«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران
TT

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

ترى قيادات سياسية ومرجعيات دينية شيعية عراقية في فصائل ما يُعرف بـ«الحشد الشعبي» وجماعات أخرى شبيهة، ركيزة من ركائز الأمن الوطني، وتعتبر أن استمرار وجودها يحافظ على مكاسب التشيّع السياسي، وعلى أمن بغداد وكربلاء والنجف وسامراء، مراكز نفوذها الديني في المنطقة الجنوبية والوسطى من العراق. وانطلاقاً من ذلك، تتمسك هذه القيادات والمرجعيات بالفصائل المسلحة، رافضة أي تفريط فيها، لا سيما في ضوء «الدرس الداعشي» الذي تمثّل بوصول التنظيم الإرهابي إلى أطراف سامراء وبغداد عقب انهيار القوات النظامية في يونيو (حزيران) عام 2014.

حاولت الجهات الداعمة للفصائل المسلحة، منذ الأيام الأولى لاحتلال الموصل، التنسيق مع إيران وحكومة بغداد لتحقيق هذا التوجه. فحرصت، في خطوة أولى، على أن تفتح الحكومة العراقية معسكراتها ومخازن سلاحها لـ«الحشد»، وإسناد عملياته لوجيستياً، وفتح قنوات اتصال رسمية معه، في محاولة لسد الثغرات التي خلّفتها هزائم الموصل وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى. كما لجأت هذه الجهات إلى استغلال المخزون الكبير من الشباب الشيعي المتدين من خلال إعلان «النفير الكفائي» لمواجهة «داعش». وفي 25 يوليو (تموز) 2016، أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً شرّع فيه «الحشد» واعتبره قوّة موازية لجهاز مكافحة الإرهاب يتبع القائد العام للقوات المسلحة. ولم يتم الاكتفاء بتشريع «الحشد»، بل لجأ المدافعون عن فصائله من نواب البرلمان إلى تقديم اقتراح قانون يمنح «الحصانة» لعناصره ويضمن معاملتهم قانونيّاً «كمعاملة الجندي في الجيش العراقيّ».
وتمثّلت الخطوة الثانية للجهات الداعمة لـ«الحشد الشعبي» بمحاولة فرضه أمراً واقعاً على رئاسة الحكومة العراقية وحلفائها في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وإظهاره بمظهر يشبه جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أي بوصفه طرفاً قوياً يمكن لبغداد وحلفائها الاعتماد عليه. وبدت هذه المحاولة بمثابة «رسالة» إلى أطراف عربية إقليمية وكذلك لتركيا وحلفائها داخل العراق مفادها أن حلفاء إيران هم من يفرض الأمر الواقع في الساحة العراقية.
ورغم حاجة رئيس الوزراء حيدر العبادي للدعم الأميركي - الخليجي - التركي للوقوف بوجه منافسيه المقربين لطهران، فإن هذا لا يعني وجود تفاهمات أو تنسيق للحد من تدخلات الإيرانيين، لا سيما في تحكمهم بقرارات بعض فصائل «الحشد الشعبي». وفي الواقع، لا يمكن لهيئة «الحشد» ذات الغالبية الشيعية أن تختار التقارب مع مَن لا تريده إيران، فالعقيدة المرجعية لـ65 في المائة من فصائل «الحشد» تقلّد مرجعية خامنئي (الولي الفقيه) فيما تقلّد 25 في المائة مرجعية السيستاني. كما أن التركيبة العقائدية لكل أحزاب التحالف الوطني الشيعي الحاكم مبنية على خلفية فقهية شيعية تؤمن بوحدة المذهب أولاً، ثم تأتي بعد ذلك القومية والوطنية. ولذلك فإن العبادي لوحده لا يستطيع، على الأرجح، أن يخرج من هذا الجلباب، وإن كان هذا الكلام لا يسري نسبياً على جميع ساسة الأحزاب الشيعية العراقية، خصوصاً التيار الصدري والشيعة العروبيين وأصحاب التوجهات السياسية اللادينية.
وفي العموم، يعتبر الرأي العام الشيعي في العراق أي تحرّك من العبادي لتحجيم «الحشد»، عدداً وعدة، بمثابة «خيانة للمذهب»، مما يمثّل مخاطرة سياسية، خصوصاً أن العراق على أعتاب انتخابات جديدة. ويزيد الصورة تعقيداً أن اتحاد الإعلام الإسلامي الشيعي، وهو تجمّع لعشرات المؤسسات بدعم وتمويل إيراني، يتهم أي جهة سياسية أو إعلامية عراقية تنتقد «الحشد» بالإرهاب أو دعم الإرهاب، من خلال هجمات إعلامية لا يمكن محاسبتها قانونياً.

- فئات «الحشد الشعبي»
يمكن تعريف «الحشد الشعبي» بأنه مجموعة من الفصائل المسلحة المختلفة مذهبياً وقومياً وسياسياً ومالياً وعسكرياً، وهو تشكيل غير منتظم بسياقات وتعليمات المدارس العسكرية والشرطية العراقية، ويعتمد على خبرات وتدريبات الحروب الهجينة. ويضم «الحشد» لفيفاً من فصائل متنوعة شيعية وسنية ومن الأقليات في مناطق شمال العراق.
ويمكن تقسيم «الحشد الشعبي»، الشيعي تحديداً، إلى ثلاث فئات من حيث زمن التأسيس:
1- فئة فصائل تُسمي نفسها «المقاومة الإسلامية»، وهي التي تأسست بعد عام 2003، عدا «قوات بدر» التي تأسست في تاريخ سابق. وتشترك كلها بتقليد مرجعية خامنئي، ولديها ارتباط منهجي وحزبي بإيران التي تدعمها سياسياً ومالياً، عدا فصيل «سرايا السلام» التابع للتيار الصدري. وشاركت هذه الفصائل في «مقاومة» الاحتلال الأميركي للعراق بعد إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين. ولها حالياً حصة كبيرة في إدارة وقيادة مديريات وأقسام هيئة «الحشد الشعبي»، وبعضها يقاتل خارج حدود العراق.
2- فئة فصائل «الحشد» التي تأسست بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011، وتم تعريفها لاحقاً باسم «الصحوات الجديدة». وقد تم تشكيلها بموجب أمر صادر بموجب كتاب مكتب رئيس الوزراء بتاريخ 23 أبريل (نيسان) 2014، ولذلك توصف بأنها «حشد المالكي» (رئيس الوزراء السابق). وهذه الفصائل هي في الواقع مجموعة «حشود»، وفيها تنوع قومي وديني ومناطقي وعشائري.
3- فئة متطوعي فتوى «الجهاد الكفائي» التي تأسست في 13 يونيو 2014، وهي تضم مقلدي مرجعية السيستاني من المحافظات العراقية، وتتبنى عقيدة عسكرية جاءت نتيجة فتاوى دينية كُرّست معنوياً لخدمة هدف محدد صد «داعش»، ولم تكن تقوم على أساس بناء عقائدي يخضع إلى عمل تدريبي تشرف عليه مديريات التوجيه المعنوي في المؤسسة العسكرية.
والأهداف التي شكلت من أجلها فصائل هذه الفئة من المفترض أن تكون مرحلية تعبوية، وليس لتعزيز سلطتها من خلال أهداف استراتيجية يتم تحقيقها عبر إضافة تشكيلات جديدة لمنظومة الأمن والدفاع العراقية. وانطلاقاً من هذه الأهداف، كما يبدو، بدأت بعض ألوية «فرقة العباس» القتالية، أحد أكبر التشكيلات العسكرية التابعة لهذه الفئة من «الحشد»، بعملية اندماج مع قوات الجيش العراقي.
وفي هذا السياق، يمكن التوقف عن مبادرة السيد مقتدى الصدر، بعد زيارته للمملكة العربية السعودية في أغسطس (آب) 2017، الداعية إلى دمج أجزاء من «الحشد» في المؤسسة العسكرية. لكن مثل هذا الأمر يحتاج بالضرورة إلى إخضاعها لتدريب عسكري نظامي، وليس الاعتماد على العمل التطوعي السريع الذي يفشل في ضمان الانضباط العسكري. كما أن هذا الأمر مكلِّف مالياً، وسيُدخِل الحكومة في صراع سياسي مع تشكيلات وأحزاب رافضة لمبادرة دمج «الحشد» بالمنظومة العسكرية والأمنية النظامية.
وإضافة إلى هذه الفئات الشيعية الثلاث من «الحشد»، هناك أيضاً فئة رابعة تضم فصائل «الحشد العشائري» السنّي (أو الحشد الدفاعي)، وكلها يرتبط بهيئة الحشد الشعبي في بغداد، وينسق مع قيادة عمليات كل محافظة بحسب وجوده الجغرافي. وفي الأنبار، أسهم التحالف الدولي في تسليح وتدريب هذه الفصائل. ويبلغ العدد الإجمالي لـ«الحشد» السني قرابة 25 ألفاً يتوزعون على 34 فصيلاً مسلحاً في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى والأنبار وحزام بغداد. وبعض فصائل هذا «الحشد» تأسس وفق الأمر الديواني لـ«الصحوات الجديدة»، وبعضها الآخر تأسَّس وفق الأمر الديواني الصادر في فبراير (شباط) 2016.
وهناك نوع خامس من الفصائل يُعرف بـ«حشد الأقليات» والمكوّنات العراقية، مثل حشد الإيزيدية وحشد المسيحيين وحشد التركمان وحشد الشبك وحشد الكاكائية. وبعضها يرتبط بهيئة الحشد الشعبي في بغداد، فيما يرتبط بعضها الآخر بكردستان العراق، والقليل منها بقوات التحالف الدولي مباشرة.

- قانون «الحشد الشعبي»
قانون هيئة الحشد الشعبي أقره مجلس النواب العراقي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 وسط مقاطعة النواب السنة. ونص القانون على أن قوات «الحشد» ستكون قوة رديفة إلى جانب القوات المسلحة العراقية وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
وجاء في الأسباب الموجِبة لصدور هذا القانون أنه يهدف إلى تكريم كل من تطوع، من مختلف أبناء الشعب، دفاعاً عن العراق في وجه «هجمة الدواعش». وصدر قانون «الحشد» بضغط سياسي وبصورة مستعجلة غير مدروسة عسكرياً وقانونياً. فحتى ولو ارتبطت هيئة «الحشد» بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، فإن القانون جاء فارغاً من التعليمات التي تحدد طريقة حل أي خلاف يمكن أن ينشأ بين فئات «الحشد»، وبينها وبين القوات النظامية لأسباب يمكن أن تكون مرتبطة بغياب التسلسل الهرمي الواضح في التنظيمات الشعبية المسلحة (بعكس الجيش النظامي). كما أن الخلافات يمكن أن تنشأ على خلفية المعسكرات غير النظامية والمصانع وورش التصنيع والتطوير والمخازن وأنواع السلاح والأعتدة والانتشار الجغرافي والرتب الفخرية والزي الرسمي ومستوى التدريب والتسليح وأسماء الألوية والرايات وإشكالية الفصائل العابرة للحدود والمشاركة السياسية والتصريحات خارج سياقات المنافذ الدبلوماسية.
ولا توجد لـ«هيئة الحشد الشعبي» هيئة ركن ودائرة للأركان العامة التي ترتبط برئاسة أركان الجيش والقيادة العامة للقوات المسلحة، وسيكون عملها خارج التعبئة العامة للقوات النظامية.
ويشهد العراق جدلاً منذ سبتمبر (أيلول) 2014 في خصوص مصير فصائل «الحشد» بعد الانتصار على «داعش»، وأي سلوك ستختاره لنفسها، وردات فعلها بعد اصطدامها بالقوانين والسياسات الأميركية. ويُعتقد أنه بعد دحر «داعش» من العراق ستتجه تلك الفصائل، وعلى رأسها منظمة «بدر»، إلى أكثر من توجُّهٍ، وستفترق وتتشعب خياراتها. ومن بين الاحتمالات المتوقعة لمسار فصائل «الحشد» مستقبلاً:
1- الحرس الوطني المناطقي. ويضم العناصر المسلحة التي شاركت في «الحرب ضد الإرهاب»، واختارت الانصهار بالمؤسسات النظامية. وعلى هؤلاء استبدال الولاء وجعله للقانون بدل الفصيل أو التيار، لكن ربما سينتهي بهم الأمر إلى الذم وربما التهديد أو حتى التصفية والسجن على أيدي متشددين في فصائلهم وتياراتهم.
2- الفصائل المسلحة العقائدية التي ترى نفسها «جند المرجعية» و«حماة المذهب»، التي توصَف بالتعصب والتطرف غالباً، وترفض نزع سلاحها والانصهار داخل المؤسسة النظامية، وتبقى تجنّد العناصر وتزجهم في معسكرات التدريب على القتال وحمل السلاح. وهؤلاء هم الورثة الطبيعيون لـ«الجناح الإيراني في العراق» أو التنظيم السرّي الذي تنتمي إليه أغلب قيادات الفصائل. وهذه العناصر المسلحة بَنَت علاقاتٍ وطيدةٍ ومشتركة بالحكومة الإيرانية.
3- والبعض الآخر من الفصائل، بعد أن نجح بصناعة أكثرية، سيكون أكثر انفتاحاً وتسامحاً في التعامل مع القانون، وسيعمل على تأسيس حركة سياسية، وقد ينتج حزباً سياسياً جديداً، وسيدخل في تحالفات واسعة ويتسم ببراغماتية عالية، وسيسعى للتأقلم مع الأوضاع الجديدة في العراق في مرحلة ما بعد «داعش».
وجاء في دراسة لمركز كارنيغي عن «الحشد الشعبي ومستقبل العراق»، أن رئيس الوزراء العبادي لم يتمكّن حتى الآن من انتزاع السيطرة على تمويل «الحشد» من أيدي أبو مهدي المهندس وهادي العامري. وفي فبراير 2016، حاول العبادي استعادة بعض السيطرة الإدارية عبر استبدال الفريق الركن المتقاعد محسن الكعبي بالمهندس. لكن، على الرغم من أن المهندس خسر لقبه الوظيفي الرسمي داخل «الحشد»، فقد ظل شخصية بارزة ولا يزال يمارس تأثيراً على تخصيص الموارد. والسبب وراء قدرة المهندس على الاحتفاظ بهذا التأثير هو حصوله على الدعم من المجموعة الموالية لخامنئي، بما في ذلك شخصيات عراقية نافذة مثل المالكي والعامري. وواقع الحال هو أن الموقع الإلكتروني التابع لـ«هيئة الحشد» يواصل نقل أخبار المهندس وتصريحاته، وبالكاد يأتي على ذكر الكعبي. وبدلاً من الإشارة إليه بـ«نائب الرئيس»، يقول عنه الموقع إنه «قيادي في الحشد».
ويبدو أن رئيس الوزراء العبادي وأنصاره، العالقين وسط تناقضات فصائل الحشد المتنوعة، ينتهجون خطاً وسطياً. ففي مواجهة الضغوط المتعددة، تبيّن حتى الآن أن الخط الذي اتّبعوه بالسير في وسط الطريق عملي وقابل للتطبيق في المدى القصير. يسعى العبادي إلى ممارسة تأثير على نواب الحشد المستقلين ذاتياً، وعددهم كبير، كي تستعيد الدولة زمام السيطرة، كما ورد في الأمر الذي أصدره العبادي، ويعرّف «الحشد» بأنه مؤسسة أمنية تابعة للدولة. وهو قال أيضاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 إنه يعتبر الحشد جزءاً مما يسمّيه القوى الأمنية العراقية. غير أن العبادي واجه صعوبات في تأكيد نفوذه على التنظيمات شبه العسكرية، على الرغم من إصداره الأمر.
وعن مخاوف الكرد من استقلالية هيئة «الحشد الشعبي»، كتب مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن عن بناء «قوة مشتركة» للسيطرة على المدن الإيزيدية المحررة: وبالنسبة إلى «حكومة إقليم كردستان»، يشكّل تقدّم «قوات الحشد الشعبي» نحو المناطق الإيزيدية مرحلةً صعبة. فقد تعرّض الإيزيديون للإبادة بسبب فشل آلية الأمن التي اعتمدتها «حكومة إقليم كردستان» في مناطق مثل سنجار والقيروان والقحطانية. ورغم نجاح الحكومة في تحرير سنجار، تخوض نزاعاً منذ ذلك الحين مع «وحدات مقاومة سنجار» الإيزيدية ومقاتلي «حزب العمال الكردستاني» في هذه المنطقة. وبعد تموضعها على بعد 20 كيلومتراً فقط شمال المدن الإيزيدية طوال العام الماضي، اكتفت قوات «البيشمركة» التابعة لـ«حكومة إقليم كردستان» بمراقبة تجاوز «قوات الحشد الشعبي» لها وسيطرتها على المنطقة. وفي الأيام الأولى من عملية «محمد رسول الله الثانية»، تردّد أن رئيس حكومة الإقليم مسعود بارزاني أخبر المسؤولين في سنجار أنه «يجب ألا تدخل (قوات الحشد الشعبي) إلى هذه المناطق (الإيزيدية)». وكان تقدّم هذه القوات قد أظهر «حكومة إقليم كردستان» في موقع الضعف، وقد تدعو «قوات الحشد الشعبي» إلى اختبار السيطرة الكردية في مناطق أخرى متنازع عليها مثل طوزخورماتو، شمال ديالى، وسهل نينوى، شرق الموصل. وكان القادة الأكراد قد أشاروا إلى أنه قد يكون تمّ تجاوز خط أحمر كردي. وقد عبّر وزير الخارجية العراقي السابق والشخصية البارزة في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» هوشيار زيباري عن المخاوف الكردية في هذا الخصوص. وأطلع قناة «الشرقية» الإخبارية في 30 مايو (أيار) على «أننا نشهد توسّع (قوات الحشد الشعبي)، ليس على حدود (إقليم كردستان) فحسب، ولكن أيضاً داخل الإقليم نفسه».

- هيئة الحشد الشعبي
شُكِّلت لجنة الحشد بعد سقوط الموصل، وهي مرتبطة بمستشار الأمن الوطني من الناحية القانونية والمالية. ويتم إدارة وقيادة اللجنة من قبل مستشار الأمن الوطني فالح الفياض.
النائب لشؤون العمليات الذي يدير العمليات العسكرية للحشد الشعبي هو جمال جعفر إبراهيم أبو مهدي المهندس، الذي كان قد انتُخِب نائباً في مجلس النواب عن قائمة حزب الدعوة في الانتخابات العامة التي جرت عام 2010، ويعتبر المنسق بين العراق وإيران، وإلى جانب ذلك فإن عدداً من القادة والمستشارين الإيرانيين يتولّون تدريب وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الحشد الشعبي أثناء العمليات العسكرية ضد «داعش».
وبحسب القانون الصادر، فإن مجلس النواب ولجنة الأمن والدفاع يشرفان على الحشد، لكن ذلك لم يتم لحد الآن بسبب نفوذ الأحزاب المرتبطة بإيران.
العدد الحقيقي للحشد لم يتم نشره رسمياً، ولكن بحسب تصريحات الدكتور العبادي في الموجز الصحافي الأسبوعي فإن عددهم يبلغ 120 ألف متطوع يتقاضون رواتب من وزارة المالية العراقية عبر هيئة الحشد الشعبي. وهناك أكثر من 30 ألف عنصر أيضاً يتقاضون رواتبهم من مكاتب المرجعيات في النجف وكربلاء، وقرابة 30 ألفاً يتقاضون رواتب من مؤسسات عسكرية ومخابراتية ومرجعية إيرانية، وقرابة ثلاثة آلاف يتقاضون رواتب من تركيا وهم «حشد نينوى»، وأقل من 3 آلاف يتقاضون رواتب من حكومة أربيل من القوات العربية والإيزيدية والمسيحية والكاكائية الموالية لكردستان.
ويدفع راتب لكل متطوع داخل العراق في الحشد شهرياً مبلغ مقداره 700 - 800 ألف دينار عراقي إضافة إلى ذلك يدفع لكل شخص مخصصات الإعاشة.
تنظيم التطويع للحشد يتم من قبل مكاتب الأحزاب ومقرات الفصائل ومكاتب أعضاء البرلمان وديوانيات شيوخ العشائر ومكاتب رجال الدين بالتنسيق مع مديريات الأمن الوطني في المحافظات المعنية وذلك باستشارة الأمن الوطني في بغداد ويشرف عليهم مجلس الوزراء مباشرة.

- إشكالية ملف السلاح في مرحلة ما بعد «داعش»
ومشكلة تعدد وتنوع الفصائل المسلحة المحاربة لتنظيم داعش في العراق بعد عام 2014 لا يستطيع أن يحسمها طرف لصالحه بالمطلق بالنظر إلى تمددها في 15 محافظة عراقية وبين المدن والتيارات الدينية والسياسية على مختلف مشاربها. وتحوّل ذلك إلى حالة قلق عام يعيشها المواطن المدني يومياً. وهذه المشكلة بالضرورة ستقود البلد إلى صراع مسلح مؤقت ومحدود بين فترة وأخرى، وحمل السلاح ورفض نزعه بسبب هاجس ضعف السلطة كامن في ذات المواطن العراقي، خصوصاً الأقليات والمكونات الصغيرة نسبيّاً.
ويُعتقد أن إيران، كبلد جار تربطه بالمحافظات ذات الأغلبية الشيعية علائق المذهب والتاريخ المتناقضة والجغرافيا والمصالح الاقتصادية المشتركة، قادرة على لعب دور مهم وكبير في ملف تحجيم الفصائل المسلحة الشيعية حيث يرتبط بها 44 فصيلاً شيعياً كمرجعية دينية، وقسم كبير منهم يعتمد في تسليحه وتمويله وإعلامه عليها. كما أن العراق بدخوله مرحلة الحسم العسكري ضد «داعش» سيحتاج إلى إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، والمطلوب اليوم من الحكومة العراقية قبل غيرها أن تلعب دوراً حاسماً في ملف «السلاح السائب»، وخرق القانون من قبل بعض الفصائل المسلحة التي تنافس الدولة وتفرض سلطاتها وتعزز من ثرواتها وتستغل اسم «الحشد الشعبي» وارتباطه برئاسة الوزراء العراقية.

- مختص بشؤون الجماعات المسلحة


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.