تستعد مدينة الرياض لانطلاق «مؤتمر الاستثمار الثقافي» الأول، الذي تنظّمه وزارة الثقافة برعاية الأمير محمد بن سلمان، يومي الاثنين والثلاثاء، في مركز الملك فهد الثقافي، لبحث التوجّهات المستقبلية، والإنتاج الإبداعي المستدام، وتمكين القطاع الثقافي في السعودية، وتعزيز تأثيره العالمي.
يشارك في المؤتمر نخبة من المستثمرين العالميين، وصنّاع القرار، وقادة الثقافة، وممثلي الجهات الحكومية والخاصة والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى روّاد المشروعات الثقافية والمبدعين.
ويأتي انعقاد المؤتمر في لحظة مهمة يشهدها القطاع الثقافي السعودي، إذ حقق نمواً متصاعداً في السنوات القليلة الماضية، حيث أُصدر أكثر من 9 آلاف ترخيص ثقافي لممارسين محترفين، إلى جانب نمو عدد الجمعيات والمؤسسات والأندية الثقافية في القطاع غير الربحي من 28 جمعية عام 2017 إلى 993 جمعية عام 2024.
ويتناول المؤتمر موضوعات رئيسية، من أبرزها: البعد الرأسمالي للثقافة، وعائد الاستثمار الثقافي، والدبلوماسية الثقافية، والمفاهيم الجديدة للتمويل العام، وصناديق الاستثمار الثقافي العالمية، وريادة الأعمال والمشروعات الإبداعية، وتقليل المخاطر في الاستثمارات الثقافية، وتمويل مستقبل الثقافة، وتحفيز دور العمل الخيري في دعم القطاع الثقافي. وسيقدّم متحدثو المؤتمر تجاربهم ورؤاهم الثرية في استثمار الصناعات الثقافية، وتطوير الاقتصاد الإبداعي.

أكثر من 38 جلسة وورشة عمل
تتضمن أعمال الدورة الأولى من «مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025»، الذي تنظّمه وزارة الثقافة تحت شعار «من ثقافتنا نبني اقتصادنا»، أكثر من 38 جلسة وورشة عمل، تنطلق محاورها من 3 ركائز رئيسية.
أولى هذه الركائز هي «ثراء الثقافة»، بهدف تعزيز مكانتها بوصفها فرصة استثمارية جاذبة، وتسليط الضوء على قوتها محرّكاً اقتصادياً يسهم في تنمية السياحة، واستحداث الوظائف، وتحقيق التنمية الإقليمية، وتقديم المملكة بوصفها وجهة رائدة لهذه الاستثمارات.
أما الركيزة الثانية فهي «تعزيز رأس المال الثقافي»، من خلال استكشاف آليات الاستثمار المبتكرة في الفرص الثقافية، خصوصاً في الأسواق الناشئة، بالاسترشاد في تجارب من مناطق ذات نضج ثقافي متفاوت. حيث تُركِّز على تعظيم العائد على الاستثمار، وتخفيف المخاطر، وتعزيز البنية التحتية الثقافية بما يضمن نمواً مستداماً للقطاع.
وتتمثّل الركيزة الثالثة في «دور الثقافة القوي في تعزيز التماسك المجتمعي»، وذلك عبر تأكيد أهمية تبنّي نهج استثماري شامل وتعاوني يٌعزّز التبادل الثقافي العالمي والتفاهم المشترك. كما تبحث هذه الركيزة في كيفية إسهام الثقافة والفنون، بطابعها العالمي، في تقوية العلاقات الدولية وتشكيل قوة دبلوماسية موحّدة تجمع الشعوب تحت مظلّة القيم الإنسانية المشتركة.
ويشارك في جلسات المؤتمر مسؤولون وخبراء سعوديون ودوليون، يبلغ عددهم نحو 100 متحدث من جنسيات عدّة، من بينهم: حامد بن محمد فايز نائب وزير الثقافة في السعودية، وتشارلز ستيوارت الرئيس التنفيذي لـ«دار سوذبيز»، وغيّوم سيروتي رئيس مجلس إدارة «دار كريستيز»، ونواه هوروفيتز الرئيس التنفيذي لـ«آرت بازل»، وتوني فينتشيكويرا الرئيس غير التنفيذي لـ«سوني بيكتشرز إنترتينمنت»، وطارق بن عمار مؤسس «إيغلز بيكتشرز»، واللورد نيل ميندوزا رئيس هيئة «هيستوريك إنغلاند» وعميد كلية أورييل في جامعة أوكسفورد.

تحديات الاستثمار في القطاع الثقافي
تتبّع «تقرير الحالة الثقافية في السعودية»، الذي صدر منه حتى الآن 6 تقارير، الفرص الواعدة لتحويل المشروعات الثقافية إلى أعمال مستدامة ذات مردود مالي سريع النمو.
وفي نسخته الرابعة التي صدرت عام 2022 تحت عنوان «الاستثمار في القطاع الثقافي»، استعرض التقرير أبرز تطورات الاستثمار الثقافي، ومنجزاته، وتحدياته.
وتناول الفصل السادس منه «الاستثمار في القطاع الثقافي»، وألقى الضوء على بعض التطورات التنظيمية المهمة للاستثمار في المجال؛ بداية من النمو والدعم في القطاع الثقافي خلال عام 2022، ومروراً برصد الاستثمارات القائمة في القطاع الثقافي، كما عرّج على النصوص التشريعية والقوانين المتعلقة بالاستثمار في القطاعات الثقافية، وذلك من خلال حقوق الملكية الفكرية والاستراتيجيات الوطنية، بالإضافة إلى اللوائح والتنظيمات، وتوقّع أن يسجل القطاع نمواً مطرداً خلال السنوات المقبلة.
أما أحدث إصدارات التقرير، الذي صدر منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي، فنبَّه إلى تحدٍّ رئيسي يتمثّل في محاولات قياس الأثر الاقتصادي للثقافة الذي تمثّل في شحّ البيانات المتوفرة.
ورأى التقرير هذا العائق أبرز التحديات التي لم يُسلّط عليها الضوء بما يكفي، خصوصاً عند محاولة الإجابة عن سؤال «الأثر الثقافي». إذ لا تزال البيانات تعاني من عدم النضج أو غياب المركزية والشمولية أو ضعف التحديث المستمر، وهو ما يُعيق رصد المؤشرات الثقافية بدقة وتتبع ملامح النمو واتجاهاته. وقد تجلّى هذا التحدي بوضوح في محاولات قياس الأثر الاقتصادي للثقافة، إذ لا تزال المؤشرات محدودة أو غير محدّثة، رغم التقدّم المُحقق في تطوير التصنيفات المرتبطة بالحساب الفرعي للثقافة.
ويأتي «مؤتمر الاستثمار الثقافي» في نسخته الأولى لمعالجة هذه التحديات، وتقريب وجهات النظر بين العاملين في القطاع ومحيطه التنظيمي والتشريعي، إلى جانب حواضن المبدعين ومسرّعات الأعمال، وكل المهتمين بمسيرة تمكين القطاع الثقافي في السعودية. ويهدف المؤتمر إلى تحويل الثقافة إلى محرّك اقتصادي حيوي يرسّخ الهوية الوطنية، ويدعم التنمية السياحية، ويعزّز الحضور الثقافي للمملكة عالمياً.








