سفينة «عباسية» غرقت قرب سواحل الصين تكشف خط الحرير البحري

غرقت قبل 1239 سنة وعلى متنها كنز بملايين الدولارات

سفينة المنصور كما تخيلها أحد الفنانين
سفينة المنصور كما تخيلها أحد الفنانين
TT

سفينة «عباسية» غرقت قرب سواحل الصين تكشف خط الحرير البحري

سفينة المنصور كما تخيلها أحد الفنانين
سفينة المنصور كما تخيلها أحد الفنانين

في سنة 878م غادرت سفينة من البصرة إلى قوانغتشو في الصين، في وقت كانت فيه التجارة، والعلاقات السياسية بين البلدين في أوجها، فقد استعاد إمبراطور الصين بعض المدن، من متمردين عليه، بوساطة جيش من أفضل الفرسان، أنجده بهم الخليفة المنصور. وكان التجار العرب والفرس والهنود وبقية الوافدين قد اتخذوا مدينة قوانغتشو قاعدة لهم، وعاشوا فيها بأمان وحرية مطلقين. وفي طريق رجوع السفينة وهي محملة بأكثر من 56.000 قطعة تسوّقت بها من الصين، غرقت في مضيق خاضع لإندونيسيا الآن.
ذلك المضيق كان ولا يزال منطقة يتكاثر فيها اللؤلؤ؛ ولذلك أصبحت حمولة السفينة، في ذلك العصر تحت نظر الغطاسين، الذين التقطوا ما قدروا عليه من حمولة السفينة المنكوبة، وباعوه في أسواق المنطقة. وكثر الحديث حول الكنز والمنطقة التي غرقت فيها السفينة، ووصلت أخبارها إلى شركة معنية بتصيد الكنوز الضائعة في البحار، وحين تأكدت من وجود السفينة وبضاعتها، وحسبت ما ستناله من أرباح إن هي استخرجت الكنز، بدأت في العملية، التي استغرقت عشر سنوات، أما الحصيلة فكانت مجموعة من أفضل ما عثر عليه، إلى حد الآن، في طريق الحرير البحري. وحين انتشر الخبر في جميع أنحاء العالم، أقبلت وفود البلاد التي تقدر الآثار حقّ قدرها، وتجمعت في المكان للمزايدة على الكنز ففاز به وفد الدولة الناهضة الصغيرة سنغافورة، وكان د. شيا رئيس بعثة سنغافورة، مخولا بشراء الحطام كله، فدفع سنة 2005 أكثر من 30 مليون دولار، متفوقاً على وفود عدة، وفي نيته أن يصبح هذا الكنز نواة لأثمن متحف بحري لطريق الحرير المائي، في العالم. كان من المفروض أن يعود هذا الكنز إلى العراق؛ لأن التجار العراقيين هم الذين اشتروه، ودفعوا ثمنه، أولاً، ولأن المبلغ الذي أرسي على الكنز ثمنا له، لا قيمة له، مقارنة بما يحتويه، وبما يدل عليه ثانياً، أما ثالثاً فإن المبلغ زهيد مقارنة بواردات العراق النفطية التي تتجاوز مائة مليار دولار سنوياً.
في القرن التاسع كان هناك محركان مهمان للتجارة العالمية، أحدهما في الشرق، وهم تجار الصين تحت حكم أسرة تانغ، التي تمتد إمبراطوريتها خارج حدود الصين، إلى الشمال حيث التيبت، ومنغوليا وروسيا، حتى جنوب بحرها، مع موانئ مفتوحة على التجارة الخارجية، كانت أسرة تانغ ترحب بمواطني الدول الأخرى في عاصمتها «تشانجان»، التي بقيت نموذجاً للتعدد القومي، لا تراه في أي مدينة غربية حتى لندن «القرن التاسع عشر». وكحال الصين الآن، كانت آنذاك قوة اقتصادية، تعتمد على التجارة وكانت تصدر مواد أخرى وجدت نماذج لها في الآثار العامة، وفي السفينة الشراعية، الغارقة، كالأواني الخزفية، والذهب والفضة والأثاث المحفور والمزخرف، والحرير بطبيعة الحال.
أما المحرك الثاني للتجارة العالمية آنذاك، فكان تجار بغداد، ولا نستطيع هنا أن نذكر رقماً محدداً بعملة ما، لكننا نستطيع أن نستنتج المبالغ الهائلة التي استخدمت في التجارة؛ إذ يروى أن الدولة صادرت ثروة أحد التجار، بمبالغ هائلة، لكنها أبقت عنده ما يقارب ملياري دينار ذهباً، وهذا يعني، بحساب اليوم، ثروة فلكية لا تقارن إلا بما تملكه الولايات المتحدة الأميركية.
أصبحت بغداد عاصمة الخلافة العباسية، مركز التجارة الأول في الشرق، بدءاً من سنة 750 وقت قيامها، وكانت المنطقة بين نهر الإندوس في الشرق، وإسبانيا في الغرب، مجالا نشاطا تجاريا واسعا، مع دول الجوار وشعوبها، وتوثق انتقال البضائع بشكل مستمر، وفاعل مع الدول غير المسلمة ومنها الصين، والهند وجزر جنوب شرقي آسيا، والدول التي تقع شمالها أيضاً، وشجع الخلفاء الناس العمل بالتجارة؛ لكون أجدادهم القرشيين والرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - نفسه عمل بالتجارة؛ لذلك ازدهرت في جميع عهود الدولة الإسلامية.
إن استعرضنا بضاعة السفينة البصرية المنكوبة فسنلاحظ أمامنا، أي مستوى اقتصادي رفيع كان أجدادنا يعيشون فيه: 55 ألف كاسة من السيراميك فائق الجودة، تحمل نقوشاً مختلفة ما بين الزهور المتنوعة، وصور الآنية، وبشر، وحيوانات مختلفة، صغيرة وكبيرة، وأطفال، ومناظر مختلفة طبيعية للأرياف، وشلالات، وأسماك وزهور متنوعة، موجودة الآن ومنقرضة، ورموز إسلامية، وحتى أشعار عربية مكتوبة باللغة العربية، ومزججة بالنحاس، والفضة، والحديد الخ، مع كم هائل من محابر كتابة، تبلغ السبعمائة وثلاث وستون محبرة، و915 جرة مملوءة بالتوابل من مختلف الأحجام، و1.653إبريقاً، تنبئك بأن البضاعة مصنوعة، أو مصدّرة حسب الطلب، لا كيفما اتفق، وأنها ستقع بيد شخصية ذواقة تحب الفن، وتقدره حق قدره.
من ذلك، كوب ذهب، يحمل بمقبض، وحسب د. شيا «هذا أكبر كوب ذهب منقوش وجد حتى الآن»، يشير شيا إلى رجلين يظهران في كوب الذهب المنحوت، بملامح من وسط آسيا، بدلاً من الصين، واحد بشعر طويل مجعد، ولحية كثة، وراقصة فارسية، تصفق بيديها، وموسيقيين يعزفون بمختلف الآلات الموسيقية. يوضح شيا، أن الموسيقى والرقص الفارسي مرفوضان في الصين، حيث يفضل الرقص الوطني، وهذا يعني أن الأواني صنعت بتوجيه وبتصاميم من الخارج.
من الكنز تتفرد قارورة كبيرة رائعة من الفضة، ربما صنعت لغرض خزن الأشياء الثمينة، مزينة بنقوش طيور قلما تشاهد خارج الصين. يشرح د. شيا: انظر إلى البطتين الصينيتين المنقوشتين فيها، إنهما زوج مثالي متناغم، صناديق منقوشة اثنين اثنين أيضاً، زوج من الطيور، زوج من الغزلان، زوج من الوعول، ربما كانت بعض هذه الحمولة، هدايا لحفلة ملكية في العراق أو لأحد المسؤولين الكبار، أو أحد الولاة. لكن هذا التبادل التجاري الهائل انحسر بعد رحيل تشنغ بقليل، سيطر الكونفوشيوسيون، على الصين، فأحرقت الصين أسطولها، والتفتت إلى الداخل، وتتالت النكسات، فبعد سنة 878 بنحو نصف قرن، أي «بعد غرق السفينة البصرية» ظهر قائد متمرد «هوانغ تشاو»، نهبت قواته المدينة «قوانغتشو» وأحرقتها، وصبت جام غضبها على السكان فقتلت أكثر من عشرة آلاف، من المسلمين، اليهود، المسيحيين، العرب، الفرس.
أما طريقا الحرير البري والبحري اللذان يربطان الصين بالعالم، فقد غرقا في بحر النسيان، مع كنز سفينة البصرة، لم يبق سوى رحلات برية وبحرية قصيرة بين مدن قريبة، أو إلى دول محايدة، تشمل موانئ في المنطقة نفسها، أو إلى مناطق مجاورة لا تبعد كثيراً، ثم سيطر على الطريق قوم جدد، هم البرتغاليون، فتحكموا بموانئ المحيط الهندي، وبنهاية القرن السابع عشر، وبداية الثامن عشر، بدأ الأوروبيون يسيطرون على العالم، ويحتكرون تجارته. وهكذا تغير تاريخ العالم كله. لو لم تتقوقع الصين على نفسها مدة خمسمائة عام، كما يقول المؤرخون، لظل طريقا الحرير البحري والبري صالحين، يعملان.



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».