أصبح العمل من المنزل أمراً روتينياً بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً منذ الجائحة. وهناك كثير من المزايا لذلك، أهمها أنه لا يتعيَّن على المرء التنقُّل أو تغيير ملابس النوم، ويمكن تلبية حاجات الأسرة، كما أنّ الثلاجة ليست بعيدة.
ومن ناحية أخرى، فإنك بعيد عن نظر مديريك. وصحيح أنه لا يكون موجوداً ليُراقبك من كثب، ولكن أيضاً يمكن أن تكون بعيداً عن أنظار الترقيات والعلاوات. فهل توجد طريقة لتجنُّب الركود خلال العمل عن بُعد؟ يتحدث خبيران لـ«وكالة الأنباء الألمانية» عن كيفية مواجهة هذا الأمر.
فيما يتعلّق بمقدار الوقت الذي يجب أن تمضيه في أداء العمل في المنزل، لا يضع جميع أصحاب العمل قواعد ثابتة بشأن متى يأتي العاملون إلى المكتب وعدد المرات التي يذهبون فيها إليه. وفي حال مُنِحوا حرّية الاختيار، فغالباً سيُفضّل العاملون العمل من المنزل.
ومن الناحية المهنية، لا يُنصح بذلك دائماً، وفق باستيان هِجز، وهو مدرّب مهني يُقدّم أيضاً «بودكاست» لمَنْح النصائح بشأن المسيرة المهنية. وما دام لا يتعيَّن القيام بالعمل عن بُعد بصورة كاملة، يُوصى بالحضور إلى المكتب بانتظام.
وبناء على الحاجات الفردية أو أي ترتيبات مع الزملاء، ينصح هِجز بالوجود في المكتب مرة أسبوعياً أو مرة شهرياً. وهذا يتيح للمرء إقامة علاقات شخصية أو تعميقها، مما قد يعود بالفائدة على تطوّره المهني. ولا يمكن أن تعوّض الاجتماعات عبر تقنية الفيديو دائماً عن التواصل الشخصي.
وقالت المستشارة المهنية راغنيلد شتراوس: «اللقاء وجهاً لوجه يُعزّز الثقة والشعور بالانتماء والتعاطف»، مضيفةً: «في عالم النهج الرقمي الحسّي والذكاء الاصطناعي، يصبح الوجود البشري العملة الجديدة».
وتابعت: «وهذا أحد الأسباب التي تجعل الموظّفين الذين يظهرون في المكاتب أكثر ترجيحاً للحصول على ترقية، لأنّ مدراءهم يشعرون براحة أكبر معهم».
وعن كيفية بقاء الشخص مرئياً خلال العمل من المنزل، قال هِجز إنّ هناك أمراً بديهياً في البداية، وهو أنه عند التواصل مع فريق العمل عبر منصة تعاونية على شبكة الإنترنت، يجب دائماً فتح الكاميرا بحيث تكون مرئياً خلال المناقشات واللقاءات.
ومن المهم أيضاً أن يكون المرء استباقياً في التواصل، وإتاحة الفرصة للجميع لرؤية ما يُنجزه، والنتائج التي يُحقّقها، والأمور التي يحتاج فيها إلى الدعم.
والسبيل الآخر ليبقى الشخص مرئياً هو ترتيب أحاديث قصيرة وغير رسمية. ووفق شتراوس، «يجب أن تُستخدم هذه الأحاديث مع الزملاء والرؤساء ليس فقط من أجل التنسيق، ولكن أيضاً من أجل إدارة العلاقات».
وأشارت إلى أنّ الإعراب عن تقدير زميل لقيامه بمهمّة ما، وذكره وتحديد سبب التقدير، يمكن أن يكون مفيداً أيضاً. فمن خلال إظهار الآخرين، يصبح المرء نفسه مرئياً بصورة أكبر.
وحضَّت شتراوس على التواصل مع الأشخاص خارج فريق العمل المباشر. فعلى سبيل المثال، من المفيد تبادُل الأفكار مع الزملاء من إدارات أخرى. وقالت: «من المهم إظهار الاهتمام بالصورة الكبرى، بما يتجاوز اهتمامات المرء نفسه».
وعن الإرشادات الأخرى التي ينبغي اتّباعها، يتعيَّن على العاملين الذين يقسمون عملهم ما بين منزلهم ومكتبهم أن يُحدّدوا بوضوح متى يمكن التواصل معهم. ويوصي هِجز، على سبيل المثال، بالاستمرار في تحديث الوضع الخاص بإمكانية التواصل باستخدام منصّات مثل «مايكروسوفت تيمز» أو «سلاك».
ومع ذلك، يجب ألا يكون المرء متاحاً دائماً. قالت شتراوس: «أن تكون مرئياً لا يعني أن تكون دائماً مُتاحاً للتواصل»، فقد رأت أن الوجود الحقيقي يأتي من التركيز. وهذا يعني حماية وقت العمل المكثَّف وفترات الراحة المجدولة ووضع الحدود.
ورأت أيضاً أنّ الموظف الذي يُحقّق نتائج على المستويين المهني والشخصي سيُعدّ عنصراً باعثاً على الاستقرار في الفريق. وقالت: «الموثوقية، خصوصاً بالنسبة إلى الشخص الذي يعمل عن بُعد، تُعدّ أقوى أشكال الرؤية».
ورأى بعض العاملين عن بُعد أنّ هناك حاجة لإظهار انشغالهم الدائم من خلال الإجابة الفورية على كلّ رسالة إلكترونية، ووضع مشروعات جديدة باستمرار، وملء أجندة عملهم بعدد من الاجتماعات. ولكن هذا ليس ضرورياً، وفق شتراوس، مشيرةً إلى أنّ كلّ ركود في العمل لا يُعدّ دلالة على عدم الكفاءة.
وقالت: «يحتاج المرء أن يكون واثقاً من أدائه وقيمته». ومما يساعد في ذلك أن يسأل نفسه: «ما هو المهم الآن؟ وما الضغط الذي أضعه على نفسي؟».
وعلَّق هِجز: «يجب أن تُظهر خلال المحادثات أو اللقاءات ما الذي تقوم بإنجازه، بدلاً من محاولة الظهور بأنك دائماً تجلس أمام الكمبيوتر».
وإذا شعر المرء بالتجاهل بسبب العمل من المنزل، يتعيَّن أن يتحدَّث بهذا الشأن مع مديره. ورأى هِجز أنه لا يُنصَح بإرسال رسالة إلكترونية، فمن الأفضل طلب لقاء وجهاً لوجه يتحدَّث خلاله الموظَّف عن مخاوفه وأمنياته وتوقّعاته.



