نادية الجندي لـ«الشرق الأوسط»: ابتعدت حتى لا أغش جمهوري

شكت من سطحية الدراما وضعف الإنتاج

نادية الجندي
نادية الجندي
TT

نادية الجندي لـ«الشرق الأوسط»: ابتعدت حتى لا أغش جمهوري

نادية الجندي
نادية الجندي

بعد غياب 5 سنوات تقريباً عن الإطلالات الفنية منذ تقديمها مسلسل «سكر زيادة»، في موسم دراما رمضان 2020، تقول الفنانة المصرية نادية الجندي إنها مشتاقة للعودة مجدداً للفن والتمثيل.

وقالت نادية الجندي، الملقبة بـ«نجمة الجماهير»، في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، إنها «صنعت اسمها بعد جهد وعناء، فهي غارقة في حب الأدوار الصعبة والمركبة، وتلك التي تتطلب تحدياً كبيراً في الأداء، حتى باتت أعمالها التي دُونت في تاريخ السينما المصرية لا تُنسى، وراسخة في أذهان جمهورها»، وفق تعبيرها.

وعن سبب غيابها، قالت إن «الكتابة الجيدة قليلة، والدراما باتت سطحية، فلم أجد موضوعاً يجذبني كي أنزل من بيتي لأمثل مثلما اعتدت».


مقالات ذات صلة

جنيفر أنيستون في الـ56... الحب لا يأتي متأخراً

يوميات الشرق الممثلة جنيفر أنيستون وحبيبها الجديد جيم كورتيس (إنستغرام)

جنيفر أنيستون في الـ56... الحب لا يأتي متأخراً

فاجأت الممثلة الأميركية، جنيفر أنيستون، الجمهور بإعلانها علاقة عاطفية جديدة تجمعها بجيم كورتيس. فما تفاصيل قصة الحب هذه الآتية على مشارف خريف العمر؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

لفت المسلسل السعودي «الضارية» الأنظار بعد انطلاق حلقاته محققاً نسبة مشاهدات عالية وسط اهتمام بلغته البصرية الجريئة، واهتمامه بعالم التهريب والولاءات المُتبدّلة

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق الكاتبة «كارول» تحاول إنقاذ البشر على كوكب الأرض (آبل)

«بلوريبس»... انطلاقة تُشعل التفاعل وعودة مختلفة لمبدع «بريكنغ باد»

تكمن جاذبية العمل الذي يُعرض على منصة «آبل تي في» في كونه يُمثّل عودة المبدع فينس غيليغان، صاحب المسلسل الشهير «بريكنغ باد»، بعمل مختلف كلياً عن تاريخه المعروف.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق تركي اليوسف يُقدّم شخصية رجل عصابات في المسلسل (شاهد)

«الضارية»... دراما سعودية تُجسّد بشاعة العالم حين يغيب القانون

لطالما امتاز تركي اليوسف بانشغاله بالطبقات النفسية أكثر من الانفعالات، وفي «الضارية» يذهب أبعد ممّا قدّمه سابقاً...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق نصف قرن مرَّ والضحكة لا تزال تُعاند العتمة (الشرق الأوسط)

«شوشو»... خمسون عاماً والضحكة تحفظ ذاكرة بيروت المسرحية

لا تزال أغنية «شحّادين يا بلدنا» التي كتبها ميشال طعمة ولحَّنها إلياس الرحباني، تُغنَّى كأنها تُحاكي هذه الأيام...

فاطمة عبد الله (بيروت)

«ضايل عنا عرض»... «سيرك غزة» يزرع البسمة على وجوه الأطفال وسط الأنقاض

الفيلم رصد «سيرك غزة الحرة» يقدم عروضاً في الشارع (الشركة المنتجة)
الفيلم رصد «سيرك غزة الحرة» يقدم عروضاً في الشارع (الشركة المنتجة)
TT

«ضايل عنا عرض»... «سيرك غزة» يزرع البسمة على وجوه الأطفال وسط الأنقاض

الفيلم رصد «سيرك غزة الحرة» يقدم عروضاً في الشارع (الشركة المنتجة)
الفيلم رصد «سيرك غزة الحرة» يقدم عروضاً في الشارع (الشركة المنتجة)

أثار الفيلم الوثائقي «ضايل عنا عرض - One More Show» اهتماماً في عرضه العالمي الأول ضمن أفلام المسابقة الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46 المنعقدة في الفترة من 12 إلى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي؛ لما أثاره من شجن لدى من شاهدوه، لقوته الإنسانية ورسالته المؤثرة التي قدمها شهادةً حية ليؤكد من خلالها قدرة الفن على المقاومة وعلى الأمل الذي يزهر رغم القهر والدمار.

الفيلم تم تصويره في غزة 2024 خلال الحرب، ويتتبع «سيرك غزة الحر» الذي أسسه مجموعة من الشباب الفلسطينيين الذين رفضوا الاستسلام لليأس رغم الإبادة الجماعية التي يشهدها القطاع، وبين الملاجئ والشوارع المهدمة وركام المباني المنهارة يواصلون تقديم عروضهم للأطفال، يذهبون إليهم في كل مكان ليمنحوهم لحظاتٍ من الفرح والأمل في ظل قسوة وبشاعة الواقع الذي يعيشونه.

الفيلم للمخرجة المصرية مي محمود، وهي ابنة الإعلامي محمود سعد، وقد عملت مساعدةَ مخرج في عدد من الأفلام، من بينها «الجزيرة» و«ولاد العم»، وقد اختارت عنوانه باللهجة الفلسطينية وهو يعني «لا يزال لدينا عرض» للتأكيد على استمرار رسالة أبطال سيرك غزة، وشارك في إخراج الفيلم المصور الفلسطيني أحمد الدنف الذي قام بتصوير الفيلم، ومن إنتاج «ريد ستار» لباهو بخش، بمشاركة «فيلم كلينك» للمنتج محمد حفظي، وتضم قائمة أعضاء «سيرك غزة الحر» كلاً من يوسف خضر، ومحمد أيمن، ومحمد عبيد «جاست»، وأحمد زَيارة «بطوط»، وإسماعيل فرحات، ومحمد الأخرس وأشرف خضر، إلى جانب مجموعة من فناني السيرك الشباب من غزة.

واستقبلت السجادة الحمراء صناع الفيلم قبل عرضه، مساء الخميس، وحملت المخرجة صورة شريكها الفلسطيني أحمد الدنف الذي تعذر حضوره من غزة، بينما حضرت شقيقته.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

تبدأ أحداث الفيلم من حي الزوايدة وسط قطاع غزة، حيث نرى أعضاء الفرقة الذين يقيمون داخل مبنى غير مجهز، يفترشون الأرض ببعض الأغطية التي ينامون عليها، يجلس أحدهم خارج المبنى يحادث زوجته ويفتح الكاميرا ليؤكد لها أنه بخير، ثم يداعب طفله الرضيع ويعود لزملائه الذين يقاومون اليأس وينشرون البهجة بعروضهم للأطفال. يؤدون البروفات في المكان نفسه الذي يعشون فيه، ثم يستقلّون سيارة نقل، لتبدأ رحلتهم عبر شوارع المدينة المهدمة وركام المباني المحطمة، ويتوقفون عند أحد الأحياء السكنية بمنطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث يتجمع الأطفال تباعاً يصفقون ويهللون مع بدء عروضهم، وتصورهن النساء من الشرفات، لتبدأ فقرات السيرك من البلياتشو للاعب الجمباز وأغنيات الفرحة التي تبدد الخوف في نفوس الأطفال.

يصور الفيلم حياة أعضاء السيرك اليومية ومخاوفهم في ظل الحرب وغيابهم عن أسرهم، ويقول أحدهم: «في كل مرة نخرج أخاف ألا نعود»، لكن ذلك لا يوهن من عزمهم على مواصلة رسالتهم.

استقبل المسرح الكبير فريق عمل الفيلم عقب العرض، وقالت المخرجة مي محمود إنها أرادت توثيق الحياة اليومية في غزة، وكان يشغلها كثيراً كيف يعيش أهل المدينة في ظل الحرب، حتى علمت بفرقة «سيرك غزة الحر» وما تقوم به، وبمشاركة مدير التصوير الفلسطيني أحمد الدنف بدأوا التصوير.

فريق عمل الفيلم برفقة مصممة الملابس ناهد نصر الله قبل عرضه الأول بالمهرجان (الشركة المنتجة)

وأضافت مي أن «هذا الفيلم تم بدعم من طاقمه الذين عملوا دون أجر، قبل أن تنضم لنا (ريد ستار)، حيث عرضت الفيلم عليهم، ولم أقل سوى جملة واحدة (الفيلم يصور فرقة سيرك غزة الحر التي تواصل عروضها في ظل الحرب)، فوافقوا فوراً».

وكشف المنتج صفي الدين محمود مدير تطوير المشروعات بشركة «ريد ستار» عن اتفاقهم منذ البداية على تخصيص أي إيراد سوف يحققه الفيلم لدعم «سيرك غزة الحر».

وحسب الناقد طارق الشناوي، فإن «الفيلم يمس الإحساس والوجدان» مثلما يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لقد انطلق من نقطة مهمة وهي أن أعضاء السيرك يحاربون عدوهم بالحياة بينما هو يحاربهم بالموت، هذا هو العمق الحقيقي للفيلم الذي عكس حالة بهجة على عكس أفلام أخرى عن القضية الفلسطينية سيطر فيها الجانب الدموي بحكم أنه الواقع وبحكم إظهار وحشية الجانب الإسرائيلي»، لكن «الأعمق - وفق الشناوي - أن تؤكد قدرتك على المقاومة، ليس من خلال السلاح، لكن أن تتنفس الحياة في عز الموت وتواجههم بالفرحة»، ويشير إلى أن «المخرجة قدمت السلاح الحقيقي، وهو أن الفلسطيني سيظل يعشق الحياة».

ويلفت الشناوي إلي أن «الفيلم الوثائقي يعتمد على تلقائية الأداء من أبطاله، ولا يعتمد على ممثلين محترفين ولا يستلزم توجيههم، بل الأصل أن يتركهم المخرج يؤدون بتلقائيتهم، وهذا ما حرصت عليه المخرجة مي محمود في الفيلم».


مارتا بيرغمان: «الركض الصامت» معالجة إنسانية لـ«الهجرة غير المشروعة»

يعرض الفيلم للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان القاهرة (الشركة المنتجة)
يعرض الفيلم للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان القاهرة (الشركة المنتجة)
TT

مارتا بيرغمان: «الركض الصامت» معالجة إنسانية لـ«الهجرة غير المشروعة»

يعرض الفيلم للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان القاهرة (الشركة المنتجة)
يعرض الفيلم للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان القاهرة (الشركة المنتجة)

قالت المخرجة البلجيكية، مارتا بيرغمان، إن فيلمها الجديد «الركض الصامت» انطلق من رغبة عميقة في إعادة توجيه البوصلة نحو الأصوات التي تعيش في الظل، والأقدار التي تمرّ أمام العالم بلا أثر، رغم ما تحمله من توتر إنساني لا يقلّ قوة عن الحكايات الكبرى.

موضحة أن التفكير في الفيلم بدأ من سؤال ظلّ يطاردها لسنوات وهو كيف يبدو الإنسان حين يجد نفسه بلا جذور، وبلا يقين، وبلا طريق واضح، ووجدت أن الإجابة لا تُصاغ بالحوار بقدر ما تكتبها ملامح الأشخاص، والإيقاع الداخلي للبشر الذين يعيشون حياتهم تحت وطأة الخوف.

وأضافت مارتا بيرغمان لـ«الشرق الأوسط» أن «الفيلم لا يتعامل مع الهجرة غير النظامية كعنوان سياسي أو ككتلة اجتماعية واحدة، بل كعالم مليء بالتفاصيل الفردية التي تختبئ خلفها معاناة وارتباك وأسئلة معلّقة، فالشخصيات ليست نماذج جاهزة، بل أرواحٌ تواجه مصائرها على حافة العالم، يقودها مزيج من الأمل والخوف، والإصرار على النجاة مهما كانت الطريق معتمة».

وتؤكد أن الرهان الأساسي كان تقديم الهجرة بوصفها حكاية بشرية قبل أن تكون قضية، حكاية عن الحب، وعن الأسرة، وعن التمسك بالحياة في مواجهة كل ما يهددها.

المخرجة البلجيكية (الشركة المنتجة)

وأشارت إلى أن اختيارها المزج بين العربية والفرنسية لا يعكس فقط انتماءات الشخصيات، بل يكشف كذلك طبقات المشاعر التي يحاول كل منهم إخفاءها. وتقول إن «اللغة هنا ليست وسيلة للتواصل فقط، بل مساحة يتحرك فيها الصراع الداخلي، حيث يمكن لجملة قصيرة أو صمت طويل أن يكشفا ما لا تستطيع الكاميرا وحدها كشفه».

وتدور أحداث الفيلم، الذي يُعرض عالمياً للمرة الأولى ضمن المسابقة الرسمية للدورة 46 من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، حول رحلة سارة وآدم اللذين عبرا الحدود إلى بلجيكا بطريقة غير قانونية برفقة طفلتهما الصغيرة البالغة عامين، في محاولة لاستكمال الطريق إلى إنجلترا حيث يأملان في بناء بداية جديدة. لكن الرحلة تبدأ بالانكسار حين يجد الثلاثة أنفسهم محشورين في صندوق شاحنة مع عدد من المهاجرين.

وفي مقابل هذا الخط الدرامي، يظهر ردووان، الشرطي البلجيكي الذي أمضى عشرين عاماً في مطاردة المهرّبين على الطرق السريعة، قبل أن يواجه في تلك الليلة واقعة تغيّر نظرته للعالم ولعمله ولذاته، حين يحاول فريقه اعتراض شاحنة يُشتبه في حملها مهاجرين.

وتؤكد المخرجة أن «هذا التوازي بين خط المهاجرين وخط الشرطي لم يكن لصناعة التناقض، بل للكشف عن هشاشة الإنسان في الجهتين، فالجميع في الفيلم يركض بعضهم هرباً، وبعضهم مطاردة، وبعضهم بحثاً عن معنى»، لافتة إلى أن التوتر الخفي بين الصمت والصراخ الداخلي هو جوهر الفيلم، وأن السؤال الحقيقي الذي يطرحه العمل ليس فقط كيف ينجو الإنسان؟ بل ماذا يبقى منه بعد النجاة؟

استغرق العمل على الفيلم وقتاً طويلاً (الشركة المنتجة)

وقالت المخرجة إن «العمل مع ممثلين من خلفيات ثقافية متعددة، يتحدثون بلغتين مختلفتين ويحملون تجارب شخصية مؤثرة، خلق طاقة خاصة داخل مواقع التصوير، خصوصاً أن أغلب المشاهد اعتمدت على الانفعالات الداخلية المكبوتة أكثر مما اعتمدت على الحوار».

وعدّت مارتا «هذا التنوع الثقافي واللغوي أعاد تشكيل الإيقاع العاطفي للفيلم، ومنح الشخصيات طبقات شعورية أكثر عمقاً، خصوصاً أن كثيراً من اللحظات القوية في الفيلم لم تُكتب مسبقاً، بل وُلدت من تفاعل الممثلين مع الموقف ومع بعضهم بعضاً».

وأضافت أن تجربتها الطويلة في السينما الوثائقية كانت محورية في بناء هذا العمل الروائي؛ لأنها علمتها الاقتراب من الشخصيات الهشّة بعين متفحصة وقلب منصت. وتقول إن «سنوات عملها السابقة على أفلام تتناول المجتمعات المهمّشة، ساعدتها على تطوير حساسية خاصة تجاه القصص التي تُروى عبر الصمت، وتجاه الوجوه التي تحتاج الكاميرا إلى وقت طويل لتفك شيفرة عواطفها»، مؤكدة أن «الركض الصامت» وإن كان فيلماً روائياً، فإنه يستعير من الوثائقي صدقه وخشونته وحدّته.

وقالت إن «الاهتمام الدولي الذي حظي به الفيلم قبل عرضه العالمي الأول يشير إلى أن القصص التي تمسّ جوهر الإنسان، خصوصاً في لحظات ضعفه، باتت أكثر قدرة على عبور الحدود»، مشيرة إلى أن الفيلم، رغم ارتباطه بجغرافيا محددة، يقدم حكاية ذات امتداد إنساني واسع؛ لأن جوهره لا يتعلق فقط بالهجرة، بل بالبحث عن معنى داخل عالم يزداد قسوة، وبالسعي للاحتفاظ بما تبقى من الذات في لحظات الانكسار.

وترى بيرغمان أن «التوتر النفسي الذي يعيشه كل من أبطاله، سواء كانوا مهاجرين أو رجال شرطة، يعكس صورة أكثر تعقيداً للواقع، ويكشف أن الجميع محاصرون بشكل أو بآخر داخل حدود لا يختارونها»، مؤكدة أن العمل بالنسبة لها ليس فيلماً عن الهجرة بقدر ما هو «عن الركض الداخلي الذي يعيشه الإنسان حين يجد نفسه واقفاً بين ماضٍ لا يستطيع الرجوع إليه، ومستقبل لا يعرف الطريق إليه»، على حد تعبيرها.


خيوط تحكي... النسيج كجسر بين التراث والفن الحديث

تحضير عمل «عمتي والكرورو» للفنانة زينب أبو حسين (إنستغرام)
تحضير عمل «عمتي والكرورو» للفنانة زينب أبو حسين (إنستغرام)
TT

خيوط تحكي... النسيج كجسر بين التراث والفن الحديث

تحضير عمل «عمتي والكرورو» للفنانة زينب أبو حسين (إنستغرام)
تحضير عمل «عمتي والكرورو» للفنانة زينب أبو حسين (إنستغرام)

كل منسوجة يدوية تحمل حكاية، تحمل أصواتاً وروائح موروثة، كل منها تحمل بصمة خاصة، وأيضاً لمسة عن تاريخ وثقافة مجتمع.

مثلت المنسوجات جانباً مهماً في أعمال الفنانتين السعوديتين الدكتورة أسماء الجهني وزينب أبو حسين، ومعهما يجري حوارنا عن النسيج كوسيط رئيس في الأعمال الفنية. دار الحديث حول الذاكرة والحكايات، وعن دور البيئة في تكوين رؤيتهما الفنية، وسألنا: كيف يصبح التقليدي معاصراً؟

عن الذاكرة والإلهام

نشأت الفنانة زينب أبو حسين في جزيرة تاروت شرق السعودية، حيث تتعانق البساتين مع أمواج البحر، في بيئة ريفية بسيطة، اعتادت نساؤها صنع كل شيء بأيديهن. تستحضر زينب ذكريات جدتها التي كانت تجدل السلال، ووالدتها التي وصفتها بالخياطة الماهرة، وتقول: «عندما تكبرين في بيئة تعتمد على الصناعة اليدوية، يصبح العمل اليدوي قريباً من روحك».

الفنانة زينب أبو حسين (الفنانة)

كانت الفنانة الدكتورة أسماء الجهني في طفولتها منشغلة بمراقبة حركة الإبرة وأشكال التطريز؛ إذ تتميز نساء المدينة المنورة بحرفة التطريز والكروشيه. وأيضاً امتهن بعض أفراد عائلتها حرفة السدو، مما دعاها هي أيضاً لتجربة هذه الحرف منذ الطفولة. لكن، لماذا قررت أن تجعل النسيج جزءاً من ممارستها الفنية؟

تقول الجهني: «تبحرت في عالم النسيج أثناء دراستي لمرحلة الماجستير في الولايات المتحدة، وتعلمت تقنيات تقليدية وحديثة. وعند اطلاعي على تاريخ النسيج ودوره الجوهري في مجالات مثل الطب والهندسة، استشعرت أهميته، ولمست أيضاً مرونته وقدرته على خدمة أي فكرة، وخاصة في المجال الفني». وكذلك كان لبيئة المدينة المنورة أثر على رؤية أسماء الفنية؛ فهذه المدينة المقدسة تتمتع بمكانة خاصة جعلتها حاضنة للأعراق والحكايات المتعددة. تضيف قائلة: «تنوع المجتمع المديني علمني قيمة الانتماء المتعدد وتقدير الاختلاف». طوّعت أسماء هذا الأثر في النسيج ليصبح مساحتها الخاصة التي تتعانق فيها جميع الحوارات والأفكار والحكايات.

الفنانة والباحثة د. أسماء الجهني (الفنانة)

أما زينب أبو حسين فأرادت الاستعانة بكل ما ارتبطت به في طفولتها كأداة تعبير في أعمالها الفنية، فهي تستعين بالنسيج والتطريز، مستلهمة الزخارف من نباتات جزيرة تاروت، أو مما تتذكره من زخارف على ملابس جدتها ووالدتها. وهي أيضاً تستخلص الأصباغ من المواد الطبيعية. تقول: «هذه المواد والروائح هي بمثابة آلة زمن، تعيدني لذلك الزمن الحنون». حتى حكايات أعمالها الفنية تستقيها من نساء الجزيرة المنسيات، وتتخذهن رمزاً لكل النساء، وتضيف: «أعمالي حميمية جداً، أصنعها بيدي وأنا بين عائلتي».

«أصوات منسوجة»

عبّرت الفنانة أسماء الجهني في عملها «أصوات منسوجة» عن مفهوم «المجلس» في الثقافة السعودية؛ كونه الحيز الذي يستحوذ على أهم مساحة وأكبر عناية في المنزل كمصدر للتباهي. ومن ناحية أخرى يعكس العمل كيف أصبحت هذه المجالس مساحات شبه مهجورة في البيوت، نتيجة المتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي. يتكون «أصوات منسوجة» من ست قطع كل منها يمثل نوعاً من المجالس، مثل مجلس النساء ومجلس العائلة ومجلس الرجال ومجلس البادية، بالإضافة إلى منسوجتين تفاعليتين. كل مجلس أو منسوجة تتضمن أصواتاً خاصة، سُجلت من مجالس حقيقية. أما المنسوجتان الإضافيتان فتتفاعلان مع أصوات الزائرين مظهرتين إضاءات متنوعة بحسب تردد الصوت، في رمزية للمساحات الصامتة التي تُخلق فيها الحياة من جديد بوجود الزوار وتفاعل الأفراد فيما بينهم. وعن الأسئلة التي يطرحها العمل تجيب: «تساءلت عن الذاكرة التي نحتفظ بها من حوارات المجالس، وشعور الانتماء الذي يتشكل داخلنا ضمن هذه المساحات. ومن خلال البحث الذي أجريته عن الأصوات والمجالس توصلت إلى أن الذاكرة متغيرة وفقاً لتغيراتنا نحن؛ بمعنى أن أصوات المجالس ليست وثيقة ثابتة، ولكن فكرة تختلف من شخص لآخر وقابلة للتطور مع الوقت».

تفصيلة من عمل «المجلس» للفنانة أسماء الجهني (الفنانة)

«عمتي والكرورو»

ومن ناحيتها، تحكي لنا الفنانة زينب أبو حسين عن فكرة عملها «عمتي والكرورو ». الكرورو هو نوع من البهار خاص بجزيرة تاروت مصنوع من ثمر الرمان المجفف، ويستخدم فقط لطهو المأكولات البحرية. تقول الفنانة: «أشعر أن هذا البهار هو نقطة التقاء بين البستان والبحر وبين الفلاحين والصيادين؛ لذا أردت توثيقه، وأردت التعبير عن شوقي لمشهد عمتي وهي تصنعه بنفسها».

يتكون العمل من سجادة من قماش الكتان المصبوغ بالحنة والمطبوع بتقنية الطباعة الحريرية بأصباغ مستخلصة طبيعياً من ورد الرمان وقشوره والزعفران والنيلة، ومطرز بزخارف مستلهمة من النخيل والبساتين. وبسؤالنا عن العبارات التي ترافق أغلب أعمالها، توضح لنا أن النصوص تأتي لتكمل باقي أحداث قصتها، وهذه العبارات إما نثرية أو شعرية، وإما تكون من كتاباتها الشخصية أو من أبيات زوجها الشاعر.

«عمتي والكرورو»... مشروع إقامة «مسك الفنية» للفنانة زينب أبو حسين (الفنانة)

بين التقليدي والمعاصر

تمزج أسماء الجهني في ممارستها الفنية بين التقليدي ممثلاً في حرفة النسيج، وبين التكنولوجيا الحديثة؛ إذ ترى أن توظيف التقنيات المعاصرة يسهم في إيصال الفكرة، ويفتح آفاقاً أوسع للإبداع. وفي المقابل، ترى أن الاستعانة بعناصر تعكس الهوية الثقافية تسهم في تعزيز أصالة العمل الفني ليغدو نتاجاً صادقاً يجمع بين عراقة الماضي وروح الحداثة. أما عن استخدام النسيج ليصبح وسيطاً تفاعلياً فتوضح: «حينها يكون المتلقي جزءاً من المعنى والفكرة، وأرى أن هذا التوجه يشكل جانباً مهماً في الفن المعاصر؛ إذ لا يكتفي العمل الفني بتعزيز المشهد البصري فقط، وإنما يمتد ليوقظ الحواس الأخرى كالسمع واللمس».

«أصوات منسوجة» للفنانة أسماء الجهني (الفنانة)

وعلى الجانب الآخر، تتمسك زينب أبو حسين بالتقنيات التقليدية في التعامل مع النسيج واستخلاص الأصباغ، وهي أيضاً تستعين بأسلوب المنمنمات في زخرفة أعمالها، وتهتم بشكل خاص بمنمنمات العصر الإسلامي الذهبي، وهذا ما يثير تساؤلاً حول مقدرة الوسيط التقليدي على حمل خطاب معاصر وعالمي.

ترى أن ألوانها المستخلصة طبيعياً تحمل خصوصية؛ فالألوان تتأثر درجاتها بتوفر المواد واختلاف المواسم، وكذلك التطريز الذي يختلف أسلوبه من منطقة لأخرى، ومن فنان لآخر. هذه التفاصيل الخاصة بأعمالها تضفي عنصر إبهار، وهي أيضاً قادرة على إثارة فضول المتلقي المعاصر من وجهة نظرها، وتضيف: «الفنان الذي يعبر بصدق عن مشاعره ستصل أعماله إلى قلوب الجميع من دون حواجز حتى وإن اختلفت اللغات. وهذا ما يدفعني باستمرار للبحث والاستكشاف ومشاركة الحكايات المحلية التي تنجح دائماً في ملامسة وجدان الناس في كل مكان».