تُطل مئوية مجلة «روزاليوسف» بصفتها حدثاً يعيد إلى الواجهة مَسيرة واحدة من أبرز التجارب الصحافية في مصر والعالم العربي على مدى قرن كامل. مثّلت المجلة صوتاً مختلفاً للحرية، واحتفظت بمكانتها بوصفها منبراً جريئاً ومشروعاً ثقافياً وسياسياً شكّل جزءاً من تاريخ الوعي الوطني المصري، وفتح الطريق أمام أجيال متعاقبة من الصحافيين والمفكرين.
منذ عددها الأول في أكتوبر (تشرين الأول) 1925، ظلّت «روزاليوسف» تعبيراً عن روحٍ لا تهدأ، وعن إيمان بأن الكلمة يمكن أن تُحدث فرقاً في وجه العواصف، تجاوزت كونها مجلة فنية أو سياسية لتصبح مدرسة صحافية متكاملة، صنعت نجومها وأسست لتقاليد ما زالت تؤثر في الصحافة المصرية حتى اليوم.

تحولت المجلة إلى مدرسة خرجت منها أسماء أصبحت أعلاماً في الصحافة المصرية، مثل محمد التابعي، وإحسان عبد القدوس، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، وصلاح حافظ، وغيرهم ممن صنعوا صفحاتها الأولى وبنوا مجدها المهني والفكري. المئوية، التي بدأ الاحتفال بها من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عبر أعداد خاصة تناولت مواقف مختلفة في تاريخ المجلة، سلّطت الضوء على محطات بمَسيرة المجلة التي تأسست على يد فاطمة اليوسف، التي عُدّت من أشهر مُمثلات المسرح المصري في عشرينات القرن الماضي.
في 24 أكتوبر صدر العدد الأول من المجلة، التي انطلقت من شقة صغيرة بأموال خاصة، وواجهت مصادرة لأعدادٍ عدة بسبب جرأة التناول السياسي، مروراً بانتقالها إلى الحكومة المصرية مع تأميم الصحف عام 1960 لتستمر في الصدور بمشاركة أسماء بارزة في عالم الكتابة.

وأكد رئيس تحرير المجلة المصرية، الكاتب أحمد إمبابي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المجلة اتبعت سياسة واضحة من اليوم الأول لإصدارها، عبر تبنّي مبدأ الدفاع عن الحق والحقيقة»، مشيراً إلى أن «أرشيفها مليء بالمواجهات التي خاضتها في مراحل مختلفة واستطاعت الصمود بها وتجاوزها».
وأضاف أن «شخصية المجلة لم تتأثر برحيل كُتابها، سواء بالانتقال للعمل في إصدارات أخرى أم بوفاتهم، وهو أمر أسهم في بقاء المجلة مؤثرة بالرأي العام بشكل واضح»، لافتاً إلى أن «المجلة لم يكن دورها نشر الأخبار، ولكن لديها موقفاً ورأياً تدافع عنه، على غرار معاركها في مواجهة الفكر المتطرف، والتي استمرت من ثمانينات القرن الماضي».
من جهته، يقول رئيس التحرير السابق للمجلة، أحمد الطاهري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاحتفال بالمئوية بدأ، بالفعل، قبل نحو 5 سنوات، عبر إصدار أعداد خاصة تُبرز مواقف المجلة التاريخية بعدد من القضايا، لكونها أصبحت وثيقة تاريخية مهمة مرتبطة بتأريخ الفن المصري، وحتى القضية الفلسطينية، فكانت المجلة شاهدة على كثير من المواقف المهمة في القضية، وهو ما دفع الزملاء لإصدار عدد خاص من أرشيف المجلة».

وتشير أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة، إيمان عامر، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن بداية المجلة كإصدار فني لم تمنع مؤسستها من الانخراط بعد وقت قصير في العمل السياسي، مع إعجابها بحالة «الوفد» السياسية والحراك، موضحة أن «(روز اليوسف) كانت لديها رؤية سياسية عبّرت عنها في المجلة، واستعانت بكبار الكُتاب مع تبنّيها أفكاراً ومواقف وطنية ضد الاحتلال الإنجليزي».
وأضافت أن «جزءاً من نجاح (روز اليوسف) واستمراريتها كمجلة ارتبط بشخصية مؤسستها التي اعتمدت على تصدير الأفكار لمن بعدها، فالفكرة لا تموت مع توريثها، وهو الأمر الذي تَوارثه مَن مرّوا على قيادة المجلة عبر أجيال متعاقبة، بل بعضهم استنسخ الأفكار في مدارس صحافية أخرى بعد انتقالهم منها، الأمر الذي منح التجربة خصوصية وريادة بتاريخ الصحافة المصرية».



