واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

بعد تسجيله 53 هدفاً في 113 مباراة مع منتخب إنجلترا لكرة القدم

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية
TT

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

أعلن نجم كرة القدم الإنجليزي العالمي واين روني (31 سنة) اعتزاله اللعب دولياً مع منتخب إنجلترا، والتفرّغ للعب محلياً مع فريق نادي الجديد - القديم إيفرتون الذي بدأ منه مسيرته الرياضية، والذي ظل - حسب قوله – النادي الأقرب إلى قلبه والذي معه ينوي الاعتزال.
تجدر الإشارة إلى أن روني، الذي بات أكبر هدّاف في تاريخ الكرة الإنجليزية، ولقد سجّل 53 هدفاً في 113 مباراة ارتدى فيها قميص المنتخب الإنجليزي، ذكر في إعلانه إنهاء مسيرته الدولية أن غاريث ساوثغيت، مدير المنتخب، وجه إليه الدعوة للانضمام إلى تشكيلته تمهيداً لمجموعة المباريات التمهيدية لنهائيات كأس العالم المقبلة ابتداءً بمواجهتين مع منتخبي مالطة وسلوفاكيا، لكنه اعتذر بعدما أعرب عن امتنانه لساوثغايت. وجاء في إعلان روني قوله: «في كل كرة يقع الاختيار علي للمشاركة في صفوف المنتخب أعتز بذلك حقاً، إلا أنني أؤمن الآن بأنه حان الوقت للانسحاب من الحلبة».

عرفت كرة القدم الإنجليزية الطويل عبر تاريخها مواهب فذة كثيرة أهلتها لدخول قوائم ألمع فناني المستطيلات الخضراء. بل فقط منذ فوز إنجلترا بكأس العالم عام 1966 اشتهر من لاعبيها في حراسة المرمى غوردون بانكس، الذي أسهم بذلك الفوز التاريخي وعُد واحداً من أعظم حراس العالم، وبعد بانكس لمع نجم حارس آخر هو بيتر شيلتون الذي حرس مرمى المنتخب 125 مرة متصدراً عدد المباريات الدولية لأي لاعب إنجليزي، واختير عام 2000 ضمن أفضل 10 حراس خلال القرن العشرين. كذلك برز في مواقع الدفاع ظهراء أفذاذ بينهم بوبي مور (كابتن منتخب إنجلترا الفائز بكأس العالم عام 1966) وروي ويلسون وكولن تود وروي مكفارلاند وإيملين هيوز وفيل نيل وكين سانسوم وتوني آدامز، وفي مواقع الوسط مارتن بيترز وآلان بول وكولن بل وطوني كاري وروي ويلكينز وبريان روبسون وديفيد بيكهام، وفي الهجوم جيمي غريفز وبوبي تشارلتون وفرانسيس لي ومالكولم ماكدونالد ومايك تشانون وتريفور فرانسيس... وغيرهم العشرات. إلا أن فتى يافعاً تربّى في إحدى الأحياء الشعبية المتواضعة في مدينة ليفربول قيّض له أن يفرض بصماته الاستثنائية كمهاجم هدّاف وكلاعب وسط هجومي على الكرة الإنجليزية منذ عام 2000، عام استقبال الألفية الثالثة والقرن الـ21.
إنه واين روني، الذي اختار هذه الأسبوع أن يهجر اللعب دولياً في عز عطائه بعد مسيرة حافلة بالمنجزات، وهو لا يزال في سن الحادية والثلاثين، مفضلاً أن تأتي البادرة منه قبل أن يضطر لإنهاء مسيرته تحت وقع التجاهل والتهميش. وهو اللاعب الذي وصفه مدير الكرة الفرنسي الكبير آرسين فينغر مدرّب فريق نادي آرسنال اللندني عام 2002 بقوله: «روني هو أعظم موهبة (كروية) إنجليزية شاهدتها منذ استقراري في إنجلترا. لم أشاهد ولم أعرف لاعباً دون سن العشرين بتفوقه منذ عملت هنا».

- بطاقة هوية
ولد واين مارك روني يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1985 لعائلة كاثوليكية بسيطة ذات جذور آيرلندية في حي كروكستيث الشعبي بمدينة ليفربول. ونشأ الطفل واين مع شقيقيه غراهام وجون في المدينة، التي تعدّ أبرز معاقل رياضة كرة القدم الإنجليزية والأوروبية، والتحق مثلهما بمدرستين كاثوليكيتين محليتين. أيضاً شغف واين بهذه الرياضة وأقبل على ممارستها منذ نعومة أظفاره منجذباً بقلبه إلى ناديها «الأزرق» العريق إيفرتون الذي شجعه طوال حياته. والجدير بالإشارة إلى أن إيفرتون يخوض مع «جاره» اللدود «الأحمر» نادي ليفربول أطول بل أشهر منافسة تقليدية محلية في غرب أوروبا منذ عام 1893، وذلك منذ انشق ليفربول عن إيفرتون وأسّس كنادٍ مستقل عام 1892، وانضمامه من ثم إلى الدوري في العام التالي.
والواقع، أن موهبة واين روني أخذت تظهر للمتابعين عندما بدأ اللعب مع منتخب مدارس ليفربول وخلال موسم واحد سجّل 72 هدفاً. وفي سن التاسعة لعب لفريق لأحد أندية الصبيان والفتيان في حيي والتون وكيركديل بمدينة ليفربول وسجل 99 هدفاً مع الفريق، وفي حينه لفت نظر بوب بندلتون، أحد كشّافي المواهب في نادي إيفرتون، الذي أخذه إلى النادي وضمه إلى صفوفه.
وفي موسم 1995 - 1996 سجل روني 114 هدفاً خلال 29 مباراة فقط لفريقي إيفرتون لمن هم تحت 10 سنوات و11 سنة. وبلغ نضج موهبة روني الاستثنائية أنه لدى بلوغه سن الـ15 ألحق للعب بفريق تحت 19 سنة. وخلال المباريات الثماني التي لعبها في لإيفرتون بمسابقة كأس إنجلترا للناشئين لعام 2002 سجل ثمانية أهداف بينها هدف في النهائي الذي خسره الفريق أمام ناشئي نادي أستون فيلا.
وفي عام 2002، عندما كان روني لا يزال في السادسة عشرة من عمره، لعب مباراته الأولى كلاعب محترف مع إيفرتون. ومن ثم أمضى سنتين مرتدياً قمصان إيفرتون الزرقاء قبل أن يشتريه نادي مانشستر يونايتد في صيف عام 2004 بمبلغ ضخم يومذاك بلغ 25.6 مليون جنيه إسترليني، ويعتبر هذا المبلغ الأعلى الذي يُدفع ثمناً للاعب دون سن العشرين.

- إلى مانشستر يونايتد
ومع يونايتد، أسهم روني بانتصارات «الشياطين الحمر» التي تضمّنت تحقيقه 16 إنجازاً منها انتزاعهم بطولة الدوري الممتاز خمس مرات، وكأس إنجلترا وبطولة أندية أوروبا عام 2008، وعلى المستوى الشخصي، سجل روني خلال تلك الفترة 253 هدفاً لمانشستر يونايتد في مختلف المسابقات ما جعله هدّافه الأول عبر تاريخ النادي الطويل، كما أنه هدف الـ200 في الدوري الممتاز بوّأه المركز الثاني بين جميع هدّافي الدوري الممتاز خلف المهاجم الدولي آلان شيرر. بل إن روني يتصدّر الهدافين الذين سجلوا أهدافاً لنادٍ واحد، بفضل إحرازه 183 هدفاً لمانشستر يونايتد.
ومع أن لعب روني للمنتخب الإنجليزي كانت مجرد مسألة وقت بعد انتقاله من إيفرتون إلى يونايتد عام 2002، فإن انتظار ارتداء قميص المنتخب لم يطل كثراً، بل اختير للانضمام إلى المنتخب عام 2003 خلال أقل من سنة واحدة من انتقاله. وفي فبراير (شباط) لعب المهاجم الفتي الموهوب مباراته الدولية الأولى وهو لا يزال في سن السابعة عشرة... وبذا غدا أصغر لاعب دولي إنجليزي (إلى أن كسر رقمه القياسي هذا جناح نادي آرسنال اللندني ثيو والكوت) كما بات أصغر لاعب يسجل هدف للمنتخب. وعندما شارك روني في بطولة الأمم الأوروبية عام 2004، وسجل فيها أربعة أهداف صار لفترة أصغر هدافي البطولة سناً. وعبر سنوات لعبه في صفوف يونايتد اختير روني «أفضل لاعب كرة في إنجلترا» أربع مرات في أعوام 2008 و2009 و2014 و2015. وبفضل إحرازه 53 هدافاً في 119 مباراة دولية يعد روني هداف إنجلترا الأول، كما أنه يتقاسم مع نجم آخر من نجوم مانشستر يونايتد هو ديفيد بيكام المرتبة الثانية بين أكثر اللاعبين مشاركة في مباريات المنتخب الدولية، وذلك خلف حارس المرمى المعتزل بيتر شيلتون.
وعلى صعيد آخر، شارك وروني منذ التحق بصفوف المنتخب الكروي الإنجليزي ثلاث مرات في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وذلك أعوام 2006 و2010 و2014، غير أنه لم يحظ بشرف قيادته لانتزاع الكأس. وهو بذلك يتساوى مع نجم نجوم البرتغال ونادي ريال مدريد حالياً ومانشستر يونايتد سابقاً كريستيانو رونالدو، وقبله بعقود نجم البرتغال التاريخي اللامع يوزيبيو الذي كان أفضل لاعبي العالم عام 1966 عندما انتزعت إنجلترا الكأس في استاد ويمبلي بتغلبها في النهائي على ألمانيا الغربية.

- العودة إلى إيفرتون
ذات يوم، قبل الانتقال إلى يونايتد، ارتدى واين روني وهو في زي إيفرتون في إحدى مباراته مع الفريق قميصاً داخلياً كشف عنه بعد المباراة كتبت عليه عبارة: «إذا كان ولاؤك الأصلي لـ(الزرق) (أي لإيفرتون) فإنه سيبقى كذلك إلى الأبد»!
وفعلاً، بعد بلوغه الثلاثين، وفي حمأة التوقّعات حول مستقبله الكروية في نادٍ يعد أحد أغنى أندية العالم الرياضية وأكثرها طموحاً، راج كلام كثير في الصحافة عن أن العد العكسي لبقاء روني مع يونايتد قد بدأ... وأن «الشياطين الحمر» بدأوا يعدّون العدة لصفحة جديدة مع لاعب أصغر سناً.
وبمرور الأيام تزايد اللغط في بيئة كروية محترفة تتحكم بها هذه الأيام الإشاعات وأطماع وكلاء اللاعبين ومليارات المموّلين من خارج بريطانيا، ولا سيما من الروس والصينيين والأميركيين. ونقل عن روني نفسه كلاماً أنه إذا كان سينتقل في يوم من الأيام من يونايتد فإن وجهته لا يمكن أن تكون إلا «حبه الأول»، فريق مدينته ومكتشف موهبته... إيفرتون. وحقاً في هذه الفترة كان هدّاف إيفرتون البلجيكي العالمي رومولو لوكاكو (24 سنة) يعلن تكراراً أنه قرر ألا يبقى مع فريقه، وسيسعى للعب لنادٍ آخر «يلعب في بطولة أندية أوروبا».
في هذه الأثناء، طرأ تطوران مهمّان على المشهد.
الأول شراء الملياردير البريطاني الإيراني الأصل فرهام مشيري نحو نصف أسهم إيفرتون، وإعلانه اعتزامه إعادة النادي إلى مكانته العريقة السابقة في مقدمة الأندية الإنجليزية. والثاني إسناد إدارة الكرة في النادي إلى المدرب اللاعب الهولندي العالمي السابق رونالد كومان، وتوفير الأموال اللازمة له لإنجاز حلم مشيري.
ومنذ البداية كان حازماً، ولا سيما، مع نجمي النادي لوكاكو ولاعب الوسط روس باركلي. إذ رفض الرد على تسريبات الأول وإعلاناته المتكررة عن رغبته المغادرة، وتعامل بحزم وشدة إزاء ما اعتبر أنه نوع من الابتزاز من باركلي لمغادرة النادي مستفيداً من واقع أنه لم يعد على عقده معه سوى سنة واحدة يمكنه بعدها ترك النادي مجاناً ما يعني حرمان النادي من ثمنه.
وفعلاً بمجرد تلقي كومان عرضاً مغرياً من مانشستر يونايتد، بالذات، لشراء لوكاكو (90 مليون جنيه) فإنه وافق عليه. وباشر باكراً إعادة بناء تشكيلة الفريق كي لا يتعرض لمزيد من الابتزاز، مستفيداً من ريع بيع لوكاكو، الذي جاء ضمه ليونايتد ليؤكد أنه بات «بديل» روني.
وهنا، بجانب عدد من الصفقات الكبرى التي عقدها كومان، فإنه عجّل بالتفاهم مع روني، فأعاده إلى إيفرتون لكي يساهم بخبرته العريضة في إنضاج المواهب الشابة التي يعجّ بها الفريق «الأزرق» اليوم، مع الإشارة إلى أن ستة من نجوم منتخب إنجلترا تحت الـ21 سنة حالياً من لاعبي إيفرتون.

- عائلة روني
واين روني متزوج كولين ماكلوخلن، التي تعرف إليها وأحبها منذ أيام المدرسة في ليفربول. ولقد تزوجا يوم 12 يونيو (حزيران) 2008، ورزقا بولد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 سمياه كاي واين، ثم رزقا في مايو (أيار) 2013 بولدهما الثاني كلاي أنطوني، وفي يناير (كانون الثاني) 2016 بولدهما الثالث كيت جوزيف.


مقالات ذات صلة

توخيل: كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي

رياضة عالمية توخيل قال إن جميع لاعبي إنجلترا بإمكانهم فتح صفحة جديدة مع المنتخب (رويترز)

توخيل: كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي

قال الألماني توماس توخيل، مدرب منتخب إنجلترا لكرة القدم، إن هاري كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي عندما يتولى المسؤولية الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية توماس توخيل يبدأ رسمياً دوره مدرباً لإنجلترا في يناير (أ.ب)

مجموعة إنجلترا في تصفيات المونديال... كيف ستسير الأمور؟

ستواجه إنجلترا صربيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الموسعة المكونة من 48 فريقاً في عام 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية صلاح المتألق يحتفل بعدما سجل هدفين وصنع الثالث في مباراة التعادل مع نيوكاسل (اب )

تألق صلاح يزيد الضغط على إدارة ليفربول قبل موقعة «الديربي» أمام إيفرتون

تقلص الفارق بين ليفربول المتصدر وأقرب مطارديه تشيلسي وآرسنال من تسع نقاط إلى سبع بعد مرور 14 مرحلة من الدوري الإنجليزي الممتاز

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية فابيان هورتسلر مدرب برايتون (د.ب.أ)

مدرب برايتون: سأتعلم من عقوبة الإيقاف... وفولهام متطور

تعهد فابيان هورتسلر مدرب برايتون بأن يتعلم من عقوبة إيقافه بحرمانه من الوقوف في المنطقة الفنية خلال مواجهة فولهام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم، غداً الخميس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية آرسنال يستعد لاستضافة مانشستر يونايتد في كأس إنجلترا (رويترز)

قرعة كأس إنجلترا: آرسنال يصطدم بمانشستر يونايتد في قمة الدور الثالث

ستكون مواجهة آرسنال ومانشستر يونايتد على «استاد الإمارات» أبرز مباريات الدور الثالث من مسابقة كأس إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.