مهرجانات «أعياد بيروت» تطلق برنامجها لصيف 2014 مع فنانين عرب وعالميين

يفتتحها جورج وسوف في أول إطلالة له بعد ثلاث سنوات من الغياب القسري

المؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت أمس للإعلان عن برنامج المهرجانات (الشرق الأوسط)
المؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت أمس للإعلان عن برنامج المهرجانات (الشرق الأوسط)
TT

مهرجانات «أعياد بيروت» تطلق برنامجها لصيف 2014 مع فنانين عرب وعالميين

المؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت أمس للإعلان عن برنامج المهرجانات (الشرق الأوسط)
المؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت أمس للإعلان عن برنامج المهرجانات (الشرق الأوسط)

كعادتها كل سنة، تستعد أسواق بيروت لاستضافة مهرجانات «أعياد بيروت» التي تنطلق بالتزامن مع عيد الفطر، لتشكّل أفضل هدية لروادها في لبنان ومختلف أنحاء العالم، وتبدأ هذا العام في 29 يوليو (تموز) لتنتهي في 6 سبتمبر (أيلول) المقبل.
وللسنة الثالثة على التوالي، أدرجت إدارة مهرجانات «أعياد بيروت» في برنامجها أسماء لامعة لباقة من نجوم الفن العربي والعالمي، الذين لهم شعبية لا يستهان بها لدى اللبنانيين والعرب، أمثال جورج وسوف وفارس كرم وإليسا والعالمي غارو وغيرهم. وستكون ليلة الافتتاح مع المطرب جورج وسوف، الذي يطل على جمهوره للمرة الأولى بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات، بسبب الوعكة التي ألمّت به وأجبرته على الابتعاد عن الساحة طيلة هذه الفترة. ويتوقع أن يكون لهذه الحفلة وقع وصدى كبير، لما لهذا الفنان من جمهور غفير ينتظر عودته.
وعلى الأرجح ستحصد حفلة سلطان الطرب إقبالا كبيرا قد يدفع بإدارة المهرجانات المذكورة لأن تجددها لليلة أخرى، كما ذكر لنا أحد القيمين عليها. وسيغني جورج وسوف في ليلة الافتتاح بعضا من أغانيه القديمة والجديدة على مدى نحو الساعتين.
أما الليلة الثانية من المهرجان، أي في 31 يوليو، فسيحييها المطرب اللبناني فارس كرم الذي ستكون إطلالته هذه هي الأولى من نوعها في بيروت، بحيث سيغني برفقة فرقته الموسيقية أشهر أغانيه التي حفظها محبوه مثل «التنورة» و«اللي بيكذب على مرتو» و«لامشيلك حافي» وغيرها من أغانيه المعروفة.
ومن الفنانين العرب الذين ينتظرهم معجبوهم في هذه المهرجانات بفارغ الصبر المصري تامر حسني. فبعد أن استضافه لبنان منذ نحو أربع سنوات في حفلة أقيمت يومها في منطقة ضبيّة (المارينا)، يعود اليوم إلى قلب بيروت ليطل على اللبنانيين وعلى كل من يستمتع بغنائه في الوطن العربي، في حفلة واحدة يحييها في 12 أغسطس (آب) ويؤدي خلالها باقة من أغانيه المعروفة وفي مقدّمها «اكتر حاجة» و«تعالي نعيش» وأغنية «سمايل» التي أداها بشكل ثنائي مع المغني العالمي شاغي.
ومن الحفلات المنتظرة ككل عام تلك التي سيحييها زياد الرحباني بعنوان «Artistat» في 17 أغسطس، ودائما على المسرح نفسه مع فرقته الموسيقية الغنائية.
أما محبو الفنانة إليسا فهم على موعد معها ليلة 21 أغسطس في سهرة مميزة تغني فيها جديدها وقديمها، إضافة إلى أغان أعادت توزيعها بأسلوب جديد لفيروز والراحلة سلوى القطريب وغيرهما. وكانت إليسا أول من شارك في إحياء هذه المهرجانات منذ ثلاث سنوات، وتتمسك إدارة المهرجانات بإدراج اسمها ضمن برنامجها السنوي من كل موسم، نظرا للإقبال الكبير الذي تشهده حفلاتها.
ولعل الحفلة الخاصة بتكريم الراحل وديع الصافي والمقرر إقامتها في 12 أغسطس تحت عنوان «طلّوا حبابنا»، ستكون مغايرة عن باقي الحفلات، كونها ستعيد إلى الذاكرة أحد عمالقة الفن العربي من خلال أربعة فنانين سيتشاركون بأداء أغاني المطرب الراحل مباشرة على المسرح وهم: جوزيف عطية وسارة الهاني ونجلاه جورج وأنطوان الصافي.
في هذه الحفلة التي لم تكتمل معالمها تماما كما ذكر لنا ابنه جورج الصافي، سيتم تقديم أغان شهيرة لوديع الصافي بطريقة جديدة، تشبه إلى حد ما الحفلة التي أقيمت له منذ ثلاث سنوات في مدينة جبيل، وأحياها كل من نجوى كرم ووائل كفوري. وأكد الصافي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن برنامجا منوعا ومستحدثا سيكون عنوان هذه الحفلة التي تقام للمطرب الراحل لأول مرة بعد رحيله.
وختام المهرجانات سيكون مع إطلالة مميزة للمغني العالمي غارو الذي يحظى بقاعدة شعبية كبيرة في لبنان، وذلك في 6 سبتمبر المقبل. وأشار أمين أبي ياغي، أحد أصحاب الشركات الثلاث المعدّة لمهرجانات «أعياد بيروت» (ستار سيستم)، إلى أن الفنان العالمي وافق على الفور على إحياء هذه الحفلة دون شروط تذكر، وأن تمنيه الوحيد كان أن تقام في شهر سبتمبر نظرا لارتباطاته الكثيرة في شهري يوليو وأغسطس، مما دفع بإدارة المهرجانات إلى الموافقة على طلبه دون تردد.
واعتبر أبي ياغي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن برنامج المهرجانات هذه السنة من أقوى البرامج التي تشهدها، وأنهم يتوقّعون إقبالا كبيرا في ظلّ القرار الذي صدر مؤخرا عن مختلف دول الخليج برفع الحظر عن مواطنيها لزيارة لبنان.
أما رندة أرمنازي، مديرة العلاقات العامة في شركة «سوليدير» حاضنة المهرجان، فأشارت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عملية اختيار أسماء الفنانين المشاركين في «أعياد بيروت»، ترتكز على دراسات دقيقة مسبقة يقوم بها الأفرقاء منظمي هذا الحدث، وأنهم حسبما لمسوا من رغبات اللبنانيين والعرب فإن تلك الأسماء هي المطلوبة من قبلهم، ولذلك تمّ إدراجها في برنامج هذا الصيف. والمعروف أن مهرجانات «أعياد بيروت» تنظم من قبل ثلاث شركات «تو يو تو سي» و«ستار سيستم» و«برودكشن فاكتوري» بالتعاون مع شركة «سوليدير».
يذكر أن هذا الحدث تمّ الإعلان عنه من قبل منظميه، في مؤتمر صحافي عقد في فندق «فينيسيا» وسط بيروت، بحضور أهل الصحافة والإعلام.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)