«قبل 10 أعوام كانت المنطقة التي تحيط بالمتحف المصري الكبير الذي يجاور أهرامات الجيزة (غرب القاهرة) تعاني من أكوام الركام والقمامة والأرصفة المحطمة، لكنها اليوم باتت غاية في النظام والجمال، حيث الأرصفة والشوارع الممهدة والأشجار الخضراء». بحسب وصف محمد مصطفى، عميد سابق بالقوات المسلحة المصرية، وأحد سكان «مدينة الضباط» المجاورة للمتحف. مضيفاً، وهو يلتقط أنفاسه على مقاعد رخامية قريبة من المتحف: «لم توجد مثل هذه المقاعد الرخامية أو النخيل أو الاهتمام بإضاءة المكان ونظافته من قبل، فالمتحف جعل محيطه أكثر إنسانية».
ولم يقتصر المظهر الإنساني والحضاري على المحيط القريب للمتحف، إذ قامت الحكومة خلال الشهور الماضية بتنفيذ مشروع «لتحسين الصورة البصرية للطرق والمحاور المؤدية للمتحف المصري الكبير، وزراعة 4 آلاف شجرة وألفي نخلة، ودهان نحو 3 آلاف عقار، ورسم مئات الرسومات على واجهات العمارات»، وفق تصريحات محافظ الجيزة عادل نادر.
وبفضل المشروع الحكومي، تغيرت معالم كثير من المناطق المحيطة، على نحو يخدم المواطنين المترددين على المنطقة بشكل يومي، فضلاً عن السُياح المرتقب توافدهم، بعد افتتاح المتحف في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وتابع الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء ووزير السياحة، السبت، «موقف تنفيذ مشروعات تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، ضمن الاستعدادات الجارية للافتتاح».
وكان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قام في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بجولة ميدانية للاطمئنان على أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، وتشمل «تنفيذ شبكات الري، وحفر الآبار ومغطيات التربة (لري الأشجار والنخيل)، بالإضافة إلى الانتهاء من فرد الكابلات الكهربائية، وتركيب كشافات الإنارة».
يملك العميد العسكري المتقاعد ذاكرة للمكان، حيث مدينة الضباط ومحيطها في عمق محافظة الجيزة، إذ يتردد عليها من محل سكنه الدائم في أسيوط منذ 40 عاماً، حين حصل على شقة في المنطقة، قائلاً: «كانت في البداية منطقة قليلة الخدمات وصعباً الوصول إليها، ومع الوقت والزحف العمراني والتوسع في البناء بمدينة 6 أكتوبر، توفرت المواصلات. وظلت الطرق غير ممهدة، وتعاني من نقص في الإضاءة والنظافة».

لكن منذ عامين، وبالتزامن مع العمل في المتحف المصري الكبير، بدأ مصطفى يلمس التغيرات في المنطقة. وعن ذلك يقول: «تم رصف الشارع المؤدي لمدينة الضباط حيث تقع شقتي، وتركيب المقاعد، وزرع النخيل، حتى أصبحت على هذا النحو الجميل المريح للنظر».
ورصدت «الشرق الأوسط» تحسن جودة الطرق المؤدية إلى الطريق الدائري (طريق يحيط بالعاصمة من جميع الاتجاهات) والطريق السياحي، وكذلك طريق الفيوم المتاخم للمتحف، الذي يضم الآن المدخل الرئيسي لمنطقة الأهرامات بعد تطويرها.
وبالإضافة إلى رصف الطرق، وتحسين الإضاءة فيها، والتشجير، كان لافتاً «مشروع تحسين المظهر الحضاري للطريق الدائري»، بوضع ملصقات لصور ملوك فرعونية، وأخرى دعائية للمتحف المصري الكبير، على واجهات المباني المُطلة على الطريق في مساراته المؤدية للمتحف، وتُضاء ليلاً بمظهر جمالي.

وعلى طريق الفيوم، وفي الجهة المقابلة لمدينة «حدائق الأهرام» التي تبعد نحو 3 كيلومترات عن المتحف، رصدت «الشرق الأوسط» قيام عمال إنارة بتعليق إضاءة على أشجار النخيل، قبل أيام قليلة من افتتاح المتحف.
وأكّد أحد العاملين في تركيب الإضاءة أنه «تم تنفيذ هذه العملية في أكثر من شارع محيط بالمتحف، مستبعداً أن تتم إزالتها بعد انتهاء الافتتاح، لكنه تخوف من أن تتم سرقتها».
وداخل مدينة حدائق الأهرام نفسها، لم تتغير الأوضاع كثيراً فيما يتعلق بالإنارة أو النظافة، لكن لاحظ السكان زيادة في وجود قوات الأمن، سواء داخل المدينة أو خارجها. وقال محمد عادل، وهو صحافي يسكن المدينة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأهالي يتوقعون أن ترتفع أسعار وحداتهم السكنية بعد افتتاح المتحف، باعتبار أن المنطقة أصبحت أكثر حيوية، وفي بؤرة الاهتمام الرسمي».

بينما توقع السمسار وليد صلاح، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن يتزايد الطلب على تأجير وحدات سكنية في المنطقة مستقبلاً، مع توافد الأفواج السياحية إلى مصر، خصوصاً أن بعض السُياح لا يفضلون الإقامة في فنادق، ويبحثون عن أماكن تنقل لهم تجربة الحياة في مصر بكل تفاصيلها.
في السياق نفسه، تترقب «مدينة الضباط» زيادة أسعار العقارات بفضل المتحف، وفق الأربعيني محمد رجب، وهو صاحب مغسلة في المدينة، ويقطن بها منذ 25 عاماً، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسعار ارتفعت بشكل كبير في المكان، حتى إن سعر الوحدة بها يتراوح بين مليون ومليون ونصف مليون جنيه (الدولار 47.5 جنيه)، وفق المساحة، مرجعاً ذلك إلى أنها أصبحت في منطقة حيوية، وقريبة من المواصلات كافة.

وقرّرت الحكومة المصرية منح العاملين في الدولة يوم افتتاح المتحف إجازة رسمية. ونوّه المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني، خلال تصريحات تلفزيونية، 21 أكتوبر الحالي، إلى وضع شاشات عرض كبيرة في الميادين العامة يوم الافتتاح، ليتمكن الجميع من متابعة الحدث بأفضل صورة، لافتاً إلى أهمية الحفاظ على المظهر الحضاري للمحافظات المعنية، من خلال التشجير والإنارة العامة ونظافة الشوارع.

وأشاد عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، عبد الرحيم ريحان، بالمجهودات الكبرى التى قامت بها محافظة الجيزة في تطوير محيط المتحف الكبير، الذي تضمن رفع كفاءة وتطوير طرق، ووضع أعمدة إنارة وأعمدة ديكورية.
وأضاف ريحان لـ«الشرق الأوسط» أن التطوير تضمن دقّ 6 آبار تغذي المسطحات الخضراء التي تمت زراعتها، ما يعكس ديمومتها، واستمراريتها، دون ارتباطها بالافتتاح فقط، وكذلك وجود محطات توليد كهرباء لتشغيل الآبار. وثمّن اللمسة الفنية الخاصة بعمل مجسمات لشخصيات قدماء المصريين على الطريق الدائري والبانرات.





