كرنفال «نوتينغ هيل» يعتمد اللون الأخضر تكريماً لضحايا برج «غرينفل» في لندن

«الاحتجاج ضمن الاحتفال» شعار أكبر مهرجانات أوروبا الغربية

يخصص اليوم الأول لمسيرات يشارك فيها الأطفال (تصوير: هاشم النهاري)
يخصص اليوم الأول لمسيرات يشارك فيها الأطفال (تصوير: هاشم النهاري)
TT

كرنفال «نوتينغ هيل» يعتمد اللون الأخضر تكريماً لضحايا برج «غرينفل» في لندن

يخصص اليوم الأول لمسيرات يشارك فيها الأطفال (تصوير: هاشم النهاري)
يخصص اليوم الأول لمسيرات يشارك فيها الأطفال (تصوير: هاشم النهاري)

في حي نوتينغ هيل أنجز متطوعون قطع زينة أضفت لونا أخضر على الكرنفال الشهير عالميا في غرب لندن، تكريما لضحايا الحريق في برج «غرينفل» القريب.
وقام هؤلاء البالغ عددهم نحو العشرين بقص قلوب مصنوعة من القماش الكاكي اللون، وبطلاء لافتات وبنفخ بالونات باللون نفسه... قبل ساعات من انطلاق أكبر كرنفال شارع في أوروبا.
ويقوم هؤلاء بعملهم في مبنى تحول إلى مركز لجمع التبرعات لضحايا الحريق الذي شب في برج للمساكن الشعبية في 14 يونيو (حزيران) الماضي. وقد قضى ما لا يقل عن 80 شخصا في الحريق، فيما تشرد مئات آخرون في هذا الحي الذي يقبل عليه السياح وحيث تتجاور منازل بملايين الجنيهات الإسترلينية مع مساكن شعبية متواضعة.
ويوضح توبي لوران بيلسن، أحد منسقي المركز الذي تتكدس فيه الملابس والتبرعات الأخرى لمنكوبي الحريق: «الأخضر لون رائع، هو لون الشفاء والنمو والصمود في وجه الصعاب». ويؤكد: «هدفنا هو جعل الكرنفال أخضر بالكامل. لدينا كثير من الزينة واللافتات والقلوب الخضراء التي ستعلق على أعمدة الإنارة والأشجار. يمكن للناس تعليقها على نوافذهم وأبوابهم المطلة على الشارع. الهدف هو تعليق شيء ما يذكر الناس بما حدث ويعبر عن التضامن». وأصبح اللون الأخضر رمزا لبرج «غرينفل» منذ استخدمته المدارس المحيطة بالمبنى المتفحم بُعيد الكارثة لتكريم الضحايا.
ويشير بيلسن إلى أن «الناس عليهم أن يعيشوا مع هذا الأمر يوميا. فمنهم من يرى (البرج) من نافذته وهو يقوم بأعماله المنزلية أو من غرفة أطفالهم المطلة عليه».
وقد كانت الاستجابة للنداء إلى إنجاز قطع الزينة هذه كبيرة جدا بفضل شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا. ويرى الجميع أنه بذلك يتجاوز الغضب حيال السلطات العامة التي حملت مسؤولية المأساة بسبب الإهمال.
وترى سوارزي ماكالي، وهي مقدمة برامج إذاعية في الرابعة والعشرين أتت من شرق لندن، «أنها فرصة للمجموعات المختلفة لتقديم المساعدة وتوحيد الصفوف. أظن أن ثمة كثيرا من الغضب لأن هذه المأساة ما كان ينبغي أن تحصل. هذا الغضب مشروع، لكن يجب أن يوجه بطريقة جيدة».
ويعد الكرنفال ردا مناسبا في هذا الإطار. وقد أسس الكرنفال ذو الطابع الكاريبي في الستينات إثر أعمال شغب عنيفة على خلفية عنصرية تواجه فيها بيض ومهاجرون من منطقة الكاريبي.
وتؤكد أورسولا بارفيس، المدرسة المحلية البالغة 37 عاما، وقد ارتدت قميصا قطنيا أخضر وهي تعد هذه الزينة: «ولد الكرنفال من رحم المعاناة، وهو يستمد جماله من هذه القدرة على (الاحتجاج من خلال الاحتفال). وهذا ما سنقوم به هذه السنة».
وتضيف الرسامة سابرينا روان هاملتون، التي التقتها وكالة الصحافة الفرنسية في حديقة عامة في نوتينغ هيل انتشرت فيها القلوب الضخمة المصنوعة من الورق الأخضر: «نريد الاحتفاء بتعدد الثقافات في لندن على غرار صورة برج (غرينفل)؛ حيث كان قاطنوه ينطقون بـ34 لغة مختلفة».
وتخلل الكرنفال أيضاً الوقوف دقيقة صمت أمس الأحد، واليوم، وسيتضمن محطة صلاة وتأمل على المسار الذي سيسلكه المشاركون. وقد استقطب المهرجان الذي يعد أكبر مهرجانات الشوارع في أوروبا، مئات الآلاف من السياح والبريطانيين.
يذكر أن الكرنفال يستمر لمدة يومين؛ اليوم الأول يخصص للأطفال، واليوم الثاني يشهد الاحتفال الرئيسي. ويعقد المهرجان يومي الأحد والاثنين من الأسبوع الأخير من شهر أغسطس (آب).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».