أطلق مؤتمر الاستثمار الثقافي، الذي احتضنته مدينة الرياض على مدى يومين، العنان لفرص الاستثمار بالقطاع الثقافي والإبداعي، وسلّط الضوء على الخطط الثقافية الطموحة في السعودية، واستعرض الفرص المتاحة في الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى توقيع عشرات الاتفاقيات وفتح مسارات تمويلٍ جديدة، ستأخذ القطاع الثقافي السعودي إلى حقبة جديدة ومختلفة.
وشهدت أعمال اليوم الثاني، والأخيرة من مؤتمر الاستثمار الثقافي، الإعلان عن عدد آخر من الممكنات المالية التي ستُسهم في تعظيم أثر القطاع الثقافي على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى إعلان هيئة التراث السعودية نيتها طرح مواقع تراثية لاستثمار القطاع الخاص، وإطلاق الصفحة الرسمية لجدة التاريخية على منصة «غوغل» (google) للفنون والثقافة؛ لسرد تاريخها وقصصها بأسلوب تفاعلي.

وقال مستثمرون ورجال أعمال إن القطاع الثقافي حافل بالفرص الواعدة والممكنات غير المسبوقة، وأكدوا في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن الصناديق التي أطلقت خلال المؤتمر والاتفاقيات التي وقّعت بين مختلف الجهات التمويلية والاستثمارية ستساهم مجتمعة في دعم نمو المنشآت الثقافية وتوسعها، مع تعزيز إنتاجاتها الإبداعية، ورفع قدرات رواد الأعمال؛ لتعظيم مساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي، وفي توليد الفرص الوظيفية للمواهب المحلية في مختلف المجالات الثقافية والفنيّة؛ بما يتواكب مع تطوّرات المشهد الثقافي السعودي.

وقال عبد العزيز السليم، الرئيس التنفيذي لمجموعة «الأصول الثقافية»، إن القطاع الثقافي السعودي يتمتع بثمرة الرؤى المتكاملة، التي تقودها «رؤية 2030» ومبادراتها المختلفة، مؤكداً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن الأثر الذي يلمس اليوم في القطاع الثقافي والإبداعي في السعودية هو نتيجة عمل مستمر لدعم وتمكين منظومة القطاع الثقافي بحجمه الكبير، وأن الإعلانات والاستثمارات التي شهدها مؤتمر الاستثمار الثقافي من قبل مختلف الصناديق والمستثمرين هي نتيجة إيمان كامل بأهمية القطاع الثقافي وتطويره وتنميته لمستوى آخر.
وأعلنت مجموعة الأصول الثقافية خلال المؤتمر عن إنشاء صندوق استثماري خاص ومغلق بحجم 850 مليون ريال بتمويل من الصندوق الثقافي، بما يجسد تكامل القطاعين العام والخاص في تمكين الصناعات الثقافية.

وقال السليم إن المسؤولية تقع على عاتق القطاع الخاص ليكون جزءاً من المشهد الثقافي السعودي.
وفي ردّه على سؤال العائد المتوقع من الاستثمار في القطاع الثقافي، أضاف السليم إلى أن «القطاع الثقافي يترك أثراً، ونحن نستثمر فيه انطلاقاً من إيماننا بجدواه الاستثمارية أولاً، بالإضافة إلى العائد الاجتماعي الذي نبحث عنه في السعودية، ويمثل جزءاً مهماً مما نعمل عليه، وتجربتنا في هذا القطاع طوال 15 عاماً تقريباً أثبتت نجاحها، ومستمرون في النمو، وكل المستثمرين أصبحوا ينظرون إلى القطاع بمنظور مختلف».
وأضاف: «تم إطلاق صندوق بقيمة 850 مليوناً، بهدف الاستثمار في القطاع الثقافي الإبداعي، وتنمية عدد من القطاعات المستهدفة التي نتوجه لها، وتشمل التقنيات الناشئة والإعلام والفنون البصرية، ويركز جزء آخر على استقطاب الشركات الأجنبية ونقل الخبرات وتوطين المعرفة، وهو ما يعمل عليه الصندوق، الذي أطلق بتمويل من الصندوق الثقافي السعودي، انطلاقاً من إيمانهم بهذه الفرصة».

من جهته، قال وليد المرشد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «عودة كابيتال»، إن القطاع الثقافي السعودي واعد ويتمتع بإمكانات غير مسبوقة، مؤكداً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «رؤية 2030» ركّزت على الثقافة، وترجم ذلك إلى استثمار بأكثر من 80 مليار ريال في البنية التحتية، ما ساهم في رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي السعودي بنسبة 1.6 في المائة، وإن القطاع الثقافي يسعى إلى أن يوسع من مساهمته في الناتج المحلي.
وأكّد المرشد أن مؤتمر الاستثمار الثقافي هو الأول من نوعه، وأضاف: «رأينا حضوراً كبيراً من داخل السعودية وخارجها، بما يدل على أن السوق السعودي هو الأنشط في المنطقة، ونحن متفائلون بالقطاع الثقافي، ونسعى إلى الاستمرار في العمل، مع التركيز على تنويع الاستثمارات في السعودية».
وأطلقت مؤسسة «عودة كابيتال»، خلال المؤتمر، أول صندوق للاستثمار في الأعمال الفنية في السعودية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويستثمر الصندوق بشكلٍ أساسي في الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة لفنانين راسخين وذوي مكانة مرموقة من السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تخصص الأغلبية للفن الإقليمي، والباقي للفن العالمي.
وقال دانيال أسمر، الرئيس التنفيذي لبنك عودة كابيتال، أن الصندوق سيركز على الاستثمار في الفنانين الرائدين في السعودية والمنطقة، ويبلغ حجمه 150 مليون ريال، ويستهدف فنانين من مختلف دول العالم، ويميزه مستوى الحوكمة فيه، واستقطاب رواد المجالات الثقافية، وبناء لقاءات دورية لتعزيز القطاع الثقافي وإطلاق تجربة تاريخية تبدأ من السعودية.
واستمرت أعمال مؤتمر الاستثمار الثقافي في يومه الثاني والأخير، وشهد المسرح الرئيسي للمؤتمر مجموعة من الجلسات التي تناولت موضوعات تتصل بتحديات وفرص القطاع الثقافي والإبداعي، وتحفيز الاستثمارات الثقافية، بما يدعم مساهمة القطاع الثقافي في النمو الاقتصادي.
وقال عبد الرحمن المطوع، المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة السعودية، إن وجود شركاء المنظومة الثقافية، سواء جهات حكومية محلية ودولية، بالإضافة إلى الجهات التمويلية والاستثمارية، والمهتمين بالشأن الثقافي والممارسين في القطاع، تحت مظلة واحدة، يساهم في تسريع وجود البيئة المناسبة، وخلق الأفكار والمبادرات التي تخدم القطاع الثقافي وتعزز خطط السعودية للتحول الثقافي.



