استقالة وزير الدفاع المؤقت تنذر بأزمة داخل المعارضة السورية

أسعد مصطفى : استقلت بسبب «قلة الدعم»

متطوعون في الجيش السوري الحر أثناء تلقيهم تدريبات عسكرية في ضواحي مدينة إدلب أمس (رويترز) وفي الاطار أسعد مصطفى
متطوعون في الجيش السوري الحر أثناء تلقيهم تدريبات عسكرية في ضواحي مدينة إدلب أمس (رويترز) وفي الاطار أسعد مصطفى
TT

استقالة وزير الدفاع المؤقت تنذر بأزمة داخل المعارضة السورية

متطوعون في الجيش السوري الحر أثناء تلقيهم تدريبات عسكرية في ضواحي مدينة إدلب أمس (رويترز) وفي الاطار أسعد مصطفى
متطوعون في الجيش السوري الحر أثناء تلقيهم تدريبات عسكرية في ضواحي مدينة إدلب أمس (رويترز) وفي الاطار أسعد مصطفى

كشفت استقالة وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة أسعد مصطفى أمس عن أزمة جديدة داخل مؤسسات المعارضة السورية. وعلى الرغم من تبرير مصطفى استقالته لـ«الشرق الأوسط» بـ«قلة الدعم وتعثره في تلبية احتياجات الفصائل العسكرية المعارضة من السلاح والمال»، لكن مصادر معارضة أفادت لـ«الشرق الأوسط» بأن «استقالة وزير الدفاع جاءت على خلفية الصراع بينه وبين رئيس الائتلاف الوطني المعارض أحمد الجربا، إثر زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة».
وفي خطوة تشكل انعكاسا لخلافات قيادات المعارضة السورية و«استيائها» من أداء مصطفى، أعلنت غرفة عمليات الجيش الحر ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في مدينة دير الزور شرق سوريا أمس، سحب اعترافها بكل من رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة ووزير الدفاع بعد «تأخيرهما صرف المال إلى المدينة بسبب الخلافات داخل الحكومة وشراء ولاءات بعض الفصائل وتدخل بعض الأشخاص لدى الحكومة»، بحسب بيان صدر عن الغرفة وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، وذيل البيان بتوقيع 20 تشكيل عسكري.
وكشفت مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «وزير الدفاع طلب من الجربا اصطحابه معه في زيارة واشنطن ممثلا عن الجناح العسكري في المعارضة، لكن رئيس الائتلاف رفض ذلك، مفضلا اصطحاب رئيس هيئة الأركان في الجيش الحر العميد عبد الإله البشير». واعتبر مصطفى قرار الجربا بمثابة «إقصاء له»، وفق المصادر، التي أضافت أن «الزيارة حملت أهمية كبيرة على صعيد تسليح المعارضة، مع بدء الولايات المتحدة دراسة تأمين الدعم العسكري عن طريق هيئة الأركان وليس وزارة الدفاع وهو ما أثار غضب مصطفى وعجل بإعلان استقالته».
وتقاطعت الأسباب التي ذكرتها المصادر هذه مع ما أدلى به مصدر في الائتلاف الوطني المعارض لوكالة «رويترز»، الذي أرجع استقالة مصطفى إلى «رفض الجربا تعيينه رئيس وزراء مؤقتا بدلا عن أحمد طعمة، الإسلامي المعتدل، الذي يشغل المنصب حاليا». وقال إن «مصطفى لم يحقق شيئا. فقدنا سوريا. فقدناها لصالح الجهاديين و(الرئيس السوري بشار) الأسد».
ولم تنف المصادر المعارضة في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» الصراع بين مصطفى وطعمة، موضحة أن سبب «هذا الصراع ليس طمع مصطفى في تسلم منصب طعمة وإنما تجاوزه صلاحياته، إذ إنه (مصطفى) ينفرد بإصدار القرارات المتعلقة بتمويل الجبهات دون العودة إلى طعمة المخول له التوقيع على جميع القرارات بحكم صلاحياته كرئيس حكومة».
في المقابل، نفى مصطفى لـ«الشرق الأوسط» صحة هذه الأنباء، مشددا على أن «سبب استقالته هو نقص الدعم العسكري المقدم إلى المعارضة من قبل الدول الداعمة للثورة السورية»، موضحا أن «علاقته مع الجربا جيدة جدا». وقال مصطفى الموجود حاليا في الكويت إن «سوريا تدمر من شمالها إلى جنوبها وليس بأيدينا كوزارة دفاع أي إمكانات نقدمها للثوار كي يواجهوا عدوان النظام السوري ووحشيته»، مضيفا: «دمشق محاصرة وحمص أخليت من الثوار وحلب مطوقة، وإذا حصلنا على سلاح يمكننا أن نغير هذا الواقع في أقل من أسبوع».
وكشف مصطفى عن تلقيه «بشكل يومي أكثر من 500 اتصال من قبل قادة الكتائب المسلحة يطلبون كميات من السلاح لمواجهة آلة النظام المجرم من دون أن أتمكن من تقديم شيء لهم، لأن إمكانيات وزارة الدفاع صفر بسبب قلة الدعم الذي يصل إلى المعارضة».
ونفى وزير الدفاع المستقيل وجود أي ارتباط بين تقديم استقالته وبين زيارة وفد من الائتلاف المعارض إلى أميركا، مشيرا إلى أنه «فضل تأجيل إعلان استقالته حرصا على عدم التشويش على الزيارة»، مبديا يأسه من «تقديم مزيد من الدعم من قبل الدول الغربية لكتائب المعارضة السورية». وأوضح مصطفى أن «هذه الدول تتذرع بإمكانية وصول السلاح إلى الجماعات المتطرفة إذا ما أرسل إلى المعارضة، ولكن من يحارب هذه الجماعات، وتحديدا الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ليست إلا كتائب المعارضة نفسها»، داعيا الغرب إلى «تجاوز هذه الذرائع ودعم المعارضة».
وأكد مصطفى عزمه على التمسك باستقالته هذه المرة بالقول: «لا أريد أن أوهم الثوار بوجود وزارة دفاع تدعمها، في حين أن هذا الكلام عبارة عن وهم في ظل قلة الدعم الآتي من الخارج».
وكان مصطفى قدم استقالته من حكومة طعمة في 14 فبراير (شباط) الماضي قبل أن يتراجع عنها بعد يومين بضغوط من بعض أقطاب المعارضة. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن عودته عن استقالته جاءت بعد «وعود آنذاك بتقديم الدعم، لكن ذلك لم يحدث، وهذا ما يجعلني مصرا هذه المرة على الاستقالة».
وفي غضون ذلك، برر نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري محمد فاروق طيفور استقالة مصطفى بأنها «احتجاج» على «أسلوب إدارة المجتمع الدولي للأزمة السورية». وقال إن «القرارات التي تتخذها الدول الكبرى تجاه ما يعانيه السوريون، رمزية ولا قيمة لها إذا ما ترجمت على أرض الواقع».



انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
TT

انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)
أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)

أعادت وكالة أممية حديثها عن تسرب ملايين الأطفال من التعليم، وتدمير آلاف المدارس في اليمن، بينما تتعسف الجماعة الحوثية مع موظفي قطاع التعليم، وحرمتهم من صرف نصف راتب شهري تعهدت به سابقاً، بالتزامن مع إجبار طلاب المدارس على المشاركة في دورات قتالية، وسط اتهامات داخلية للجماعة بالتآمر على قطاع التعليم.

ورفض نادي المعلمين اليمنيين ما سماه «سياسة التجويع» التي اتهم الجماعة الحوثية بممارستها ضد التربويين، مطالباً بعدم الانخداع بـ«أنصاف الحلول وفتاتها»، مع دعوته إلى صرف رواتب المعلمين كاملة، ومعها كامل المستحقات الأخرى، وذلك إثر استثناء الجماعة الحوثية قطاع التعليم من نصف الراتب الشهري الذي تعهدت به للموظفين العموميين.

ودعا الكيان النقابي المعلمين والأكاديميين والموظفين العموميين وعموم قطاعات المجتمع إلى الثورة في مواجهة ممارسات الجماعة الحوثية ورفض «حياة العبودية».

من داخل مدرسة في تعز تعمل «اليونيسيف» على إعادة إلحاق الطالبات المتسربات للدراسة فيها (الأمم المتحدة)

وعدّ النادي المطالبة بالراتب الكامل حقّاً أصيلاً، وليس ترفاً، مشدداً على أن كرامة المعلم لا ينبغي أن تكون رهينة لسياسات عمياء تُغلق الأبواب في وجه العدالة، في حين أعلنت مكاتب التربية الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية رفضها القاطع لاستثناء الإداريين في مكاتب التربية من صرف نصف الراتب الشهري.

وتعرضت الإجراءات الحوثية بشأن صرف رواتب الموظفين العموميين، التي أعلنت عنها منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي لانتقادات حادة، كونها تعتمد على التمييز وتصنيف الموظفين إلى فئات، ما يؤدي إلى اختلالات عميقة، وتمييز حاد بين هذه الفئات.

وحذّر الناشط الحوثي طه الرزامي من تقسيم الموظفين إلى فئات (أ) و(ب) و(ج)، لصرف الرواتب لهم بحسب هذا التصنيف الذي قال إنه «سيولد الحقد والكراهية بين من يعملون من الفئة (ج) ولا تُصرف لهم أنصاف رواتب إلا كل ثلاثة أشهر، وبين من يستلمون رواتب شهرية كاملة من الفئة (أ) دون أن يعملوا».

ووصف إسقاط أسماء عشرات الآلاف من الموظفين القدامى ذوي الخبرة والكفاءة من قوائم صرف الرواتب بالجريمة التي ترتكب بحقهم بعد معاناتهم وعائلاتهم لتسع سنوات.

إيقاف الدراسة للتجنيد

اتهم القيادي الحوثي علي عبد العظيم، وكنيته أبو زنجبيل الحوثي الجماعة التي ينتمي لها، باستهداف قطاع التربية والتعليم وإهماله، إثر استثناء موظفيه من كشوفات صرف نصف الراتب الشهري الذي كانت تعهدت به لجميع موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، واصفاً ذلك بالمؤامرة على التعليم، خصوصاً مع عدم إبداء الأسباب، وتجاهل مطالب المعلمين.

ويقود نادي المعلمين اليمنيين إضراباً منذ بداية العام الدراسي للمطالبة بصرف رواتب المعلمين، واعترض على تعرض قادته وعدد من المنتمين إليه خلال هذه الفترة لإجراءات عقابية حوثية، مثل الاختطاف والإخفاء القسري، واتهامهم بالخيانة والعمالة والتآمر، وقد توفي عدد من الخبراء التربويين في السجون.

في غضون ذلك أجبرت الجماعة الحوثية عشرات المدارس في مناطق سيطرتها على التوقف عن الدراسة لإلزام مئات الطلاب والمدرسين على المشاركة في دورات قتالية للتدرب على استخدام الأسلحة في أفنية المدارس.

ونقلت مصادر محلية في مدينة الحديدة الساحلية الغربية عن مدرسين وأولياء أمور الطلاب أن المدارس تحولت إلى مراكز حوثية لاستقطاب الأطفال وإغرائهم أو ترهيبهم للانضمام للجماعة والمشاركة في فعالياتها التدريبية والدعوية، تحت مزاعم مواجهة الغرب وإسرائيل.

منذ بداية العام الدراسي الماضي يواصل المعلمون اليمنيون إضرابهم للمطالبة برواتبهم (إكس)

وتنوعت وسائل الترهيب والإغراء للطلاب وأولياء أمورهم، حيث يجري استغلال الضربات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة وخزانات النفط لإقناعهم بأن هدف هذه العمليات هو إخضاع اليمنيين، إلى جانب عرض إعفائهم من الرسوم الدراسية، وزيادة درجات تحصيلهم الدراسي في حال المشاركة في تلك الأنشطة، والتهديد بزيادة الأعباء المالية والحرمان من الدرجات عقاباً على التغيب أو التهرب منها.

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة مشابهة وموازية يتعرض لها طلاب الجامعات العمومية، وخصوصاً جامعة صنعاء وكادرها التدريسي والوظيفي، ضمن مساع لاستقطاب وتجنيد الآلاف من الشباب والأطفال.

تأهيل أممي للمدارس

أعلنت «اليونيسيف» أن تداعيات الصراع المسلح في اليمن منذ أكثر من عقد من السنوات تسببت بتسرب أكثر من 4.5 مليون طفل خارج المدرسة، حيث خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

وأوضحت المنظمة الأممية أنها وشركاءها من أجل التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين من الأطفال، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، نظراً لأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

أطفال نازحون يدرسون في مبنى مهجور بمحافظة الحديدة الغربية (أ.ف.ب)

ونبهت «اليونيسيف» من تأثير النزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء اليمن، وتجزئة نظام التعليم الذي وصفته بأنه شبه منهار، وقالت إن ذلك كان له أثر بالغ على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكل الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

وأحصت المنظمة تدمير 2,916 مدرسة، بواقع مدرسة واحدة على الأقل، من بين كل 4 مدارس، أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية بسبب النزاع الذي تشهده البلاد.

ويواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين، ما يقارب 172 ألف معلم ومعلمة، على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ 2016، أو أنهم انقطعوا عن التدريس؛ بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.

وأشارت المنظمة إلى اضطرار المدارس لإغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة «كورونا» منذ خمسة أعوام، ما تسبب في تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5.8 مليون طالب، بمن فيهم 2.5 مليون فتاة.