«مقعد على المائدة»... الطعام والثقافة الإسلامية عبر العصور

معرض في متحف الفن الإسلامي بالدوحة يمزج التاريخ والجغرافيا مع النكهات

مدخل المعرض
مدخل المعرض
TT

«مقعد على المائدة»... الطعام والثقافة الإسلامية عبر العصور

مدخل المعرض
مدخل المعرض

«مقعد على المائدة... ثقافة الطعام في العالم الإسلامي»... عنوان جاذب يغري بالكثير من القطع الفنية الجميلة، وأيضاً بتصوير لأطعمة ومذاقات ميزت ثقافات العالم الإسلامي عبر العصور. ينجح المعرض المقام حالياً بمتحف الفن الإسلامي بالدوحة في منح الزائر مقعداً على المائدة في البيوت والأسواق والبازارات، وأيضاً في باحات القصور في عصور إسلامية ممتدة منذ مئات السنين حتى يومنا الحالي.

مجسمات حديثة للفنان عبد الرحمن الملا (الشرق الأوسط)

منجذبون بإغراءات متعددة، وصور في الخيال لأطباق وروائح ذكية، وقصص عن البهارات، وأساليب الطهي ندخل للمعرض، ونستكشف محتويات قاعاته الخمس. وبما أن المعرض مقام في متحف خصص للفن الإسلامي، فليس غريباً أن نجد قطعاً أثرية من مجموعة المتحف في كل جانب تعبر بالرسومات والنقوشات والخط المتألق بشذرات الذهب عن أثر الطعام في الحياة اليومية لمجتمعات قديمة، لا يكتفي العرض بتلك القطع القادمة من ورش أمهر الحرفيين في العصور الإسلامية، بل يمزج بينها وبين الوقت الحالي من خلال التقنية المتطورة، وأفلام الفيديو، والتركيبات الفنية التي تجذب الكبار والصغار.

الخبز والملح

نطلق جولتنا مع المعرض من خلال القاعة الأولى التي تحمل عنوان «الخبز والملح»، وهو عنوان يشمل أهم عناصر الغذاء وأصولها، وأيضاً يجسد التجمعات، والاحتفالات، والوجبات المشتركة. على المستوى الأول المجرد نتعامل هنا مع الخبز على أنه مكون رئيس على الموائد في معظم البلدان الإسلامية، يستخدم للتغميس، أو يفرش على الأطباق ليكون «قاعدة نشوية» لـ«يخنات»، ومشويات، وغيرهما. عبر أفلام الفيديو التي تستكشف أنواع الخبز في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأسماءه المختلفة، نستكشف وصفات وطرقاً مختلفة لإعداده في الأفران، مثل التنور في سوريا، أو التندور في الهند وباكستان، وغيرها من المسميات. يستعين هذا القسم بشاشة عرض توضح تفاصيل صناعة الخبز لدى الجاليات المختلفة في قطر -مثل مصر وأفغانستان وإيران وتركيا واليمن- عبر أفلام أُنْتِجت خصيصاً لمصاحبة العرض.

ركن تعليمي ترفيهي للأطفال (الشرق الأوسط)

مشاهد لطيفة ومهمة في آنٍ واحد نلاحظها أثناء الجولة، وهي الأركان المخصصة للأطفال لاستكشاف معلومات عن الطعام، وبالفعل ينشغل عدد من الأطفال بالألعاب الموجودة.

الإيمان والطعام

في قسم مخصص للإيمان والطعام نرى قطعاً تعبر عن الأطعمة وذكرها في القرآن والمخطوطات، يستعين العرض هنا بمخطوطات أثرية تتحدث عن الثمار والفواكه والنباتات المذكورة في القرآن، ثم مخطوطات أخرى تصور النخلات المثمرة، وأهمية التمور في العادات الغذائية في الجزيرة العربية. يشير العرض إلى فترة ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي في منطقة تمثل مناخاً قاسياً أثر بالطبع على نوعية الغذاء المتوفر المحدود، وهو ما أدى إلى اعتماد التمور ومنتجات الألبان ولحوم الأغنام والإبل والماعز، بينما كان الخبز يصنع من الحبوب التي كانت تأتي بها القوافل التجارية، وهو ما سيأخذنا لاحقاً لقسم عن قوافل التجارة وأثرها في تنوع الأغذية.

مخطوطة «إنعام شريف» من الحقبة العثمانية القرن الـ19 (الشرق الأوسط)

يتحدث هذا الجانب من العرض عن الطقوس الغذائية في الأعياد الدينية ما بين شهر الصيام والإفطار وزكاة الفطر التي قد تتكون من الحبوب والأرز، أو المال، وفي عيد الأضحى حيث ترتبط الأضحية بمعناها الديني بألوان من الطعام الذي يحتفل به المسلمون.

البهارات

في قسم تتصدره شاشات عملاقة نصف دائرية ومنصة عرض تفاعلية نتعرف على البهارات المختلفة التي كانت تصل لبلدان العالم الإسلامي مع التجار والرحالة. يتمتع الزائر لهذا القسم بالقدرة على التعامل مع البهارات المختلفة عبر الشم والقراءة والمشاهدة، حيث نرى أقساماً مختلفة فيها حاويات تضم قطعاً من الجنزبيل والقرفة أو الفلفل الأسود، وغيرها، يمكن للزائر إزاحة كوة صغيرة فوق هذه البهارات للتعرف على رائحتها، وأيضاً بالضغط على زر تفاعلي يتجول عبر خريطة ضخمة للعالم يتوقف عند كل مكان ارتبط بالبهارات المختارة. التجربة هنا ممتعة، وتدخلنا في أجواء العرض بمهارة لنتعرف على أطباق جديدة، ونكهات وافدة على المائدة في العالم الإسلامي.

قسم البهارات... شم واكتشف (متاحف قطر-الصورة: خريسوفالانتيس لامبريانيذيس)

وإلى جانب البهارات يتحدث العرض عن الفواكه والخضراوات التي انتقلت بين الأسواق عبر التجارة مثل الباذنجان والطماطم، وهي مكونات أحدثت نقلات نوعية في مطابخ المدن المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت أجزاء أساسية في أطباق عالمية شهيرة، حيث أدخلت التجارة كثيراً من المكونات الجديدة من الأميركتين وآسيا إلى أوروبا والشرق الأوسط، مثل اللوز والمشمش والبطيخ، والبطاطس والفلفل، وغيرها. وبحسب العرض فقد برز هذا التأثير على نحو خاص في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي خلال العصر العباسي، ولاحقاً في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي مع «اكتشاف» الأوروبيين للهند والأميركتين.

الطعام والدواء

يتطرق العرض هنا لأهمية الغذاء بوصفه وسيلة للاستشفاء، ونرى هنا بعض المخطوطات لعلماء مسلمين مثل ابن سينا الذي يعتبر «أبو الطب الحديث»، وهناك مخطوط باللغة اللاتينية مأخوذ من الكتاب العربي «تقويم الصحة» للطبيب ابن بطلان، وهو طبيب مسيحي من بغداد (توفي 1066) استند إلى مبادئ طبية قديمة من كتابات أرسطو وجالينوس وغيرهما، وقد ترجم الكتاب في أوروبا، وانتشر انتشاراً واسعاً، ويضم صوراً ورسومات ملونة للنباتات والأشجار والحيوانات والأطعمة الصالحة للأكل، والتي يجب تناولها للحفاظ على الصحة. الكتاب مفتوح على صفحة تنصح بترك العجين الأبيض ليختمر طوال الليل قبل خبزه، وتناوله مع الزبدة لتجنب الحكة.

«تقويم الصحة» من صقلية القرن الـ15 (الشرق الأوسط)

الثورة الزراعية ومآدب السلطان

يمر العرض على الثورة الزراعية في بغداد في عهد الدولة العباسية، وأثر بناء نظم متطورة للري والقنوات، نرى هنا بعض المعلومات حول أهمية موقع المدينة على تقاطع طرق التجارة البرية والنهرية، ونقل المحاصيل المختلفة عبر دولة الخلافة وتبادلها مقابل أطعمة أخرى. نجح التجار أيضاً في السفر لبلدان بعيدة مثل الصين وإندونيسيا وعادوا بعناصر غذائية مختلفة مثل الجنزبيل وجوزة الطيب التي دخلت في الثقافة الغذائية لدول العالم الإسلامي. يشير البيان الخاص بهذا القسم إلى أن كل ذلك أدى إلى ظهور ثقافة طهي غنية في البلاط العباسي نتج عنها ابتكار وصفات وأطباق جديدة، وصدور أول كتاب طهي باللغة العربية وهو «كتاب الطبيخ ومعجم المآكل الدمشقية».

مآدب السلطان (متاحف قطر)

من أجمل مساحات العرض هي القاعة التي تحمل عنوان «مآدب السلاطين» وتنقسم لجانبين. على الجوانب نرى قطعاً مرتبطة بالقصور والموائد العامرة والأزياء الاحتفالية واللوحات المختلفة. تتحدث لوحة التعريف عن الإبهار في تنظيم المآدب من اختيار المكان، سواء كان حدائق القصور أو الخيام، ومروراً بالتخطيط الدقيق لترتيب الأطباق، واستخدام أوانٍ باذخة مزخرفة، نرى حولنا نماذج لها.

جرة مطعمة بالماس من الهند الحقبة المغولية (متاحف قطر)

وفي وسط القاعة نرى سفرة ممتدة عليها نماذج لأطعمة ومشروبات من أنحاء العالم الإسلامي تمثل مأدبة إفطار عصرية. العرض هنا جمالي بشكل كبير، وأيضاً ملهم يجمع بين المعلومات والفنون والقطع التاريخية، ويمزجها بمشهد معاصر لسفرة رمضانية شرقية بامتياز.

لوحة تمثل أمير ترانسلفانيا يستقبل السفير العثماني من القرن الـ17 الميلادي (الشرق الأوسط)

تتعدد أقسام العرض بعد ذلك لتدخل في الممارسات المعاصرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وظهور أنواع جديدة من الأغذية، وتقنيات زراعية جديدة، وينتهي العرض بعربات الطعام الحديثة حيث نرى عربة ضخمة بها مساحة تعليمية للأطفال، حيث يمكنهم محاولة إعداد وجبات سريعة باستخدام قطع بلاستيكية على هيئة الخضراوات والفواكه.

عربات الطعام الحديثة (الشرق الأوسط)


مقالات ذات صلة

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

يوميات الشرق استعرضت بعض اللوحات أساليب مبتكرة في التكوين (الشرق الأوسط)

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

احتفاءً بالخط العربي بوصفه فناً أصيلاً يحمل بين ثناياه دعوة للسلام، والانسجام الإنساني، أطلقت مصر الدورة العاشرة من «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

يُصاحب معرض رضوي تقديم أعمال نخبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين في المملكة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

لم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)

معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تستخدم ندى صحناوي الألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأسود والأبيض. وفي قوالب الزهور الحمراء والبيضاء، يخال للناظر إليها أنها تُشبه كعكة عيد...

فيفيان حداد (بيروت)

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
TT

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)

وسط أجواء من الفرح والأنشطة المتنوعة، عادت المدن حول العالم لتزيين شوارعها واستقبال موسم الميلاد بألوان زاهية، من بيت لحم وغزة إلى الأقصر في مصر وسيدني في أستراليا، معبرة عن الأمل وتجدد الحياة رغم التحديات.

قداس عيد الميلاد في كنيسة المهد ببيت لحم مع مسيرة كشافة فلسطينية (أ.ف.ب)

شهدت بيت لحم والأراضي الفلسطينية احتفالات ميلادية بعد عامين خيّم عليهما النزاع في غزة، حيث عادت الحياة تدريجياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار. شارك المئات في ساحة المهد وشارع النجمة في قداس ومسيرة للكشافة، وسط أصوات الطبول وألحان الترنيم الميلادي.

رئيس الوزراء الأسترالي ألبانيزي يقدم الطعام في غداء عيد الميلاد بسيدني (إ.ب.أ)

وقالت كاتياب عمايا، إحدى المشاركات في الكشافة، إن عودة الاحتفالات تمثل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة، وتمنح سكان غزة الأمل في مستقبل أفضل. وأكد السكان أن الاحتفالات تعكس رغبتهم في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح، بعد فترة من عزوف الزوار وارتفاع معدلات البطالة.

في غزة، أحيا المسيحيون قداس الميلاد في الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة بعد وقف إطلاق النار، معبرين عن رغبتهم في عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.

شجرة عيد الميلاد المضيئة في إحدى حدائق بكين (أ.ف.ب)

احتفلت الأقصر التاريخية في صعيد مصر بعيد الميلاد بعروض فلكلورية وألعاب التحطيب، على أنغام الربابة والمزمار، مستعرضة إرث المصريين القدماء في الاحتفال بالأعياد والمواسم. واستمرت الاحتفالات طوال فترة الميلاد ضمن فعاليات الدورة الـ15 للمهرجان القومي للتحطيب، ما أضفى بهجة وفرحاً على السكان والزوار.

أعضاء جوقة أغابي يقدمون عرضاً بمتحف الحضارة المصرية بالقاهرة (أ.ب)

شهد شاطئ بونداي في أستراليا احتفالات محدودة بسبب هجوم إرهابي أودى بحياة 15 شخصاً قبل أيام، حيث حافظ المشاركون على طقوس الميلاد مع احترام ذكرى الضحايا، وسط تعزيز الإجراءات الأمنية، بينما قلل الطقس العاصف من عدد المحتفلين.

وفي الوقت نفسه، تواجه بعض مناطق العالم ظروف طقس صعبة، مثل كاليفورنيا التي أعلنت السلطات فيها حالة الطوارئ تحسباً لفيضانات محتملة، ما يعكس التحديات المتعددة التي تواجه المجتمعات خلال موسم الأعياد.

أوكرانيون يرنمون للميلاد حاملين نجوم بيت لحم وسط مدينة لفيف (إ.ب.أ)

على الرغم من الظروف الصعبة، حملت الاحتفالات الميلادية هذا العام رسائل فرح وتجدد للأمل، سواء في فلسطين أو مصر أو أستراليا. وتجسد هذه الفعاليات قدرة المجتمعات على التعبير عن التضامن والحياة المشتركة، والحفاظ على التراث والثقافة، حتى في أصعب الأوقات.


«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
TT

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

رغم إعلان محافظة القاهرة نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) إلى مقابر الخالدين التي تضم رفات رموز المجتمع المصري من ساسة ومبدعين وعلماء وأمراء، فإن خبر هدم ضريح أحمد شوقي في مكانه التاريخي قوبل بردود فعل غاضبة، جاء معظمها من مهتمين بتراث المقابر ذات الطرز المعمارية المتميزة، وأضرحة الشخصيات التاريخية، والعارفين بقدر شوقي، ومكانته في تاريخ الشعر المصري والعربي الحديث.

ويؤكد الباحث في التاريخ الدكتور مصطفى الصادق أن «هدم ضريح أمير الشعراء أحمد شوقي، يأتي ضمن لائحة طويلة من قبور المشاهير والعظماء التي تمت إزالتها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غضب كبير، إلا أن عملية الهدم نفسها غير مستغرَبة، ومتوقَّعة، فقد سبقه كثيرون، جرفتهم المعاول، حيث سبق هدم ضريح محمود الفلكي، والسردار راتب باشا، وكثيرون آخرين».

وتحدث الصادق عن «وعود لم يفِ بها أحد»، على حد قوله، مضيفاً: «بعد هدم قبة حليم بن محمد علي باشا، أعلن المسؤولون أن أعمال الهدم سوف تتوقف، لكن ما جرى بعدها فاق الوصف، كانت أعمال الإزالة بعد ذلك خرافية»، ولفت إلى أن الحديث الذي يدور حالياً عن «مقابر فاخرة» لا معنى له في ظل هدم أضرحة لا مثيل لها في الفخامة والإبداع والعمارة.

من جهتها أعلنت محافظة القاهرة قرب افتتاح «مقابر تحيا مصر للخالدين»، التي «أقامتها الدولة خصيصاً لنقل رفات الشخصيات التاريخية، وسيخصص جزء منها لعرض التراكيب المعمارية الفريدة ذات الطراز المعماري المتميز».

جانب من أعمال الهدم في المقابر (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

وقالت المحافظة في بيان: «إن المقابر شرفت بإعادة دفن رفات شوقي، إذ تم وضعه في المكان الذي يليق بمكانته الأدبية والتاريخية». فيما قال الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هدم ضريح شوقي جاء على خلاف ما أعلن عنه المسؤولون، فقد كان الحديث عن عدم المساس به، لكننا فوجئنا بنقل رفاته منذ شهور، ثم هدم المقبرة الذي لم يراع مكانة شوقي؛ فهو أشهر شعراء العربية في العصر الحديث».

وأضاف عبد المجيد أن «الخبر مؤلم جداً، خصوصا أنه يأتي في ظل الحديث عن هدم أضرحة رموز إبداعية مهمة في تاريخ مصر، بدءاً من مدفن محمود سامي البارودي، وصولاً إلى ضريح عميد الأدب العربي طه حسين، الذي يختفي الآن تحت الجسر».

ووفق عبد المجيد: «هناك أضرحة عديدة هدموها وكانت بمثابة متاحف زاخرة بالتحف والتماثيل والرسومات والزخارف الفنية المرصعة بالمعادن، تعرضت للسرقة وبيعت في السوق، وبينها شواهد قبور وتركيبات لمشاهير كان يجب حمايتها ومنع المساس بها».

المحزن في واقعة هدم ضريح شوقي، وفق الباحث في التراث إبراهيم طايع، أن «عمليات الإزالة سبقها بشهور نقل رفاته، وقام مجهولون بسرقة تركيبات عدد من المقابر داخل الضريح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الواضح أن مصير الضريح إلى زوال، لأن كل ما حوله من مدافن جرفتها المعاول».

من جهته وصف الشاعر المصري، أحمد عبد المعطي حجازي، إزالة مقبرة شوقي بأنها بمنزلة «هدم جسم حي وكيان باقٍ وخالد بأيدي فانين وعاجزين عن تقدير القيم». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث لمقبرة شوقي يطول الثقافة المصرية كلها، منذ عقود وحتى الآن، ومَن هدموا مقبرة شوقي هم أنفسهم الذين يهدمون الثقافة المصرية».

دُفن أمير الشعراء في مقبرة تخص عائلة زوجته، وتعود لحسين باشا شاهين، وهناك يوجد رفاته أيضاً، ورفات زوجته ووالده. «أكثر من 5 تركيبات اختفت قبل هدم الضريح، ولم يتبقَّ سوى التركيبة الرخامية الخاصة بشوقي، التي ظلت حتى هدم الضريح»، وفق طايع.


«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)