لبنان ينافس آيرلندا على كسر الرقم القياسي لـ«أطول سهرة»

يشارك فيها نحو 30 فناناً يغنون دون توقف لثلاث ليال متتالية

الفنان ناجي الأسطا - الفنانة مادلين مطر
الفنان ناجي الأسطا - الفنانة مادلين مطر
TT

لبنان ينافس آيرلندا على كسر الرقم القياسي لـ«أطول سهرة»

الفنان ناجي الأسطا - الفنانة مادلين مطر
الفنان ناجي الأسطا - الفنانة مادلين مطر

مرة جديدة ستبرهن بيروت على أنها مدينة لا تنام ولا تتعب، متجاوزة مشاكلها الاقتصادية والسياسية والبيئية، من أجل تلميع صورتها السياحية. فهي تستعد لدخول كتاب «غينيس» من خلال تحطيمها الرقم القياسي لـ«أطول سهرة» الذي فازت به آيرلندا منذ وقت قصير محققة اللقب المذكور أوروبياً من خلال سهرة امتدت لفترة 54 ساعة.
ولأن «ست الدنيا» تحب التحديات فقد قررت أن تنظم «أطول سهرة» فيها على مدى ثلاث ليال متتالية (28 و29 و30) أغسطس (آب) الحالي في النادي الليلي (نوراي) الواقع على تقاطع شارعي بشارة الخوري والسوديكو في بيروت. هذه الفكرة التي دغدغت أحلام المغني اللبناني ناجي الأسطا صاحب المطعم المذكور، من شأنها، كما ذكر لنا مستشاره الإعلامي علاء مرعب، أن تحمل رمزية وطنية تساهم في إظهار وجه لبنان المضيء بعيدا عن مشاكله المتعددة.
«سيتناوب نحو 30 فنانا على الغناء من دون انقطاع في الأيام الثلاثة بمشاركة فرقة موسيقية حية تطوع أفرادها للقيام بهذه المهمة دون مقابل مادي» يوضح، علاء لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «هناك شروط خاصة فرضتها علينا لجنة كتاب (غينيس) التي سيحضر ممثلون عنها إلى لبنان لمتابعة هذا الحدث فيها».
من الشروط المفروضة على منظمي هذا الحدث، ألا يفرغ مكان الحفل من الناس على مدى الفترة المخصصة له، وكذلك ألا تتوقف الموسيقى ولا حتى ثانية واحدة. «هو تحد صعب كوننا سنبقى متيقظين على كل شاردة وواردة، ولقد بدأنا في تسجيل الحجوزات منذ اليوم لتكون كاملة في الأيام الثلاثة المذكورة صباحا وظهرا ومساءً». يوضح علاء مرعب الذي أشار إلى أن منظمي الحدث أخذوا بعين الاعتبار مشكلة انقطاع التيار الكهربائي فاتخذوا احتياطاتهم من خلال تأمين مولدات كهرباء تكون جاهزة لأي عطل قد يطرأ على الحفل. وكذلك أمّنوا حضورا كبيرا من قبل فنانين وممثلين يجيدون الغناء يفوق العدد المطلوب؛ وذلك لإنجاح هذا التحدي، وتحسبا لأي طارئ قد يجبر أحد الفنانين المشاركين على التأخر عن تقديم وصلته الغنائية.
وحسب المنظمين، تم حتى الآن الاتفاق مع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين ليشاركوا في هذا الحفل، وبينهم لورا خليل، ومادونا، ومادلين مطر، وناجي الأسطا، وميشال قزي، وسعد رمضان وغيرهم، إضافة إلى نجمين كبيرين سيعلن عن اسميهما قريبا وسيتوليان افتتاح الحفلة وختامها.
ويرعى هذا الحفل وزارة السياحة ممثلة بوزيرها أفيديس كيدانيان، إضافة إلى وزير الثقافة غطاس خوري، وشخصية سياسية بارزة سيعلن عنها في حينه.
والمطلوب أن يقدم كل فنان وصلة غنائية تبلغ مدتها نحو 90 دقيقة، على أن يستلم كل فنان من سلفه الميكروفون من دون التسبب بانقطاع الغناء ولو لثانية واحدة كما تقضي شروط لجنة كتاب «غينيس».
وفي الثامنة من مساء الاثنين الواقع في 28 الحالي ينطلق هذا التحدي ليستمر حتى ساعات الفجر الأولى من الأربعاء 30 منه، على أمل أن يكسر الرقم القياسي الذي حققته آيرلندا بساعتين إضافيتين فيصبح الرقم 56 بدلا من 54 ساعة. وستشهد ساعات الصباح وصلات غنائية هادئة بينها لفيروز، في حين تصبح ظهرا أكثر حماسا ولتنتهي على وقع أغان حماسية عند المساء. وستؤمّن وجبات الطعام الثلاث (فطور وغداء وعشاء) والنرجيلة طيلة فترة الحدث. كما سيتاح متابعته من شرفة نادي «نوراي» (مستضيف الحفل) وذلك عبر شاشة عملاقة ستثبت وسط الشرفة.
ومن التحديات التي سيواجهها هذا الحفل أيضاً، بذل الجهد لعدم تكرار إطلالة الفنان أكثر من مرة واحدة على المسرح، على الرغم من أن لجنة كتاب «غينيس» لم تشترط هذا الأمر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».