كسوف الشمس يوحد الأميركيين

أول ظاهرة فوق الولايات المتحدة تُظلم الأرض منذ أكثر من مائة عام

جانب من الكسوف الجزئي للشمس في باسادينا بكاليفورنيا.. وفي الإطار أطفال يشاهدونه في غاردن سيتي بنيويورك (أ.ف.ب)
جانب من الكسوف الجزئي للشمس في باسادينا بكاليفورنيا.. وفي الإطار أطفال يشاهدونه في غاردن سيتي بنيويورك (أ.ف.ب)
TT

كسوف الشمس يوحد الأميركيين

جانب من الكسوف الجزئي للشمس في باسادينا بكاليفورنيا.. وفي الإطار أطفال يشاهدونه في غاردن سيتي بنيويورك (أ.ف.ب)
جانب من الكسوف الجزئي للشمس في باسادينا بكاليفورنيا.. وفي الإطار أطفال يشاهدونه في غاردن سيتي بنيويورك (أ.ف.ب)

منذ شهور، اهتم الأميركيون بكسوف الشمس الذي حدث أمس الاثنين (ومر بمنطقة واشنطن بعد منتصف النهار)، وذلك لأنه أول كسوف، منذ أن تأسست الولايات المتحدة يمر مباشرة فوق الولايات المتحدة فقط. وليس فوق أي دولة أخرى منذ أكثر من مائة عام.
كعادة الأميركيين الذين ينسبون كل شيء في العالم تقريبا إلى الوطنية الأميركية، ظهرت عناوين صحف أميركية صباح الاثنين تتحدث عن «الكسوف الأميركي العظيم». و«كسوف شمسنا» و«كسوفنا».
أمس، كتبت صحيفة «واشنطن بوست»: «يبدو هذا الكسوف مذكرة مباشرة من السماء لنا، ونحن نعيش هذه الأحداث العصيبة والمهمة في تاريخنا». وأضافت: «أيها الأميركيون، انسوا مشاكلنا ومشاغلنا، انظروا إلى السماء يوم الاثنين (بطرق سليمة)، وتأملوا في أن كسوف الشمس يوحدنا، على الأقل خلال تلك الدقائق القليلة التي نشاهده».
شاهد الكسوف الكامل 12 مليون أميركي يسكنون على شريط ضيق (70 ميلا) من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. بالإضافة إلى عشرات الملايين انتقلوا إلى الشريط من ولايات أخرى لمشاهدة الكسوف.
منذ شهور، استعد سكان مدينة ديبوباي (ولاية أوريغون) المطلة على المحيط الهادي، لأنها كانت أول نقطة في الولايات المتحدة شاهد فيها الناس الكسوف. وتضاعف، خلال اليوم، عدد سكان المدينة الريفية الصغيرة من ألف شخص إلى أكثر من 10 آلاف شخص، وذلك لأن آلاف السياح انهمروا نحوها ليكون أول أميركيين يشاهدون الخسوف.
واستعدت لذلك المحلات التجارية في المدينة. ووزع بعضها قمصاناً كتب عليها: «أول أميركي شاهد كسوف 2017»، و«ديبوباي مدينة الكسوف» و«ديبواي عاصمة الكسوف».
مر الكسوف بتلك المدينة في الساعة العاشرة صباحا أمس الاثنين. وبدأ يخترق الولايات المتحدة في اتجاه من الشمال الغربي (ولاية أوريغون) إلى الجنوب الشرقي (ولاية ساوث كارولاينا). واعتبر سكان هذه الولايات أنفسهم محظوظين بالمقارنة مع كثير من الولايات التي لم يشاهد سكانها الكسوف الكلي، ولا أجزاء منه. الولايات المحظوظة كانت: أوريغون، إيداهو، وايومنغ، نبراسكا، كانساس، ميزوري، اللينوي، كنتاكي، تنيسي، جورجيا، نورث كارولاينا، وساوث كارولاينا.
لكن، بسبب سحاب وأمطار، لم تشاهد بعض هذه الولايات الشمس خلال فترة الكسوف.
وحسب مقدمي برامج الطقس ذلك مسبقا، ونصحوا الذين يريدون مشاهدة الكسوف أن ينتقلوا إلى أماكن معينة لتحاشي السحب.
ومنذ شهور، حسبت مراكز أبحاث الفضاء الأميركية مسار الكسوف، وظهر علماء وخبراء في التلفزيونات يشرحون ويعلقون. وقال واحد من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في تلفزيون «سي إن إن» صباح الاثنين: «يا ليت الكسوف يستمر أياما ليشاهده الناس أكثر من 15 دقيقة» يشير هذا إلى مثل أميركي عن الشهرة يقول إن كل أميركي سيشتهر لمدة 15 دقيقة قبل أن يموت.
حسب العلماء مسبقا، وفي دقة متناهية، نسبة الكسوف، وسرعته، وزاويته، ومقاييسه في كل ولاية من الولايات التي شاهدت الكسوف مباشرة. وقالوا، رغم أن الشمس تظهر في الشرق أولا، سيظهر الكسوف في الغرب أولا. سبب ذلك هو منازل القمر (لا الشمس) وهو يسبح في الفضاء بين الشمس والكرة الأرضية.
وقال مايك كنتراياناكسيس، مديرة قسم الكسوف والخسوف في الجمعية الأميركية الفضائية: «هذه أعظم ظاهرة طبيعية يمكن أن يشاهدها أي شخص في حياته». وأضاف: «تثير، وتحرك أحاسيس، وتجعل العقل يفكر فيما لا يفكر فيه عادة». وقال إنه شاهد أكثر من 20 خسوفا، في مختلف الدول والأعوام.
ومسبقا، نشرت الصحف ومواقع الإنترنت تحذيرات عن مشاهدة الكسوف الكلى مشاهدة مباشرة. ونفذت، في أماكن كثيرة، نظارات خاصة للمشاهدة.
صباح أمس، نقلت تلفزيونات محلية في واشنطن منظر ناس يقفون في صفوف طويلة أمام متحف الفضاء (من مجموعة متاحف «سميثونيان»)، في «ناشيونال مول» (الميدان الوطني)، والذي وزع نظارات لحماية العيون عند النظر مباشرة إلى الكسوف.
ونقلت التلفزيونات المحلية، ومواقع في الإنترنـت، علامات في الطرق البرية المؤدية إلى واشنطن، حذرت من ذلك. ونصحت الذين يقودون سياراتهم وقت مرور الكسوف أن يزيدوا حذرهم لأن السماء يمكن أن تظلم قليلا. لكن، قال المسؤولون عن المرور في واشنطن وضواحيها إنه لن يكن هناك ظلام كامل. وذلك لأن واشنطن لا تقع مباشرة على خط سير الكسوف. وهذا ما حدث فعلا.
يبالغ الأميركيون، أحيانا، في الحذر: أقام رجال المطافي والإسعاف والأمن مراكز على خط سير الكسوف، وحشدوا أطباء عيون، ومعدات طبية، ومتبرعين بالدم. وماكينات توليد كهرباء متنقلة إذا انقطعت الكهرباء خلال الكسوف الكامل.
صباح أمس، قدم تلفزيون «سي إن إن» رجلين صديقين في ولاية أوريغون. عمر كل واحد منهما 70 عاما، وأصيبا بعمى جزئي لأنهما شاهدا، قبل 50 عاما، كسوفا كاملا للشمس مشاهدة مباشرة من دون نظارة خاصة. تذكر واحد منهما: «أحسست بأن نارا جاءت من الفضاء الخارجي ودخلت عينيي». وأضاف: «نعم حذرونا أهلنا. لكن، في مرحلة المراهقة، اعتقدنا بأننا نقدر على أن نتحدى الشمس».
ظهر أمس، حسب التقارير الأولية من ولاية أوريغون، الكسوف الكامل على رقعة عرضها 70 ميلا أظلمت الأرض في أماكن الكسوف الكامل، وانخفضت درجات الحرارة قليلا. لكن، مر كل شيء بسلام.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».