الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

أوروبا والإسلام... علاقة تزيد عن الألف عام

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
TT

الأصولية والإرهاب عقبتان في طريق علاقات تاريخية وجغرافية

دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)
دعاية «داعش» استخدمت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة مؤخرا على الساحة الفكرية هو ذاك المتعلق بالعلاقة بين القارة الأوروبية وبين الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين، وهي علاقة في حقيقة الأمر تعود إلى قرون طويلة مضت، نعم ربما لم تكن بأكملها سخاء رخاء، لكن بنوع أو آخر شهدت نوعا من أنواع التعاون والتعايش.
والآن يتساءل المراقبون هل العمليات الإرهابية الأخيرة عطفا على تنامي الأصوليات الراديكالية سوف تشكل عقبة وقطعاً على طريق التعايش المشترك أم أوروبا التنوير والتسامح، سوف يقدر لها القفز فوق هذا الحاجز واعتباره جملة اعتراضية لا أكثر في علاقة تزيد عن الألف عام.

في هذه القراءة التحليلية، نحاول أن نطوف مع القضية الملحة وذلك عبر رؤى لعدد من كبار المفكرين الغربيين والمسلمين على حد سواء من أجل وضع ملامح ومعالم هذه العلاقة، والتي تؤثر ولا شك على مستقبل الحياة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط معا.
لا يمكن القفز مرة واحدة من أربعة عشر قرناً خلت إلى الواقع المعاصر الأوروبي الحديث لتبيان شكل العلاقة بين أوروبا والمسلمين، وسط المخاوف الآنية، ولهذا يتوجب أن نقترب عبر القرنين السابقين على الأقل.
تحدثنا ديبا كومار أستاذ مشارك الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة «روتجرز» الأميركية في كتابها «فوبيا الإسلام والسياحة الإمبريالية»، عن الغرب الذي بات قبل قرن ونصف تقريبا ينظر إلى الشرق بوجه عام وإلى العثمانيين بوجه خاص على أنهم أدنى من الغرب وغير قادرين إلا على إفراز مجتمعات استبدادية، ثم تحولت هذه الصورة الجدلية إلى صورة غرائبية أثناء الحقبة الرومانية، وتعايشت مع هذه الفانتازيا مع رؤى أدق للإسلام ظهرت أثناء عصر التنوير وإيجازا، كما تقول المؤلفة، وعلى العكس من أكذوبة أن الغرب والشرق كانا دائما في حالة صراع فإن الصراع تعايش في حقيقة الأمر مع التعاون، وبعيدا عن فكرة أن الشرق شرق والغرب غرب وأن الاثنين لا يمكن أن يلتقيا أبدا، فإن ما شهدناه هو أن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب، بقدر ما يمكننا حتى أن نتحدث عن شرق منفرد وغير منفرد، يوجد بينهما تداخل وثيق.
السؤال الحيوي والجوهري هنا... «هل كان للغرب دوما صورة سلبية ومشوهة عن الإسلام والمسلمين؟ والجواب الأول لم يكن ذلك كذلك أبدا، وإنما وجد لا سيما في مراحل الاستعمار من عمل على تعزيز «شيطنة الإسلام والمسلمين»
.يعن لنا ونحن نتناول المخاوف جراء الحوادث الإرهابية في العقدين الماضيين عامة، وفي العامين الأخيرين خصوصا أن نتساءل، هل كانت الإسلاموفوبيا عقبة كئود قائمة بدورها على خط الاتصال والتواصل بين الجانبين قبل حدوث تلك العمليات ووقوع قتلى ومصابين وإراقة دماء أوروبية على الإسفلت؟
أفضل من يقدم لنا جواب في هذا الإطار إيدوي بلينيل الكاتب والصحافي الفرنسي في كتابه القيم «من أجل المسلمين»، ومن ترجمة الأستاذ عبد اللطيف القرشي، وعنده أن قضية الإسلام يتم توظيفها بكثافة لصناعة عدو داخلي لخلق حالة من الفزع لدى جزء هام من الرأي العام الأوروبي عامة والفرنسي خاصة، ذاك الذي أصبح يتبنى مواقف عنيفة ضد قضايا الهجرة، التي صارت مرادفة - في كثير من وسائل الإعلام – للإسلام والتطرف والإرهاب والغزو الثقافي وغيرها من مفردات القاموس الكزينوفوبي (الخوف من الأجانب والغرباء).
يقودنا بلينيل إلى تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان عام 2013 (قبل ظهور داعش) وفيه يبدو واضحا استفحال العنف، وإن المعطى الأكثر ثباتا وتجذرا في هذا العنف هو التعصب المعادي للمسلمين والتكتل المناهض للإسلام.
وعليه فإذا قورنت المرحلة الحالية في أوروبا بمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية تحديدا، فإنه يمكننا القول إن المسلم متبوع بالمغاربي عوض اليهود قد بات في التمثلات الأوروبية الحديثة هو كبش الفداء، حسب تعليق علماء الاجتماع والسياسة الذين استشارتهم اللجنة.
في هذا الإطار أصبحت تطرح قضايا جديدة مثل اقتراح منع الرموز الدينية (الحجاب) في الجامعات والمدارس العليا، وبات التوظيف المتهافت للإسلاموفوبيا بذريعة حماية «العلمانية» وتحصينها يؤكد على استعجالية وراهنية التصدي للتوظيف السياسي لقضايا الهجرة والإرهاب.
هنا قد ينبغي على الأوروبيين أن يفصلوا فصلا عقلانيا بين هاتين القضيتين، سيما وأنه ليس بينهما علاقة السبب والنتيجة كما يحاول البعض التدليل على ذلك بِلَيّ عنق الحقائق وتزييف الوقائع، ويدعو إلى مقاربة سؤال الإسلام بمفاهيم التلاقح الثقافي والتنوع الحضاري وتعدد الهويات وديناميتها... لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك وهناك من يزرع الشكوك في طريق المسلمين وعلاقتهم بأوروبا؟
يبقى بطريرك الاستشراق برنارد لويس، زارعا للشكوك، ومنذ وقت طويل، وهو لا ينسى رغم تجنسه بالجنسية الأميركية قبل بضعة عقود، إنه أوروبي الأصول، بريطاني النزعة، ولهذا فإنه يقدم صورة لأوروبا العنصرية، ذات الرؤية غير التصالحية أو التسامحية مع الإسلام والمسلمين، والغريب والعجيب، أنها رؤية سبقت الأحداث الإرهابية الأخيرة، وسبقت ظهور «داعش»، وقد أوردها في كتابه «الإيمان والقوة والدين والسياسة في الشرق الأوسط»، الصادر عام 2010 عن جامعة أكسفورد.
يفرد الفصل الثاني عشر من مؤلفة للحديث عن أوروبا والإسلام، والكتاب من ترجمة الأستاذ أشرف محمد كيلاني، وفيه ينزع لويس إلى فكرة التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها، من خلال حديثه عن الأقلية الأوروبية المتعصبة، والتي تتكاثر عتادا وعددا وعدة في الأعوام الأخيرة.
هذه الأقلية ترى أن ما يحدث في أوروبا اليوم هو الموجة الثانية لهجوم المسلمين... أنهم يتحدثون بصوت عال، «يجب ألا نخدع أنفسنا فيما يتعلق بماهية تلك الهجمة وما تعنيه وهي تتخذ أشكالا مختلفة هذه المرة، اثنين تحديدا: الإرهاب والهجرة... كيف فعلها لويس قبل عام من انفجار ما عرف بـ«الربيع العربي» الذي قادنا إلى الهجرة واللاجئين وأذكى من نيران الإرهاب القاعدي ثم الداعشي دفعة واحدة؟
أما الإرهاب عنده فهو جزء من القضية الأكبر للعنف، واستخدامه في خدمة الدين، ويروج لأن الإسلام يوصي ويأمر به كحقيقة حياتية وأن المسلمين يؤمنون بأن العالم ينقسم إلى دار الإسلام، حيث يسود الحكم والقانون الإسلامي، وتعرف البقية بدار الحرب.
أما الشكل الآخر الأكثر ارتباطا بين المسلمين وأوروبا فهو الهجرة، ومن هنا يفهم المرء، ميل لويس إلى ترجيح فكرة فقدان أوروبا لطبيعتها الديموغرافية، وإشاعة طرح أسلمة القارة المسيحية، عبر تكاثر أعداد المسلمين بها.
البحث المعمق في قراءة فكر برنارد لويس يقودنا إلى ما لا يمكن أن نتوقعه، من عينة وجود أرضية خصبة تجمع الأصوليين المسلمين ببعض الحلفاء في أوروبا أيضا.
يرى الرجل، أن الإسلاميين الراديكاليين لهم جاذبية يسارية لدى العناصر المعادية لأميركا في أوروبا، كبديل عن السوفيات، ولهم جاذبية يمينية لدى العناصر المعادية لليهود في أوروبا كبديل عن النازيين، وقد تمكنوا من كسب تأييد كبير تحت كلا العنوانين، وغالبا من نفس الشعب، ويرى البعض في أوروبا أن الضغائن تفوق الولاءات بوضوح.
وثمة اختلاف مثير للاهتمام في ألمانيا، حيث أكثرية المسلمين من الأتراك، وهناك غالبا ما كانوا يميلون لمساواة أنفسهم باليهود، ويعتبرون أنفسهم قد خلفوا اليهود كضحايا للعنصرية والاضطهاد الألماني.
يذكر أحدهم اجتماعا عقد في برلين لمناقشة أوضاع الأقليات المسلمة الجديدة في أوروبا، وفي المساء طلبت مجموعة من المسلمين الأتراك أن ينضم «لويس» إليهم وسماع ما لديهم بهذا الشأن، وهو ما كان مثيرا للاهتمام حقا، وكانت أكثر عبارة علقت في ذهنه ما قاله أحدهم: «على مدى ألف عام لم يتمكنوا (يقصد الألمان) من قبول 400 ألف يهودي، فأي أمل هناك في أن يقبلوا مليوني تركي؟
لكن لويس يضع كعادته السم في العسل، إذ يشير إلى أن المسلمين الأتراك يستخدمون هذه العبارة ويلعبون على الشعور بالذنب لدى الألمان لتعزيز أجندتهم الخاصة...
ضمن خطوط البحث عن مستقبل العلاقة بين أوروبا ومسلميها والإسلام بشكل عام نجد أن هناك من يروج لفكرة أسلمة القارة الأوروبية.
يذهب الكاتب الفرنسي اليميني الأمازيغي اليهودي الأصل إيريك زيمور، صاحب كتاب «انتحار فرنسا»، والداعي لطرد المسلمين منها، إلى أن منهج مقارنة وضعية اليهود في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ووضعية المسلمين في فرنسا اليوم هو وضع معيب، فاليهودي - كما جاء في مقال له بصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بتاريخ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، كان يقدم بوصفه ثريا حقق نجاحا غير مستحق، أما الخوف الذي يثيره المسلمون اليوم فراجع إلى كثرتهم العددية وإلى التطرف والإرهاب الإسلاميين حسب وصفه، فضلا عن أن كون العنف الذي يتهدد اليهود في فرنسا يقف وراءه في أغلب الحالات مسلمون.
في السياق نفسه سار الكتاب والصحافي في موقع «أتلانتيكو» للأخبار اليميني «بونوا رايسكي» والمتخصص في مهاجمة الإسلام، فقد كتب مقالا عنوانه «من الواجب علينا أن نكون إسلاموفوبيين»، وقد حاول رايسكي دوما تعويم قضية الإسلاموفوبيا الفرنسية في مناخ دولي يتميز بالجرائم المرتكبة ضد المسيحيين في نيجيريا والعراق والسودان وذبح الرهائن الغربيين في مناطق «داعش».
من هنا يطفو على السطح التساؤل: «هل سيكون هناك أوروبا متأسلمة أم إسلام متأورب؟ والجواب غير واضح أو محسوم حتى الساعة سيما وأن الأحداث الإرهابية الأخيرة تخلط المشهد خلطا مخيفا.
نحن على الأرجح أمام مرحلة جديدة من علاقة أوروبا بالإسلام والمسلمين؟ باختصار غير مخل يمكننا القول إن العلاقة المباشرة بين أوروبا والإسلام قامت خلال ثلاث مراحل أو أزمنة مختلفة من حيث الجوهر، وفي كل محطة من هذه الحقبات كان المحاور المسلم الذي تلتقيه أوروبا مختلفا، وبما أننا نستطيع ولو تجاوزا اعتبار هذا المحاور ممثلا للإسلام، والناطق باسمه، فإنه يمكن القول كذلك إن هذا الناطق باسم الإسلام والمضطلع بهذا الدور كان يختلف في كل زمن من تلك الأزمنة.
على هذا النحو برز العرب في زمن أول، والأتراك العثمانيون في مرحلة ثانية، والمغول في مرحلة ثالثة.
ومن ثم هنا من يرى أننا إزاء مرحلة رابعة من علاقة أوروبا بالمسلمين داخلها بداية وتاليا خارجها مع الأخذ في عين الاعتبار التبعات والاستحقاقات التي تولدها المواجهات الإرهابية في الداخل على العلاقة مع مسلمي العالم الخارجي؟
أفضل ما يمكن أن نختتم به السطور المتقدمة حيث الحيرة والضبابية تلف المشهد،، سطور إيدوى بلينيل الفرنسي المنتمي بحق إلى عصر الأنوار، والذي لم تغير موقفة طلقات رصاص الإرهابيين في مسرح «الباتاكلان»، ولا شر سائق شاحنة «نيس»، وغير ذلك من حوادث إرهابية شهدتها فرنسا.
بلينيل يرى أن الخلط بين جماعة بشرية بأكملها بالانتماء أو بالثقافة أو بالعقيدة وتصرفات بعض الأفراد الذين يحسبون أنفسهم عليها أو يتباهون بالانتماء إليها هو تمهيد للظلم، والتزام الصمت أمام خطابات كهذه هو تعويد لوعينا على الإقصاء، من خلال إضفاء شرعية التمييز، وإسباغ الاحترام على التشويش.
وفى كل الأحوال تبقى أوروبا أمام اختبار صعب. والتاريخ حافظ لما جرى في القرن الماضي، عندما بينت المأساة الأوروبية النتائج الكارثية لدوامة العداء والكراهية، ومن خلال التقبل السلبي لصناعة المشكلة اليهودية، ولمجرد مسؤولية الأوروبيين عن الإرث، ولهذا نجد البعض في الداخل الأوروبي يرفضون بكل قوة هذه الصناعة الحداثية الماكرة والملحة للمشكلة الإسلامية، وإن كانوا أقلية في وسط عدد أكبر وأصوات أعلى لتيارات اليمين العنصري، وأصحاب الاتجاهات القومية السوفياتية.
أغلب الظن أن قادة الرأي وحملة مشاعل التنوير في القارة الأوروبية هم المنوط بهم تصحيح المشهد في الداخل الأوروبي، حيث صار تقديم الإسلام باعتباره ديناً مقاوماً للحداثة أمراً مألوفاً، الأمر الذي يزكي نيران التصادم بين المسلمين في أوروبا وأصحاب اليمين فيها من الأوروبيين المتشددين، وبهذا يفتحون الباب واسعاً لمزيد من الأصولية القاتلة، إذ ساعتها تبقى الأصولية الإسلامية هي التعبير عن التعارض الجوهري بين الإسلام والغرب، ناسين أو متناسين أن العالم الإسلامي دخل بالفعل في مرحلة الثورة الديموغرافية كما يقول المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود، بل والثورة الثقافية والفكرية التي أدت سابقاً إلى تطور البلاد التي تعد اليوم أكثر المناطق تقدماً في العالم، وهو يتوجه على طريقته ناحية نقطة يلتقي فيها بتاريخ كلي وأكثر شمولاً.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».