علي رضا خاتمي لـ«الشرق الأوسط»: تربيت على أدب نجيب محفوظ

المخرج الإيراني يعرض فيلمه «الأشياء التي تقتلها» في «القاهرة السينمائي»

صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
TT

علي رضا خاتمي لـ«الشرق الأوسط»: تربيت على أدب نجيب محفوظ

صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)

قال المخرج الإيراني - الأميركي علي رضا خاتمي إن فيلمه الجديد «الأشياء التي تقتلها» يمثل تجربة شخصية جداً، انطلقت من ذاكرته الخاصة ومن علاقته المعقدة مع والده، موضحاً أن «فكرة الفيلم وُلدت من صراعاته العائلية ومن محاولته فهم معنى الذكورة والسلطة الأبوية في مجتمعات شرقية لا تزال تحمل ترسبات النظام الأبوي في كل تفاصيلها».

ويعرض فيلم «الأشياء التي تقتلها» للمرة الأولى ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» في دورته الـ46، وهو العرض الذي يقول عنه المخرج الإيراني - الأميركي إنه «يشعر بسعادة كبيرة لكونه تربى على قراءة روايات نجيب محفوظ وتأثر كثيراً بعالمه الأدبي وبطريقته في تحليل الإنسان والمجتمع»، مترقباً رد فعل الجمهور المصري على الفيلم.

ويقول خاتمي في حواره مع «الشرق الأوسط» إنه كان يعيش فترة عصيبة في حياته، فقرر أن يحول ما مر به رحلةً بصرية ونفسية على الشاشة، تساءل خلالها عن معنى الأبوة والهوية والانتقام والذات، مشيراً إلى «أنه حين بدأ كتابة الفيلم لم يكن يسعى إلى سرد حكاية عائلية فحسب، بل إلى تحويل تلك التجربة الفردية حكايةً إنسانية شاملة تمسّ كل إنسان يعيش تحت وطأة الماضي وميراث القسوة».

المخرج الإيراني علي خاتمي (الشرق الأوسط)

ووفق خاتمي، فإن إنجاز الفيلم احتاج إلى ما يقارب ثماني سنوات للتحضير، والتمويل، وإعادة الكتابة المستمرة، إذ كان يعيد صياغة السيناريو حتى اليوم الأخير من التصوير، مشيراً إلى أن «الفيلم تم إنتاجه بجهد مشترك بين كندا، وتركيا، وبولندا وفرنسا، وصُوّر كله في تركيا بتمثيل تركي ولغة تركية».

وأكد أن ذلك الخيار لم يكن اعتباطياً، بل نبع من رغبته في تحييد العمل عن الجغرافيا الضيقة، بحيث تبدو قصته ممكنة في أي مكان من العالم، في تركيا أو إيران أو حتى مصر أو الولايات المتحدة؛ لأن جوهرها إنساني يتجاوز الحدود والثقافات.

ويبدأ الفيلم الذي رشحته كندا لتمثيلها في «الأوسكار» بعبارة صادمة يقولها علي رضا خاتمي: «اقتل الضوء»، هذه الجملة المفتاحية تُدخل المشاهد إلى عالم يختلط فيه الواقع بالرمز، إذ يحكي الفيلم قصة «علي»، أستاذ جامعي في قسم الترجمة، يعيش في الولايات المتحدة ويعود إلى تركيا بعد مرض والدته ووفاتها، ليبدأ الشك في تورّط والده في موتها. ينغمس في رحلة انتقام تقوده إلى التورط مع بستاني غامض يُدعى «رضا»، سرعان ما يتحول انعكاساً نفسياً لشخصيته.

وتتوالى الأحداث بين الحلم واليقظة، لتتكشف طبقات من القهر الموروث والعنف العائلي المكبوت، ويكتشف المشاهد أن الصراع الحقيقي ليس بين «علي» ووالده، بل بين «علي» وذاته، بين جانبه المتحضر والآخر الغريزي.

مخرج الفيلم، يؤكد أن العمل على هذا العمل كان تحدياً شاقاً على المستويين الفني والنفسي، فقد جاء اختيار الممثلين الأتراك بعد مقابلات دقيقة سألهم خلالها سؤالاً واحداً وصفه بـ«المفصلي»: هل فكرت يوماً في قتل والديك؟ مشيراً إلى أنه كان يبحث عن ممثلين يمتلكون الشجاعة لمواجهة هذا السؤال داخلياً؛ لأن الفيلم لا يتحدث عن القتل الواقعي، بل عن رغبة رمزية دفينة في التحرر من سلطة الآباء، وهي فكرة تحتاج إلى ممثلين يملكون حساسية خاصة وقدرة على التعبير بالكتمان لا بالصراخ.

وعلى الرغم من صعوبة تصوير الفيلم بميزانية محدودة، فإن الفريق نجح في إنجاز الفيلم خلال 27 يوماً فقط، متنقلاً بين مدن تركية عدة لبناء مدينة خيالية تشبه الواقع، لكنها لا تنتمي إليه. ويوضح خاتمي أن الصعوبة الكبرى كانت تكمن في الحفاظ على اتساق بصري يربط بين تلك الأمكنة المتعددة، خصوصاً أن القصة تدور في فضاء رمزي تتقاطع فيه الحقول والبيوت والحدائق وكأنها خريطة داخلية لعقل البطل. مؤكداً أنه «لا يتدخل في انفعالات الممثلين أثناء التصوير، بل يفضّل أن يوجههم نحو أهدافهم لا نحو مشاعرهم».

وبسبب اعتياده منذ بداياته العمل مع فرق من بيئات مختلفة، لم يجد خاتمي صعوبة في العمل مع طاقم متعدد الثقافات في فيلمه الجديد، عادَّاً أن «تنوع الخلفيات يمنح النص ثراءً أكبر، ويجعل التجربة أكثر انفتاحاً على العالم».

اختارت كندا الفيلم لتمثيلها في «الأوسكار» (الشركة المنتجة)

ولفت إلى أنه «في أثناء الكتابة يتلقى ملاحظات من أشخاص من ثقافات مختلفة، ثم يحاول ترجمتها درامياً ليجعل القصة أكثر عمومية وأقل ارتباطاً ببلد أو سياق واحد»، مشدداً على أن هذا ما يجعل المشاهد في أي مكان يجد نفسه داخل الفيلم؛ لأن الصراعات العائلية والبحث عن الذات والانتقام من الماضي هي موضوعات إنسانية لا تخص ثقافة بعينها.

ورغم تصوير الفيلم خلال أقل من شهر فإن مونتاجه استغرق نحو خمسة أشهر، وكان بمثابة مرحلة اكتشاف جديدة للفيلم؛ لأن المعنى النهائي لا يتكشف إلا في غرفة المونتاج، مشيراً إلى أنه يحتفظ عادة بسيطرة كاملة على أعماله، بداية من السيناريو حتى الصورة الأخيرة؛ لأنه يؤمن بأن المخرج يجب أن يكون المؤلف البصري لفكرته.

وكشف خاتمي عن أنه يضع حالياً اللمسات الأولى على مشروعه الجديد، والذي سيكون أول أفلامه باللغة الإنجليزية، متمنياً أن يبدأ تصويره في كندا قريباً.

ولا يستبعد المخرج رغم ابتعاده الجغرافي عن إيران، العودة يوماً إليها لإخراج فيلم عنها إذا وجد القصة المناسبة، مؤكداً أن انتماءه الثقافي سيظل حاضراً في كل أعماله حتى وإن صوّرها في أماكن بعيدة؛ لأنه يحمل أجزاءً من روحه في كل بلد عاش فيه.


مقالات ذات صلة

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

يوميات الشرق شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات أنها استعادتها

«الشرق الأوسط» (ولينغتون)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان) play-circle 01:19

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما «البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

«البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

افتتح مهرجان «البحر الأحمر» دورته الخامسة، يوم الخميس، بفيلم بريطاني الإنتاج عنوانه «عملاق» (Giant)، ويستمر حتى 13 من الشهر الحالي.

محمد رُضا (جدة)
سينما «نيموندايو» (أنايا برودكشنز)

شاشة الناقد: عن الزمن والطبيعة في فيلمين أحدهما أنيميشن

تُحيك المخرجة البرازيلية تانيا أنايا فيلمها الأنيميشن بعيداً عن معظم التجارب في هذا النوع من الأفلام. هو ليس عن حيوانات ناطقة ولا بطولات بشرية خارقة.

محمد رُضا (جدّة)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.