نفي «الاختلاف» عند جماعات التطرف العنيف

من «داعش» إلى «القاعدة»

يصف الدواعش القاعدة بـ« قاعدة المخازي» ويصفون الظواهري «رجل فقد ظله» («الشرق الأوسط»)
يصف الدواعش القاعدة بـ« قاعدة المخازي» ويصفون الظواهري «رجل فقد ظله» («الشرق الأوسط»)
TT

نفي «الاختلاف» عند جماعات التطرف العنيف

يصف الدواعش القاعدة بـ« قاعدة المخازي» ويصفون الظواهري «رجل فقد ظله» («الشرق الأوسط»)
يصف الدواعش القاعدة بـ« قاعدة المخازي» ويصفون الظواهري «رجل فقد ظله» («الشرق الأوسط»)

إنقسم الخوارج لأكثر من عشرين فرقة، أكل بعضها بعضاً، وأخرجت كل فرقة مغالية من يزايد عليها أكثر من غلوائها وصار تعبير «غلاة الغلاة» بشيرا بنهاية الغلاة، لكن آذان الغلو لا تسمعه أو تستمع لنذيره عليهم. كان الانقسام والتشظي والخلاف الحاد والواسع أوضح في خطابات جماعات التطرف، والتطرف العنيف من سواه، وكان سبابهم فيما بينهم أقدح وأفظع من انتقادات مغايريهم وآخريهم من التيارات المدنية أو النقدية دائما. إن «معقولية التنوع» ومبدئية الاجتهاد وفريضته شرط رئيس لرشادة الاختلاف وإمكانات التوافق والتكيف والتحالف، ولكن معقولية «التغلب والدمج والتوحيد القسري» تأبى وعيا - ولا وعيا - إمكانات الاختلاف وممكناته وتنفيه، ليواجه التكفير الديني أو الوطني والسياسي عند بزوغه وولادته.

ربما يصح تفسيرا لحالة الاختلاف ومنهجية التكفير المكينة في خطابات التطرف العنيف، أن الآيديولوجيات المصمتة والأنساق الفكرية المغلقة تشبه القنابل الانشطارية التي تنفجر ذاتيا، بصراع مكوناتها مع الوقت سريعا، وحسب درجة وحرارة الانغلاق والتعصب يكون العنف البيني والخارجي، وتبدو إدارة الاختلاف والتوافق بينها شبه مستحيلة في أغلب الأحيان.
بناءً على هذه القاعدة، يمكن تفهم الانقسامات والإنشطارات الواسعة داخل تيارات وتنظيمات اليسار والقوميين عربيا وعالميا، وصعوبة «التجمع والتوافق» فيما بينها، منذ بدايات نشأتها وحتى الآن، لكن ظاهرة الانقسام والتشظي تتضح وتتأكد أكثر في ظاهرة «التطرف العنيف» وجماعاته الراهنة من القاعدة وفروعها إلى «داعش» وولاياتها، وفي إدارة الاختلافات داخل كل منها، التي وصلت للتكفير المتبادل بين الرفقاء دائما، سواء في إدارة الخلافات داخل التنظيم الواحد، أو بينه وبين غيره من التنظيمات.
وهكذا تثمر الشجرة الخبيثة فروعا تقتلها وتأكلها، وتستمد شرعيتها من قتلها وتشويهها، فيما يشبه «قتل الأب» هذه الأسطورة الفرويدية صحيحة تماما في قراءة صراعات الإسلاميين واختلافاتهم، حيث يكون احتكار الشرعية وأحاديتها سمت كل جماعة في وجه مخالفيها وآخريها، وبخاصة الأقربون منها والأشباه بها المنافسون لها في تصور الشرعية وجاذبية الجماهير والتجنيد.
كما احتكرت جماعة الإخوان ردحا طويلا من الزمن ريادة وقيادة الحركات المتطرفة الأخرى، ومعها الأمة، طريقا لدعواها في أستاذية العالم، لم ير فيها الجهاديون المصريون إلا تناقضا وخيانة وحصادا مرا، كما كتب أيمن الظواهري في طبعته الأولى من كتابه «الحصاد المر: سبعون عاما من تاريخ الإخوان»، الذي التقى فيه ووافق واستلهم ما كتبه المؤرخ والسياسي اليساري الدكتور رفعت السعيد الذي رحل عن عالمنا قبل أيام في سلسلته عن التاريخ المضاد لـ«الإخوان» ومنهجية ما سماه «التأسلم» الذي بدأته هذه الجماعة معتمدا على مصادرها ووثائقها قبل أن يعتمد على رأيه أو رؤيته فيها التي اشتدت واستمرت مع الوقت حتى وفاته.
بالمقابل، اعتبرت «القاعدة» جماعة «الإخوان» وا»لسرورية» و«حزب التحرير» وغيرها خيانة، واكتظ باب «الفرق» في موقع أبي محمد المقدسي بكتابات كثيرة ضدهم، وصفهم فيها أمثال أبي قتادة الفلسطيني بمرجئة العصر، وقاديانية التشدد، ووصفهم أبو بكر ناجي صاحب «إدارة التوحش» في كتابه السابق عليه «الخونة» بالخيانة والعمالة، ومعهم كثيرون محسوبون على التيارات الإسلاموية.
وبعيدا عن الجدل السياسي والمدني السائر، وبعيدا عن ذرائعية الإخوان وتعدد خطاباتهم، يبدو أنه استقرت في خطاب التطرف وتمثلاته الراهنة الصورة السلبية للانتماء لـ«الإخوان» والنسبة إليهم، وتعني وترادف الكثير من السوءات الأخلاقية في سلوك الإسلاميين.
مثالا على ذلك، ففي الخطاب الداعشي المعاصر، يبدو الوصف بـ«الإخونج»، أشد وقعا وأعظم إهانة على العنصر المتطرف كالظواهري والقاعدة من وصفه بأي وصف آخر، رغم محاولات جماعة الإخوان الدائمة توظيف حالة التطرف العنيف وفوضاه وعملياتها لصالحها، ورغم أنها تعد أم حركات الإسلام السياسي، التي خرج سواها من عباءتها، أو تأثرا بأفكارها أو تجربتها.
ونؤكد أن هذا الوصف لا يحمل لدى المتطرفين دلالة ريادة أو اعتدال أو مرونة، بل يعني عندهم انحراف المنهج، وخيانة الأهداف والتزام التقية، وعدم الإخلاص للمبادئ والالتفاف عليها، فهو سبة وتهمة كبيرة يتداولها الأصوليون وعناصر التطرف العنيف في عالمهم الخاص وجدالاتهم التي ينتفي فيها أي تأثير لـ«الإخوان»، الذين يعانون فقرا نظريا وشرعيا واضحا، أو المتعاطفون معهم، وإن حاولوا توظيفه دائما لصالحهم والارتباط بعلاقات قوية مع بعض تنظيماته.
كذلك، يصف الدواعش القاعدة الآن بـ«قاعدة المخازي»، ويصفون الظواهري بأوصاف لم يصفه بها من قبل أحد من منتقديه أو معارضيه، سواء من الإسلاميين أو من غيرهم، تجاوزوا بها الإهانات السابقة من قبيل أنه «رجل فقد ظله» أو أن القاعدة «أبناء الرافضة» التي كان يرددها أمثال كبير شرعيي «داعش» تركي البنعلي البحريني الذي سحبت جنسيته، في سجالاته النشطة بين عامي 2014 و2015 قبل اختفائه، حيث ارتفعت وعلت نبرة الاتهام صراحة لمستويات غير مسبوقة، فهو الآن - حسب أحد كتاب «داعش» يدعى «أبو البراء الأنصاري» - يوصف الظواهري ب«الضال والضلالة والعمالة».
وفي رسالة قصيرة للأنصاري المذكور رداً على أحد منتقدي «داعش» والمنتمين السابقين لها، يسمى أبو حسام الأموي، ورد ذكر أيمن الظواهري ثلاث مرات، سبق اسمه فيها وصف الضال والضلالة، وعقب أسمه في المرة الثالثة بدعاء عليه - لا حفظه الله - رفضا للدعاء له.
وكما استمر أبو بصير الطرسوسي ينتقد الدواعش، وسبق لوصفهم بالخوارج عن سواه، وتبعه أبو قتادة الفلسطيني وزاد في إهانتهم فوصفهم بـ«البغدادية» وحكم في وجوههم بأنهم «كلاب أهل النار» في رسالة معروفة، رد عليها منظرهم تركي البنعلي في رسالته «الإفادة في الردة على أبي قتادة»، وكتب كذلك آخرون ضد وصفه لهم.
كما اتجه أبو محمد المقدسي اتجاه أبي قتادة في نقد «داعش»، ثم توسط قليلا، بعد اغتيال الشهيد معاذ الكساسبة، كما رد عليه آخرون، واتسعت الشقة بين الشيوخ والأتباع، واشتعلت الحرب الدعائية والدعاية المضادة بين الرفقاء؛ ولأنه لا مكان لخلاف كثيرا ما تحول وصف الخصم واتضح من مقام ووصف «الإمام والأمير المجاهد» لوصف «الكافر» والخائن والعميل وغيرها، في مشهد يجسد «متتابعة الغلو»، وأن الغلاة ينتجون وتتوالد من أفكارهم العنيفة أفكار أكثر تطرفا تزايد عليهم وتتهمهم بأكثر مما اتهموا به آخريهم، وهو ما نسميه «متتابعة الغلو» الناتجة من متاهة «الحاكمية» التي أسس لها الراحل سيد قطب وسلفنها وأعطاها بعدها السلفي سروريون، وخرج عنهم منظرو وشيوخ ما عرف «بالسلفية الجهادية»، رغم أن أبرز منظري التيار الجهادي وأسبقهم كتابة عبد القادر بن عبد العزيز يعتبر هذا اللفظ «بدعة» لم ترد ولم يسبق لها أي من كتب السلفية، ولم ترد لفظة «الحاكمية» مرة واحدة في كتابه «الجامع في طلب العلم الشريف» والثماني مجلدات التي ضمها.
وسنحاول فيما يلي العرض لحالة «التيار الحازمي» والتكفير داخل «داعش»، مما يعبر عن الاختلافات الحادة والقاطعة، ومنطق التكفير والقتل المعنوي والمادي في إدارة الاختلاف، الذي تمارسه «داعش» داخلها كما تمارسه ضد آخريها من القاعدة إلى غيرها؛ استدلالا على صحة هذه القاعدة الفكرية والمنهجية في متتابعة الغلو، وأن الغلواء والتعصب نار متقدة يأكل بعضها بعضا.
لم يكن أغرب خبر على السامعين من حملة وتكفير ما عرف بالتيار الحازمي داخل «داعش» لأكبر شرعيي التنظيم على الراحل تركي البنعلي الذي كان أبرز وأشد المدافعين عن «داعش» وخلافتها، وأول من كتب داعيا لـ«مد الأيادي لبيعة البغدادي» كما عنون رسالته.
كتب أساتذته وشيوخه السابقون، أمثال الأردني أبو محمد المقدسي، والمغربي أبو عمر الحدوشي في السابق محملين مسؤولية التعصب والغلواء على البنعلي، وأن لديه ميلا للخارجية والغلو، ولكن أخرج غلو البنعلي غلوا أكبر منه مثّله التيار الحازمي المذكور بزعامة التونسي أبو جعفر الحطاب الذي حكم أبو بكر البغدادي بقتله فيما بعد، بعدما استفحلت المشكلة ودبت الخلافات بين التيار الحازمي وسائر الداعشيين، بمن فيهم البغدادي الذي هدده الحطاب بالاستتابة وإلا القتل. واجتمع البغدادي سنة 2015 مع المقربين له من العراقيين والسوريين، وعرضوا على زعيم التيار وعناصره الاستتابة وإلا حكم بقتلهم، وكان الأخير، ولكن أحدث قتل (أبو جعفر محمود بن الحسين الحطاب) انقساما واضحا في صفوف الدواعش، وهم مجموعات يتبنون – بزعمهم – المسائل العلمية والمنهجية رغم جهلهم، حتى أنهم أطلقوا تحذيرا وتهديدا للبغدادي إن لم يتب ويتراجع فسيتم تكفيره والحكم عليه بالردة! ويتسمون بالتنطع والتعصب في أبسط المسائل التي لم يتأهلوا لها، ويكفرون على أبسط الأسباب بعضهم بعضا. وحسب حملة «السكينة» لتعزيز الوسطية في السعودية التي تابعت مداخلات وردود زعيم التيار الحازمي المقتول سنة 2015 ومشاركاته على الشبكة العنكبوتية قبل انضمامه إلى «داعش» وبعدها، والتي يتبين فيها أن أطروحاته كانت غاية في الغلو وجرأة في إطلاق التكفير مما رغب البغدادي وتنظيم داعش في استقطابه وتعيينه قاضيا مباشرة فور قدومه، لكنه انقلب عليهم وانقلبوا عليه وآلت الأمور إلى قتله. وقد أحدث مقتل الحطاب زعيم التيار الحازمي المذكور الكثير من البلبلة حينها بين عناصر «داعش»، وذكر مجموعة منهم ممن يشتغلون في كتيبة الإنترنت «تستدعوننا من بلداننا حتى تقتلونا، ونتكبد المهالك ونترك أهلنا وأعمالنا، ثم تتم تصفيتنا».


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».