صمود المرأة الأفغانية يدخل منعطفاً قاتماً

سنوات بعد الاعتداء بالحمض الحارق على النساء في قندوز

الأفغانية ممتاز (يمين) عقب الاعتداء عليها بالحمض الحارق في منزل أمن في ولاية قندوز عام 2015 (نيويورك  تايمز)
الأفغانية ممتاز (يمين) عقب الاعتداء عليها بالحمض الحارق في منزل أمن في ولاية قندوز عام 2015 (نيويورك تايمز)
TT

صمود المرأة الأفغانية يدخل منعطفاً قاتماً

الأفغانية ممتاز (يمين) عقب الاعتداء عليها بالحمض الحارق في منزل أمن في ولاية قندوز عام 2015 (نيويورك  تايمز)
الأفغانية ممتاز (يمين) عقب الاعتداء عليها بالحمض الحارق في منزل أمن في ولاية قندوز عام 2015 (نيويورك تايمز)

لا تزال طفلة ممتاز الجديدة من غير اسم. وممتاز هي امرأة شابة تبلغ من العمر 23 عاما من إقليم قندوز بشمال أفغانستان، وكانت ضحية الاعتداء بالحمض الحارق عندما كان عمرها 18 عاما، ولقي المعتدون عليها جزاءهم بالسجن وقتذاك. ولقد كان انتصارا قانونيا نادرا في النضال من أجل حقوق المرأة في أفغانستان، وأشيد به في ذلك الوقت باعتباره دليلا على أن العدالة للضحايا من النساء في ذلك المجتمع لا تزال ممكنة.
ولكن بقدر اهتمام السيدة ممتاز بالأمر، فإن تلك العدالة لم تجلب لها سوى المأساة.
لقد مات عنها زوجها الشهر الماضي؛ إذ اغتاله أقارب المعتدين عليها. وعندما جيء بجسده إليها، بحثت في جيوب ثيابه في يأس شديد لتعثر على ألفي أفغاني (مسمى العملة الأفغانية) أو ما يساوي 28 دولارا أميركيا، وكان ذلك المبلغ هو كل ما تركه زوجها لها من أموال.
ولقد نفد هذا المبلغ في الأسبوع الماضي عندما أصيبت أسماء ابنتها الأولى، ذات العام والنصف العام من العمر، بالمرض وأنفقت والدتها ما تبقى معها من أموال لدى الطبيب.
وقبل مقتل الزوج، محمد خان، كان قد اشترى لها عبوة كبيرة من الحليب المجفف؛ إذ كانت على وشك أن تضع مولودها الثاني في سبتمبر (أيلول) المقبل، ولسوف يساعد ذلك في تغذية الوليد الجديد.
ولكن لم يكن لدى أسماء ووالدتها إلا القليل ليأكلوه إلى جانب الخبز والشاي، ومن ثم فقد أتوا على ما لديهم من الحليب المجفف الأسبوع الماضي، وقالت الأم «ليس لدي من أمل، وليس لدي شيء أعيش عليه».
ثم وفي يوم الاثنين التالي وضعت طفلتها الثانية قبل ميعادها بشهر كامل، لكنها كانت في صحة جيدة رغم ذلك. وقالت السيدة ممتاز، والتي هي على غرار الكثير من الأفغان سكان المناطق الريفية تستخدم اسما واحدا للتعريف بنفسها: «ليست هناك فرحة في مولدها، ولم أستطع النظر إليها ليومين كاملين».
وأغلب أسرة السيدة ممتاز، بما في ذلك والداها وجميع أشقائها، عالقون الآن في أحد مخيمات اللاجئين التركية، وهم غير قادرين على إرسال أي شيء لشقيقتهم. وهي تعيش مع أسرة زوجها المتوفى، وهم فقراء للغاية مثلها، وغير قادرين على العمل الآن في حقولهم الخاصة مخافة القتل والانتقام.
حتى وإن رغب أي شخص في المساعدة، فلقد حجبت حركة طالبان تلك المنطقة عن إقليم قندوز وجعلتها عصية على الوصول بالنسبة لجماعات الإغاثة والمسؤولين الحكوميين.
ويا لها من نتيجة مؤسفة لما قد أشيد بها ذات مرة بأنها قصة نجاح غير محتملة في الجهود الأفغانية للقضاء على العنف ضد المرأة. ويعكس موقف السيدة ممتاز مدى صعوبة، وربما استحالة حماية المرأة في خضم الصراع المستمر الذي يؤدي فيه الانعدام المزمن للأمن إلى الاستخدام المفرط للعنف فرضا للصلاحيات الذكورية على المجتمع الضعيف.
كانت السيدة ممتاز ضحية الاعتداء بالحمض الحارق في عام 2011، وكان منفذ الاعتداء زعيما لما كان وقتذاك إحدى الميليشيات الموالية للحكومة، وزعم بأن السيدة ممتاز كانت زوجته المنتظرة، ثم انتابته حالة من الغضب الشديد لمّا علم بزواجها من رجل آخر. ومن ثم هاجمها وأسرتها بالحمض الحارق برفقة بعض من رجال الميليشيا التابعين له، فألقوا الحمض عليها وعلى شقيقتيها المراهقتين ووالدتهن؛ مما أسفر عن تشوهات مريعة في وجه السيدة ممتاز.
وبقدر الرعب والفزع الذي انتاب الأسرة المسكينة، فلقد سعت السيدة ممتاز وأسرتها للحصول على بعض العدالة لفعلة كانت في أغلب الأحيان تمر دونما عقاب يذكر. وتدخلت السلطات مستخدمة الصلاحيات القانونية المسنونة حديثا وأصدرت أحكاما صارمة بموجب قانون القضاء على العنف ضد المرأة، وألقي القبض على أربعة معاونين لزعيم الميليشيا، وحكمت عليهم بالسجن لمدة 12 عاما من دون أي أمل في الإفراج المشروط. وأُرسِلت السيدة ممتاز بصحبة إحدى شقيقاتها إلى الهند لإجراء جراحة تجميل في الوجه. ورغم أسوأ مخاوفها بأن يعدل خطيبها عن قرار الزواج منها، فلقد كان عند وعده وأتم مراسم الزواج بها إثر عودتها من الخارج. وبعد مرور ثلاث سنوات على الزواج، ولدت طفلتهما الأولى أسماء.
وقبل خمسة أشهر، ألقي القبض على «نصير» وهو المحرض الأول لحادثة العنف في 2011، ويواجه في الوقت الراهن حكما مطولا بالسجن جراء جريمته. وبحلول ذلك الوقت، بدأت حظوظ السيدة ممتاز، والتي كانت تبدو أكثر إشراقا، تتحول إلى مأساة شديدة السوء. وتؤكد قصة نضالها على مدى الضعف والوهن الذي تعاني منه السلطات المحلية والحكومة الوطنية على مناطق واسعة من أفغانستان.
فلقد اجتيحت قرية أسرتها الصغيرة في إقليم قندوز الريفي على أيدي حركة طالبان، وانضم رجال الميليشيا التابعين للموتور «نصير» إلى عناصر طالبان؛ إذ إن المعتاد هناك أن تغير العديد من الجماعات المسلحة في أفغانستان ولاءها بين عشية وضحاها وفق من يسيطر على الموقف في المنطقة.
وكان سلطان محمد، والد السيدة ممتاز، يرفض تماما مطالب أقارب المجرم «نصير» بالتنازل عن الاتهامات الموجهة ضده وضد رجاله، ومن ثم قاموا بخطف نجله الأكبر والذي أطلق سراحه بعد تدخل شيوخ القرية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».