عبّرت المخرجة المصرية يمنى خطاب عن سعادتها باختيار فيلمها الوثائقي الأول «50 متر» للمشاركة في منافسات الدورة الثامنة من مهرجان «الجونة السينمائي» بعد رحلة عمل بالمشروع استمرت لنحو 4 سنوات.
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها شرعت في تصوير فيلمها الأول بعدما تركت وظيفتها في وزارة المالية المصرية، عقب الانتهاء من الدراسة بكلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» في جامعة القاهرة، لتبدأ في البحث عن شغفها الحقيقي بالسينما، فدرست كتابة السيناريو في ورش مستقلة لمدة ستة أشهر، ثم بدأت تعلّم الإخراج التسجيلي عملياً أثناء تنفيذ الفيلم.
وأضافت يمنى خطاب أن حصولها على جائزة «ساويرس في السيناريو» عام 2018، كان بمثابة دفعة قوية جعلتها تؤمن بأن الوقت قد حان لخوض تجربة الإخراج وتحويل شغفها بالكتابة والرؤية البصرية إلى مشروع سينمائي متكامل، مشيرة إلى أن فكرة الفيلم جاءت في لحظة فارقة بحياتها، مع تأملها لتعامل والدها بعد خروجه على المعاش، وروتينه اليومي مع أصدقائه في تمارين الأيروبيك المائي، لتطور فكرة الفيلم تدريجياً من مجرد توثيق لهذا العالم البسيط إلى محاولة لفهم علاقتها بوالدها وإعادة اكتشاف المسافة التي تفصل بينهما.

وتدور أحداث الفيلم داخل حوض تدريب بطول خمسين متراً لفريق تمارين الأيروبيك المائية للرجال الذين تجاوزوا السبعين من العمر، حيث تقرر المخرجة أن توجه الكاميرا نحو والدها وتقترب منه عبر تجربة بصرية ووجدانية تمزج بين التوثيق والتخييل، وبالتدريج، يتحول الفيلم إلى رحلة تصالح بين الأب والابنة، وإلى محاولة لتفكيك الصمت الطويل بينهما من خلال عدسة الكاميرا ومشاهد يختلط فيها الواقع بالذاكرة والخيال.
وبيّنت أن تجربة «50 متر» كانت بالنسبة لها مغامرة شخصية قبل أن تكون مشروعاً سينمائياً، إذ تطلب منها مواجهة الذات والوقوف أمام الكاميرا بشفافية كاملة، مؤكدة أن أصعب لحظة كانت حين قررت أن تظهر أمام والدها في الكادر، لتتحول العلاقة بين المخرجة والموضوع إلى حوار إنساني مفتوح بين أب وابنته.
وتحدثت يمنى خطاب عن مراحل التصوير الطويلة قائلة إن «عملية التصوير استمرت على مدار صيفين متتاليين في عامي 2021 و2022»، موضحة أنها «كانت تجرب في كل مرة طريقة مختلفة في التصوير لتكتشف لغتها البصرية الخاصة أمام الكاميرا، باعتبارها جزءاً من الحكاية وليست مجرد راوية لها».
وأضافت أن «الفيلم احتاج إلى نوع من التجريب البصري، وأنها كانت تحاول أن تعيد اكتشاف المكان ذاته، وهو حوض السباحة، في كل مرة من زاوية جديدة، حتى لا يشعر المتفرج بالملل رغم أن الأحداث تدور في موقع واحد».

وأشارت إلى أن أكثر ما واجهته من صعوبات كان مرتبطاً بعملية المونتاج، التي استغرقت عامين كاملين؛ نظراً لأن المواد المصوّرة تجاوزت مائة ساعة من اللقطات المختلفة، بينها مواد أرشيفية صوّرها والدها بنفسه لها في طفولتها، موضحة أنها كانت في حاجة إلى استخلاص جوهر الحكاية من بين هذا الكم الكبير من المادة، وهو ما تطلب منها جهداً كبيراً وتجريباً متواصلاً.
وأضافت يمنى خطاب أنها «شاركت في عدد من ورش التطوير التي ساعدتها في بلورة الرؤية النهائية للفيلم وصياغة لغته السينمائية»، لافتة إلى أن «الفيلم استفاد من دعم مجموعة من الجهات الدولية والإقليمية، منها (صندوق البحر الأحمر للإنتاج) الذي منحها الدعم الأكبر عام 2022، فضلاً عن منحة من (المعهد الدنماركي للفيلم)، إلى جانب دعم من صناديق تطوير أوروبية أخرى ومن مهرجان (الجونة)».
وأوضحت يمنى خطاب أن عرض الفيلم العالمي الأول كان في «مهرجان كوبنهاغن الدولي للأفلام الوثائقية»، بدورته الماضية ضمن مسابقة «الموجة الجديدة»، ولاقى تجاوباً كبيراً من الجمهور، الأمر الذي جعلها تشعر بسعادة كبيرة مع تفاعل المشاهدين للعمل رغم اختلاف الثقافة واللغة.

وأضافت خطاب أن الفيلم هذا الشهر سيواصل جولته الدولية من خلال عروض مرتقبة في عدد من المهرجانات الأوروبية، من بينها «مهرجان سيني ميد» في مدينة مونتالييه بفرنسا، و«مهرجان فالينسيا» في إسبانيا، و«مهرجان ميدل إيست ناو» في فلورنسا بإيطاليا، مؤكدة أن هذه المشاركات تمنح الفيلم حياة أطول وتتيح له الوصول إلى جماهير متنوعة.
ولفتت إلى أن الأفلام التسجيلية بطبيعتها لا تندرج ضمن السوق التجارية، وأن المهرجانات تظل المساحة الأهم لعرضها ومناقشتها، معتبرة أن كل عرض في مهرجان جديد يمثل فرصة للتفاعل مع جمهور مختلف وقراءة جديدة للحكاية، لكن بعد جولة المهرجانات التي سيعرض فيها تسعى الشركة الموزعة لعرضه محلياً في سينما «زاوية» العام المقبل.

