العمل الصحافي بمناطق الحوثيين... السير في حقل ألغام

مخاطر محدقة وأجور متدنية... وتضييق على مصادر المعلومات

اختفت الصحافة الورقية في مناطق سيطرة الحوثيين ولم تتبقَ إلا الصحف الموالية لهم (إكس)
اختفت الصحافة الورقية في مناطق سيطرة الحوثيين ولم تتبقَ إلا الصحف الموالية لهم (إكس)
TT

العمل الصحافي بمناطق الحوثيين... السير في حقل ألغام

اختفت الصحافة الورقية في مناطق سيطرة الحوثيين ولم تتبقَ إلا الصحف الموالية لهم (إكس)
اختفت الصحافة الورقية في مناطق سيطرة الحوثيين ولم تتبقَ إلا الصحف الموالية لهم (إكس)

«أتجول في الشوارع، وأزور المقاهي، وأستقل المواصلات العامة لأسمع أحاديث الناس، وأجالس الكثيرين خلال فترة المقيل، وقد أحظى بعد كل هذا بفكرة لكتابة مادة صحافية، وأستغرق أوقاتاً طويلة للحصول عليها ثم كتابتها بشكلها النهائي، لكني أتجنب قضايا الفساد والنهب والمظالم الجماعية وحتى الفردية؛ للحفاظ على سلامتي رغم استخدام اسم مستعار».

هكذا يلخص أحد الصحافيين المقيمين في العاصمة اليمنية، صنعاء، طريقة عمله للاستمرار في الحصول على مصدر دخل، بعد أن أُغلقت غالبية وسائل الإعلام، ولم تتبقَ سوى وسائل إعلام الجماعة الحوثية، ومنها وسائل الإعلام الرسمية التي تديرها لصالح مشروعها وتوجهاتها، ويشير إلى أنه يقدم نفسه غالباً بصفة «فني مختبرات»؛ تجنباً لأي شبهة قد تلحق به.

تسببت الجماعة الحوثية بتجريف الإعلام والصحافة في اليمن ونزوح الصحافيين (رويترز)

يذكر الصحافي لـ«الشرق الأوسط» أن وسائل الإعلام والمنصات التي يراسلها لم تتقبل فكرة أن يكتب لها بغير اسمه الحقيقي؛ لعدم إدراك القائمين عليها المخاطر التي قد تطاله، خصوصاً أنه يتجنب في المقابل الكتابة حول الفساد والانتهاكات، فلم يقتنع هؤلاء بسهولة أن العمل الصحافي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يعد مخاطرة كبيرة حتى في الترفيه.

ويضيف: «العمل الصحافي بحد ذاته أصبح شبه محظور، والصحافيون عادة في دائرة الشبهات. دائماً أتنقل من سكن إلى آخر قبل أن يتعرف جيراني على طبيعة عملي بعد أن أخبرهم بأني فني مختبرات، ولا أستطيع تناول القضايا الخطرة، إلا من طرف بعيد، دون أن أملك فرصة الحصول على المعلومات الكافية بشأنها».

ورغم المخاطر التي تحيط بهم؛ يشتكي الصحافيون المقيمون في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تدني الأجور التي تدفعها وسائل الإعلام والمنصات التي يعملون لها، خصوصاً المحلية منها، ولم يعد الصحافيون يحظون بأجور معقولة إلا العاملين في وسائل إعلام الجماعة الحوثية أو بعض مراسلي الإعلام العربي والدولي.

مخاطر كبيرة... وأجور متدنية

بعد معاناته لأكثر من 10 أسابيع في أحد سجون الجماعة، خرج الصحافي مهند جمال، وهو اسم مستعار، ليطالب المنصة التي كان يراسلها بزيادة في الأجر، لكنها رفضت تماماً.

هذا الرفض دفع جمال إلى البحث عن وسيلة إعلام عربية أو دولية للعمل معها، من أجل تحسين وضع عائلته المعيشي، بعد معاناتها خلال فترة اختطافه، إلا أنه لم يوفّق في الحصول على عمل جديد، ويخشى أن يكون عمله، قبل الاختطاف، في وسيلة إعلام رسمية تسيطر عليها الجماعة سبباً في رفض التعامل معه.

وكان جمال يعمل في مؤسسة عمومية تحت سيطرة جماعة الحوثي، ولا يتقاضى سوى نصف راتب كل 6 أشهر مثل غالبية الموظفين العموميين منذ 7 أعوام، وعمل لمدة عامين مراسلاً لوسيلة إعلام محلية محايدة بأجر زهيد، وجرى اختطافه وسجنه من قبل الجماعة بعد منشور له على «فيسبوك» يكشف فيه فساد أحد قادتها.

استولت الجماعة الحوثية على المؤسسات الإعلامية العمومية وجيرت نشاطها لصالحها (إكس)

ويكشف صحافي ثالث عن خطأ بسيط ارتكبه ليتسبب في اختطاف الجماعة الحوثية له واحتجازه لأيام. ويشير إلى الحيلة التي أنقذته من الإخفاء القسري أو السجن طويل الأمد كما يجري لكثير من الصحافيين والناشطين السياسيين والحقوقيين، في سجون الجماعة، حيث كان يعمل مع إحدى الجهات الدولية المعنية بحرية الصحافة حين توقف لالتقاط صورة لمبنى حكومي ضمن مهمته الصحافية.

يقول الصحافي: «كنت حذراً دائماً، إلا أن تلك المرة لم أنتبه إلى ما أفعل، وقفت أمام المبنى ورفعت الكاميرا لالتقاط الصورة، رغم أن عناصر الجماعة الذين يحرسون المبنى يقفون أمامي مباشرة، وعندما انتهيت وخفضت الكاميرا، كانوا يقفون حولي وأمسكوا بي واقتادوني إلى مقرهم، لتبدأ التحقيقات معي».

كانت التهم الجاهزة التي سمعها منهم، «الخيانة، والعمالة، والتقاط صور، وتحديد إحداثيات»، وبعد أن فتشوا هاتفه والكاميرا ومتعلقاته كلها ولم يجدوا ما يبحثون عنه، أبلغهم بأنه يعمل مصوراً لدى جهات سياحية تنشر صوراً ومقالات عن جمال الطبيعة والمدن والعمران، وكان فعلاً لديه بعض الصور المنشورة حول الطبيعة والعمران في اليمن.

اكتفى أفراد الجماعة بإجباره على حذف الصور التي التقطها، وأخذوا ما في حوزته من نقود، ثم أطلقوا سراحه بعد تحذيره من تكرار التصوير في الشوارع أو التقاط صور للمباني العامة، ولحسن حظه أنهم لم ينتبهوا حينها إلى رسائل وصلته من أحد القائمين على الجهة التي يعمل لها لإعطائه تعليمات حول مهمته.

إرهاب مصادر المعلومات

وقع عدد كبير من الصحافيين في قبضة جماعة الحوثي؛ بسبب الوشاية بهم من موالين للجماعة، أو من مسؤولي الأحياء الذين يعرفون بـ«عقال الحارات»، ومنهم مَن جرى اختطافه بعد حملة تفتيش لمقاهي إنترنت، أو فنادق، أو أماكن عامة كانوا يزورونها ويستخدمون الإنترنت فيها لإكمال مهامهم.

مخرج صحافي يمني فقد عمله وتحول لبيع نبتة القات بسبب تضييق الجماعة الحوثية على الصحافة (فيسبوك)

غير أن شاهر غانم، وهو اسم مستعار كذلك، كان أكثر جرأة، ورغم استخدامه اسماً مستعاراً في الكتابة، فإنه كاد يكشف نفسه عندما حصل على معلومات خطرة حول فساد في منشأة صحية، وكان مَن مدّه بتلك المعلومات مِن بين قلة من العاملين في المنشأة ممّن يمكنهم الوصول إلى تلك المعلومات.

ورغم توصية صديق غانم له بعدم نشر كامل المعلومات دفعة واحدة والتحفظ على بعضها؛ فإنه وفي غمرة حماسه نشر كل شيء، الأمر الذي دفع صديقه إلى التغيب عن العمل والتخفي ونقل مقر عائلته استعداداً للهرب خارج مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.

إلا أن صراع الأجنحة الحوثية كان سبباً في إنقاذ صديقه وتشجيعه على العودة للعمل وكأن شيئاً لم يكن بعد التذرع بالانشغال بمرض عائلته، حيث جرى عزل القيادي الحوثي المتسبب بواقعة الفساد؛ بسبب خلافات مع قيادات حوثية عُليا حول نهب موارد المنشأة.

ويشعر شاهر بالغضب من نفسه والندم؛ لأن حماسته كادت تؤذي صديقه، إلى جانب أنها أفقدته ثقته به، وكان يمكن أن تؤذيه بالتبعية في حال جرى إجبار صديقه على الكشف عن الصحافي الذي نشر المعلومات.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن تخفيه خلف اسم مستعار ربما كان أحد أسباب غفلته عن إدراك عواقب ما قام بنشره، رغم أن ما نشره لم يكن مزيفاً.

ولمرات عدة خلال السنوات الماضية، حلت الجماعة الحوثية في المرتبة الثانية بعد تنظيم «داعش» من حيث الاعتداء على الحريات الصحافية، وممارسة الانتهاكات ضد الصحافيين، وفق تقييم منظمات صحافية دولية معنية بحرية الصحافة، وأدت تلك الممارسات إلى تجريف العمل الصحافي والإعلامي في مناطق سيطرتها، ونزوح جماعي للصحافيين منها.


مقالات ذات صلة

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

بيلينغهام: شعرت أنني كبش فداء في إنجلترا بعد الأمم الأوروبية

جود بيلينغهام نجم الريال لدى حضوره المؤتمر الصحفي المصاحب لمواجهة ليفربول (رويترز)
جود بيلينغهام نجم الريال لدى حضوره المؤتمر الصحفي المصاحب لمواجهة ليفربول (رويترز)
TT

بيلينغهام: شعرت أنني كبش فداء في إنجلترا بعد الأمم الأوروبية

جود بيلينغهام نجم الريال لدى حضوره المؤتمر الصحفي المصاحب لمواجهة ليفربول (رويترز)
جود بيلينغهام نجم الريال لدى حضوره المؤتمر الصحفي المصاحب لمواجهة ليفربول (رويترز)

يعتقد جود بيلينغهام لاعب وسط ريال مدريد أنه أصبح كبش فداء لإخفاق منتخب إنجلترا في بطولة أمم أوروبا لكرة القدم يورو 2024.

وسجل بيلينغهام هدفين مع تمريرة حاسمة في يورو 2024 حيث خسر المنتخب الإنجليزي أمام إسبانيا في المباراة النهائية.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية, قال النجم الإنجليزي في مؤتمر صحفي الثلاثاء قبل مواجهة ليفربول في دوري أبطال أوروبا "بصراحة، فقدت ابتسامتي كثيرا بعد بطولة أوروبا لأنني شعرت بسوء معاملتي مقارنة بما قدمته".

وأضاف في تصريحات أبرزتها وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) "تعرضت لمعاملة قاسية، وشعرت كأنني كبش فداء".وتابع "العمل مع المدرب المؤقت لي كارسلي في معسكر الشهر الجاري مع الاستعانة بوجوه جديدة في المنتخب الإنجليزي أعاد ابتسامتي، وهو ما بدا واضحا على أدائي في آخر مباراتين".

وواصل النجم الإنجليزي "لم أفقد ابتسامتي بقميص ريال مدريد، بالطبع أنزعج وأكون محبطا عند الخسارة، ولكن الأمر لا يصل لعدم شعوري بالسعادة، بل أنني أسعد شاب في العالم لأنني ألعب أسبوعيا لأكبر ناد في العالم وأمثل منتخب بلدي".

وأوضح بيلينغهام "الضغوط لا تمثل مشكلة لي، وأتفهم أن اللعب لريال مدريد سيجعل التوقعات بالنسبة لي كبيرة في أي مباراة مع المنتخب".

وأشار نجم ريال مدريد "لقد ساهمت في لحظات كبيرة مع المنتخب وبعدها وصلني إحساس وكأن العالم انهار فوقي بعد بطولة أوروبا خاصة في الأيام الثلاثة التالية لخسارة المباراة النهائية".

وكشف جود "تعرضت لمواقف شخصية غير لطيفة، مثل ذهاب الصحفيين لمقابلة أفراد عائلتي أثناء مشاركتي في البطولة، ووصل الأمر بهم لزيارة أجدادي، وتكتمت على ما حدث في هذا الشأن".

وقال أيضا "هذا ليس عادلا، ويتجاوز حدود الاحترام، لقد أخذت الأمر على محمل شخصي، وقررت أن يكون الرد من خلال تركيزي في كرة القدم فقط". وأتم بيلينغهام تصريحاته "ربما كان من المفترض أن أتحدث عن ذلك حتى يتفهم الناس موقفي حينها، ولكن الأمر كان شخصيا للغاية، لذا فضلت التزام الصمت".