الأمن العام اللبناني... تفكيك شبكات تجسس وتفاوض مع متطرفين

TT

الأمن العام اللبناني... تفكيك شبكات تجسس وتفاوض مع متطرفين

يعكس إعلان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أمس، «أننا أصبحنا قريبين من إقفال ملف العسكريين المخطوفين»، التطور الذي طرأ على مهام المديرية منذ لحظة تعيين إبراهيم في موقعه قبل خمس سنوات، التي لم تقتصر على «مواكبة التقنيات الحديثة» في عمل المديرية، بل فعّلت مهام تعقّب الإرهابيين وتفكيك شبكات التجسس، وصولاً إلى تسلم إبراهيم ملفات التفاوض للإفراج عن مدنيين لدى الجماعات المتطرفة.
وأكد إبراهيم أمس أنه «لن يغفو لنا جفن ونرتاح ونستكين حتى نكشف مصير العسكريين المخطوفين، وأصبحنا قريبين من إقفال هذا الملف»، لافتاً إلى أن «ما أنجزته المديرية بالتنسيق مع باقي المؤسسات الأمنية، إنجاز وطني للدولة ولكل اللبنانيين». وشدد اللواء إبراهيم على أنه «لن نقبل ولن نسمح بأي خطر يمس لبنان حتى لو كان الثمن دمنا وحياتنا». وقال: «سيستمر الأمن العام في أداء واجباته الخدماتية والأمنية للمساهمة في الوصول إلى دولة آمنة ومتطورة وعادلة».
والمديرية التي احتفلت أمس بعيدها الـ72، بحضور الرئيس اللبناني ميشال عون، تطورت مهامها على ثلاثة مستويات خلال خمس سنوات. فإلى جانب خطط التطوير التقني والإداري، أنشئت أجهزة جديدة في المديرية، فيما ساهم البروفايل الشخصي للواء إبراهيم، وتجاربه السابقة في المفاوضات، إلى إيكاله من قبل السلطة التنفيذية مهام التفاوض في أكثر الملفات تعقيداً.
ويقول رئيس تحرير مجلة «الأمن العام» العميد المتقاعد من المديرية منير عقيقي إن اللواء إبراهيم، ومنذ تعيينه مديراً عاماً في العام 2011. «وضع خطة برامج خمسية لتطوير الإدارة من الناحية اللوجيستية والبناء وتطوير القدرات والمهارات البشرية»، بالتوازي مع تطوير للدور الأمني للأمن العام، المرتبط بمكافحة الإرهاب ومتابعة التجسس والحفاظ على الأمن بالداخلي.
ففي المستوى المتعلق بالإدارة، يوضح عقيقي لـ«الشرق الأوسط» أن الخطة شملت «تطوير هيكلية الأمن العام إذ أنشئت دوائر جديدة لتواكب المتطلبات المتزايدة للخدمات من المديرية لجهة تنظيم الإقامات والتأشيرات وجوازات السفر»، في وقت جاء ملف النزوح السوري ليمثل ضغطاً إضافياً، وهو «ما استدركته المديرية وتحضرت له».
وبالتزامن، نظمت دورات تدريبية قدمتها بعض المنظمات الدولية والدول الصديقة للبنان ومنظمات حقوق الإنسان تتعلق بالتدريب على التقنيات الحديثة، وهو ما ساهم في تطوير مكننة وتوسع استخدامها إلى المعابر الحدودية التي خضعت لنظام تطوير القدرات على الحدود المعروف بنظام ICMPD. هذا، وتحولت جميع وثائق السفر للبنانيين والفلسطينيين قبل عام ونصف العام إلى نظام البيومتري.
على المستوى الثاني، المرتبط بالتطوير الأمني، ارتفع عدد الأمن العام من خلال دورات التطويع من 4 إلى 7 آلاف عسكري وضابط، ما أهّل الأمن العام لتنفيذ الانتشار ضمن الخطط الأمنية الرسمية التي كانت تقرها الحكومة. ويشير عقيقي إلى أن المديرية أنشأت «دائرة الرصد والتدخل التي تضم عناصر النخبة، وتلقوا دورات تدريبية في الداخل وفي دول صديقة للبنان بهدف تطوير قدرات العسكريين الجسدية والمهارات الأمنية لتنفيذ مداهمات وملاحقات»، وقد نفذت خلال السنوات الماضية بمشاركة الجيش اللبناني في بعض المهام.
وبالموازاة، تم تحديث آليات المتابعة التي تتطلب تقنيات حديثة تفوق التقنيات التي تستعملها المنظمات الإرهابية «بهدف ملاحقتها وتفكيكها»، وأنشئت مراكز شعب متخصصة بمكافحة الإرهاب وآثارهم بالداخل والخارج من خلال التقنيات، وأثمر التعاون وتبادل المعلومات مع الدول الصديقة، نجاحاً في تفكيك خلايا إرهابية وتوقيف متورطين ومشتبه بهم. ويشير عقيقي إلى أن «أغلب الشبكات التي أوقفها الأمن العام جاءت نتيجة متابعة خاصة من خلية أمنية موكلة متابعة تلك الملفات عبر دوائر تحليل المعلومات».
المستوى الثالث من المهام، يتمثل في دور المدير العام. وفيما يعتبر المدير العام المستشار الأول للسلطة التنفيذية، وتحديداً رئيس الجمهورية، للحفاظ على الأمن الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، ساهمت المهام السابقة للواء إبراهيم، المرتبطة بالتواصل مع الفصائل الفلسطينية في المخيمات وجمعها في لقاءات واحدة للمرة الأولى في لبنان قبل سنوات، حين كان نائباً لمدير المخابرات في الجيش، بإيكاله قبل 4 سنوات مهام التفاوض لإطلاق سراح لبنانيين وسوريين محتجزين لدى تنظيمات إرهابية.
المهمة الأولى، تمثلت في استرجاع مخطوف لبناني يدعى علي سرور، مقابل استرجاع 11 جثة للبنانيين قتلوا في كمين تلكلخ على الحدود اللبنانية الشمالية، قبل أن يتوسع الدور لتحرير زوار لبنانيين كانوا محتجزين لدى لواء «عاصفة الشمال» في ريف حلب الشمالي، تلتها صفقة تحرير راهبات معلولا من جبهة النصرة، ثم تحرير العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «النصرة». وأخيراً نجح إبراهيم في إدارة ملف التفاوض لإخراج مسلحي «النصرة» من جرود عرسال اللبنانية، والإفراج عن مقاتلين لحزب الله أسرى لدى التنظيم.
ويقول عقيقي إن اللواء إبراهيم نجح في حل تلك الملفات الشائكة، وهي مهام معقدة لحل ملفات الاختطاف والرهائن، لافتاً إلى أن إبراهيم «يعمل على ثلاثة ملفات الآن، هي العسكريون اللبنانيون المحتجزون لدى تنظيم داعش الإرهابي، وملف مطراني حلب، وملف المصور اللبناني سمير كساب» الذي اختطفه التنظيم في شمال شرقي سوريا قبل 3 سنوات.


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان ملوحاً بالتحية لمواطنين في أثناء استقبال بهشلي له أمام منزله في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

تركيا: لقاء بين إردوغان وبهشلي وسط جدل حول الحوار مع أوجلان

تشهد تركيا حراكاً مكثفاً حول عملية لحل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان، وانقساماً حول مسألة العفو عنه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا محمد ديبي ورث حكم تشاد من والده وتمت ترقيته مؤخراً إلى رتبة ماريشال (صحافة محلية)

تحت تأثير الكحول والمخدرات... 24 شخصاً هاجموا القصر الرئاسي في تشاد

استبعدت تشاد أن يكون الهجوم على القصر الرئاسي ليل الأربعاء/الخميس، له أي طابع «إرهابي»، مشيرة إلى أن من نفذوه كانوا مجموعة من الأشخاص في حالة سكر ومسلحين.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

الأدلة التي نشرتها لجنة تحقيق رسمية في جرائم الحرب المزعومة ترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية اعتادت ثقافة الإفلات من العقاب في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن ) «الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن )
آسيا أفراد من الجيش الباكستاني (أرشيفية)

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

قُتل 3 جنود من رجال الأمن الباكستاني، كما قُضي على 19 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية واشتباكات وقعت في المناطق الشمالية من باكستان.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.