السودان يستقطب استثمارات جديدة من الصين وتركيا والإمارات

TT

السودان يستقطب استثمارات جديدة من الصين وتركيا والإمارات

ضمن حراكه الواسع هذه الأيام استعدادا للرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية الأميركية المرتقب منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، استقطب السودان الأسبوع الماضي استثمارات صينية ويابانية وإماراتية جديدة، في مجالات الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية.
وفي حين قدر حجم الاستثمار في هذه المشاريع بنحو 6 مليارات دولار، تتصدر الصين، التي يزور حاليا وفد استثماري منها السودان لإطلاق مشروع المسلخ ومطار الخرطوم الجديد، قائمة الدول التي لديها استثمارات في السودان بنحو 42 مليار دولار.
وقال الدكتور عوض أحمد الجاز، رئيس اللجنة السودانية للتعاون الاقتصادي مع دول مجموعة «بريكس» التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إن الوفد الصيني سيقف على مراحل تنفيذ المسلخ الشامل الذي بدأ تنفيذه باستخدام تقنيات عالية في الذبح ومعالجة المخلفات الحيوانية، وسيحقق المشروع قيمة مضافة للصادرات السودانية من الثروة الحيوانية التي تصل أعدادها إلى أكثر من مليون رأس من الماشية.
ووفقا للدكتور الجاز، فسيقف الوفد الصيني على اكتمال تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق بين السودان والصين الذي وقع قبل أعوام، لإنشاء منطقة نموذجية لزراعة القطن بهيئة الرهد الزراعية، تحت إشراف وزارة الزراعة والغابات واللجنة العليا للعلاقات السودانية - الصينية.
من جهته، أوضح المهندس عبد العظيم عبد الغني، مدير الإدارة الزراعية بهيئة الرهد الزراعية، لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع المنطقة النموذجية الزراعية يتضمن زراعة أكثر من 10 آلاف فدان بمحصول القطن في القسم الأول، لتتوسع المساحة إلى 30 ألف فدان في الموسم المقبل، ثم إلى 50 ألف فدان، لتصل إلى 120 ألف فدان. كما يتضمن الاتفاق مع الصينيين الاستفادة من محطة أبحاث الرهد والمركز السوداني الصيني، لتدريب المزارعين والمهندسين الزراعيين، وتأهيل منظومة الري والاستفادة من خدمات الكادر البشري المؤهل من مهندسي الري.
وأوضح عبد الغني أن الاتفاق مع الصين ستتم فيه الاستفادة من التقنيات الحديثة في زراعة القطن والتسويق والتمويل، ثم مرحلة الصناعات التحويلية لتحقيق القيمة المضافة، ورفع قدرات المزارعين الفنية والمالية باعتبارها ركيزة أساسية في الإنتاج، إضافة لتعزيز أدوار هيئة الرهد في زيادة الصادرات ودعم الناتج القومي من العملات الحرة.
وفي جانب الاستثمارات الإماراتية التي بلغ حجمها نحو مليار دولار وتأتي في المرتبة الثانية في الاستثمارات العربية بعد السعودية، وقعت «مجموعة الإمارات للأعمال»، عقد تصميم مشروع السوق المركزية الجديدة للخضراوات والفاكهة واللحوم بالعاصمة السودانية الخرطوم.
وتبلغ مساحة المشروع نحو 20 ألف متر مربع، ويشتمل على 300 وحدة تجارية مختلفة تشمل الخضراوات والفاكهة واللحوم بأنواعها. ويأتي المشروع في إطار اتفاقية وقعت العام الماضي بين البلدين لنقل تجربة أبوظبي في تنظيم الأسواق إلى الخرطوم.
وأوضح الفريق ركن أحمد علي عثمان أبو شنب، معتمد الخرطوم، أن المشروع منحة من دولة الإمارات، ويمثل ترجمة للعلاقات الأخوية بين الجانبيين، مشيرا إلى أن تصميم السوق يعد الأحدث ويشتمل على مبنى به عدد من الطوابق يحوي موقفا كاملا للسيارات وموقفا خارجيا بسعة 150 سيارة، وثلاجات للبيع. وأضاف أن المبنى يحمل رؤية مستقبلية لأدوات العرض وحفظ المنتجات، إلى جانب مواقع تجارية مختلفة ومكاتب إدارية ووحدات للتأمين والدفاع المدني، ومواقع للخدمات الوسيطة تشمل أفرعا للبنوك وصرافات.
ومن جهة اليابان، أعلن هيدكي إيتو، سفير اليابان في الخرطوم، رغبة بلاده في زيادة حجم مساهمة السودان لتغطية احتياجات السوق اليابانية من السلع والمنتجات الزراعية المختلفة، وفي مقدمتها سلعة السمسم.
وأشاد إيتو خلال لقائه في الخرطوم وفد اتحاد أصحاب العمل برئاسة المهندسة وداد يعقوب إبراهيم، أمينة أمانة الاتفاقيات الدولية، بالاتحاد وممثلي المصدرين بمجلس ترقية صادرات السمسم، كما أشاد بالتطور الذي تشهده علاقات التعاون بين البلدين، مؤكدا الدور المهم للقطاع الخاص بالبلدين في الارتقاء بعلاقات التعاون الاقتصادي بين اليابان والسودان، لافتا إلى جهود ودعم اليابان فنياً في عدة مجالات اقتصادية لترقية وزيادة جودة الإنتاج الزراعي.
وقالت المهندسة وداد في تصريحات صحافية إن الوفد نقل للسفير الياباني إشادة الاتحاد بجهود حكومة اليابان والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) وهيئة التجارة الخارجية اليابانية (جترو) لتطوير وترقية الإنتاج الزراعي بالسودان. كما أشاد الاتحاد بجهودهم في مجالات التطوير والتدريب المهني، وفتح فرص الصادر للشركات السودانية، مشيرة إلى إيفاء السودان بمتطلبات واشتراطات صادرات السمسم إلى السوق اليابانية، حيث ستفتح فرصاً وآفاقاً واسعة للسلعة للولوج إلى الأسواق العالمية، وسيتم ذلك قريبا، وفقا لوداد.
أما تركيا، فقد أبدت شركة «ليديا» المتخصصة في الاستكشاف والتنقيب عن المعادن، رغبتها في الاستثمار في هذا المجال خصوصا معدني الذهب والنحاس. وقال فيروز على زاد، المدير العام للشركة، عقب لقائه بالخرطوم أمس البروفسور هاشم علي سالم وزير المعادن السوداني، إن شركته من خلال أنشطتها في مجالات الاستكشاف والتنقيب والمسؤولية الاجتماعية، استطاعت أن تنقل المجتمع في تركيا نقلة حديثة وساهمت في رفع مستوى المعيشية، مشيرا إلى أن شركته تعتزم نقل تجربتها إلى أفريقيا انطلاقا من السودان.
من جهته، عرض وزير المعادن السوداني الفرص المتاحة للاستثمار في البلاد على الشركة التركية، مشيرا إلى أن الأتراك سيدخلون في مجال تصنيع الخامات المعدنية بدلا من تصديرها.
وأعلن الوزير نية بلاده تأسيس بنك للمعادن، للاستفادة من الودائع والقروض التي سيضخها المستثمرون في مجال المعادن في البلاد، والتي يقدر احتياطيها من الذهب بنحو 500 ألف طن، فيما يصل احتياطي الحديد إلى أكثر من مليار طن.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.