«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران
TT

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

«الحشد الشعبي»: خريطة الولاءات... وإشكالية الارتباط بإيران

ترى قيادات سياسية ومرجعيات دينية شيعية عراقية في فصائل ما يُعرف بـ«الحشد الشعبي» وجماعات أخرى شبيهة، ركيزة من ركائز الأمن الوطني، وتعتبر أن استمرار وجودها يحافظ على مكاسب التشيّع السياسي، وعلى أمن بغداد وكربلاء والنجف وسامراء، مراكز نفوذها الديني في المنطقة الجنوبية والوسطى من العراق. وانطلاقاً من ذلك، تتمسك هذه القيادات والمرجعيات بالفصائل المسلحة، رافضة أي تفريط فيها، لا سيما في ضوء «الدرس الداعشي» الذي تمثّل بوصول التنظيم الإرهابي إلى أطراف سامراء وبغداد عقب انهيار القوات النظامية في يونيو (حزيران) عام 2014.

حاولت الجهات الداعمة للفصائل المسلحة، منذ الأيام الأولى لاحتلال الموصل، التنسيق مع إيران وحكومة بغداد لتحقيق هذا التوجه. فحرصت، في خطوة أولى، على أن تفتح الحكومة العراقية معسكراتها ومخازن سلاحها لـ«الحشد»، وإسناد عملياته لوجيستياً، وفتح قنوات اتصال رسمية معه، في محاولة لسد الثغرات التي خلّفتها هزائم الموصل وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى. كما لجأت هذه الجهات إلى استغلال المخزون الكبير من الشباب الشيعي المتدين من خلال إعلان «النفير الكفائي» لمواجهة «داعش». وفي 25 يوليو (تموز) 2016، أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً شرّع فيه «الحشد» واعتبره قوّة موازية لجهاز مكافحة الإرهاب يتبع القائد العام للقوات المسلحة. ولم يتم الاكتفاء بتشريع «الحشد»، بل لجأ المدافعون عن فصائله من نواب البرلمان إلى تقديم اقتراح قانون يمنح «الحصانة» لعناصره ويضمن معاملتهم قانونيّاً «كمعاملة الجندي في الجيش العراقيّ».
وتمثّلت الخطوة الثانية للجهات الداعمة لـ«الحشد الشعبي» بمحاولة فرضه أمراً واقعاً على رئاسة الحكومة العراقية وحلفائها في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وإظهاره بمظهر يشبه جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أي بوصفه طرفاً قوياً يمكن لبغداد وحلفائها الاعتماد عليه. وبدت هذه المحاولة بمثابة «رسالة» إلى أطراف عربية إقليمية وكذلك لتركيا وحلفائها داخل العراق مفادها أن حلفاء إيران هم من يفرض الأمر الواقع في الساحة العراقية.
ورغم حاجة رئيس الوزراء حيدر العبادي للدعم الأميركي - الخليجي - التركي للوقوف بوجه منافسيه المقربين لطهران، فإن هذا لا يعني وجود تفاهمات أو تنسيق للحد من تدخلات الإيرانيين، لا سيما في تحكمهم بقرارات بعض فصائل «الحشد الشعبي». وفي الواقع، لا يمكن لهيئة «الحشد» ذات الغالبية الشيعية أن تختار التقارب مع مَن لا تريده إيران، فالعقيدة المرجعية لـ65 في المائة من فصائل «الحشد» تقلّد مرجعية خامنئي (الولي الفقيه) فيما تقلّد 25 في المائة مرجعية السيستاني. كما أن التركيبة العقائدية لكل أحزاب التحالف الوطني الشيعي الحاكم مبنية على خلفية فقهية شيعية تؤمن بوحدة المذهب أولاً، ثم تأتي بعد ذلك القومية والوطنية. ولذلك فإن العبادي لوحده لا يستطيع، على الأرجح، أن يخرج من هذا الجلباب، وإن كان هذا الكلام لا يسري نسبياً على جميع ساسة الأحزاب الشيعية العراقية، خصوصاً التيار الصدري والشيعة العروبيين وأصحاب التوجهات السياسية اللادينية.
وفي العموم، يعتبر الرأي العام الشيعي في العراق أي تحرّك من العبادي لتحجيم «الحشد»، عدداً وعدة، بمثابة «خيانة للمذهب»، مما يمثّل مخاطرة سياسية، خصوصاً أن العراق على أعتاب انتخابات جديدة. ويزيد الصورة تعقيداً أن اتحاد الإعلام الإسلامي الشيعي، وهو تجمّع لعشرات المؤسسات بدعم وتمويل إيراني، يتهم أي جهة سياسية أو إعلامية عراقية تنتقد «الحشد» بالإرهاب أو دعم الإرهاب، من خلال هجمات إعلامية لا يمكن محاسبتها قانونياً.

- فئات «الحشد الشعبي»
يمكن تعريف «الحشد الشعبي» بأنه مجموعة من الفصائل المسلحة المختلفة مذهبياً وقومياً وسياسياً ومالياً وعسكرياً، وهو تشكيل غير منتظم بسياقات وتعليمات المدارس العسكرية والشرطية العراقية، ويعتمد على خبرات وتدريبات الحروب الهجينة. ويضم «الحشد» لفيفاً من فصائل متنوعة شيعية وسنية ومن الأقليات في مناطق شمال العراق.
ويمكن تقسيم «الحشد الشعبي»، الشيعي تحديداً، إلى ثلاث فئات من حيث زمن التأسيس:
1- فئة فصائل تُسمي نفسها «المقاومة الإسلامية»، وهي التي تأسست بعد عام 2003، عدا «قوات بدر» التي تأسست في تاريخ سابق. وتشترك كلها بتقليد مرجعية خامنئي، ولديها ارتباط منهجي وحزبي بإيران التي تدعمها سياسياً ومالياً، عدا فصيل «سرايا السلام» التابع للتيار الصدري. وشاركت هذه الفصائل في «مقاومة» الاحتلال الأميركي للعراق بعد إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين. ولها حالياً حصة كبيرة في إدارة وقيادة مديريات وأقسام هيئة «الحشد الشعبي»، وبعضها يقاتل خارج حدود العراق.
2- فئة فصائل «الحشد» التي تأسست بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011، وتم تعريفها لاحقاً باسم «الصحوات الجديدة». وقد تم تشكيلها بموجب أمر صادر بموجب كتاب مكتب رئيس الوزراء بتاريخ 23 أبريل (نيسان) 2014، ولذلك توصف بأنها «حشد المالكي» (رئيس الوزراء السابق). وهذه الفصائل هي في الواقع مجموعة «حشود»، وفيها تنوع قومي وديني ومناطقي وعشائري.
3- فئة متطوعي فتوى «الجهاد الكفائي» التي تأسست في 13 يونيو 2014، وهي تضم مقلدي مرجعية السيستاني من المحافظات العراقية، وتتبنى عقيدة عسكرية جاءت نتيجة فتاوى دينية كُرّست معنوياً لخدمة هدف محدد صد «داعش»، ولم تكن تقوم على أساس بناء عقائدي يخضع إلى عمل تدريبي تشرف عليه مديريات التوجيه المعنوي في المؤسسة العسكرية.
والأهداف التي شكلت من أجلها فصائل هذه الفئة من المفترض أن تكون مرحلية تعبوية، وليس لتعزيز سلطتها من خلال أهداف استراتيجية يتم تحقيقها عبر إضافة تشكيلات جديدة لمنظومة الأمن والدفاع العراقية. وانطلاقاً من هذه الأهداف، كما يبدو، بدأت بعض ألوية «فرقة العباس» القتالية، أحد أكبر التشكيلات العسكرية التابعة لهذه الفئة من «الحشد»، بعملية اندماج مع قوات الجيش العراقي.
وفي هذا السياق، يمكن التوقف عن مبادرة السيد مقتدى الصدر، بعد زيارته للمملكة العربية السعودية في أغسطس (آب) 2017، الداعية إلى دمج أجزاء من «الحشد» في المؤسسة العسكرية. لكن مثل هذا الأمر يحتاج بالضرورة إلى إخضاعها لتدريب عسكري نظامي، وليس الاعتماد على العمل التطوعي السريع الذي يفشل في ضمان الانضباط العسكري. كما أن هذا الأمر مكلِّف مالياً، وسيُدخِل الحكومة في صراع سياسي مع تشكيلات وأحزاب رافضة لمبادرة دمج «الحشد» بالمنظومة العسكرية والأمنية النظامية.
وإضافة إلى هذه الفئات الشيعية الثلاث من «الحشد»، هناك أيضاً فئة رابعة تضم فصائل «الحشد العشائري» السنّي (أو الحشد الدفاعي)، وكلها يرتبط بهيئة الحشد الشعبي في بغداد، وينسق مع قيادة عمليات كل محافظة بحسب وجوده الجغرافي. وفي الأنبار، أسهم التحالف الدولي في تسليح وتدريب هذه الفصائل. ويبلغ العدد الإجمالي لـ«الحشد» السني قرابة 25 ألفاً يتوزعون على 34 فصيلاً مسلحاً في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى والأنبار وحزام بغداد. وبعض فصائل هذا «الحشد» تأسس وفق الأمر الديواني لـ«الصحوات الجديدة»، وبعضها الآخر تأسَّس وفق الأمر الديواني الصادر في فبراير (شباط) 2016.
وهناك نوع خامس من الفصائل يُعرف بـ«حشد الأقليات» والمكوّنات العراقية، مثل حشد الإيزيدية وحشد المسيحيين وحشد التركمان وحشد الشبك وحشد الكاكائية. وبعضها يرتبط بهيئة الحشد الشعبي في بغداد، فيما يرتبط بعضها الآخر بكردستان العراق، والقليل منها بقوات التحالف الدولي مباشرة.

- قانون «الحشد الشعبي»
قانون هيئة الحشد الشعبي أقره مجلس النواب العراقي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 وسط مقاطعة النواب السنة. ونص القانون على أن قوات «الحشد» ستكون قوة رديفة إلى جانب القوات المسلحة العراقية وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
وجاء في الأسباب الموجِبة لصدور هذا القانون أنه يهدف إلى تكريم كل من تطوع، من مختلف أبناء الشعب، دفاعاً عن العراق في وجه «هجمة الدواعش». وصدر قانون «الحشد» بضغط سياسي وبصورة مستعجلة غير مدروسة عسكرياً وقانونياً. فحتى ولو ارتبطت هيئة «الحشد» بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، فإن القانون جاء فارغاً من التعليمات التي تحدد طريقة حل أي خلاف يمكن أن ينشأ بين فئات «الحشد»، وبينها وبين القوات النظامية لأسباب يمكن أن تكون مرتبطة بغياب التسلسل الهرمي الواضح في التنظيمات الشعبية المسلحة (بعكس الجيش النظامي). كما أن الخلافات يمكن أن تنشأ على خلفية المعسكرات غير النظامية والمصانع وورش التصنيع والتطوير والمخازن وأنواع السلاح والأعتدة والانتشار الجغرافي والرتب الفخرية والزي الرسمي ومستوى التدريب والتسليح وأسماء الألوية والرايات وإشكالية الفصائل العابرة للحدود والمشاركة السياسية والتصريحات خارج سياقات المنافذ الدبلوماسية.
ولا توجد لـ«هيئة الحشد الشعبي» هيئة ركن ودائرة للأركان العامة التي ترتبط برئاسة أركان الجيش والقيادة العامة للقوات المسلحة، وسيكون عملها خارج التعبئة العامة للقوات النظامية.
ويشهد العراق جدلاً منذ سبتمبر (أيلول) 2014 في خصوص مصير فصائل «الحشد» بعد الانتصار على «داعش»، وأي سلوك ستختاره لنفسها، وردات فعلها بعد اصطدامها بالقوانين والسياسات الأميركية. ويُعتقد أنه بعد دحر «داعش» من العراق ستتجه تلك الفصائل، وعلى رأسها منظمة «بدر»، إلى أكثر من توجُّهٍ، وستفترق وتتشعب خياراتها. ومن بين الاحتمالات المتوقعة لمسار فصائل «الحشد» مستقبلاً:
1- الحرس الوطني المناطقي. ويضم العناصر المسلحة التي شاركت في «الحرب ضد الإرهاب»، واختارت الانصهار بالمؤسسات النظامية. وعلى هؤلاء استبدال الولاء وجعله للقانون بدل الفصيل أو التيار، لكن ربما سينتهي بهم الأمر إلى الذم وربما التهديد أو حتى التصفية والسجن على أيدي متشددين في فصائلهم وتياراتهم.
2- الفصائل المسلحة العقائدية التي ترى نفسها «جند المرجعية» و«حماة المذهب»، التي توصَف بالتعصب والتطرف غالباً، وترفض نزع سلاحها والانصهار داخل المؤسسة النظامية، وتبقى تجنّد العناصر وتزجهم في معسكرات التدريب على القتال وحمل السلاح. وهؤلاء هم الورثة الطبيعيون لـ«الجناح الإيراني في العراق» أو التنظيم السرّي الذي تنتمي إليه أغلب قيادات الفصائل. وهذه العناصر المسلحة بَنَت علاقاتٍ وطيدةٍ ومشتركة بالحكومة الإيرانية.
3- والبعض الآخر من الفصائل، بعد أن نجح بصناعة أكثرية، سيكون أكثر انفتاحاً وتسامحاً في التعامل مع القانون، وسيعمل على تأسيس حركة سياسية، وقد ينتج حزباً سياسياً جديداً، وسيدخل في تحالفات واسعة ويتسم ببراغماتية عالية، وسيسعى للتأقلم مع الأوضاع الجديدة في العراق في مرحلة ما بعد «داعش».
وجاء في دراسة لمركز كارنيغي عن «الحشد الشعبي ومستقبل العراق»، أن رئيس الوزراء العبادي لم يتمكّن حتى الآن من انتزاع السيطرة على تمويل «الحشد» من أيدي أبو مهدي المهندس وهادي العامري. وفي فبراير 2016، حاول العبادي استعادة بعض السيطرة الإدارية عبر استبدال الفريق الركن المتقاعد محسن الكعبي بالمهندس. لكن، على الرغم من أن المهندس خسر لقبه الوظيفي الرسمي داخل «الحشد»، فقد ظل شخصية بارزة ولا يزال يمارس تأثيراً على تخصيص الموارد. والسبب وراء قدرة المهندس على الاحتفاظ بهذا التأثير هو حصوله على الدعم من المجموعة الموالية لخامنئي، بما في ذلك شخصيات عراقية نافذة مثل المالكي والعامري. وواقع الحال هو أن الموقع الإلكتروني التابع لـ«هيئة الحشد» يواصل نقل أخبار المهندس وتصريحاته، وبالكاد يأتي على ذكر الكعبي. وبدلاً من الإشارة إليه بـ«نائب الرئيس»، يقول عنه الموقع إنه «قيادي في الحشد».
ويبدو أن رئيس الوزراء العبادي وأنصاره، العالقين وسط تناقضات فصائل الحشد المتنوعة، ينتهجون خطاً وسطياً. ففي مواجهة الضغوط المتعددة، تبيّن حتى الآن أن الخط الذي اتّبعوه بالسير في وسط الطريق عملي وقابل للتطبيق في المدى القصير. يسعى العبادي إلى ممارسة تأثير على نواب الحشد المستقلين ذاتياً، وعددهم كبير، كي تستعيد الدولة زمام السيطرة، كما ورد في الأمر الذي أصدره العبادي، ويعرّف «الحشد» بأنه مؤسسة أمنية تابعة للدولة. وهو قال أيضاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 إنه يعتبر الحشد جزءاً مما يسمّيه القوى الأمنية العراقية. غير أن العبادي واجه صعوبات في تأكيد نفوذه على التنظيمات شبه العسكرية، على الرغم من إصداره الأمر.
وعن مخاوف الكرد من استقلالية هيئة «الحشد الشعبي»، كتب مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن عن بناء «قوة مشتركة» للسيطرة على المدن الإيزيدية المحررة: وبالنسبة إلى «حكومة إقليم كردستان»، يشكّل تقدّم «قوات الحشد الشعبي» نحو المناطق الإيزيدية مرحلةً صعبة. فقد تعرّض الإيزيديون للإبادة بسبب فشل آلية الأمن التي اعتمدتها «حكومة إقليم كردستان» في مناطق مثل سنجار والقيروان والقحطانية. ورغم نجاح الحكومة في تحرير سنجار، تخوض نزاعاً منذ ذلك الحين مع «وحدات مقاومة سنجار» الإيزيدية ومقاتلي «حزب العمال الكردستاني» في هذه المنطقة. وبعد تموضعها على بعد 20 كيلومتراً فقط شمال المدن الإيزيدية طوال العام الماضي، اكتفت قوات «البيشمركة» التابعة لـ«حكومة إقليم كردستان» بمراقبة تجاوز «قوات الحشد الشعبي» لها وسيطرتها على المنطقة. وفي الأيام الأولى من عملية «محمد رسول الله الثانية»، تردّد أن رئيس حكومة الإقليم مسعود بارزاني أخبر المسؤولين في سنجار أنه «يجب ألا تدخل (قوات الحشد الشعبي) إلى هذه المناطق (الإيزيدية)». وكان تقدّم هذه القوات قد أظهر «حكومة إقليم كردستان» في موقع الضعف، وقد تدعو «قوات الحشد الشعبي» إلى اختبار السيطرة الكردية في مناطق أخرى متنازع عليها مثل طوزخورماتو، شمال ديالى، وسهل نينوى، شرق الموصل. وكان القادة الأكراد قد أشاروا إلى أنه قد يكون تمّ تجاوز خط أحمر كردي. وقد عبّر وزير الخارجية العراقي السابق والشخصية البارزة في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» هوشيار زيباري عن المخاوف الكردية في هذا الخصوص. وأطلع قناة «الشرقية» الإخبارية في 30 مايو (أيار) على «أننا نشهد توسّع (قوات الحشد الشعبي)، ليس على حدود (إقليم كردستان) فحسب، ولكن أيضاً داخل الإقليم نفسه».

- هيئة الحشد الشعبي
شُكِّلت لجنة الحشد بعد سقوط الموصل، وهي مرتبطة بمستشار الأمن الوطني من الناحية القانونية والمالية. ويتم إدارة وقيادة اللجنة من قبل مستشار الأمن الوطني فالح الفياض.
النائب لشؤون العمليات الذي يدير العمليات العسكرية للحشد الشعبي هو جمال جعفر إبراهيم أبو مهدي المهندس، الذي كان قد انتُخِب نائباً في مجلس النواب عن قائمة حزب الدعوة في الانتخابات العامة التي جرت عام 2010، ويعتبر المنسق بين العراق وإيران، وإلى جانب ذلك فإن عدداً من القادة والمستشارين الإيرانيين يتولّون تدريب وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الحشد الشعبي أثناء العمليات العسكرية ضد «داعش».
وبحسب القانون الصادر، فإن مجلس النواب ولجنة الأمن والدفاع يشرفان على الحشد، لكن ذلك لم يتم لحد الآن بسبب نفوذ الأحزاب المرتبطة بإيران.
العدد الحقيقي للحشد لم يتم نشره رسمياً، ولكن بحسب تصريحات الدكتور العبادي في الموجز الصحافي الأسبوعي فإن عددهم يبلغ 120 ألف متطوع يتقاضون رواتب من وزارة المالية العراقية عبر هيئة الحشد الشعبي. وهناك أكثر من 30 ألف عنصر أيضاً يتقاضون رواتبهم من مكاتب المرجعيات في النجف وكربلاء، وقرابة 30 ألفاً يتقاضون رواتب من مؤسسات عسكرية ومخابراتية ومرجعية إيرانية، وقرابة ثلاثة آلاف يتقاضون رواتب من تركيا وهم «حشد نينوى»، وأقل من 3 آلاف يتقاضون رواتب من حكومة أربيل من القوات العربية والإيزيدية والمسيحية والكاكائية الموالية لكردستان.
ويدفع راتب لكل متطوع داخل العراق في الحشد شهرياً مبلغ مقداره 700 - 800 ألف دينار عراقي إضافة إلى ذلك يدفع لكل شخص مخصصات الإعاشة.
تنظيم التطويع للحشد يتم من قبل مكاتب الأحزاب ومقرات الفصائل ومكاتب أعضاء البرلمان وديوانيات شيوخ العشائر ومكاتب رجال الدين بالتنسيق مع مديريات الأمن الوطني في المحافظات المعنية وذلك باستشارة الأمن الوطني في بغداد ويشرف عليهم مجلس الوزراء مباشرة.

- إشكالية ملف السلاح في مرحلة ما بعد «داعش»
ومشكلة تعدد وتنوع الفصائل المسلحة المحاربة لتنظيم داعش في العراق بعد عام 2014 لا يستطيع أن يحسمها طرف لصالحه بالمطلق بالنظر إلى تمددها في 15 محافظة عراقية وبين المدن والتيارات الدينية والسياسية على مختلف مشاربها. وتحوّل ذلك إلى حالة قلق عام يعيشها المواطن المدني يومياً. وهذه المشكلة بالضرورة ستقود البلد إلى صراع مسلح مؤقت ومحدود بين فترة وأخرى، وحمل السلاح ورفض نزعه بسبب هاجس ضعف السلطة كامن في ذات المواطن العراقي، خصوصاً الأقليات والمكونات الصغيرة نسبيّاً.
ويُعتقد أن إيران، كبلد جار تربطه بالمحافظات ذات الأغلبية الشيعية علائق المذهب والتاريخ المتناقضة والجغرافيا والمصالح الاقتصادية المشتركة، قادرة على لعب دور مهم وكبير في ملف تحجيم الفصائل المسلحة الشيعية حيث يرتبط بها 44 فصيلاً شيعياً كمرجعية دينية، وقسم كبير منهم يعتمد في تسليحه وتمويله وإعلامه عليها. كما أن العراق بدخوله مرحلة الحسم العسكري ضد «داعش» سيحتاج إلى إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، والمطلوب اليوم من الحكومة العراقية قبل غيرها أن تلعب دوراً حاسماً في ملف «السلاح السائب»، وخرق القانون من قبل بعض الفصائل المسلحة التي تنافس الدولة وتفرض سلطاتها وتعزز من ثرواتها وتستغل اسم «الحشد الشعبي» وارتباطه برئاسة الوزراء العراقية.

- مختص بشؤون الجماعات المسلحة


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.