لا تزال أصداء سرقة سوار أثري من المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) تتردد بقوة، باعتباره حدثاً يدق ناقوس الخطر، وفق خبراء آثار، خصوصاً ما يتعلق بملف معارض الآثار المصرية بالخارج. وكان مدير المتحف المصري بالتحرير قد أعلن، في بيان سابق، أن «السوار الذهبي يتكون من خرز كروي من اللازورد، وهو من مقتنيات الملك أمنمؤوبي من عصر الانتقال الثالث».
وأعلنت السلطات المصرية، الخميس، القبض على مرتكبة الواقعة، وهي إخصائية ترميم بالمتحف. وأوضحت وزارة الداخلية، في بيان، أن المتهمة استولت على السوار أثناء عملها «بأسلوب المغافلة»، وأن السوار تم بيعه لعامل في مسبك ذهب مقابل 194 ألف جنيه (الدولار يعادل نحو 48 جنيهاً)، قبل أن يقوم الأخير بصهره ضمن مصوغات أخرى لإعادة تشكيله.
ويقول الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، إن «حادثة سرقة سوار المتحف المصري تستدعي مراجعة دقيقة لإجراءات التأمين والتعامل مع القطع الأثرية، ومشاركتها في المعارض الأثرية خارج مصر». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خروج القطعة من فاترينة العرض التي تخضع للمراقبة بالكاميرات، مروراً بمعمل الترميم، وصولاً إلى التغليف قبل السفر، كلها مراحل تداول تعرض القطعة للخطر. لذلك يجب وقف سفر القطع الذهبية الفريدة للخارج». وأردف مشدداً: «أنا ضد خروج أي قطعة ذهبية لمعرض خارجي».
«ليست كل الآثار مصنوعة من الذهب وصغيرة الحجم؛ لكن القطع الذهبية تحديداً شديدة الحساسية، وينبغي عدم تحريكها أو تعريضها لمخاطر النقل ومراحل التجهيز للمشاركة في معرض خارجي للآثار المصرية. أما القطع المكررة فيمكن النظر إليها بشكل مختلف لأنها لا تمثل نفس درجة الخطورة»، على حد تعبيره.
وينصّ قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته في مادته 42 على معاقبة كل من يسرق أثراً أو جزءاً من أثر، سواء أكان مسجلاً ومملوكاً للدولة أو معدّاً للتسجيل، أو مستخرجاً من حفائر أثرية مرخّصة، بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، إذا كان القصد من السرقة التهريب للخارج.
وكانت الخبيرة الآثارية المصرية، مونيكا حنا، طالبت بوقف المعارض الآثارية في الخارج مؤقتاً، وكتبت على صفحتها بـ«فيسبوك»: «لازم وقف المعارض الخارجية لحد ما يبقى في كونترول أفضل على القطع الأثرية».
من جانبه، يؤكد الخبير الآثاري، الدكتور حسين عبد البصير، على أهمية المعارض الخارجية بالنسبة لمصر، لافتاً إلى أن «الواقعة الأخيرة، المتمثلة في سرقة سوار ذهبي نادر من المتحف المصري بالتحرير الذي كان بصدد المشاركة في أحد المعارض الخارجية، يمثل (جرس إنذار) بخصوص اختيار المعروضات المشاركة في الخارج».
ويصف عبد البصير واقعة السرقة بأنها «واقعة عرضية، مقارنة بما تحققه تلك المعارض من نجاحات لافتة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لديها سوابق مهمة، من بينها المعرض الخارجي للآثار الذي عُقد العام الماضي في الصين، وزاره أكثر من مليوني شخص، ومعرض آخر في اليابان خُصص لآثار الدولة القديمة (بناة الأهرام) عام 2016، وفيه تم عرض قطع حُلي كان يتم عدّ قطع الخرز بالواحدة خشية السرقة أو التلاعب في أي منها».

ويتابع عبد البصير: «رغم الأهمية الكبيرة لتلك المعارض التي تُسهم في الترويج للحضارة المصرية، وجذبت ملايين الزوار، فإنه لا بد من مراعاة ضوابط أساسية، في مقدمتها عدم خروج القطع النادرة أو الذهبية، والاكتفاء بمشاركة القطع التي لها بدائل أو القطع المكررة، فواقعة المتحف المصري خطيرة، لأنها غير مسبوقة، خصوصاً بعد صهر القطعة المسروقة، وهو ما يفرض إجراءات احترازية أشد في اختيار القطع المشاركة، وتكثيف الرقابة عليها أثناء التداول».
وكانت وزارة السياحة والآثار قد أعلنت العام الماضي عن ارتفاع الإقبال على المعارض الخارجية للآثار المصرية على مدار العام، ووصفتها بأنها «أداة مهمة للترويج للحضارة المصرية عالمياً»، مشيدة بالحضور الكثيف لمعرضي «قمة الهرم... حضارة مصر القديمة» في شنغهاي بالصين، ومعرض «رمسيس وذهب الفراعنة» في مدينة كولون الألمانية.







