واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

بعد تسجيله 53 هدفاً في 113 مباراة مع منتخب إنجلترا لكرة القدم

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية
TT

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

واين روني... طوى صفحة مسيرته الدولية

أعلن نجم كرة القدم الإنجليزي العالمي واين روني (31 سنة) اعتزاله اللعب دولياً مع منتخب إنجلترا، والتفرّغ للعب محلياً مع فريق نادي الجديد - القديم إيفرتون الذي بدأ منه مسيرته الرياضية، والذي ظل - حسب قوله – النادي الأقرب إلى قلبه والذي معه ينوي الاعتزال.
تجدر الإشارة إلى أن روني، الذي بات أكبر هدّاف في تاريخ الكرة الإنجليزية، ولقد سجّل 53 هدفاً في 113 مباراة ارتدى فيها قميص المنتخب الإنجليزي، ذكر في إعلانه إنهاء مسيرته الدولية أن غاريث ساوثغيت، مدير المنتخب، وجه إليه الدعوة للانضمام إلى تشكيلته تمهيداً لمجموعة المباريات التمهيدية لنهائيات كأس العالم المقبلة ابتداءً بمواجهتين مع منتخبي مالطة وسلوفاكيا، لكنه اعتذر بعدما أعرب عن امتنانه لساوثغايت. وجاء في إعلان روني قوله: «في كل كرة يقع الاختيار علي للمشاركة في صفوف المنتخب أعتز بذلك حقاً، إلا أنني أؤمن الآن بأنه حان الوقت للانسحاب من الحلبة».

عرفت كرة القدم الإنجليزية الطويل عبر تاريخها مواهب فذة كثيرة أهلتها لدخول قوائم ألمع فناني المستطيلات الخضراء. بل فقط منذ فوز إنجلترا بكأس العالم عام 1966 اشتهر من لاعبيها في حراسة المرمى غوردون بانكس، الذي أسهم بذلك الفوز التاريخي وعُد واحداً من أعظم حراس العالم، وبعد بانكس لمع نجم حارس آخر هو بيتر شيلتون الذي حرس مرمى المنتخب 125 مرة متصدراً عدد المباريات الدولية لأي لاعب إنجليزي، واختير عام 2000 ضمن أفضل 10 حراس خلال القرن العشرين. كذلك برز في مواقع الدفاع ظهراء أفذاذ بينهم بوبي مور (كابتن منتخب إنجلترا الفائز بكأس العالم عام 1966) وروي ويلسون وكولن تود وروي مكفارلاند وإيملين هيوز وفيل نيل وكين سانسوم وتوني آدامز، وفي مواقع الوسط مارتن بيترز وآلان بول وكولن بل وطوني كاري وروي ويلكينز وبريان روبسون وديفيد بيكهام، وفي الهجوم جيمي غريفز وبوبي تشارلتون وفرانسيس لي ومالكولم ماكدونالد ومايك تشانون وتريفور فرانسيس... وغيرهم العشرات. إلا أن فتى يافعاً تربّى في إحدى الأحياء الشعبية المتواضعة في مدينة ليفربول قيّض له أن يفرض بصماته الاستثنائية كمهاجم هدّاف وكلاعب وسط هجومي على الكرة الإنجليزية منذ عام 2000، عام استقبال الألفية الثالثة والقرن الـ21.
إنه واين روني، الذي اختار هذه الأسبوع أن يهجر اللعب دولياً في عز عطائه بعد مسيرة حافلة بالمنجزات، وهو لا يزال في سن الحادية والثلاثين، مفضلاً أن تأتي البادرة منه قبل أن يضطر لإنهاء مسيرته تحت وقع التجاهل والتهميش. وهو اللاعب الذي وصفه مدير الكرة الفرنسي الكبير آرسين فينغر مدرّب فريق نادي آرسنال اللندني عام 2002 بقوله: «روني هو أعظم موهبة (كروية) إنجليزية شاهدتها منذ استقراري في إنجلترا. لم أشاهد ولم أعرف لاعباً دون سن العشرين بتفوقه منذ عملت هنا».

- بطاقة هوية
ولد واين مارك روني يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1985 لعائلة كاثوليكية بسيطة ذات جذور آيرلندية في حي كروكستيث الشعبي بمدينة ليفربول. ونشأ الطفل واين مع شقيقيه غراهام وجون في المدينة، التي تعدّ أبرز معاقل رياضة كرة القدم الإنجليزية والأوروبية، والتحق مثلهما بمدرستين كاثوليكيتين محليتين. أيضاً شغف واين بهذه الرياضة وأقبل على ممارستها منذ نعومة أظفاره منجذباً بقلبه إلى ناديها «الأزرق» العريق إيفرتون الذي شجعه طوال حياته. والجدير بالإشارة إلى أن إيفرتون يخوض مع «جاره» اللدود «الأحمر» نادي ليفربول أطول بل أشهر منافسة تقليدية محلية في غرب أوروبا منذ عام 1893، وذلك منذ انشق ليفربول عن إيفرتون وأسّس كنادٍ مستقل عام 1892، وانضمامه من ثم إلى الدوري في العام التالي.
والواقع، أن موهبة واين روني أخذت تظهر للمتابعين عندما بدأ اللعب مع منتخب مدارس ليفربول وخلال موسم واحد سجّل 72 هدفاً. وفي سن التاسعة لعب لفريق لأحد أندية الصبيان والفتيان في حيي والتون وكيركديل بمدينة ليفربول وسجل 99 هدفاً مع الفريق، وفي حينه لفت نظر بوب بندلتون، أحد كشّافي المواهب في نادي إيفرتون، الذي أخذه إلى النادي وضمه إلى صفوفه.
وفي موسم 1995 - 1996 سجل روني 114 هدفاً خلال 29 مباراة فقط لفريقي إيفرتون لمن هم تحت 10 سنوات و11 سنة. وبلغ نضج موهبة روني الاستثنائية أنه لدى بلوغه سن الـ15 ألحق للعب بفريق تحت 19 سنة. وخلال المباريات الثماني التي لعبها في لإيفرتون بمسابقة كأس إنجلترا للناشئين لعام 2002 سجل ثمانية أهداف بينها هدف في النهائي الذي خسره الفريق أمام ناشئي نادي أستون فيلا.
وفي عام 2002، عندما كان روني لا يزال في السادسة عشرة من عمره، لعب مباراته الأولى كلاعب محترف مع إيفرتون. ومن ثم أمضى سنتين مرتدياً قمصان إيفرتون الزرقاء قبل أن يشتريه نادي مانشستر يونايتد في صيف عام 2004 بمبلغ ضخم يومذاك بلغ 25.6 مليون جنيه إسترليني، ويعتبر هذا المبلغ الأعلى الذي يُدفع ثمناً للاعب دون سن العشرين.

- إلى مانشستر يونايتد
ومع يونايتد، أسهم روني بانتصارات «الشياطين الحمر» التي تضمّنت تحقيقه 16 إنجازاً منها انتزاعهم بطولة الدوري الممتاز خمس مرات، وكأس إنجلترا وبطولة أندية أوروبا عام 2008، وعلى المستوى الشخصي، سجل روني خلال تلك الفترة 253 هدفاً لمانشستر يونايتد في مختلف المسابقات ما جعله هدّافه الأول عبر تاريخ النادي الطويل، كما أنه هدف الـ200 في الدوري الممتاز بوّأه المركز الثاني بين جميع هدّافي الدوري الممتاز خلف المهاجم الدولي آلان شيرر. بل إن روني يتصدّر الهدافين الذين سجلوا أهدافاً لنادٍ واحد، بفضل إحرازه 183 هدفاً لمانشستر يونايتد.
ومع أن لعب روني للمنتخب الإنجليزي كانت مجرد مسألة وقت بعد انتقاله من إيفرتون إلى يونايتد عام 2002، فإن انتظار ارتداء قميص المنتخب لم يطل كثراً، بل اختير للانضمام إلى المنتخب عام 2003 خلال أقل من سنة واحدة من انتقاله. وفي فبراير (شباط) لعب المهاجم الفتي الموهوب مباراته الدولية الأولى وهو لا يزال في سن السابعة عشرة... وبذا غدا أصغر لاعب دولي إنجليزي (إلى أن كسر رقمه القياسي هذا جناح نادي آرسنال اللندني ثيو والكوت) كما بات أصغر لاعب يسجل هدف للمنتخب. وعندما شارك روني في بطولة الأمم الأوروبية عام 2004، وسجل فيها أربعة أهداف صار لفترة أصغر هدافي البطولة سناً. وعبر سنوات لعبه في صفوف يونايتد اختير روني «أفضل لاعب كرة في إنجلترا» أربع مرات في أعوام 2008 و2009 و2014 و2015. وبفضل إحرازه 53 هدافاً في 119 مباراة دولية يعد روني هداف إنجلترا الأول، كما أنه يتقاسم مع نجم آخر من نجوم مانشستر يونايتد هو ديفيد بيكام المرتبة الثانية بين أكثر اللاعبين مشاركة في مباريات المنتخب الدولية، وذلك خلف حارس المرمى المعتزل بيتر شيلتون.
وعلى صعيد آخر، شارك وروني منذ التحق بصفوف المنتخب الكروي الإنجليزي ثلاث مرات في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وذلك أعوام 2006 و2010 و2014، غير أنه لم يحظ بشرف قيادته لانتزاع الكأس. وهو بذلك يتساوى مع نجم نجوم البرتغال ونادي ريال مدريد حالياً ومانشستر يونايتد سابقاً كريستيانو رونالدو، وقبله بعقود نجم البرتغال التاريخي اللامع يوزيبيو الذي كان أفضل لاعبي العالم عام 1966 عندما انتزعت إنجلترا الكأس في استاد ويمبلي بتغلبها في النهائي على ألمانيا الغربية.

- العودة إلى إيفرتون
ذات يوم، قبل الانتقال إلى يونايتد، ارتدى واين روني وهو في زي إيفرتون في إحدى مباراته مع الفريق قميصاً داخلياً كشف عنه بعد المباراة كتبت عليه عبارة: «إذا كان ولاؤك الأصلي لـ(الزرق) (أي لإيفرتون) فإنه سيبقى كذلك إلى الأبد»!
وفعلاً، بعد بلوغه الثلاثين، وفي حمأة التوقّعات حول مستقبله الكروية في نادٍ يعد أحد أغنى أندية العالم الرياضية وأكثرها طموحاً، راج كلام كثير في الصحافة عن أن العد العكسي لبقاء روني مع يونايتد قد بدأ... وأن «الشياطين الحمر» بدأوا يعدّون العدة لصفحة جديدة مع لاعب أصغر سناً.
وبمرور الأيام تزايد اللغط في بيئة كروية محترفة تتحكم بها هذه الأيام الإشاعات وأطماع وكلاء اللاعبين ومليارات المموّلين من خارج بريطانيا، ولا سيما من الروس والصينيين والأميركيين. ونقل عن روني نفسه كلاماً أنه إذا كان سينتقل في يوم من الأيام من يونايتد فإن وجهته لا يمكن أن تكون إلا «حبه الأول»، فريق مدينته ومكتشف موهبته... إيفرتون. وحقاً في هذه الفترة كان هدّاف إيفرتون البلجيكي العالمي رومولو لوكاكو (24 سنة) يعلن تكراراً أنه قرر ألا يبقى مع فريقه، وسيسعى للعب لنادٍ آخر «يلعب في بطولة أندية أوروبا».
في هذه الأثناء، طرأ تطوران مهمّان على المشهد.
الأول شراء الملياردير البريطاني الإيراني الأصل فرهام مشيري نحو نصف أسهم إيفرتون، وإعلانه اعتزامه إعادة النادي إلى مكانته العريقة السابقة في مقدمة الأندية الإنجليزية. والثاني إسناد إدارة الكرة في النادي إلى المدرب اللاعب الهولندي العالمي السابق رونالد كومان، وتوفير الأموال اللازمة له لإنجاز حلم مشيري.
ومنذ البداية كان حازماً، ولا سيما، مع نجمي النادي لوكاكو ولاعب الوسط روس باركلي. إذ رفض الرد على تسريبات الأول وإعلاناته المتكررة عن رغبته المغادرة، وتعامل بحزم وشدة إزاء ما اعتبر أنه نوع من الابتزاز من باركلي لمغادرة النادي مستفيداً من واقع أنه لم يعد على عقده معه سوى سنة واحدة يمكنه بعدها ترك النادي مجاناً ما يعني حرمان النادي من ثمنه.
وفعلاً بمجرد تلقي كومان عرضاً مغرياً من مانشستر يونايتد، بالذات، لشراء لوكاكو (90 مليون جنيه) فإنه وافق عليه. وباشر باكراً إعادة بناء تشكيلة الفريق كي لا يتعرض لمزيد من الابتزاز، مستفيداً من ريع بيع لوكاكو، الذي جاء ضمه ليونايتد ليؤكد أنه بات «بديل» روني.
وهنا، بجانب عدد من الصفقات الكبرى التي عقدها كومان، فإنه عجّل بالتفاهم مع روني، فأعاده إلى إيفرتون لكي يساهم بخبرته العريضة في إنضاج المواهب الشابة التي يعجّ بها الفريق «الأزرق» اليوم، مع الإشارة إلى أن ستة من نجوم منتخب إنجلترا تحت الـ21 سنة حالياً من لاعبي إيفرتون.

- عائلة روني
واين روني متزوج كولين ماكلوخلن، التي تعرف إليها وأحبها منذ أيام المدرسة في ليفربول. ولقد تزوجا يوم 12 يونيو (حزيران) 2008، ورزقا بولد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 سمياه كاي واين، ثم رزقا في مايو (أيار) 2013 بولدهما الثاني كلاي أنطوني، وفي يناير (كانون الثاني) 2016 بولدهما الثالث كيت جوزيف.


مقالات ذات صلة

توخيل: كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي

رياضة عالمية توخيل قال إن جميع لاعبي إنجلترا بإمكانهم فتح صفحة جديدة مع المنتخب (رويترز)

توخيل: كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي

قال الألماني توماس توخيل، مدرب منتخب إنجلترا لكرة القدم، إن هاري كين سيظل قائداً للمنتخب الإنجليزي عندما يتولى المسؤولية الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية توماس توخيل يبدأ رسمياً دوره مدرباً لإنجلترا في يناير (أ.ب)

مجموعة إنجلترا في تصفيات المونديال... كيف ستسير الأمور؟

ستواجه إنجلترا صربيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الموسعة المكونة من 48 فريقاً في عام 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية صلاح المتألق يحتفل بعدما سجل هدفين وصنع الثالث في مباراة التعادل مع نيوكاسل (اب )

تألق صلاح يزيد الضغط على إدارة ليفربول قبل موقعة «الديربي» أمام إيفرتون

تقلص الفارق بين ليفربول المتصدر وأقرب مطارديه تشيلسي وآرسنال من تسع نقاط إلى سبع بعد مرور 14 مرحلة من الدوري الإنجليزي الممتاز

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية فابيان هورتسلر مدرب برايتون (د.ب.أ)

مدرب برايتون: سأتعلم من عقوبة الإيقاف... وفولهام متطور

تعهد فابيان هورتسلر مدرب برايتون بأن يتعلم من عقوبة إيقافه بحرمانه من الوقوف في المنطقة الفنية خلال مواجهة فولهام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم، غداً الخميس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية آرسنال يستعد لاستضافة مانشستر يونايتد في كأس إنجلترا (رويترز)

قرعة كأس إنجلترا: آرسنال يصطدم بمانشستر يونايتد في قمة الدور الثالث

ستكون مواجهة آرسنال ومانشستر يونايتد على «استاد الإمارات» أبرز مباريات الدور الثالث من مسابقة كأس إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».