بنهاية شهر سبتمبر (أيلول)، تبدأ ذروة موسم طرح الصقور في السعودية، إذ يتأهب هواة الصقور لاستقبال أسراب الطيور المهاجرة التي تشق طريقها الطويل من مناطق تكاثرها في نصف الكرة الشمالي نحو الجنوب بحثاً عن الغذاء والدفء.
وعلى ساحل البحر الأحمر في السعودية، يتحفّز علي بن حسين وبقية زملائه من هواة رياضة «شبك الصقور»، لاستقبال الوافد من الطيور المهاجرة؛ حيث يعدّون شباكهم بعناية، وما إن يقع أحد صقور الشاهين البحري في الشبكة التي أعدّت لالتقاطه حتى تبدأ عملية أخرى لترويضه واستبقائه حيّاً. ويتضمن ذلك تغطية الرأس بالبرقع ووضع القيود، وتغذيتها، وربطها، ورشّها بالماء لتهدئتها، ووضعها على الوكر، وهو أداة تثبيت خاصة تجلس عليها الطيور في مراحل الراحة والتدريب.
يقول علي بن حسين، إن شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، هما ذروة مواسم طرح الصقور، وهي الفترة التي تُهاجر فيها الطيور من مناطق التكاثر؛ حيث تهاجر في الشتاء من وسط أوروبا شرقاً عبر آسيا إلى شبه الجزيرة العربية، وتمر خلال رحلتها هذه بالمناطق السعودية، ويتخيّر الصيادون بعض المواقع التي تشتهر بكونها محل مرور وعبور الصقور، ومن ذلك امتداد الساحل الغربي للبحر الأحمر، من مدينة جدة حتى منطقة جازان.

ويُضيف بن حسين، أن هذا المكان يعد بمثابة موعد سنوي لكثير من هواة «شبك الصقور»، بعضهم يصطحب أبناءه الصغار، ليتولوا من بعده هذا الإرث التقليدي، الذي يتجاوز كونه هواية تقليدية إلى تاريخ يمتدّ بنسبه إلى آلاف السنين.
ويحكي بن حسين، الذي وصل أخيراً إلى مهرجان الصقور والصيد السعودي، الذي انطلق الخميس في ملهم شمال مدينة الرياض، عن الإرث الذي تحتفظ به حرفة صيد الصقور التي ثبَّتت جذورها في أعماق الحضارات التي عاشت على شبه الجزيرة العربية، مشيراً إلى أنها تُمثِّل تجربة ثقافية كبيرة عن ارتباط الإنسان بالطبيعة، وتعكس قدرته الفذة على التكيف مع بيئته الطبيعية، وتطويعها من أجل البقاء والنمو والازدهار، وأن طرح الصقور كانت تعني في بعض صورها سبيلاً لكسب العيش، وفي صورة أخرى تُمثل نشاطاً إنسانياً فريداً، ينطوي على قيم ومعانٍ ومهارات، معرباً عن سعادته بأن هذا الموروث لا يزال حيّاً وباقياً مع تعاقب الأجيال.

من وسط أوروبا إلى شبه الجزيرة العربية
يقول علي بن حسين إن كثيراً من الصقور المهاجرة، التي بدأت رحلتها من وسط أوروبا مروراً بآسيا، تنتقل من يدي الصياد إلى منصة المزاد السعودي الأكبر في العالم.
ويروي بن حسين العديد من المواقف التي ينجح فيها الصيادون في طرح صقر مهاجر، لتكشف «حجول الصقر» -وهي بطاقة أو إسورة مثبتة في رجله- أنه جاء من منطقة في روسيا بعد أن قطع رحلته الطويلة حتى وصل إلى السعودية.
وعادةً ما تنطلق رحلة الصقور المهاجرة التي تعبر الجزيرة العربية من مناطق في روسيا وإيران وباكستان، وتُعد هجرة صقور الشاهين من أطول رحلات الهجرة بين الطيور في العالم، إذ تقطع بعضُها مسافاتٍ تصل إلى نحو 9 آلاف ميل في اتجاه واحد.
وبالإضافة إلى الساحل الغربي للسعودية، تعد «صحراء الحماد»، 100 كيلومتر غرب مدينة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية، واحدة من وجهات الصقارين خلال ذروة موسم طرح الصقور، انتظاراً لعبور أنواع من الصقور المهاجرة أشهرها «الشاهين، والبحري، والحر».

ذروة موسم الطرح والمزاد
يتزامن موسم طرح الصقور، مع تنظيم مزادات متنوعة للصقور في السعودية، ويُعدّ المزاد الذي ينظمه نادي الصقور السعودي في ملهم شمال الرياض، خلال الفترة من 2 إلى 11 أكتوبر الحالي، وجهةً رئيسية لصقور الطرح المحلي، إذ يجمع هواة هذه الرياضة من مختلف مناطق السعودية والعالم، ويُسهم في نقل خبرات الصقارين إلى الأجيال الجديدة. كما يُشكّل رافداً اقتصادياً مهمّاً لمئات الطواريح المشاركين فيه، ويوفّر النادي حزمةً من التسهيلات تشمل خدمات النقل والإقامة وتوثيق عمليات البيع.
وسجلت الليلة الثانية من مزاد نادي الصقور السعودي 2025، بيع شاهين فرخ طرح جنوب الليث بمبلغ 105 آلاف ريال. وبدأت المزايدة على الصقر الذي طرحه محمد الزهراني وعلي الحويطي وفيصل الزهراني، بـ70 ألف ريال، قبل أن يُباع في نهاية المزاد بـ105 آلاف ريال.
ويقتصر مزاد نادي الصقور السعودي على صقور فرخ الشاهين البحري المهاجر، مع الالتزام بعدم إقامة مزاد للشاهين القرناس والصقر الحر، حفاظاً على استدامتهما.









