في الوقت الذي بات فيه التطوّر التقني والذكاء الاصطناعي من سمات العصر الحالي في مختلف جوانب الحياة جرّاء استخدامات الإنسان المتعدّدة للتكنولوجيا، شدَّد المخرج السينمائي المخضرم ماركو بيلوتشيو على أنّ ذلك يُمثّل تحدّياً جوهرياً أمام مستقبل السينما.
وأكد الإيطالي بيلوتشيو لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا تفوّق الفيلم المصنوع بالذكاء الاصطناعي على العمل الإنساني، فستكون تلك نهاية كلّ شيء، ونأمل ألا يحدث ذلك»، مشيراً إلى أنّ جوهر السينما يتجاوز حدود الترفيه أو نقل الرسائل المباشرة، بوصفه «يتمثّل في عمق القصة وقدرتها على ملامسة الإنسان وإثراء تجربته».
وتابع أنّ فيلمه الأقرب إلى قلبه هو «ماركس يمكن أن ينتظر»، الذي يحمل كثيراً من ذاته، إذ يُعد عملاً وثائقياً شخصياً يستعيد فيه قصة شقيقه الراحل، في تأمُّل مؤثّر عن العائلة والذاكرة والندم.

وشارك بيلوتشيو في جلسة حوارية ضمن «مؤتمر النقد السينمائي الدولي» في نسخته الثالثة، الذي تُنظمه «هيئة الأفلام» التابعة لوزارة الثقافة السعودية، في قصر الثقافة بحيّ السفارات بالعاصمة الرياض، تناول خلالها مسيرته الممتدّة لـ6 عقود ورؤيته للتحوّلات الكبرى في الصناعة خلال تلك المرحلة.
وأوضح بيلوتشيو، الذي يُعد أحد الأسماء البارزة في السينما الأوروبية، أنه اختبر مختلف تغيّرات السينما منذ انطلاق مسيرته عام 1960، مشيراً إلى تضاعُف عدد صانعي الأفلام الشباب في السنوات الأخيرة: «في السابق كانوا قلّة، أما اليوم فأصبحوا بالآلاف، وهذا أمر طبيعي، فمَن يملك الخيال والإبداع والموهبة سيتألّق ويبرز، بينما سيتّجه الآخرون إلى مهن مختلفة».
ويُعرف ماركو بيلوتشيو بأيقونة السينما الأوروبية، الذي تميَّز بمسيرة حافلة حصد خلالها جوائز من مهرجانات «كان»، و«برلين» و«البندقية»، وكُرِّم عن مجمل أعماله التي اتّسمت بجرأتها الفكرية وطَرْحها العميق لقضايا المجتمع، مما جعله ضمن صنّاع السينما المؤثّرين في العالم.

من جهته، شدَّد المخرج والناقد السعودي عارف أحمد على أنّ الذكاء الاصطناعي يُمثّل أداة مساعدة لصنّاع الأفلام وليس بديلاً عنهم، إذ يُسهم في تنفيذ المَشاهد الصعبة والمُكلفة من دون أن يلغي الدور الإبداعي للإنسان.
وأضاف: «النقد السينمائي علم يقوم على تحليل العمل أدبياً وفنّياً وتقنياً، ويسعى إلى تبسيط المفاهيم المُتخصّصة أمام الجمهور»، مشيراً إلى أن «مؤتمر النقد السينمائي» يعمل على تعزيز الحركة الثقافية ودعم حضور النقد ضمن المشهد الفنّي، مُثمّناً الشعار الذي اختاره القائمون على المؤتمر لِما يحمله من دلالة وثيقة بين التحليل الفنّي والهوية المرتبطة بالمكان.
وانطلقت أعمال المؤتمر بمشاركة نخبة من صنّاع السينما والنقّاد من داخل السعودية وخارجها، ويهدف إلى البحث في قضايا النقد وتطوّر الصناعة ودور التقنية في تشكيل مستقبلها، بالإضافة إلى تعزيز لغة الحوار والتبادل المعرفي.





