قرابين زوار المعابد الهندية تتحول إلى شعر مستعار لمشاهير هوليوود

مزادات على الشعر الطبيعي تجني ملايين الروبيات

عملية غسل الشعر وتجفيفه
عملية غسل الشعر وتجفيفه
TT

قرابين زوار المعابد الهندية تتحول إلى شعر مستعار لمشاهير هوليوود

عملية غسل الشعر وتجفيفه
عملية غسل الشعر وتجفيفه

سوليكا مهندسة برمجيات تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، وتعمل في سيدني، لكنها الآن في معبد فينكاتيسوارا، الذي تم تشييده منذ 1200 عام مضت، في تيروباتي بولاية أندرا براديش الواقعة جنوب الهند حتى تقص شعرها، وتقدمه للإله تعبيراً عن امتنانها لاستجابته لدعائها بأن تصبح أماً بعد 10 سنوات من الزواج. وقد أنجبت صبيا منذ ستة أشهر، وتوجهت إلى الهند خصيصاً حتى تقدم شعرها للإله. وصنع القائمون على المعبد من شعرها الأسود جديلة طويلة.
منذ بضعة أعوام وهبت نفيسة علي، الممثلة الهندية والحاصلة على لقب ملكة جمال الهند في إحدى السنوات، جدائلها التي يصل طولها حتى خصرها بعد أن تحققت أمنيتها الشخصية وصرحت لموقع «ويمونز إي نيوز» الإلكتروني: «لقد نذرت أن أهب شعري في تيروباتي في حال الاستجابة لدعائي».
تعرف عملية قصّ الشعر وتقديمه قربانا، باسم حلاقة الشعر بالكامل، فمن التقاليد الشائعة عند الهندوس حلاقة شعورهم في المعبد حين يكونون أطفالا، - وكذلك الاحتفال بالاستجابة لدعائهم وتحقيق أمنياتهم مثل إنجابهم طفلا أو شفائهم من مرض. ويتبرع ملايين (المؤمنين) كل عام في عشرة معابد في أنحاء الهند تقدم الشعر قرابين للآلهة، ويجني القائمون على المعبد الملايين من حلاقة هذه الرؤوس، ودهانها بعجين الكركم.
وشاهدت مراسلة الـ«شرق الأوسط» في تيروباتي مئات (المؤمنين) الذي ينتظرون الفجر في الضريح للمشاركة في تقليد تقديم القرابين إلى الآلهة الذي يعود تاريخه إلى عقود مضت.
ويعد المعبد من المؤسسات الدينية الأكثر ثراء في الهند، حيث تبلغ الميزانية السنوية له 120 مليون دولار. وقد ذكر رئيس المعبد، أن 800 حلاق على الأقل يتواجدون طوال ساعات اليوم من أجل حلاقة رؤوس نحو 40 ألف شخص يومياً. وقد ازداد الطلب على خدمات الحلاقين إلى حد دفع المعبد إلى الاستعانة بالسيدات والسماح لهن بالعمل في صفوف حلاقي المعبد، وذلك من خلال قصّ شعور النساء (المؤمنات). وبعد جمع الشعر، يخزنه المعبد في 14 حاوية معدنية مع الحرص على الفصل بين شعور الرجال وشعور النساء. بمجرد امتلاء المخزن، يتم الإعلان عن إجراء مزاد ليشارك مصدرو الشعر به. وقد باع المعبد خلال العام المالي الأخير أكثر من 3 مليون كيلو من الشعر الطبيعي.
جدير بالذكر، أن الشعور، التي كان يتم جمعها في الماضي من خلال المعبد، كانت تستخدم حشوا لفراش الأسرّة، لكن تغير الوضع الآن تماماً؛ فعندما بدأت صناعة وصلات الشعر في الازدهار في العالم الغربي، رأت المعابد أنها تستطيع بيع الشعور التي يتم التبرع بها للوسطاء في هذا المجال مقابل مبلغ يتراوح بين 200 و300 دولار للكيلو.
وتحتل الهند مركزاً متقدماً عالمياً بلا منازع في مجال المواد الخام اللازمة لصناعة الشعر المستعار، حيث يمثل حجم الشعر الطبيعي، الذي يتم معالجته، أكثر من 60 في المائة من إجمالي صادراته في العالم.
لقد أصبح الشعر هو الذهب الأسود. المثير للاهتمام أن أطنان الذهب والفضة الموجودة في المعابد لم تعد بالنسبة إلى اللصوص في جنوب الهند هي الأشياء الثمينة فقط، حيث يقتحمون المعابد، ويتجاوزون رجال الأمن من أجل البحث في المخازن عما يبدو أنه قد أصبح الذهب الأسود، وهو شعر المتبرعين من زوار المعابد.
طبقاً لأحدث التقارير الإعلامية، اقتحم ثلاثة رجال ملثمين معبد عليه حراسة مشددة في سريسايلام في ولاية أندرا براديش، وسرقوا سبع حقائب تحتوي على شعر قيمته 40 ألف دولار. وأخذوا يبحثون في القاعة التي يتم الاحتفاظ فيها بالشعر المعبأ داخل حاويات. وتم تصوير الحادث بكاميرات المراقبة في المعبد.
خلال شهر فبراير (شباط)، تمت سرقة عشرة أجولة من الشعر الطبيعي «ذي الجودة الممتازة»، تبلغ قيمته 18 ألف دولار، من معبد فاراها لاكشمي ناراسيمها سوامي الشهير في فيسكاباتنام. ولا تعد هذه هي الحوادث الأولى من هذا النوع التي يقتحم فيها اللصوص معابد لسرقة الشعور الطبيعية؛ ففي يوليو (تموز) 2016 تمت سرقة شعور تقدر قيمتها بـ55 ألف دولار مخزنة في معبد ماريامان في ولاية تاميل نادو.
هل الشعر الطبيعي له قيمة كبيرة حقاً؟ يبدو أن الإجابة هي نعم، حيث تجني المعابد في جنوب الهند ملايين الروبيات كل عام من تنظيم مزادات على الشعر الطبيعي. ومن المعروف أنه يتم بيع الشعر الطبيعي في الأسواق المحلية والدولية بمبالغ مالية كبيرة.
بحسب سوبراهامايام، الرئيس التنفيذي لـ«تيرومالا تيروباتي ديفاسثانامز»، المؤسسة المسؤولة عن إدارة شؤون المعبد، بلغت عائدات مزادات الشعر، التي تم تنظيمها في 2015 - 2016 نحو 5 ملايين دولار، لكن مع تزايد عدد زوار المعبد، من المتوقع أن تتجاوز عائدات العام الحالي هذا الرقم. وأضاف، أنه يتم استغلال الأموال، التي يتم جنيها من مبيعات الشعر الطبيعي، في إطعام زوار المعبد وإيوائهم، والإنفاق على إدارة المستشفيات والكليات وغيرها من المؤسسات الخيرية الكثيرة.
- هوليوود هي المستهلك الأكبر
يقول المصدرون: إن المشترين من بلاد مثل الولايات المتحدة يدفعون 1.50 دولار مقابل خصلة شعر يمكن لمراكز التجميل بعدها استخدامها في تصنيع وصلات الشعر أو الشعر المستعار الذي يمكن بيعه بأسعار تتراوح بين 1500 و3000 دولار. ويقول المصدرون: إن هوليوود تعد من أكبر مستهلكي الشعر الطبيعي. يقول كيشور غوبتا، أحد أكبر مصدري الشعر الطبيعي: «الشعر الذي يتم التخلص منه فضلات، لكن الشعر الذي يتم جمعه مال». وتفتخر شركته «غوبتا إنتربرايزيز» ومقرها تشيناي، بتحقيقها عائدا سنويا يزيد على 30 مليون دولار، ويتوقع أن تزداد العائدات خلال السنوات المقبلة.
والشعر الطبيعي، الذي عليه طلب كبير في التصدير من الهند، هو الخصلات الطويلة التي يتراوح طولها بين 18 و26 بوصة، حيث يمكن أن يصل سعر الكيلو من الشعر الذي له هذه المواصفات 250 دولارا.
رغم أن الرجال والنساء يهبون شعورهم في المعابد، أكثر الشعر، الذي يتم تصديره في مجال مراكز التجميل المربح، شعر نساء، حيث عادة ما يكون طويلا، وداكن اللون، وناعما، ويحظى بتقدير كبير من جانب التجار ومصنّعي الشعر المستعار.
وأضاف قائلا: «للشعر الطويل متساوي الأطراف سوق كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حيث يمكن استخدامه في عمل الشعر المستعار؛ أما الشعر المتقصف الضعيف، فعليه طلب كبير في الصين، حيث يتم استخدامه في عمل الشعر المستعار، وبيعه في السوق الأميركية أو الأفريقية، وبخاصة نيجريا. وفي السوق المحلية يحظى الشعر الطبيعي بشعبية كبيرة في مومباي حيث يتم استخدامه في عمل الشعر المستعار الذي يرتديه نجوم الأفلام». مع ذلك، أوضح غوبتا، أن هناك مفارقة تكمن في أن حصة الهند من صادرات الشعر المستعار لا تصل إلى الواحد في المائة، ويفسر هذا الأمر في جملة واحدة بقوله: «ليس لدينا التكنولوجيا اللازمة لتصنيع الشعر المستعار في الهند».
تحقق المعابد في مختلف أنحاء الهند أرباحا من بيع شعر الزوار لشركات أجنبية تصنع منها وصلات شعر، وأشكالا من الشعر المستعار. والنساء في الغرب على استعداد لدفع مبلغ مالي يصل إلى 3 آلاف دولار مقابل تلك المنتجات، وبخاصة ذات الجودة العالية منها، مثل الشعر الهندي الذي يشبه شعر العرق القوقازي.
ويذكر تقرير نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن سوزان ليشبون، المتخصصة في شراء وتركيب وصلات الشعر في مجال صناعة الأفلام قضت أشهرا عدة في براغ لتركيب وإصلاح وصلات الشعر الهندي لكل من الممثلين هيو جاكمان، وكيت بيكينسيل أثناء تصوير فيلم المغامرات المقرر عرضه قريباً والذي يحمل اسم «فان هيلزينغ».
- المعروض من الشعر
يقول مايور بالسارا، المسؤول التنفيذي في «إس دي تي سي إكسبورتس» للتصدير: «المعروض من الشعر الجيد محدود، في حين أن الطلب عليه غير محدود على ما يبدو». وتحصل الشركة على الشعر من ذلك، الذي يتم عرضه في مزادات 20 معبدا هنديا مختلفا، ليدخل بعد ذلك مرحلة من التنقية الدقيقة، حيث يتم تصنيف الشعر إلى خمس فئات بحسب الدرجة واللون، ثم يتم غسله وتجفيفه بطريقة طبيعية تحت أشعة الشمس.
ويوضح قائلا: «قد يؤدي خطأ واحد صغير إلى تلف شعر ذي جودة عالية. تتطلب هذه العملية مهارة استثنائية». تتم تعبئة الشعر النظيف المعالج في مجموعات تتكون الواحدة من 200 خصلة، لتصبح بعد ذلك جاهزة للبيع. وتختلف الأسعار باختلاف طول، وكثافة، وحجم، وجودة الشعر. ويبيع مايور ما يحصل عليه من شعر إلى شركة في إيطاليا تسوقه بسعر مرتفع جداً للشركات العاملة في تصنيع الأشكال المختلفة للشعر المستعار.
- المؤمنون لا يبالون
السيدات الهنديات مثلهن مثل السيدات الأخريات يفخرن بهذا الأمر. تقول روبانيا، التي تهب شعرها إلى جانب شعر زوجها وابنتها: «التبرع بشعري إلى (الإله) هو تضحية أثمن من المال. لن يمنع بيع الشعر، أو حرقه أو دفنه، أمثالي من تقديم شعورهم إلى (الإله)». جدير بالذكر، أنها وزوجها طبيبان يقيمان في بنغالورو.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».