قال الممثل البرتغالي فرنسيسكو ميلو، بطل فيلم «الحياة المضيئة»، إن تجربته في أداء شخصية «نيكولا» كانت بمثابة استعادة لمرحلة من حياته الشخصية، مشيراً إلى أن العلاقة بينه وبين الشخصية تتجاوز حدود التشابه العابر إلى تطابق في الملامح النفسية والتجارب الحياتية.
وأضاف ميلو بطل العمل الذي عرض في مصر ضمن فعاليات «بانوراما الفيلم الأوروبي»، أن عملية الاقتراب من الحالة الذهنية لـ«نيكولا» اعتمدت على استحضار مشاعره تجاه تلك المواقف التي عاشها في فترة من حياته؛ إذ مرّ بتجارب مشابهة جعلته يفهم طبيعة الشخصية بعمق.
وقال ميلو لـ«الشرق الأوسط» إن «شخصية (نيكولا) في العمل ليس موسيقياً بقدر ما هو شاب تائه يبحث عن معنى لحياته، وأن الموسيقى بالنسبة له ليست سوى طريق من بين احتمالات متعددة يمكن أن يسلكها، مثل عمله في المكتبة أو مراقبته لحياة الآخرين، وهو ما تطلب أداء الدور ببساطة وتلقائية».
وأشار إلى أن الفيلم يجمع بين الطرافة والحنين، لكنه لا يرى أن «نيكولا» هو المصدر الأساسي للكوميديا في القصة، بل إن المواقف المضحكة تنبع من ردود أفعاله الطبيعية والعفوية تجاه المواقف اليومية، مؤكداً أن «المخرج جواو روزاس حرص على أن تكون نغمة الفيلم واقعية قائمة على الصدق والعفوية، دون أي محاولة للمبالغة أو الاصطناع؛ وهو ما منح الأداء طابعاً إنسانياً شفافاً يعكس طبيعة الشخصية وشعورها بالارتباك والضياع دون تكلف».
وتدور أحداث فيلم «الحياة المضيئة» في شوارع لشبونة المشرقة التي تتحول مساحة للتأمل والضياع في الوقت نفسه، حيث يعيش «نيكولا» حالة فراغ بعد انفصاله عن حبيبته، ويجد نفسه في مرحلة انتقالية بين الشباب والنضج، غير قادر على تحديد ما يريد فعله في المستقبل، فينغمس في أيام من التجوال والعمل المؤقت والعلاقات العابرة، في محاولة للبحث عن معنى لحياته.
واعتمد البطل كثيراً على لغة الجسد، وأوضح: «حرصت على أن تكون حركاتي وتعابيري نابعة من الإحساس الفعلي بالموقف لا من محاولة أدائية مقصودة»، مشيراً إلى أن العلاقة الطويلة التي جمعته بالمخرج جعلت التعاون بينهما أكثر عمقاً وثقة.

ولفت إلى أن «المخرج روزاس كان يطلب من الممثلين أن يعيشوا المشهد لا أن يؤدوه، وأن يتعاملوا مع الكاميرا وكأنها مرآة لحياتهم اليومية»، واصفاً الفيلم بأنه «رغم بساطته الظاهرية يحمل في داخله أبعاداً فلسفية تتناول الزمن والاختيار والبحث عن الذات»؛ فـ«الحياة المضيئة» لا تتحدث فقط عن قصة حب، بل عن الإحساس الجمعي بالانتظار والضياع والرغبة في التوقف قليلاً لفهم الذات والعالم.
وعبّر الفنان البرتغالي عن قناعته بأن شخصية «نيكولا» تمثل جيلاً كاملاً يشعر بأن الحياة تسير أسرع مما يستطيع ملاحقتها، وأن الحلم غالباً ما يصطدم بواقع متغير يصعب التنبؤ به، مؤكداً أن تصوير الفيلم في مواقع حقيقية من مدينة لشبونة كان له تأثير مباشر على الأداء، لكونها شريكة في تكوين الحالة الشعورية للشخصية.
وأشار إلى أن المخرج أراد أن يُظهر الوجه الحقيقي للمدينة، بعيداً عن صورتها السياحية المعتادة، عبر تفاصيل الحياة اليومية في الأزقة والمقاهي والمكتبات، حيث تتشكل العلاقات وتُبنى الأحلام الصغيرة، لافتاً إلى أن التجربة كانت أقرب إلى رحلة إنسانية وفنية في آن؛ لأن العمل جرى في أجواء من الانسجام بين فريق التصوير والممثلين، حيث كانت الحوارات تُبنى تدريجياً من خلال البروفات الكثيرة؛ ما جعل الأداء أقرب إلى الارتجال المنضبط.

وأوضح أن المخرج استخدم التكرار في البروفات وسيلةً لاستخلاص النغمة العاطفية لكل مشهد، بحيث تصل المشاعر إلى الكاميرا دون أي افتعال، معرباً عن سعادته بردود الفعل التي لمسها عن فيلمه مع عرضه بمهرجانات سينمائية عدة خلال الفترة الماضية.
وحول عرض الفيلم للمرة الأولى بمصر في النسخة الماضية من مهرجان «الجونة السينمائي»، ثم عرضه في القاهرة ضمن فعاليات «بانوراما الفيلم الأوروبي»، أكد الممثل الشاب أن هذه العروض منحت التجربة بعداً جديداً؛ إذ لمس تفاعلاً عاطفياً كبيراً مع الفيلم وشخصياته، مشيراً إلى أن كثيراً من المشاهدين وجدوا في «نيكولا» صورة لأنفسهم، وتفاعلوا مع شعوره بالحيرة والبحث عن المعنى، وهو ما يراه «أجمل ما يمكن أن يقدمه الفن: وهو جعل الناس ترى ذاتها في حياة الآخرين، وأن تكتشف وسط العتمة ضوءاً صغيراً يقودها إلى مواصلة السير».

