صراع انتخابي «شرس» داخل «الدعوة» العراقي

طرفاه جناحا المالكي والعبادي

العبادي و المالكي
العبادي و المالكي
TT

صراع انتخابي «شرس» داخل «الدعوة» العراقي

العبادي و المالكي
العبادي و المالكي

تكشف المؤشرات الصادرة عن كواليس حزب «الدعوة» وبعض دعاته عن صراع انتخابي شرس ومبكر داخل أروقة الحزب الحاكم منذ 2005، طرفاه زعيم الحزب وأمينه العام نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي والدعاة المقربون والموالون له، من جهة، ورفيقه في الحزب رئيس الوزراء حيدر العبادي، من جهة أخرى.
ولعل تعليق عضوية محافظ بغداد السابق صلاح عبد الرزاق الحزبية، وتسريب وثيقة «التحقيق الداخلي» السرية الذي أجراه الحزب معه على خلفية تهم فساد، أحد أهم مؤشرات الصراع بين الطرفين. وتؤكد مصادر من حزب الدعوة، أن «الجناح الموالي للعبادي داخل الحزب هو من قام بإيصال الوثيقة السرية إلى وسائل الإعلام للتأثير على سمعة المالكي؛ نظرا لقرب المحافظ السابق من جناحه الحزبي».
وتميل بعض المصادر إلى الاعتقاد بأن الضغوط الأميركية المتواصلة على العبادي لفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين، ربما دفعته ضمنا إلى تحريك ملف فساد أحد عناصر حزبه.
وأجرى المكتب التنظيمي لحزب الدعوة تحقيقا سريا، قبل خمسة أيام، سرب البعض متعمدا إلى وسائل الإعلام.
وورد في التحقيق الحزبي، أنه «نظرا لورود معلومات تثير شبهات فساد مالي حول الداعية صلاح عبد الرزاق، وقد أضرت بسمعة الدعوة، تقرر تعليق عضويته في الدعوة، إلى حين تبين الأمر بشكل قطعي». وأشار التحقيق إلى إحالة «ملفه إلى هيئة الانضباط الحزبي للتحقيق بقضيته والبت في أمره».
ورغم النفي الذي أصدره المحافظ السابق بشأن الاتهامات الموجهة إليه، معتبرا أنها تأتي في «سياق حملة انتخابية مبكرة تستهدفه شخصيا»، فإن وثائق كثيرة خرجت عن محافظة بغداد ومجلسها تشير إلى تجاوزات مالية وإدارية ارتكبها عبد الرزاق، أثناء تسنمه منصب محافظة بغداد لأربع سنوات (2013 - 2009). وقد حظي عبد الرزاق بدعم وحماية نوري المالكي أثناء تولي الأخير منصب رئاسة الوزراء في تلك الفترة، ولم يسمح باستجوابه في مجلس النواب.
واللافت، أن عبد الرزاق أصدر، قبل أسابيع، كتابين عن تاريخ حزب «الدعوة» وضع المقدمة لأحدهما نوري المالكي.
وإلى جانب تهم الفساد التي تحوم حول عبد الرزاق، تحوم حول نجليه المقيمين في أوروبا تهم مماثلة، حيث أظهرت وثائق وفيديوهات نشرها خصومه، الثروة الطائلة التي يتمتعان بها، ويدير أحد أنجاله ملهى ليليا في هولندا.
ويرى سليم الحسني، وهو عضو سابق في حزب الدعوة ويقيم في دولة أوروبية وأحد أشد المنتقدين لسلوكيات عبد الرزاق وأعضاء حزب الدعوة بعد تسلمهم مقاليد السلطة بعد 2005، أن من «الممكن تفسير صمت قيادة (الدعوة) على سلوكيات صلاح عبد الرزاق على أنه يدخل ضمن حسابات الصراع القائم بين السيدين المالكي والعبادي». ويضيف «صمت القيادة على صلاح عبد الرزاق، يأتي بدافع المصلحة لكي ترى الأخير يسقط قضائياً وإعلامياً، وبذلك تسجل فوزها على السيد المالكي الذي سيبدو محرجاً أمام الرأي العام بعد سقوط أحد رجاله المقربين بفضائح مالية وغيرها».
ويعتقد أن «طرفين يخوضان صراع القوة، محور العبادي والقيادة، ومحور المالكي وفريقه الذي يضم الكثير من المتورطين بالفساد».
وليس من الواضح حتى الآن طبيعة التعقيدات التي تنتظر حزب «الدعوة» بجناحيه المتنافرين (المالكي – العبادي)، والوجهة التي يفكر بها كل منها قبل موعد الانتخابات العامة مطلع العام المقبل، لكن أوساط الدعوة تتخوف من انشقاق وشيك لأحد الرجلين، وقد اتخذ الحزب، قبل نحو شهر، قرارا «احترازيا» للحيلولة دون تصدع الحزب وانشقاقه، يقضي باعتبار «خروج أي شخصية من الحزب وتشكيلها تجمعا انتخابيا منفردا، خروجا عن الحزب وانشقاقا عليه».
ورغم رجحان كفة المالكي ونفوذه داخل حزب «الدعوة» حتى الآن، فإن موقع رئاسة الوزراء الذي يتمتع به العبادي، إلى جانب علاقاته الجيدة نسبيا بالقوى السياسية الشيعية خارج حزبه، مثل التيار الصدري و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، تسمح للعبادي بمعادلة «كفة المنافسة» مع المالكي. وعلى الرغم، أيضا، من التأكيد المتواصل لأوساط «الدعوة» على القائمة الموحدة التي ستخوض الانتخابات المقبلة، فإن أغلب التوقعات تشير إلى خروج أحدهما (المالكي – العبادي) عن «قائمة الحزب» المحتملة وتأسيسه قائمة انتخابية خاصة.
«الهزة» الأخيرة في البيت الدعوي بعد تعليق عضوية عبد الرزاق تسببت في إحراج كبير في أوساط الحزب الحاكم، لكنها قوبلت بترحيب كثير من الأوساط السياسية والشعبية، باعتبار أنها تفتح الطريق أمام محاسبة العناصر المنتمية إلى كتل وأحزاب كبيرة، وقت كان مجرد التفكير بذلك من الأشياء المحظورة.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.