البرامج الغربية الوافدة تملأ فراغاً صنعناه بأنفسنا

بعض البرامج الدولية لاقى نجاحاً في مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن (غيتي)
بعض البرامج الدولية لاقى نجاحاً في مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن (غيتي)
TT

البرامج الغربية الوافدة تملأ فراغاً صنعناه بأنفسنا

بعض البرامج الدولية لاقى نجاحاً في مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن (غيتي)
بعض البرامج الدولية لاقى نجاحاً في مخيمات اللاجئين السوريين بالأردن (غيتي)

تجتاح العالم العربي عشرات البرامج التعليمية التي تأتي بها منظمات دولية، وهيئات ومؤسسات غربية بهدف المساعدة في تحديث المناهج التي لا تزال تخضع لكلاسيكية تجاوزها الزمن. من هذه البرامج ما يعنى ببناء الشخصية، أو تعزيز الثقة بالنفس، وربما تقوية تعلم اللغة الإنجليزية، وتطوير استخدام الرياضيات والعلوم، والأغرب هي تلك التي تصلنا لتوثيق علاقتنا باللغة العربية.
تتعدد الأهداف ويبقى السؤال واحداً: ما مدى الفائدة التي يجنيها التلامذة العرب من هذه البرامج الوافدة؟ وهل هي بريئة الأهداف والغايات؟ ولماذا تصرف دول أجنبية عشرات ملايين الدولارات دون حتى أن نطلب منها ذلك، لترسل لنا خبراءها وتجاربها، لتحسين التعليم، وتوعية الأطفال، وتحديث المدرسة؟ وما دور وزارات التربية؟ وما فائدة برامج تكاد تكون فائضة عن الحاجة، ومعدومة الزبد تغرق بها مخيمات النازحين السوريين، في بلد اللجوء دون أي تنسيق بينها، كون كل منها له إدارته وتمويله وأهدافه؟
- تجارب ناجحة
«غياب الرؤية التعليمية العامة في البلد الواحد هو بحد ذاته مشكلة. المسؤولية في الأساس تقع على عاتق الجهات المحلية وبالدرجة الأولى وزارات التربية التي تستطيع أن تفرض شروطها على الهيئات الدولية والمنظمات»، تقول الدكتورة هنادا طه، وهي أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة زايد في الإمارات، والمتخصصة في الاستشارات التربوية، كما أنها مستشارة في «مؤسسة الفكر العربي»... د. طه على معرفة وثيقة بهذه البرامج وما يطبق منها في الأردن ولبنان، وبشكل خاص المغرب، حيث تعتبر التجربة هناك ناجحة جداً، «لأنهم عرفوا كيف يشتغلون بشكل صحيح. فالأساس هو أن يكون الفريق الوافد مؤهلاً وعلى دراية عالية بالمكان الآتي إليه».
ومن جهة أخرى، وعلى الجانب المحلي يجب ألا يترك العمل للمدّعين، بل يعين أصحاب الكفاءة والمقدرة. وتشرح د. هنادا: «لا نستطيع أن نقول إن هذه البرامج عظيمة وستغير التعليم في بلد معين، لكن لا بد من عمل كل جهد ممكن للاستفادة منها». ولكن ماذا يحدث في الكواليس، وفق أي معايير يصل هؤلاء الخبراء وكيف يتم اختيار البرامج؟ تجيب: «هي مبادرات تصل إلى الدول الأقل حظاً من الناحية الاقتصادية، حيث ترصد في بعض الدول الغربية والمنظمات مبالغ كبيرة جداً، بحيث يمول أحياناً المشروع الواحد بما يصل إلى 80 مليون دولار. وتقدم اقتراحات أو لنقل مناقصات من قبل شركات كبرى إلى هذه المنظمات كل منها تأتي باقتراحات مفصلة، تكاد تشبه الواحدة منها أطروحة دكتوراه. أي أن الأمور تسير بجدية تامة. لكن رغم ذلك، هؤلاء الخبراء قد يكونون دون دراية كافية بالمنطقة أو طبيعة البلد، لذلك فدور الجهات المحلية - حين يصلون إلى البلد - التي يعملون معها ومدى كفاءتها، أمر مهم للغاية». وتضيف: «لهذا أعتبر أن الأردن والمغرب تمكنا فعلاً من الإفادة من هذه البرامج لتطوير التعليم بشكل جيد».
- عامل الصدفة
أما لماذا تدفع كل تلك الأموال للعناية بتلامذتنا، وهي تصل إلى عشرات ملايين الدولارات؟ فجواب د. هنادا، أن الأمور متداخلة وهناك ما نعلمه وما لا نعلمه. «شخصياً لا أعرف ما الأهداف العميقة. لكن لنا فيما نرى ونعرف. طبعاً هم دائماً يتحدثون أنهم يريدون أن يأتوا لنا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والأشياء الأخرى التي نعرفها. لكن يمكن تصور أن جزءاً من أهداف هذه البرامج له علاقة بالتطرف أو مسحات تدين فائضة». وتشرح بعض البرامج التي عرفتها عن كثب: «لم تأتِ جاهزة أبداً، وإنما كتبت محلياً. وأنا عملت مع المغرب وساعدت في الكتابة. لم يكن برنامجاً معلباً، وهذا هو فهمي لما يحدث في الأردن ومصر واليمن. كلنا طبعاً من أنصار التعليم الحديث وأن يحض المنهج على التفكير والخلق ويشجع على المحاججة. وهذا لا يختلف عما درسناه في لبنان».
«المشكلة الكبيرة تقع حين تكون هذه البرامج كثيرة ولا تتبع الجهة نفسها ولا الفلسفة نفسها، ولا التوجه والمنحى ذاته»، تقول د. طه حين نسألها عما يحدث في مخيمات النزوح السوري من قبل الهيئات المعنية بهم: «في هذه الحالة، تصبح مجرد برامج تطرح والنتائج متروكة للصدفة. أعان الله من عليه أن يتحمل هذا العبء».
- تقصير حكومي
ما يهم الدكتورة طه هو التعليم الحكومي العام، وهي معنية بهذا المجال. وتركيزها بشكل أساسي على اللغة العربية التي تقول عن تعليمها إنه «في غاية الفظاعة والدمامة في المدارس العربية الحكومية في غياب الاعتناء الحقيقي بالطفل لغة ونفسية وإنساناً، وكذلك المعلم». تكمل بالقول: «لا أعرف كيف صار المعلم معلماً بهذه المواصفات. نتحدث عن دول كثيرة، التعليم العام فيها باللغة العربية ولا أسوأ. فعلاً أي شيء يأتي من الخارج سيكون أفضل. الحد الأدنى الذي يتوقعه الإنسان في صف اللغة العربية غير موجود. كأن يتحدث المدرس مع تلامذته باللغة الفصحى. هذا غير متوفر. اختاري البلد الذي تريدين وسترين غياباً كاملاً للقدرة على التحدث بالفصحى، غياباً كاملاً لتعليم القراءة وفقاً للمنهج الجديد، وكذلك تعليم التفكير والكتابة الجيدة. لذلك فنحن بحاجة إلى كل ما يأتينا». تتحدث عن هيئة وزعت مئات الآلاف من كتب أدب الأطفال المترجمة عن الأدب الإنجليزي. «والحقيقة أنني اطلعت على هذه الكتب واحداً واحداً، لم أرَ في أي منها بروباغندا. هي كتب تتحدث عن الحياة الحديثة، لكن طبعاً هم يترجمون أدبهم، أدب لغتهم. حتى لبنان استفاد من هذه الكتب بكميات كبيرة، ووزعت في ليبيا والأردن والبحرين والمغرب. أنا وجدتها هدية من السماء لأطفال لم يسبق لهم أن قرأوا كتاباً واستمتعوا به».
- غياب اللغة العربية
نحن في مأزق، بحسب د. طه، «حين تصرف ميزانيات الوزارات على رواتب الأساتذة لا على التدريب، وهم أنفسهم لا يجيدون التعليم فهذه مشكلة كبيرة. هناك فراغ كبير، وللأسف لا بد أن ثمة من سيأتي ليملأه. قد يملأ بشكل صحيح أو خاطئ، لكن الفراغ لا يبقى فراغاً، هذا حال الدنيا. نحن في وضع لا نحسد عليه في التعليم العام، وهنا يأتي دور الوزارات في أن تختار البرامج الوافدة الأفضل، وتعرف ما يجب أن تتبناه وما الذي ترفضه».
تعليم اللغة العربية ليس أمراً هيناً، تعلق د. طه في الختام: «الكل سعيد باللغات الأجنبية ولكن على الطريق إلى هذه اللغات، ضيعنا أنفسنا. مهما درسنا وتعلمنا اللغات سنبقى نسأل عن هويتنا. فإذا لم نتقن العربية فهذه مصيبة. كل الدراسات تقول مستحيل لإنسان أن يبدع بغير لغته، وأشدد على يبدع. لأن الإنسان قد يتفوق، قد يصبح طبيباً، ولكن الابتكار أمر آخر، وهذا لا يتم إلا باللغة الأم. لهذا نحن في العالم العربي تكاد تغيب براءات الاختراع». بالطبع هناك أسباب أخرى. لكن اللغة مسألة أساسية. «الامتحانات المقننة العالمية يشارك فيها 50 بلداً كل 4 سنوات، تقيس اكتساب العلوم والرياضيات واللغة الأم. دول عربية كثيرة تشترك، وكلها دول تنال ما تحت المعدل العالمي ودائماً سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا وفنلندا تأتي في المقدمة طبعاً».


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح
TT

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

اللهجات المختلفة تشير أحياناً إلى منشأ المتحدث بها، أو درجة تعليمه، أو وسطه الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، تقف اللهجات عائقاً أمام التعلم والفهم، كما أنها في بعض الأحيان تقف عقبة أمام التقدم المهني ونظرة المجتمع للمتحدث. ولهذا يتطلع كثيرون إلى التخلص من لهجتهم، واستبدالها بلغة «راقية» أو محايدة تمنحهم فرصاً عملية للترقي، وتحول دون التفرقة ضدهم بناء على لهجة متوارثة لا ذنب لهم فيها.
هذه الفوارق بين اللهجات موجودة في كل اللغات، ومنها اللغة العربية التي يحاول فيها أهل القرى اكتساب لهجات أهل المدن، ويتحدث فيها المثقفون إعلامياً بلغة فصحى حديثة هي الآن اللغة السائدة في إعلام الدول العربية. ولكن من أجل معالجة وسائل التعامل مع اللهجات واللكنات، سوف يكون القياس على اللغة الإنجليزية التي تعد الآن اللغة العالمية في التعامل.
هناك بالطبع كثير من اللهجات الإنجليزية التي تستخدم في أميركا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى، ولكن معاناة البعض تأتي من اللهجات الفرعية داخل كل دولة على حدة. وفي بريطانيا، ينظر البعض إلى لهجة أهل شرق لندن، التي تسمى «كوكني»، على أنها لهجة شعبية يستخدمها غير المتعلمين، وتشير إلى طبقة عاملة فقيرة. وعلى النقيض، هناك لهجات راقية تستخدم فيها «لغة الملكة»، وتشير إلى الطبقات العليا الثرية، وهذه أيضاً لها سلبياتها في التعامل مع الجماهير، حيث ينظر إليها البعض على أنها لغة متعالية، ولا تعبر عن نبض الشارع. وفي كلا الحالتين، يلجأ أصحاب هذه اللهجات إلى معالجة الموقف عن طريق إعادة تعلم النطق الصحيح، وتخفيف حدة اللهجة الدارجة لديهم.
الأجانب أيضاً يعانون من اللكنة غير المحلية التي تعلموا بها اللغة الإنجليزية، ويمكن التعرف فوراً على اللكنات الهندية والأفريقية والعربية عند نطق اللغة الإنجليزية. ويحتاج الأجانب إلى جهد أكبر من أجل التخلص من اللكنة الأجنبية، والاقتراب أكثر من النطق المحايد للغة، كما يسمعونها من أهلها.
وفي كل هذه الحالات، يكون الحل هو اللجوء إلى المعاهد الخاصة أو خبراء اللغة لتلقي دروس خاصة في تحسين النطق، وهو أسلوب تعلم يطلق عليه (Elocution) «إلوكيوشن»، وله أستاذته المتخصصون. ويمكن تلقي الدروس في مجموعات ضمن دورات تستمر من يوم واحد في حصة تستمر عدة ساعات إلى دورات تجري على 3 أشهر على نحو أسبوعي. كما يوفر بعض الأساتذة دورات شخصية مفصلة وفق حاجات الطالب أو الطالبة، تعالج الجوانب التي يريد الطالب تحسينها.
ومن نماذج الأساتذة الخصوصيين ماثيو بيكوك، الذي يقوم بتدريب نحو 20 طالباً أسبوعياً في لندن على تحسين نطقهم، حيث يتعامل مع حالة طبيب في مستشفى لندني يعاني من لهجته الكوكني، ويريد التخلص منها حتى يكتسب مصداقية أكبر في عمله كطبيب. ويقول الطبيب إنه يكره الفرضيات حول لهجته من المرضى والمجتمع الذي يتعامل معه.
ويقول بيكوك إن الطلب على دروس تحسين اللهجات في ارتفاع دائم في السنوات الأخيرة. كما زاد الطلب على الدروس بنسبة الربع في بريطانيا بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي. وكان معظم الطلب من الأوروبيين المقيمين في بريطانيا الذين يريدون التخلص من لكنتهم الأوروبية حتى يمكنهم الاختلاط بسهولة في بريطانيا، وتجنب التفرقة ضدهم من الشعب البريطاني.
ويقدم أحد فروع الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن دروساً شخصية في الإلقاء وتحسين اللهجة. ويقول كيفن تشابمان، مدير فرع الأعمال في الأكاديمية، إن الإقبال في العام الأخير على هذه الدروس زاد من 3 إلى 4 أضعاف. ويتلقى الطلبة دروساً فردية للتخلص من لهجات قروية، ولكن مع تقدم الدروس، يكتشف المدرس أن الطالب يحتاج أيضاً إلى معالجة أمور أخرى غير اللهجة، مثل الاضطراب والضغوط النفسية عند الحديث مع الإعلام وكيفية الإلقاء الصحيح.
وتجرى بعض هذه الدروس عن بعد، عن طريق برامج فيديو مثل «سكايب» يمكن للطالب أن يستمع إلى إلقائه عبر الفيديو من أجل تحسين لهجته. وترتبط دروس تحسين اللهجات في معظم الأحوال بتحسين أساليب التواصل والإلقاء عبر الوسائل الإلكترونية، وهي مقدرة يحتاجها أصحاب الأعمال في توصيل أفكارهم بوضوح وبساطة إلى زبائن الشركة والموردين الذين يتعاملون معهم، خصوصاً أن التعامل في عالم الأعمال الحديث يكون في مناخ دولي من جميع أنحاء العالم.
وبخلاف أصحاب الأعمال، يقبل على دروس تحسين اللهجة والحديث العام شرائح مجتمعية أخرى، مثل المدرسين والمحامين. وتقول فيليستي غودمان، مدربة الصوت التي تعمل في مدينة مانشستر، إنها فوجئت بأن بعض طلبتها اعترفوا بأنهم فشلوا في مقابلات عمل بسبب اللهجة، وهي تعتقد أن أصحاب الأعمال قد يقصدون القدرة اللغوية أو كيفية النطق، بدلاً من اللهجة، عند رفض المتقدمين لوظائف معينة.
ومن شركة متخصصة في تدريب الموظفين الذين يعملون في مجال السلع والخدمات الفاخرة، اسمها «لندن لكشري أكاديمي»، يقول مديرها العام بول راسيل، المتخصص في علم النفس، إن التفرقة ضد بعض اللهجات موجودة فعلاً. وهو يقوم بتدريب موظفي الشركات على التعامل بلهجات واضحة مع كبار الزبائن الأجانب. ويقول إن العامة تحكم على الأشخاص من لهجتهم رغماً عنهم، خصوصاً في بعض المجالات، حيث لا يمكن أن ينجح أي شخص بلهجة قوية في التواصل مع المجتمع المخملي في أي مكان.
ولمن يريد تحسين لهجته أو لغته بوجه عام، مع جوانب كيفية لفظ الكلمات والإلقاء العام، عليه بدورات تدريبية متخصصة، أو بدروس خصوصية من مدرب خاص. وتتراوح التكاليف بين 30 و40 جنيهاً إسترلينياً (40 و52 دولاراً) في الساعة الواحدة. ويحتاج الطالب في المتوسط إلى دورة من 10 دروس.
ولا يلجأ مدرسي النطق الصحيح للغات إلى الإعلان عن أنفسهم لأنهم يكتفون بمواقع على الإنترنت والسمعة بين طلبتهم من أجل الحصول على ما يكفيهم من دفعات الطلبة الجدد الراغبين في التعلم. ويقول روبن وودريدج، من مدرسة برمنغهام، إن تكاليف التعلم اللغوي الصحيح تعادل تكاليف تعلم الموسيقى، وهو يقوم بتعليم ما بين 40 و50 طالباً شهرياً.
ويضيف وودريدج أن سبب الإقبال على دروسه من رجال الأعمال والأكاديميين هو رغبتهم في تجنب الافتراضات المرتبطة بلهجتهم. فعلى رغم جهود التجانس والتعايش الاجتماعي، فإن التفرقة ضد اللهجات ما زالت منتشرة على نطاق واسع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني.
وعلى الرغم من أن أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية تقول في شروط اختباراتها إن اللهجات الإقليمية مقبولة، فإن وودريدج يؤكد أن معظم طلبة مدرسة برمنغهام للنطق الصحيح يأتون من مدارس خاصة، ولا يريد ذووهم أن تكون لهجة برمنغهام ذات تأثير سلبي على مستقبلهم.
ويقول أساتذة تعليم النطق اللغوي إن الفرد يحتاج إلى كثير من الشجاعة من أجل الاعتراف بأن لهجته تقف عقبة في سبيل نجاحه، ولذلك يلجأ إلى تغيير هذه اللهجة. ويشير بعض الأساتذة إلى حساسية التعامل مع مسألة اللهجات، والحاجة إلى الخبرة في التعامل مع كيفية تغييرها، ويعتقد أنه في بريطانيا، على الأقل، ما بقيت التفرقة ضد اللهجات، واستمر النظام الطبقي في البلاد، فإن الإقبال على خدمات تحسين اللهجات سوف يستمر في الزيادة لسنوات طويلة.
- كيف تتخلص من لكنتك الأجنبية في لندن؟
> هناك كثير من المعاهد والجامعات والكليات والمدارس الخاصة، بالإضافة إلى المعلمين الذين يمكن اللجوء إليهم في دورات تدريبية، في لندن لتحسين النطق باللغة الإنجليزية، أو التخلص من اللكنة الأجنبية. والنموذج التالي هو لمدرسة خاصة في لندن، اسمها «لندن سبيتش وركشوب»، تقدم دورات خاصة في تعليم النطق الصحيح، وتساعد الطلبة على التخلص من اللكنة الأجنبية في الحديث.
وتقول نشرة المدرسة إنه من المهم الشعور بالثقة عند الحديث، وإن الدورة التدريبية سوف تساهم في وضوح الكلمات، وتخفف من اللكنات، وتلغي الحديث المبهم. وترى المدرسة أن هناك كثيراً من العوامل، بالإضافة إلى اللهجة أو اللكنة الأجنبية، تمنع وضوح الحديث باللغة الإنجليزية، وهي تعالج كل الجوانب ولا تكتفي بجانب واحد.
وتقدم المدرسة فرصة الاستفادة من درس نموذجي واحد أولاً، قبل أن يلتزم الطالب بالدورة التدريبية التي تمتد إلى 10 حصص على 3 أشهر. كما يمكن للطالب اختيار حل وسط بدورة سريعة تمتد لـ5 حصص فقط. وتصل تكلفة الدورة المكونة من 10 حصص إلى 1295 جنيهاً (1685 دولاراً)، ويحصل الطالب بالإضافة إلى الحصص على دليل مكتوب في مائة صفحة للتدريب اللغوي، وخطة عمل مخصصة له، بالإضافة إلى واجبات دراسية أسبوعية. وللمدرسة فرعان في لندن: أحدهما في حي مايفير، والآخر في جي السيتي، شرق لندن بالقرب من بنك إنجلترا.