«سبكتروم» في صالة عرض عبد الله بركة: مرايا تُفتّت الضوء لتُعيد تركيب الإنسان

فضاء تأمّلي يتقاطع فيه الجمال بالتفكير والانعكاس بالحقيقة المُتحرّكة

في «سبكتروم»... المرآة تُربك النظرة إلى الحقيقة (ذا ميرور بروجيكت)
في «سبكتروم»... المرآة تُربك النظرة إلى الحقيقة (ذا ميرور بروجيكت)
TT

«سبكتروم» في صالة عرض عبد الله بركة: مرايا تُفتّت الضوء لتُعيد تركيب الإنسان

في «سبكتروم»... المرآة تُربك النظرة إلى الحقيقة (ذا ميرور بروجيكت)
في «سبكتروم»... المرآة تُربك النظرة إلى الحقيقة (ذا ميرور بروجيكت)

يذهب الفنان اللبناني عبد الله بركة إلى احتضان أقصى حدود الرؤية في معرض «سبكتروم» («طيف»). فصالته، «ذا ميرور بروجيكت»، بمنطقة مار مخايل، تستضيف عالماً من المرايا التي لا تعكس الوجوه بقدر ما تكشف عن أعماقها. مراياها تلتقط انكسارات الضوء وتدرّجاته المتحوّلة، عوض حصر وظيفتها بإطار الزجاج المصقول الذي يردّ الصورة كما هي. الطيف محور العرض، والمرآة فضاء تأمّلي تتوزَّع عليه الألوان كما تتوزَّع الحياة نفسها بين وضوح وغموض، وحضور وغياب.

عبد الله بركة والمرآة التي تعكس الضوء أكثر ممّا تعكس الوجوه (الشرق الأوسط)

منذ الوهلة الأولى، يشعر الزائر بأنه أمام تجربة لا تُشبه شيئاً مألوفاً. المرايا مُتعدّدة ومُتحوّلة، كأنها تشعُر. كلّ زاوية تمنح انعكاساً مختلفاً، وكلّ لحظة يُبدّلها الضوء في حركة دائمة. وهنا، كما يقول بركة، «لا تُعيد المرآة إنتاج الواقع، وإنما تفتح نافذة على واقع آخر، أكثر حسّاً وعاطفة». لا يرى المُتفرّج وجهه بقدر ما يرى الضوء وهو يتحرّك داخله، كأنّ الوجدان نفسه صار مادةً للرؤية. يُضيف صاحب الصالة لـ«الشرق الأوسط»: «شدَّني في هذه التجربة أنّ المرآة تسمح بخلق طيف من المشاعر ولا تكتفي بالانعكاس. نحن نحسّ عندما نرى اللون والضوء والطيف الذي يحيط بنا، ولا نرى فقط بأعيننا».

انعكاسات تتحوّل إلى طيف من الأسئلة عن الذات والوجود (ذا ميرور بروجيكت)

بهذا الفَهْم، تتحوَّل المرايا في «سبكتروم» إلى «كائنات» تُفكّر وتتنفّس، ووسائط لقراءة الذات والعالم. يُوافق بركة على أنّ المرآة، في النهاية، لا تطرح فقط سؤال «مَن أنا؟»، وإنما أيضاً «أين أنا؟»؛ فهي تعيدنا إلى علاقتنا بالمكان والزمن. هذا الوعي بالموقع وبالحيّز ليس غريباً على فنان يحمل خلفية في الهندسة المعمارية، إذ يرى أنّ «الأشياء تؤثّر فينا بقدر ما نؤثّر فيها. فأنتِ لا ترين فقط نفسك عندما تقفين أمام مرايا (الطيف). أنتِ ترين المكان من حولكِ يتبدّل. الضوء يتغيَّر والوقت يصبح أبطأ وأكثر هدوءاً».

المرايا تتجاوز التجميل لتصبح فضاءً لتأمُّل العلاقة بين الضوء والإنسان (ذا ميرور بروجيكت)

في عالم «سبكتروم»، لا وجود لثبات بصريّ. كلّ سطح عاكس يحمل احتمالاً جديداً، وكلّ انعكاس يفتح باباً إلى بُعد آخر. لذا، لا يُفسِّر المتفرِّج الانكسار على أنه خلل في الرؤية، لأنه يُخبّئ طاقة على الخَلْق. يقول الفنان: «(سبكتروم) هو الضوء عندما يتفتَّت ويتحوَّل إلى تدرّجات من الألوان. انكساراته تُشبه الحياة». ثمة دائماً هذا التوازن بين ما هو ظاهر مباشرة، وبين ما يختبئ في العمق؛ وفي هذا الفاصل يولد الشِّعر.

نسأله عمّا إذا كانت المرايا تفضح أكثر ممّا تكشف، فيردّ: «المرآة لا تكذب، لكنها أيضاً لا تُقدّم حقيقة واحدة. فيها حياة وحركة، ولذلك تجبركِ على سؤال نفسكِ عن الحقيقة. هل هي ما تراه العين، أم ما تشعر به الروح؟». هنا تتجلَّى فكرة «الطيف» على أنها رمز للعصر، إذ لم تعد الحقيقة واحدة أو مُطلقة، وإنما احتمالات متعدّدة. يُوافق بركة: «نعيش اليوم في زمن يعرف أطيافاً من الحقيقة، وليس الحقيقة الثابتة. وهذه المرايا تؤكد أنّ الحقيقة ليست جامدة. إنها تَدرُّج، أو كما أحبُّ أن أصفها بالإنجليزية: (A gradient of truths)».

مرايا تُفكّك الضوء وتبني الذات (ذا ميرور بروجيكت)

هذه الفكرة تمتدّ إلى ما هو أبعد من البصر؛ نحو الفلسفة المعاصرة للهوية. فكما يتغيَّر الضوء وفق الزاوية والوقت والظلّ، كذلك الإنسان في زمن لم يعُد فيه الثبات ممكناً. «الضوء لا يثبت أبداً»، يقول بركة، «هو دائماً في حركة ويتفاعل مع كلّ ما حوله. المرآة تعمل بالطريقة نفسها. الانعكاس الذي نراه في الصباح لا يُشبه ما نراه عند الغروب. هذا يؤكد لنا أنّ إحساسنا بالذات وبالحيّز يتغيَّر باستمرار. وهذه السيولة لا تُخيفني، لأنني أجد فيها الجمال والحرّية».

ووسط طغيان الافتراضي على الواقعي، تبدو مرايا «سبكتروم» أشبه باستعادة حسّية لِما نسيناه. يقول عبد الله بركة: «نعيش اليوم في زمن الانعكاسات الرقمية. كلّ شيء صار مُفلتراً ومُسطّحاً عبر الشاشات. المرآة، في المقابل، هي أقدم وسيط بصري عرفه الإنسان، وأكثرها صدقاً. لذلك أُقدّم هذه المرايا بمثابة تمرُّد على العصر الرقمي، ووعي بضرورة العودة إلى الضوء الحقيقي، إلى المادة والإحساس المباشر. أريد أن يرى الإنسان بعينيه، لكن أيضاً أن يحسّ ويتفاعل مع الضوء كما يتفاعل مع داخله».

المعرض يُعيد للمرآة وظيفتها الأولى: أداة لفَهم الجمال (ذا ميرور بروجيكت)

يُعيد المعرض إلى المرآة هيبتها القديمة ويمنحها معنى جديداً. إنها أداة لإعادة تركيب العلاقة بين الذات والعالم، بين الضوء والظلّ، وبين الرؤية والفكر. في هذا المسعى، يتقاطع العرض بين الفنّ والفلسفة، والبصري والروحي، وبين المادّة والمعنى، ليُعلن أنّ «سبكتروم» يتجاوز التجربة البصرية نحو التأمّل في ماهية الإدراك وجوهر الحقيقة التي تتلوَّن كما تتلوَّن أطياف الضوء على السطح المتحرّك.


مقالات ذات صلة

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجه مرسوم على ورق هندي مصنوع من القطن (الشرق الأوسط)

«تاريخ الورق»... معرض مصري لسبر أغوار الذاكرة الإنسانية

لا يتعامل الفنان التشكيلي المصري محمد أبو النجا مع الورق باعتباره وسيطاً فنياً فحسب، بل يقدّمه على أنه مركز تاريخي يمكن عبره إعادة النظر إلى رحلة الإنسان نفسه.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال الفنانين تناولت مظاهر الحياة في الأقصر (قومسير الملتقى)

«الأقصر للتصوير» يستلهم تراث «طيبة» وعمقها الحضاري

بأعمال فنية تستلهم التراث القديم والحضارة الموغلة في القدم لمدينة «طيبة» التاريخية، اختتم ملتقى الأقصر أعماله الخميس.

محمد الكفراوي (القاهرة )

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.