تخرج لوحات الفنان التشكيلي علي شمس الدين مثل طاقات أمل في معرضه «ضوء في ظلال الخراب»، بحيث تولّد بقعة ضوء منبثقة من مساحات الحروب والمعاناة. يتصدّى لها شمس الدين بريشة متفائلة. فلا خيار عنده كما يقول، سوى التمسّك بالرجاء. فالحياة تتطلّب منا خوض التحدّيات بصلابة. وكون هناك خراب عالمي نشهده اليوم، كان لا بد لعلي شمس الدين أن يختار فرشاة الرسم ملاذاً له. يعرض لوحاته في غاليري «آرت ديستريكت» في الجميزة. فيراها بعين الرسام الذي يحيك قصائد الشعر في خطوطها.

ويستعير من قصائد محمود درويش ومحمد علي شمس الدين وغيرهما صور رسماته، فيترجمها بريشة أدبية تحمل نفحة حالمة. تتفتّح كالزهور كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» لتولّد مساحة ملونة. ويتابع: «أغلب مصادر إلهامي تنبع من قراءتي للشعر، وكذلك مما أشاهده على أرض الواقع عبر شاشة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي».
في غبار هذا الخراب الكبير يقول الفنان: يشتبك اللون مع العنف في حوار نازف وخفي. فيترك ندوبه على سطح القماشة البيضاء. يحضر الحب والأمل والضوء في لوحاته، وهو ما يعدّه آخر ما تبقى لنا في وجه هذا السواد المقيم، ورغم سوداوية موضوعات لوحاته فإنها تحمل التناقض بألوانها المتفائلة. فهل يحاول تجميل الواقع؟ يردّ لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل على تجميل الرهان والحلم. حتى عندما حاولت إبراز الشرّ المستشري على الكرة الأرضية في لوحة (قمر الدم وآلهة الحديد)، تركت للأبيض مساحة. فأنا أرفض الاستسلام لمشيئة الشريرين، فأواجه وأتحدّى بريشتي».

خلال جولتك في معرض شمس الدين «ضوء في ظلال الخراب» تلاحظ تجنبّه السوداوية. يفتح الفنان نافذة على المستقبل الأفضل عبر ألم المتلقي. ونلمس في لوحاته الارتقاء نحو عالم أجمل. وفي عناوين لافتة تمثّل صوراً شعرية، يستطيع زائر المعرض أن يلحظ تأثر الفنان بالأدب العربي، فيحوّل كل لوحة إلى قصيدة، واللبيب من الإشارة يفهم. «إذا سقطت يدك فالتقطها» و«جارات قوس قزح» و«لا جسد نهائي لهذا الحلم» و«جسر العبور من الحروب إلى الحروب». هي جزء من مجموعة عناوين لوحات شمس الدين، بتركيبتها الشعرية تولّد حوارات بينها وبين ناظرها. وهنا يعلّق الفنان التشكيلي: «أحبّ عندما تستوقف الزائر لوحة من لوحاتي، ويحاول تحليل محتواها. لا أريدها بمثابة ملصق ترويجي لفكرة مباشرة، يستوعب مشاهدها محتواها بسطرين. فالألوان كما الأشكال والأشخاص في لوحاتي تملك عالمها وتدعونا إلى محاولة تفسيرها».
الصراع بين الشر والخير والحرب والسلم، يتخذ منه شمس الدين محوراً لأعماله.

وفي لوحته «ولادة في حضرة الركام» يعزّز أفكاره الإيجابية، ويرسم أشكالها بدقة متناهية مع حفظ حقوق تفاصيلها. «أعدّ التفاصيل ضرورة لاكتمال المعنى. وهي تبرر استخدامي للألوان الزاهية. فتحتوي صدى الأزمات الممتدة على طول منطقتنا. رأيت من الصعب تجسيد الشر بصورته الحقيقية فهناك قسوة في تصويره. أدرك أن المأساة حاضرة دائماً في أوطاننا. ولكن يمكن للفنان إرسال إشارات مخفية. ومن خلالها يستشفّ المشاهد ما ورائياتها».
بوضوح ومن خلال لوحة «يوم زفافي قبل الرماد» يحاكي شمس الدين زمن السلم الذي يفتقده. ويوشّحها بطيف عروس زاهية، سعيدة بحفل زفاف مليء بالأمل. الألوان بالأكليريك تتراوح بين الأحمر والأخضر والأصفر. والأبيض كما في بقية لوحاته يتصدّرها. ويعلّق: «لقد كان يوماً سعيداً، ورغبت في ذكره اليوم لأنه يحمل نفحة من الماضي الجميل. كان ذلك قبل الحروب والنيران التي اجتاحت وطني».
يقدّم شمس الدين لمعرضه في «آرت ديستريكت» ضمن منشور يوزّعه على زواره، يقول فيه: «في أزمنة الرماد حين تشتعل الأرض ويتشظّى الهواء ويحفر الموت في وجوهنا خطوطه السوداء، أبحث عن اللون باعتباره فعل حياة، وصوتاً خفياً ينجو من الظلام في هذه اللوحات».


