كيف غيّر المتحف المصري الكبير الجغرافيا المحيطة به؟

استعدادات مكثفة لافتتاحه رسمياً بعد أيام

المتحف المصري الكبير (مجلس الوزراء المصري)
المتحف المصري الكبير (مجلس الوزراء المصري)
TT

كيف غيّر المتحف المصري الكبير الجغرافيا المحيطة به؟

المتحف المصري الكبير (مجلس الوزراء المصري)
المتحف المصري الكبير (مجلس الوزراء المصري)

«قبل 10 أعوام كانت المنطقة التي تحيط بالمتحف المصري الكبير الذي يجاور أهرامات الجيزة (غرب القاهرة) تعاني من أكوام الركام والقمامة والأرصفة المحطمة، لكنها اليوم باتت غاية في النظام والجمال، حيث الأرصفة والشوارع الممهدة والأشجار الخضراء». بحسب وصف محمد مصطفى، عميد سابق بالقوات المسلحة المصرية، وأحد سكان «مدينة الضباط» المجاورة للمتحف. مضيفاً، وهو يلتقط أنفاسه على مقاعد رخامية قريبة من المتحف: «لم توجد مثل هذه المقاعد الرخامية أو النخيل أو الاهتمام بإضاءة المكان ونظافته من قبل، فالمتحف جعل محيطه أكثر إنسانية».

ولم يقتصر المظهر الإنساني والحضاري على المحيط القريب للمتحف، إذ قامت الحكومة خلال الشهور الماضية بتنفيذ مشروع «لتحسين الصورة البصرية للطرق والمحاور المؤدية للمتحف المصري الكبير، وزراعة 4 آلاف شجرة وألفي نخلة، ودهان نحو 3 آلاف عقار، ورسم مئات الرسومات على واجهات العمارات»، وفق تصريحات محافظ الجيزة عادل نادر.

وبفضل المشروع الحكومي، تغيرت معالم كثير من المناطق المحيطة، على نحو يخدم المواطنين المترددين على المنطقة بشكل يومي، فضلاً عن السُياح المرتقب توافدهم، بعد افتتاح المتحف في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

تمثال جديد يستقبل زوار المتحف القادمين من مطار سفنكس غرب القاهرة (مجلس الوزراء المصري)

وتابع الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء ووزير السياحة، السبت، «موقف تنفيذ مشروعات تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، ضمن الاستعدادات الجارية للافتتاح».

وكان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قام في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بجولة ميدانية للاطمئنان على أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، وتشمل «تنفيذ شبكات الري، وحفر الآبار ومغطيات التربة (لري الأشجار والنخيل)، بالإضافة إلى الانتهاء من فرد الكابلات الكهربائية، وتركيب كشافات الإنارة».

يملك العميد العسكري المتقاعد ذاكرة للمكان، حيث مدينة الضباط ومحيطها في عمق محافظة الجيزة، إذ يتردد عليها من محل سكنه الدائم في أسيوط منذ 40 عاماً، حين حصل على شقة في المنطقة، قائلاً: «كانت في البداية منطقة قليلة الخدمات وصعباً الوصول إليها، ومع الوقت والزحف العمراني والتوسع في البناء بمدينة 6 أكتوبر، توفرت المواصلات. وظلت الطرق غير ممهدة، وتعاني من نقص في الإضاءة والنظافة».

السبعيني محمد مصطفى يستريح على مقعد أمام الأشجار بعد تطوير محيط منزله (تصوير: رحاب عليوة)

لكن منذ عامين، وبالتزامن مع العمل في المتحف المصري الكبير، بدأ مصطفى يلمس التغيرات في المنطقة. وعن ذلك يقول: «تم رصف الشارع المؤدي لمدينة الضباط حيث تقع شقتي، وتركيب المقاعد، وزرع النخيل، حتى أصبحت على هذا النحو الجميل المريح للنظر».

ورصدت «الشرق الأوسط» تحسن جودة الطرق المؤدية إلى الطريق الدائري (طريق يحيط بالعاصمة من جميع الاتجاهات) والطريق السياحي، وكذلك طريق الفيوم المتاخم للمتحف، الذي يضم الآن المدخل الرئيسي لمنطقة الأهرامات بعد تطويرها.

وبالإضافة إلى رصف الطرق، وتحسين الإضاءة فيها، والتشجير، كان لافتاً «مشروع تحسين المظهر الحضاري للطريق الدائري»، بوضع ملصقات لصور ملوك فرعونية، وأخرى دعائية للمتحف المصري الكبير، على واجهات المباني المُطلة على الطريق في مساراته المؤدية للمتحف، وتُضاء ليلاً بمظهر جمالي.

مصر بذلت جهوداً كبيرة لتطوير محيط المتحف في العامين الماضيين (مجلس الوزراء المصري)

وعلى طريق الفيوم، وفي الجهة المقابلة لمدينة «حدائق الأهرام» التي تبعد نحو 3 كيلومترات عن المتحف، رصدت «الشرق الأوسط» قيام عمال إنارة بتعليق إضاءة على أشجار النخيل، قبل أيام قليلة من افتتاح المتحف.

وأكّد أحد العاملين في تركيب الإضاءة أنه «تم تنفيذ هذه العملية في أكثر من شارع محيط بالمتحف، مستبعداً أن تتم إزالتها بعد انتهاء الافتتاح، لكنه تخوف من أن تتم سرقتها».

وداخل مدينة حدائق الأهرام نفسها، لم تتغير الأوضاع كثيراً فيما يتعلق بالإنارة أو النظافة، لكن لاحظ السكان زيادة في وجود قوات الأمن، سواء داخل المدينة أو خارجها. وقال محمد عادل، وهو صحافي يسكن المدينة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأهالي يتوقعون أن ترتفع أسعار وحداتهم السكنية بعد افتتاح المتحف، باعتبار أن المنطقة أصبحت أكثر حيوية، وفي بؤرة الاهتمام الرسمي».

مساكن مدينة الضباط المطلة على المتحف المصري بعد رصفها وتشجيرها (تصوير رحاب عليوة)

بينما توقع السمسار وليد صلاح، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن يتزايد الطلب على تأجير وحدات سكنية في المنطقة مستقبلاً، مع توافد الأفواج السياحية إلى مصر، خصوصاً أن بعض السُياح لا يفضلون الإقامة في فنادق، ويبحثون عن أماكن تنقل لهم تجربة الحياة في مصر بكل تفاصيلها.

في السياق نفسه، تترقب «مدينة الضباط» زيادة أسعار العقارات بفضل المتحف، وفق الأربعيني محمد رجب، وهو صاحب مغسلة في المدينة، ويقطن بها منذ 25 عاماً، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسعار ارتفعت بشكل كبير في المكان، حتى إن سعر الوحدة بها يتراوح بين مليون ومليون ونصف مليون جنيه (الدولار 47.5 جنيه)، وفق المساحة، مرجعاً ذلك إلى أنها أصبحت في منطقة حيوية، وقريبة من المواصلات كافة.

مدخل الشارع المؤدي إلى المتحف يطل على الأهرامات (تصوير رحاب عليوة)

وقرّرت الحكومة المصرية منح العاملين في الدولة يوم افتتاح المتحف إجازة رسمية. ونوّه المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني، خلال تصريحات تلفزيونية، 21 أكتوبر الحالي، إلى وضع شاشات عرض كبيرة في الميادين العامة يوم الافتتاح، ليتمكن الجميع من متابعة الحدث بأفضل صورة، لافتاً إلى أهمية الحفاظ على المظهر الحضاري للمحافظات المعنية، من خلال التشجير والإنارة العامة ونظافة الشوارع.

بانرات لملوك الفراعنة تزين الطريق الدائري قبل افتتاح المتحف(تصوير رحاب عليوة)

وأشاد عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، عبد الرحيم ريحان، بالمجهودات الكبرى التى قامت بها محافظة الجيزة في تطوير محيط المتحف الكبير، الذي تضمن رفع كفاءة وتطوير طرق، ووضع أعمدة إنارة وأعمدة ديكورية.

وأضاف ريحان لـ«الشرق الأوسط» أن التطوير تضمن دقّ 6 آبار تغذي المسطحات الخضراء التي تمت زراعتها، ما يعكس ديمومتها، واستمراريتها، دون ارتباطها بالافتتاح فقط، وكذلك وجود محطات توليد كهرباء لتشغيل الآبار. وثمّن اللمسة الفنية الخاصة بعمل مجسمات لشخصيات قدماء المصريين على الطريق الدائري والبانرات.

عمال يعلقون الإنارة على النخيل في الطريق المؤدي إلى المتحف المصري الكبير (تصوير رحاب عليوة)


مقالات ذات صلة

رفع قيمة تأشيرة الدخول إلى مصر... هل يؤثر على تدفقات السياحة؟

شمال افريقيا بهو المتحف المصري الكبير (الشرق الأوسط)

رفع قيمة تأشيرة الدخول إلى مصر... هل يؤثر على تدفقات السياحة؟

أثار قرار الحكومة المصرية زيادة «رسوم تأشيرات الدخول» إلى البلاد بنحو 20 دولاراً تساؤلات حول مدى تأثيره على حركة السياحة الوافدة إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تراث وعادات مدينة القصير في متحف الحضارة (متحف الحضارة المصرية)

مصر: متحف الحضارة يحتفي بـ«القصير... مدينة البحر والتاريخ»

احتفى المتحف القومي للحضارة المصرية بتراث وعادات وتقاليد مدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، في فعالية حملت عنوان: «القصير... مدينة البحر والتاريخ»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
يوميات الشرق السويد واحدة من أقل دول أوروبا كثافة سكانية (رويترز)

السويد تشجع السياح على زيارتها بهدف «الشعور بالملل»

تشجع السويد الزوار على السفر إليها بحثاً عن الراحة والهدوء.

«الشرق الأوسط» (ستوكلهوم)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة بالهيئة السعودية للسياحة فهد حميد الدين في «القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات» يوم الأربعاء (الشرق الأوسط)

رئيس هيئة السياحة: السعودية تتفوّق على لاس فيغاس بأكثر من 11 ألف فعالية

قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للسياحة، فهد حميد الدين، إن عدد الفعاليات في السعودية قفز إلى أكثر من 11 ألف سنوياً، متجاوزةً مدناً عالمية مثل لاس فيغاس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.