من الشرق إلى الغرب... أميركا تعيد صياغة علاقاتها التجارية

تسرع المفاوضات مع طوكيو وسيول... وتنتقد «نافتا»

من الشرق إلى الغرب... أميركا تعيد صياغة علاقاتها التجارية
TT

من الشرق إلى الغرب... أميركا تعيد صياغة علاقاتها التجارية

من الشرق إلى الغرب... أميركا تعيد صياغة علاقاتها التجارية

تعتزم الولايات المتحدة، التي تسعى لتصحيح العجز في ميزانياتها التجارية، تسريع المفاوضات مع اليابان لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وعقد أول اجتماع مع كوريا الجنوبية لإعادة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر بين واشنطن وسيول، حسبما ذكرت واشنطن في بيانين مساء أول من أمس (الخميس).
وأجرى الممثل الخاص الأميركي للتجارة روبرت لايتهايزر ووزير الخارجية الياباني تارو كونو محادثات «لتعزيز التجارة والعلاقات الاقتصادية بين البلدين ودفعها قدماً». وقال بيان صدر عن مكتب الممثل الأميركي للتجارة إنهما «اتفقا على تسريع المحادثات من أجل تسوية مشكلات محددة تتعلق بالتجارة الثنائية». ولم يحدد أي موعد لهذه المحادثات.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أدان فور توليه مهامه في يناير (كانون الثاني) اتفاق الشركة عبر المحيط الهادي الذي وقعته الولايات المتحدة و11 بلداً في منطقة آسيا والمحيط الهادي بينها اليابان في عام 2015. من جهة أخرى، أعلن بيان منفصل الخميس أن الولايات المتحدة عقدت الثلاثاء في سيول اجتماعاً مخصصاً لبدء عملية إعادة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر الذي يربطها منذ 2012 مع كوريا الجنوبية.
وكان لايتهايزر طلب هذا الاجتماع في يوليو (تموز) الماضي. وردت سيول حينذاك بالتشكيك في موقف الولايات المتحدة، مؤكدة أن أي اتفاق تجاري لا يمكن أن يعدل إلا بموافقة الطرفين.
وكانت إدارة ترمب وعدت بمراجعة الاتفاقات التجارية التي لا تخدم مصلحتها.
وفي 2016، بلغ العجز في الميزان التجاري للبضائع والخدمات 57.1 مليار دولار مع اليابان و17.6 مليار مع كوريا الجنوبية.
وبالتزامن مع تلك التحركات في جنوب شرقي آسيا، بدأت الأربعاء في واشنطن محادثات لإعادة التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر لأميركا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك، والتي تنقسم الآراء حولها بين مؤيد ومعارض.
وقال الممثل الأميركي الخاص للتجارة روبرت لايتهايزر في الجلسة الافتتاحية إن «آراء الرئيس ترمب حول (نافتا) - والتي أشاطره إياها - معروفة جيداً. أريد أن أوضح أنه ليس مهتماً بتعديلات طفيفة في بعض المندرجات والفصول»، مضيفاً: «نعتقد أن (نافتا) خذلت كثيراً من الأميركيين وتحتاج إلى تحسين».
وأتت تصريحات لايتهايزر مناقضة لتصريحات وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، ووزير الاقتصاد المكسيكي ايدلفونسو غواخاردو، اللذين شددا على أن الاتفاقية أفادت اقتصادياً الأطراف الثلاثة. واعتبرت وزيرة الخارجية الكندية أن العجز التجاري ليس وسيلة لقياس مدى نجاح اتفاقية التجارة الحرة، وقالت: «لدينا مصلحة مشتركة كبيرة في التوصل إلى اتفاقيات ذات فائدة مشتركة».
من جهته، اعتبر وزير الاقتصاد المكسيكي أن المجال متاح لتحسين اتفاقية التجارة الحرة، وقال: «شكلت (نافتا) نجاحاً لجميع الأطراف»، لكن لا يمكن تحسينها «بإلغاء الأمور التي نجحت».
ويجتمع المفاوضون من الدول الثلاث حتى غد (الأحد) في العاصمة الأميركية لتحديث الاتفاقية التجارية سارية المفعول منذ عام 1994، التي أسهمت في تعزيز المبادلات التجارية بينهم.
وصرح ترمب قبل يومين: «نحن بصدد إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة لتصبح جيدة للعمال الأميركيين. حان الوقت للقيام بذلك». ولطالما ندد ترمب بهذه الاتفاقية ووصفها بأنها «كارثة»، معتبراً أنها مسؤولة عن خسارة كثير من الوظائف في الولايات المتحدة.
وتعتزم واشنطن خصوصاً مناقشة الخلل في ميزانها التجاري مع المكسيك الذي انتقل منذ توقيع الاتفاقية من فائض حجمه 1.6 مليار دولار، إلى عجز قدره 64 مليار دولار.
وباتت الاتفاقية مسألة حيوية لاقتصاد المكسيك، إذ تشكل الولايات المتحدة وجهة 80 في المائة من صادرات هذا البلد، ومعظمها من منتجات الصناعات التحويلية كالسيارات، فضلاً عن منتجات زراعية. وأكد مسؤول في وزارة التجارة الأميركية الثلاثاء، رفض ذكر اسمه، أن «العجز مشكلة كبيرة يجب أن نعالجها».
من جهته، قال خاييم زابلودوفسكي، الذي تفاوض على الاتفاقية الأصلية عن الجانب المكسيكي، إن مشكلة العجز في الولايات المتحدة لا يمكن حلها ضمن «إطار العلاقات التجارية». وأضاف أن «العجز مرتبط بحالة الاقتصاد الكلي. فالولايات المتحدة اقتصاد ينفق أكثر مما ينتج»، مشيراً إلى آراء كثير من الاقتصاديين.
وأضاف المسؤول في وزارة التجارة الأميركية أن نقطة الانطلاق في إعادة التفاوض حول «نافتا» هي التوصل إلى «اتفاق تجاري أكثر توازناً ومواتياً لوظائف برواتب مجزية للأميركيين، ويسهم في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة».
ومن المتوقع أن تكون المفاوضات مع كندا، أهم الزبائن وأكبر مصدر طاقة للولايات المتحدة، أكثر هدوءاً. فالمبادلات التي تضاعفت بين البلدين بموجب اتفاقية «نافتا» لا تزال متوازنة بصورة إجمالية.
وصرحت وزيرة الخارجية الكندية الاثنين بأن هذه «المفاوضات مؤشر إلى لحظة جدية وجسيمة العواقب بالنسبة لنا جميعاً»، ولم تستبعد «مواقف صعبة» خلال عملية التفاوض. وشددت على أن المفاوضين الكنديين سيعتمدون في واشنطن موقفاً بناء، لكنه حازم، مشيرة إلى أن «اللباقة والقوة ليستا متناقضتين». وتابعت فريلاند: «نحن ملتزمون بإبرام اتفاق جيد، وليس مجرد أي اتفاق».
والنقطة الأبرز ستكون دون شك إعادة النظر في آلية تسوية النزاعات التجارية المعروفة باسم «الفصل 19»، التي تسمح بالتحكيم في الخلافات المتعلقة بالتعويضات والإغراق. وتنوي الولايات المتحدة إلغاء هذا الفصل الذي كان حتى الآن مواتياً لكندا في الخلاف حول الأخشاب المخصصة لأعمال البناء.
وشهد هذا الخلاف كثيراً من التقلبات منذ عام 1983، في ظل اتهام المنتجين الأميركيين نظراءهم الكنديين بتصدير الخشب إلى الولايات المتحدة بأسعار الإغراق، أي أدنى من كلفة الإنتاج.
وبالنسبة لمسألة «الفصل 19»، فبإمكان الكنديين الاعتماد على دعم المكسيكيين الذين يرغبون في الاحتفاظ بهذه الآلية. وقال عضو مجلس الشيوخ المكسيكي من «حزب العمل الوطني» المعارض إرنستو كورديرو، إن هذه الآلية تضمن «الحياد والموضوعية أثناء حل الخلاف، كما من شأنها أن تجنب النظر في هذه القضايا أمام محكمة أميركية أو كندية أو مكسيكية».
وتشكل محادثات هذا الأسبوع الجولة الأولى من سلسلة تنظم بالتناوب في البلدان الثلاثة. وستعقد الجولة الثانية في المكسيك في الخامس من سبتمبر (أيلول)، فيما تعقد الثالثة في كندا في وقت لم يعلن بعد. ورغم كثير من نقاط التباين، فإن الأميركيين يرغبون في تسريع العملية. وقال المسؤول في وزارة التجارة: «لدينا جدول أعمال هجومي لهذه المفاوضات».



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.