربيا بـ«جائزة الصحافة العربية» في دورتها الثالثة عشرة، التي اختتمت أعمالها أمس، حيث تنافسوا ضمن 4532 عملا تقدم بها صحافيون من مختلف أقطار الدول العربية، بارتفاع 9.3 في المائة عن العام الماضي، حيث جرى إعلان أسماء الفائزين خلال حفل «جائزة الصحافة العربية»، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على هامش منتدى الإعلام العربي الذي اختتم أعماله يوم أمس.
وكرم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الفائزين بجائزة كاتب العمود الصحافي، التي حصدها الكاتب المصري الساخر أحمد رجب عن مجمل أعماله ومقالاته التي نشرها، وأعلنت جائزة الصحافة العربية عن الشخصية الإعلامية لهذا العام، والتي منحت لإبراهيم العابد، مدير عام المجلس الوطني للإعلام، ومدير وكالة أنباء الإمارات، نظير جهوده وإسهاماته في تطوير الإعلام الإماراتي.
وتسلم الصحافيون الفائزون جوائزهم من أعضاء مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية، وذلك عن 13 قطاعا في الصحافة العربية المكتوبة والإلكترونية.
وقد فاز عن فئة الصحافة السياسية الصحافي المصري عمرو بيومي من صحيفة «الإمارات اليوم»، أما فئة الصحافة الاستقصائية ففازت بها الصحافية المصرية إيمان الوراقي من صحيفة «اليوم السابع»، وعن فئة الصحافة الاقتصادية فاز مصطفى عبد العظيم من صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، أما فئة الصحافة التخصصية ففازت مجلة «لغة العصر» من مصر المتخصصة في مجال التقنية والتكنولوجيا، أما عن فئة الحوار التخصصي ففاز الصحافي المصري ياسر رزق من صحيفة «المصري اليوم».
وتوج شريف صالح من جريدة «النهار» الكويتية بجائزة الصحافة الثقافية، وفاز مسعد عبد الوهاب من صحيفة «الخليج» الإماراتية عن فئة الصحافة الرياضية، أما عن فئة الصحافة الإنسانية ففاز أحمد مدياني من مجلة «مغرب اليوم» المغربية.
وفي فئة الصحافة الشبابية فاز كل من سامي المودني من صحيفة «المساء» المغربية، وعزيز الحوار من صحيفة «الأخبار» المغربية، ومحمد أحداد من صحيفة «المساء» المغربية. وفي فئة الصورة الصحافية فاز عمار عوض من وكالة «رويترز»، ومن فئة الرسم الكاريكاتيري فاز عامر الزعبي من صحيفة «البيان» الإماراتية.
وكان منتدى الإعلام العربي قد اختتم أعماله يوم أمس في مدينة دبي، من خلال عدد من الجلسات تناولت مستقبل الإعلام والتحديات التي تواجه الصناعة الإعلامية.
وكان منتدى الإعلام العربي قد اختتم أعماله يوم أمس وسط حضور واسع من الإعلاميين العرب، طرح من خلالها محاور متعددة تندرج تحت شعار الدورة الثالثة عشرة «مستقبل الإعلام يبدأ اليوم»، في الوقت الذي أكد فيه أغلب المشاركين أن الإعلام يشهد في الوقت الحالي تغيرات غير مسبوقة تصور شكل المستقبل.
وركز أغلب المشاركين في المنتدى على تأثير الإعلام في الصراعات الحاصلة في المنطقة، إضافة إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تلك المرتبطة بتصنيف الأشخاص، في حين تناول المنتدى شكل الإعلام الجديد وما سيكون عليه خلال الفترة المقبلة.
من جهته كشف الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم رئيس مجلس إدارة مجموعة قنوات «إم بي سي» أن المجموعة تتجه في المستقبل القريب إلى افتتاح محطات محلية للدول العربية أسوة بمحطة «إم بي سي مصر»، مؤكدا أنه لا توجد نية حاليا للتوجه إلى المجتمع الغربي أو تقديم قنوات باللغة الإنجليزية.
وفي الجلسة الحوارية الرئيسة لليوم الثاني ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أكد آل إبراهيم أن فكرة وجود قناة تلفزيونية تبث للعالم العربي بأكمله بدأت بالتقلص، مشيرا إلى أن الانتشار والتوسع يعتمد على الطرح المحلي والإقليمي، فالمنافسة بين القنوات الفضائية والقنوات المحلية أكثر، وأضاف: «مستقبلا يمكن أن تظهر قنوات محلية مثل (إم بي سي الكويت)، أو (إم بي سي العراق) وحتى (إم بي سي المغرب) تختص بالشأن المحلي لكل دولة».
وفي سياق حديثه في الجلسة الحوارية التي أدارها الدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، أوضح آل إبراهيم أن المرحلة الحالية تشهد تغيرات كبرى في المشهد الإعلامي حيث اختلفت الكثير من الموازين واختلت، خصوصا بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة، وأحداث ما يعرف اليوم باسم «الربيع العربي».
ويشير آل إبراهيم إلى البدايات الأولى التي خلقت فكرة إنشاء قناة «إم بي سي» أثناء دراسته في أميركا، يقول: «خلال اختلاطي بالطلبة الأميركيين، أو الآخرين من جنسيات أخرى، وجدت أنهم لا يعرفون المعلومات الأساسية البديهية عن السعودية ولا عن شعبها أو ثقافتها، بطبيعة الحال ذلك قبل أن تتوفر وسائل الاتصال الحديثة والإنترنت».
وحول قرار انتقال المجموعة من لندن إلى دبي عام 2002، قال الوليد إن هذا القرار كان قرارا مصيريا ومهما بالنسبة للمجموعة، وله دور فاعل في نقلتها الناجحة: «فلا وجه للمقارنة بين دبي ولندن».
وفي معرض رده على أسئلة الدكتور الطريفي أبدى آل إبراهيم اهتماما ملحوظا بالشباب السعودي بوجه خاص والشباب الخليجي والعربي بوجه عام، حيث أكد أن الشباب يملكون طاقات جبارة وعلى الجهات المعنية وصناع القرار في الدول العربية توجيه الشباب ودعمهم وشد أزرهم وتخصيص بعثات دراسية لهم.
إلى ذلك وفي إطار فعاليات اليوم الثاني عقدت جلسة تحت عنوان «الإعلام العربي.. سؤال المصداقية»، حيث سلطت الضوء على واحدة من أهم القضايا التي يعانيها الإعلام العربي منذ ظهور ما يسمى بالربيع العربي، ألا وهي قضية مصداقية وسائل الإعلام، التي كانت ولا تزال المؤشر الرئيس على الالتزام بقواعد المهنة وأخلاقها، وبين واقع متحيز من بعض وسائل الإعلام العربية والمأمول لمهنة يفترض قيامها بالأساس على الموضوعية في الطرح والمعالجة والتناول.
وشارك في الحوار باسم الطويسي، عميد معهد الإعلام الأردني والكاتب بصحيفة «المدينة» السعودية سعود كاتب، إلى جانب ناديا البلبيسي مراسلة قناة «العربية» في واشنطن، والدكتورة نجوى كامل أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وأدارت النقاش الإعلامية فدى باسيل من قناة «بي بي سي» العربية.
وناقش المتحدثون عددا من المحاور أهمها اهتزاز مصداقية وسائل إعلام شهيرة بسبب انحيازها المعلن لأحد أطراف الصراع على السلطة في دول ما يسمى بالربيع العربي، وهل أثر هذا الانحياز في مكانتها وانتشارها؟ وتطرقت إلى التزام وسائل الإعلام بقواعد المهنة وأخلاقياتها في الدول التي تعيش مخاض تحولات ضخمة وصراعات مريرة على السلطة.
وفي كلمتها، قالت فدى باسيل إن المصداقية هاجس العلاقة بين وسائل الإعلام والمتلقين، وإن الإعلام يعد الناس بالحرفية والنزاهة والموضوعية والثقافة والحياد، فيما تعود الناس على تلقي الأخبار من مصادر الإعلام المنتظر أن تتمتع بالمصداقية والمهنية، لكن أمر المصداقية أصبح على المحك وسقط الإعلام في فخ إغراءات التوجيه، وفقد دوره المتوازن الباحث عن الحقيقية.
وفي تعريفه للمصداقية في الإعلام، رأى باسيل الطويسي أن مفهومها نسبي يعتمد على تفسير المتخصصين والممتهنين له، لكنها في النهاية خلاصة التوازن، والدقة، والحرفية، والحياد، مشيرا إلى أن الإعلام العالمي والعربي بشكل خاص يعيش حاليا أزمة أخلاقية تتعلق بالصدق والمهنية، لكن ذلك قد يفسره حالة عدم الاستقرار التي تعم بعض الدول التي تعيش مخاض التحولات السياسية والصراع على السلطة.
وأشار سعود الكاتب إلى أن غياب المصداقية لسنوات أدى إلى تعود الجمهور على غيابها، وأصبحت البرامج والقنوات الأكثر شعبية هي المفتقدة لقواعد المهنية والمصداقية والدقة في نقل المحتوى ومعالجته للجمهور، مضيفا أن سقف الحرية في بلداننا العربية ارتفع، لكن ذلك لم يواكبه ارتفاع لسقف المصداقية وإكساب الناس المعرفة.
ونوه الكاتب بأن المعايير المهنية الصحافية معروفة للجميع، ومع ذلك يشهد الإعلام العربي فترة خطيرة لم يشهد مثيلها منذ نشأة الصحافة والتلفزيون في المنطقة العربية، عنوانها انحطاط الأخلاق المهنية وغياب الموضوعية والهجوم والتلاعب بالمقدرات والأوطان، مسلطا الضوء على انزلاق الإعلاميين والمثقفين للتحدث بما يريده الشارع وليس ما يحتاجه، بحجة «الجمهور عايز كدة»، وهو ما أدى إلى تردي المحتوى وتحيزه في الكثير من الأحداث والتغطيات.
إلى ذلك عقدت جلسة بعنوان «التحريض الإعلامي وفتن بلا حدود»، وناقشت حالة التحريض التي تسيطر على المشهد الإعلامي خلال الأعوام القليلة الماضية.
وشارك في الجلسة علي بن تميم، رئيس تحرير موقع «24 الإخباري»، وعمار بكار المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «نعم» للإعلام الرقمي، ومصطفى الآغا إعلامي قناة «إم بي سي»، ووسيم يوسف متخصص الشؤون الدينية في قناة «الدار»، وأدارت اللقاء الإعلامية ليليان داود من قناة «أون تي في».
وتناول المتحدثون ما شهده العقد الماضي من موجات متتابعة من المد الأصولي المتشدد عبر القنوات والمنصات الإعلامية بشكل غير مسبوق في الكثير من البلدان العربي، مما جعل الإعلام يقف في قفص الاتهام مسؤولا، أو على الأقل مشاركا في صياغة هذا المشهد المتعصب.
ورأى عمار بكار أن أسبابا كثيرة تقف خلف حالة التنافر السائدة حاليا، وقد بدأت هذه الظاهرة في المنتديات التي ظهرت منذ فترة طويلة قبل وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ كشفت هذه المنتديات عورات الإعلام، حيث سيطر مجموعة من محترفي الصراخ الإلكتروني على المشهد الإعلامي، وازداد الطين بلة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ ارتفعت وتيرة التطرف وكثر ظهور أصحاب الآراء الحادة.
وأشار بكار إلى أن اهتمام بعض الأشخاص بازدياد أعداد متابعيهم يدفعهم إلى الإكثار من العبارات والجمل الحادة التي تلقى قبولا بين أوساط الشباب غير مباليين بما قد تخلفه تلك العبارات أو الرسائل القصيرة من آثار سلبية.
من جهته اعتقد علي بن تميم أن فكرة التوجيه قد تتعارض مع مبدأ حرية التعبير، بل يجب العمل على توحيد المفاهيم لتجنب حالة الحيرة التي أصابت المتلقي العربي، كما يجب وضع تشريعات تمنع استغلال منابر المساجد للترويج للأفكار المتطرفة.
الإعلامي مصطفى الآغا يؤكد أن الإعلام ابن البيئة التي ينمو فيها وليس مجرد فكرة مطلقة، وأن ميثاق الشرف الإعلامي لن يؤدي إلى تخفيف حدة الصراعات، بل على العكس يجب تكريس مبدأ المساءلة القانونية لمن يسيء ويحرض وينشر الفتنة.
ويرى وسيم يوسف أن الإعلام مسؤول عن انتشار الفتنة، حيث وفر منبرا لدعاة التشدد، مما ساهم بشكل كبير وفعال في زيادة أعداد المتابعين لهؤلاء الأشخاص، ويجب في الوقت الراهن عدم تركيز الضوء على طائفة بعينها وترك الآخرين مثلما يحدث الآن، بل يجب مشاهدة الموقف بشكل واسع حتى لا نسمح بوجود هذه الجماعات في الظل.
وكان جون دانيسزيسكي نائب رئيس تحرير وكالة «أسوشييتد برس» ومدير التحرير المسؤول عن الأخبار العالمية في الوكالة، تحدث ضمن جلسة أدارها الإعلامي فيصل عباس رئيس تحرير «موقع العربية نت» باللغة الإنجليزية، التي تركزت على الواقع الإعلامي الإخباري في المنطقة في ظل التطورات التي ألمت بالكثير من البلدان العربية.
وأكد دانيسزيسكي أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت فضاء رحبا للصحافة التقليدية، حيث أصبح تداول ونشر الأخبار أسهل وأسرع من ذي قبل، كما شهد المحتوى الإعلامي زخما كبيرا بسبب وفرة المعلومات والأفكار التي يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك ينبغي توخي الحذر عند التعامل مع المواد الإعلامية التي تنشر عبر هذه المواقع.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».