حيدر المحسن
يعرض التاريخُ علينا نفسه في كلّ حقبة مثل لوحة سرياليّة، تصوّر قفصاً من الدم والعظام والبارود والصديد، تقطعه خطوط برّاقة بنفسجيّة وطويلة.
ربما كان الاستيطيقا (علم الجمال) أصعب العلوم، ولا يعرف أحدنا الجواب عن هذا السؤال: متى يُعدّ العمل أدباً؛ أي فنّاً يشكّل السحر والحياة كيانه وقائمته؟
معضلات كثيرة يضعها النقّاد في دراستهم الشّعر، يمكن تشبيه أمرها بمَثَل العربة توضع أمام الحصان.
يطبع العالم المتحضّر المؤلّفات في فروع المعرفة والفنّ؛ لأنّ الجميع يسعون وراء كشف الحقيقة، ومن أجل بلوغها فإن كلّ فرد له الحقّ في صنع رأي وفِكر ووجهة نظر.
ينظر الجميع إلى الوطن بعين تفسّر الأمور على نحو ميتافيزيقيّ، فهو يمثّل لدى البعض الراية التي ترفرف أو التربة التي نمشي عليها، والنهر والشجر والأم والأب
يفرض القدر على بعض الشّعوب أن تعيش في عالم مقفل وبلا مخرج، ويظهر على الجميع عندها توقٌ إلى العيش في الماضي، لأنّه من المستحيل البقاء في القاع إلى الأبد.
زرت عمتي (ثمينة) في بيتها وكان الوقت ظهراً وهي منهمكة في طبخ فطورها. سألتني عن صحة أمي، وهل سمح لها الطبيب بالصيام. أخبرتها أنها تلازم الفراش منذ انتهت العمليّة الجراحيّة في ظهرها بالفشل. قالت عمّتي: «أصلّي في كلّ وقت وأدعو لها بالشفاء». البيت فيه غرفة واحدة فقط تستعملها عمتي للنوم والمعيشة، لذلك فهي تطبخ في باحة البيت. مسحة من الفقر الرصين هنا، حيث الطمأنينة البيتية تسجّل حضورها بقوة. ثم انطفأ التيار الكهربائي وتوقّفت المروحة عن الدوران، وصار الحَرّ يتغلغل في أعماقي وأنا جالس على الأريكة.
من بين أسباب صناعة كتاب «الأغاني» أن مؤلفه أبو الفرج الأصفهاني كان يقضي حياته مرتحلاً بين الديار، ومكتبته تنتقل معه محملة على ظهور الإبل، وصار عدد هذه الدواب يزيد سنة بعد سنة، لأن الكتب تكثر، وفكر الرجل في أن يختصر هذا الكم من المراجع بمؤلفٍ واحدٍ يحمله بين متاعه فوق راحِلته، فجاء كتابه «الأغاني» جامعاً وشاملاً لمعظم أدب عصره. هل يستطيعُ أحدُنا اليومَ اختصار مكتبته في سِفْرٍ واحدٍ؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
