خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا... مطار دمشق «قلبها النابض»

طهران شكلتها بطريقة تمنع السيطرة عليها

عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
TT

خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا... مطار دمشق «قلبها النابض»

عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)

تنتشر في سوريا ميليشيات محلية وأجنبية تابعة لإيران يزيد عددها على 50 فصيلاً ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفاً يعملون تحت قادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران.
كان أول من شارك في الأزمة السورية من تلك الميليشيات: «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني، التابع لحرس الثورة الإيراني، و«حزب الله» اللبناني، وبعض العراقيين المقيمين في منطقة السيدة زينب بريف دمشق الجنوبي. كان ذلك في مايو (أيار) 2011؛ أي بعد اندلاع الثورة السورية بنحو الشهر والنصف. بعدها، توالت فصول الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، بطريقة مشابهة لما جرى في لبنان إبان ثمانينات القرن الماضي، والعراق بعد حرب 2003.
في الدول الثلاث عمل عناصر تابعون لـ«فيلق القدس» بالخفاء، مستغلين تراجع السلطات السياسية في البلاد، وانعدام الأمن والاستقرار لتشكيل تنظيمات تابعة لطهران.

قلب إيران
يعد مطار دمشق الدولي بمثابة «القلب» للوجود الإيراني والميليشيات متعددة الجنسيات التي يقودها «فيلق القدس» في سوريا. ومما يشبه القاعدة المبنية بجوار المطار، يوجه الخبراء الإيرانيون المسلحين الوافدين سواء من إيران أو العراق. ولضمان أمن المطار، تجاهد إيران للسيطرة الكاملة على منطقتي جنوب دمشق والغوطة الشرقية. من هنا يمكن فهم غضبها حيال الإعلان الروسي عن منطقة «خفض التصعيد» في الغوطة الشرقية بوساطة مصرية.
تحتل مدينة السيدة زينب مكانة خاصة في الاستراتيجية الإيرانية المتمركزة حول مطار دمشق؛ إذ ليس فقط أن ذريعة «الدفاع عن مقامها» تشكل أداة تجنيد فعالة للغاية في جذب المسلحين الشيعة من حول العالم، بل تشكل المدينة نقطة ارتكاز للميليشيات متعددة الجنسيات التي تقودها إيران حول دمشق، تمكنها من الوثب على الريف الجنوبي والشرقي للعاصمة السورية.
ولا تخفي إيران نياتها في دمج مناطق يلدا وببيلا وحجيرة والحجر الأسود، مع مدينة السيدة زينب وبلدة سيدي مقداد، وأجزاء الغوطة الشرقية الواقعة حول مطار دمشق (منطقة المرج تحديداً)، ضمن ما يشبه «الضاحية الجنوبية» للعاصمة اللبنانية بيروت، على أن يتوسطها المطار ويكون بمثابة «درتها».
فإذا كانت حميميم هي قلب الوجود العسكري الروسي، فإن المنطقة المحيطة بمطار دمشق هي «القلب النابض» للوجود الإيراني متعدد الجنسيات في سوريا. تؤكد أهمية منطقة المطار لإيران التقارير التي تحدثت عن «مبنى زجاجي» قرب مطار دمشق الدولي يدير منه قادة الحرس الثوري الإيراني أنشطتهم في سوريا.

القصير نقطة ارتكاز «حزب الله»
للقلب الإيراني نظير آخر خاص بـ«حزب الله» هو مدينة القصير بريف حمص الغربي. يحتل «حزب الله» المنطقة المحيطة بالمدينة، حرفياً، ويمنع الأهالي، حتى المسيحيون منهم، من العودة إلى قراهم وزراعة أراضيهم الخصبة. القصير ليست فقط القلب لـ«حزب الله» في سوريا، بل هي بمثابة نقطة ارتكاز وعمود فقري لوجوده العسكري هناك، ومنها تمدد مسلحو الحزب إلى بقية المناطق السورية: حلب، وحماة، وإدلب، دير الزور، وأخيراً، البادية الشامية.
وإذا كان مطار دمشق بمثابة قلب الوجود الإيراني، فإن محافظة حمص هي العمود الفقري لهذا الوجود، هناك تتلاقى الميليشيات المدعومة إيرانياً الوافدة إلى سوريا، سواء من العراق، أو لبنان، أو إيران، أو أفغانستان، أو باكستان. منها تتفرع الأجنحة والميليشيات المدعومة من إيران إلى المحافظات الساحلية: اللاذقية، وطرطوس، والشرقية: دير الزور تحديداً، والشمالية: حلب، وإدلب وحماة.
في معسكرات تابعة للجيش النظامي يتولى خبراء إيرانيون وعراقيون، تدريب جنود احتياط وخدمة إلزامية لمن قادهم حظهم العثر إلى هناك على يد الحواجز الأمنية والعسكرية المنتشرة في البلاد. لهؤلاء المجندين، السنّة في غالبيتهم، يتم إعطاء دروس توجيه «مذهبي» صباحية، ويتم إبلاغهم بأنهم سيكونون بمثابة الجيش السوري الجديد بعد أن ترهل الجيش النظامي الموجود حالياً.

الميليشيات الأجنبية
دخلت إيران بكامل قوتها في الحرب السورية منذ أواسط عام 2011. كان ذلك عبر مستشارين وخبراء، ومع تعاظم خسائر النظام وتراجعها منتصف عام 2012، أطلقت إيران برنامجها الشامل لرفد قوة النظام وإعادة التوازن له.
في البداية؛ اقتصر الدور الإيراني على جهود تشكيل قوات شعبية سورية من المتحمسين من الأقليات وبالأخص المسيحية والعلوية، بالترافق مع تجييش العراقيين والأفغان الموجودين في سوريا وإيران للدفاع عن النظام، والتعاون مع «حزب الله» لمساندة النظام، خصوصاً في الزبداني وحمص. لاحقاً، تضخم البرنامج وتوسع حتى اقترب من بناء «جيش شيعي عابر للجنسيات»، يحتل مناطق واسعة من لبنان، والعراق، وسوريا، عماد قوته الأساسي من الميليشيات العراقية.
على رأس هذه الميليشيات تلك العراقية، وأبرزها «كتائب الإمام علي»، المنضوية تحت راية «الحشد الشعبي» في العراق، وتضم نحو ألف مسلح، يقاتلون في البادية الشامية. ومثلها «كتائب حزب الله النجباء» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة الأبدال»، ويبلغ عدد مسلحي كل منها ما بين ألف و1500 عنصر ينشطون بشكل خاص في البادية. تتركز مقرات الميليشيات العراقية في السيدة زينب، وبلدة العيس جنوب حلب، وكذلك في مقرات الفرقة الثامنة عشرة بريف حمص الشرقي.
ويعد «أبو مهدي المهندس» القوة المحركة وراء ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق وسوريا، رغم أن الرئيس الفعلي لهيئة «الحشد» هو مستشار الأمن الوطني فالح فياض. ساهم «حزب الله العراقي» الذي أسسه «المهندس»، مع «عصائب أهل الحق العراقية»، في تأسيس «لواء أبو الفضل العباس»، الذي يتخذ من السيدة زينب مقراً له. نشأ اللواء من العراقيين الشيعة الموجودين في سوريا، قبل الحرب، خصوصاً أن البلاد ضمت أكثر من مليون لاجئ عراقي تمركزوا في مدن السيدة زينب وجرمانا والتل بريف دمشق. من هؤلاء تكونت النواة الأساسية لـ«لواء أبو الفضل العباس»، الذي لم يكن في البداية سوى مجرد فرع محلي لميليشيات «قوات الدفاع الوطني»، انحصرت مهامه في التعامل مع المتظاهرين، ثم لاحقاً مع الثوار في مناطق حجيرة وعقربا والسيدة زينب. منذ تأسيسه، تضخم اللواء ليغدو شبكة تسيطر على مقرات ومواقع متناثرة في السيدة زينب وقرب مقام السيدة رقية وحي الجورة الشيعي بقلب دمشق القديمة، يقود الشبكة «أبو هاجر العراقي»، ولها أكثر من 7 آلاف مقاتل، وثاني ثقل أساسي للميليشيات هو في نبل والزهراء بريف حلب.
وبات «أبو الفضل العباس» أحد الكيانات الشيعية الرئيسية في الهلال الخصيب بعد أن كان مجرد لواء محلي؛ فبعد ما يقارب العام على تأسيسه نشأ «لواء ذو الفقار»، تحت قيادة حيدر الجبوري الملقب «أبو شهد». ويعد هذا اللواء أكثر ميليشيات شبكة «لواء أبو الفضل العباس» نشاطاً. قاتل هذان التنظيمان في غوطة دمشق الشرقية، ومحيط السيدة زينب، والقلمون، وإدلب، وحلب، وريف حلب الجنوبي، ونبل والزهراء.
كما تعمل «كتيبة قمر بني هاشم» الجوالة، التي لا يزيد عدد مسلحيها على مائتين ذراعا لـ«لواء أبو الفضل العباس»، كما يعمل كل من «لواء اللطف» الذي لا يتجاوز عدد مسلحيه 150 شخصاً، و«لواء المعصوم»، تحت راية «لواء أبو الفضل العباس».
وإلى جانب هذه الألوية، هناك «لواء أسد الله الغالب»، الذي يتزعمه «أبو فاطمة الموسوي»، إضافة إلى «لواء الإمام الحسين»، الذي يتزعمه «أبو كرار أمجد البهادلي»، وكذلك «قوات التدخل السريع» (أو «أفواج كفيل زينب») التي يقودها أحمد الحجي الساعدي. ويقدر عدد مسلحي «لواء الإمام الحسين»، بأكثر من ألف مسلح يتخذون من مدينة حلب مركزاً لهم. يأتي مسلحو «اللواء» من العراق، وإيران، وأفغانستان، وباكستان.
عمل «لواء أبو الفضل العباس»، على تأسيس ظهير له في العراق تحت اسم «قاعدة قوة أبو الفضل العباس» التي يقودها الشيخ أوس الخفاجي والشيخ أبو كميل اللامي (التابع لجماعة «عصائب أهل الحق»). كذلك هي الحال، بالنسبة للوائي «ذو الفقار» و«الإمام الحسين» أو «قوة الرد السريع»، حيث يرتدي زعماؤها زيا موحدا في العراق وسوريا.
ولاحقاً لتأسيس شبكة «أبو الفضل العباس»، دخلت إلى سوريا «كتائب حزب الله النجباء» التي تعرف باسم «حركة النجباء»، منذ مارس (آذار) من عام 2013. وللكتائب ألوية: «الحمد»، و«الحسن المجتبى»، و«عمار بن ياسر»، ويقودهم الشيخ أكرم الكعبي ويقدر عدد مقاتليها بنحو 1500 مقاتل.
كما أسست «عصائب أهل الحق» العراقية «كتائب حيدر الكرار» التي يتزعمها «الحاج مهدي»، ويقدر عدد مسلحيها بنحو 800 شخص. وهناك ميليشيات أخرى مثل «لواء اليوم الموعود» و«فيلق الوعد الصادق» بقيادة العراقي محمد حسن التميمي. ويضم هذا اللواء مسلحين من جنسيات متعددة، إضافة إلى مسلحين سوريين من شيعة إدلب، ومعرة مصرين، والفوعة وكفريا. تنشط الميليشيات في أطراف مدينة حلب، ويقدر عدد مقاتليها بنحو ألف مقاتل. وتختلف المصادر حيال ولاء «قوات الشهيد محمد باقر الصدر». وتنتشر هذه الميليشيات في أحياء مدينة دمشق، وترافق قوات حفظ النظام، وجميع عناصر «اللواء» يرتدون لباس قوى الأمن الداخلي السوري، ويأتمرون بقيادة ضباط وزارة الداخلية، ويقدر عددهم بنحو 800 مقاتل.
وبعد قرار المرشد الإيراني علي خامنئي في عام 2015، الذي أتاح للإيرانيين التطوع للقتال في سوريا، تأسست «سرايا طلائع الخراساني»، المختلطة من مسلحين عراقيين وإيرانيين تنحصر مهامها في تأمين مطار دمشق الدولي.
وهناك ميليشيات «لواء بقية الله» المختلطة أيضاً، من عراقيين وأفغان وتقدر أعدادهم بنحو 400 مسلح، ومهمتهم تدعيم أسوار مطار دمشق بالحماية.
كما قاتلت في سوريا قبل سيطرة «داعش» على الموصل، ميليشيات تتبع الجيش العراقي، مثل «لواء الإمام الحسن المجتبى» الذي ارتكب مجازر في محيط السيدة زينب، ووصل عدد مقاتليه إلى ألف مقاتل، وكذلك «لواء أسد الله»، الذي يرتدي مقاتلوه ملابس تحمل شارات قوات التدخل السريع العراقية (سوات)، ويتزعمه أبو فاطمة الموسوي. يقدر عدد عناصرها بنحو 500 مقاتل.
وينقل مشاركون في التدريبات من جنود الجيش النظامي، أن الميليشيات العراقية لها مشروع خاص في سوريا، منفصل حتى عن المشروع الإيراني، بل هو أخطر منه. ويعد هؤلاء الجنود أن العراقيين أتوا إلى سوريا كي «يستوطنوها».

ميليشيات لبنانية
تقاتل ميليشيات كل من «سرايا التوحيد» و«حزب الله» اللبنانيتان في سوريا، بواقع 500 مسلح للأولى، وأكثر من 8 آلاف للثانية. ويتبع كل من «لواء السيدة رقية»، و«القوة 313»، «حزب الله»، وكلاهما يتركز نشاطه، حالياً، في البادية الشامية، بواقع مائة مسلح للأولى ومائتين للثانية. انضم مسلحون من الحزب القومي السوري الاجتماعي في لبنان، إلى ميليشيات «نسور الزوبعة» المشكّلة من مسلحين سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، وتتجاوز أعدادهم 5 آلاف، يقاتلون في القنيطرة والسويداء، وسبق أن خاضت معارك طاحنة في صيدنايا ومعلولا.

...غير عربية
إضافة إلى هؤلاء، يوجد لواءان؛ أحدهما وفد إلى سوريا من أفغانستان هو «الفاطميون» والآخر من باكستان، هو «الزينبيون»؛ الأول منهما أكثر شهرة من الثاني، ويقدر عدد مسلحيه بنحو ألف مقاتل، قاتلوا في درعا، وتدمر، وحلب. يعمل أعضاء «لواء فاطميون» بمثابة رأس حربة في المعارك، وتم الزج بهم لتنفيذ مهام الاقتحام والاشتباك القريب مع مسلحي المعارضة أو تنظيم داعش.
لا شك في أن الأهداف الإيرانية من إرسال هؤلاء المسلحين الأفغان والباكستانيين، لا تقتصر على المسرح السوري فحسب، فعلى الأرجح أن المخططين الاستراتيجيين الإيرانيين يفكرون في إعادتهم إلى بلادهم الأصلية إذا ما طرأ أمر هناك، كي يقاتلوا في سبيل مصالح طهران. فضلاً عن ذلك؛ يشكل هؤلاء وقودا للحرب والمعارك وقربانا من أجل خدمة المصالح الإيرانية في سوريا، من دون أن تدفع إيران ثمنا باهظا في الأرواح.
تتبع القوات الإيرانية الجيش الإيراني والحرس الثوري (الباسدران) وكذلك قوات التعبئة (الباسيج). وأرسلت إيران في شتاء عام 2016 الماضي «لواء 66» المحمول جواً إلى سوريا لإحباط الاتفاق الروسي - الأميركي على الهدنة في فبراير (شباط)، بحسب اعتقاد دبلوماسيين. وأدى «اللواء» دورا كبيرا في إسناد عملية إسقاط حلب، ووفر دعما ناريا قويا لألوية «الحرس الثوري»، والميليشيات العراقية، والسورية، واللبنانية، والروسية المشاركة في العملية.

تنظيمات محلية
هناك عشرات من الميليشيات المحلية التي تقاتل بقيادة إيرانية. وتأسست في الساحل السوري خلال عامي 2015 و2016 ميليشيات شيعية مشابهة لـ«حزب الله»، تحت اسم «الغالبون - سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا». يتجاوز عدد هذه الميليشيات الألف مسلح. كما تأسست ميليشيات في كل المناطق الشيعية بسوريا مثل بصرى الشام بدرعا، ونبل والزهراء بريف حلب الشمالي الغربي، والفوعة وكفريا بإدلب، والسيدة زينب والسيدة رقية وحي الجورة بدمشق وريفها، وأخيراً في الشومرية ومناطقها بريف حمص الغربي.
في الزهراء، تشكلت «كتيبة الزهراء» من أبناء القرية، يقدر عدد مسلحيها بنحو 350 مسلحاً، بينما تشكلت «كتيبة شهيد المحراب» من أبناء مدينة نبل، ويقدر عدد مسلحيها بنحو 500 مسلح من أبناء البلدة، أما في الفوعة، فقد تأسست «كتيبة العباس»، ويقدر تعدادها بنحو مائتي مسلح، إضافة إلى ما تسمى «كتائب الفوعة» التي تضم عدة مجموعات قتالية يبلغ مجموع أفرادها 800 مسلح.
قوات «الإمام الرضا»، وهي ميليشيات تتشكل من علويين سوريين ولبنانيين (جبل محسن)، تتبنى الآيديولوجية الخمينية، وتنتشر في ريف حمص الشرقي، ويبلغ تعداد مقاتليها ألفين. وينتشر «فوج الإمام الحجة» الذي يتشكل من 600 مسلح شيعي من سوريا ولبنان في حلب، بينما هناك ألوية «السيدة رقية»، و«سيف المهدي» و«الإمام المهدي» وهي تنتشر في مدينة دمشق، ويتعدى عدد أفرادها ألف مسلح.
كما نجحت إيران في تشييع مسلحي «لواء الباقر» المؤلف مع عشيرة بري الحلبية، ويضم نحو 500 مسلح، وأيضاً في تشييع مسلحين عشائريين من قبيلة «البكارة» يتبعون الشيخ المعارض السابق نواف البشير، وغيره من شيوخ القبائل السورية، ويتجاوز عدد هؤلاء المسلحين 1700. إلى جانبهم، هناك «لواء الإمام زين العابدين» المنتشر في دير الزور والمؤلف من 500 مسلح يشغلون بلدة الجفرة الشيعية. وفي الحسكة شكلت إيران «حشد الجزيرة والفرات» من مسلحين عشائريين. وهناك لواء شيعي آخر هو «لواء المختار الثقفي» ويتشكل من مسلحين شيعة من اللاذقية وحماة.
في السويداء، أسست إيران ميليشيات «لبيك يا سلمان»، و«سريا التوحيد»، «جيش التوحيد»، و«لواء الجبل»، و«قوات الفهد»، و«لبوات الجبل» من أكثر من 2850 مسلحا درزيا يقاتلون في جبهات جنوب سوريا، ويمثل أكبر تشكيل من هؤلاء «كتائب حماة الديار» التي تضم أكثر من ألفي مسلح درزي.
كما شكلت من الأتراك العلويين ميليشيات «المقاومة السورية» وهي تقاتل في ريف إدلب الغربي، ويتجاوز عدد أفرادها الألف مسلح. وفي منطقة مصياف في محافظة حماة، توجد مجموعة «قوات صلاح العاصي» التي تضم 500 علوي من أنباء المنطقة.
كما يتبع إيران 5 آلاف مسلح علوي منظمين ضمن ميليشيا «فهود حمص»، التي تقاتل في ريفي حمص الغربي والشرقي، فضلاً عن «قوات الغضب» المشكلة من سكان بلدتي محردة والسقليبية المسيحيتين بريف حماة، ويبلغ عدد مسلحي هذه الميليشيا 500 شخص، ويضاف إلى هذه «لواء أسود الوادي (النصارى)» (في محافظة حمص) المتشكل من نحو 700 مسلح مسيحي، وتتركز أعمالهم في ريف حمص الشرقي.
وحتى وصول القوات الروسية، كانت إيران من بين أكبر الداعمين للعقيد سهيل حسن، الذي يقود ميليشيات تعرف باسم «قوات النمر» التابعة للمخابرات الجوية في شمال البلاد، وتتشكل من نحو 10 آلاف مقاتل علوي، يضاف إليهم القليل من القبائل العربية في محافظة حماة. يمارس هؤلاء حالياً نشاطهم في ريف الرقة الغربي، وكان لهم باع كبير في معارك حلب، وحماة، وريف اللاذقية الشمالي.
ويعد «صقور الصحراء» التي يدعمها رجلا الأعمال العلويان محمد وأيمن جابر من أكثر التنظيمات قرباً إلى إيران في سوريا، حتى إن متزعميها لا يخفيان مظاهر تشيعهما. يتلقى أفراد هذا التشكيل التدريب على يد مدربين عراقيين، ويقاتلون في أرياف حمص وحلب. وهناك أيضاً «فوج مغاوير البحر» وهو تشكيل علوي ينتشر في اللاذقية وحمص ويبلغ تعداد مقاتليه ألفاً. ويبدو أن النفوذ الإيراني قوي بين «قوات درع القلمون» و«قوات درع الأمن العسكري». ويعمل وكلاء من هاتين المجموعتين «مستقطبين» للجنود الفارين من الجيش النظامي لصالح ميليشيات إيرانية وعراقية.
عملت إيران على دعم النظام في تشكيل ميليشيات فلسطينية من أبناء الفلسطينيين في المخيمات؛ بينها «لواء القدس» الذي تأسس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2013 من فلسطينيي مخيمي النيرب وحندرات (حلب) بقيادة محمد سعيد. يبلغ عدد مقاتلي اللواء نحو ألفي مقاتل، ويتألف اللواء من 3 كتائب رئيسية هي: «كتيبة أسود القدس»، و«كتيبة أسود الشهباء»، و«كتيبة الردع».
وبالإضافة إلى «لواء القدس»، هناك «قوات الجليل - حركة شباب العودة الفلسطينية» التي يتزعمها فادي الملاح ونائبه أبو علي بدران، وتتبع «حركة شبان العودة الفلسطينية». تلقى مسلحو هذه الميليشيات تدريبات على يد ضباط إيرانيين ومقاتلين من «حزب الله»، وبدأ نشاطها بالظهور في عام 2014 خلال معارك القلمون، ولاحقاً تم نقل قسم من عناصرها إلى دير الزور، كما شارك مسلحوها في معارك تدمر (يقودهم في تدمر العقيد أبو حسن بلول) وريف حماة الشمالي (يقودهم في ريف حماة المقدم دانيال رزوق). ويبلغ عدد مقاتليها نحو 5 آلاف مقاتل.

حل «قوات الدفاع الوطني»
حاول الرئيس بشار الأسد حل ميليشيات «قوات الدفاع الوطني» السورية أواسط عام 2014، خوفاً من لجوء إيران إلى استخدامها لفرض تسوية تهدد نفوذه. وعدّ رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك القوة المحركة وراء قرار الأسد، وتولى بنفسه تفكيك ميليشيات «الدفاع» حتى إنه أسس تشكيلات تابعة للجهاز الذي يشرف عليه، تحت اسم «قوات الأمن الوطني». مثل رئيس شعبة الأمن السياسي السابق اللواء رستم غزالي (توفي بطريقة غامضة قبل سنتين) أحد أركان النفوذ الإيراني في سوريا، وتولى بنفسه أو أفراد من عشيرته البالغين 166 نفرا، عملية شراء منازل في دمشق القديمة لصالح الإيرانيين. لكن، مشروع مملوك طوي بعد سقوط إدلب ربيع عام 2015، حيث اضطر النظام وإيران للاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتعويضاً لإيران عن حل «الدفاع الوطني»، أمر الأسد بتأسيس «الفيلق الرابع اقتحام» بوصفه جزءا من الجيش النظامي، لكن الفيلق لاقى نجاحا ضئيلا وظل هزيلاً.
خلال عام 2015، بدأت تظهر من أنقاض «الدفاع الوطني»، تشكيلات بعضها مقرب من الإيرانيين وحلفائهم العراقيين واللبنانيين، وبعضها محسوب على أجهزة الأمن السورية المختلفة والمتنافسة دائماً، وأخيراً بعضها مقرب من الروس. ومع تدفق القوات الروسية إلى سوريا، انتعش مشروع مملوك الرافض للإيرانيين والقريب من الروس. وتمكن اللواء في نهاية عام 2016 من جلب مدير شعبة الأمن الجوي اللواء جميل حسن إلى صفه، بعدما ضمن ولاء مدير إدارة أمن الدولة (المخابرات العامة) اللواء ديب زيتون. ومثلت مقابلة جميل حسن السابقة حول الحياة السياسية والأمنية لسوريا، مع وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء دليلاً حاسما على تحول الرجل عن ميوله الإيرانية باتجاه السادة الروس، بحسب محللين.
هكذا، انحصر النفوذ الإيراني وسط المقاتلين الشيعة الذين دربتهم وسلحتهم طويلاً. مع ارتفاع حدة المخاوف لدى الأسد والإيرانيين من تقارب روسي - أميركي عقب انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، اتخذ الأول قراراً بالموافقة على تسوية أوضاع الجنود النظاميين الذين يلجأون إلى «الأصدقاء الإيرانيين»، في قرار عنى في مضمونه الخلط ما بين الميليشيات الإيرانية والعراقية في سوريا مع الجيش النظامي.
واللافت أن الطريقة التي شكلت بها إيران هذه الميليشيات تمثل المفتاح لضبطها، لكن مفتاح السيطرة سيظل بيد طهران وجنرالات الحرس الثوري. هكذا، لا يرتبط مستقبل وجود الميليشيات العراقية بالتسوية فحسب، بل برأي إيران، وأيضاً بالصراع على السلطة في بغداد.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.