فقد المشهد التشكيلي المغربي، في صباح صيفي ثقيل، اليوم الثلاثاء، إحدى أيقوناته اللامعة برحيل الفنانة التشكيلية والنحاتة نجوى الهيتمي، عن عمر ناهز 46 عاماً بعد صراع مع المرض، ومسيرة إبداعية حفلت بالألوان، الضوء، والرموز التي لامست وجدان عشاق الفن داخل المغرب وخارجه.

عوالم خاصة ورحلات في الذات
لم تكن ابنة مدينة البوغاز طنجة شمال المغرب، ترسم لتوثّق مشهداً عابراً، بل لتفتح أبواباً على عوالم خاصة، تنهل من التجريد وتغتني بالرمزية. في كل لوحة، كانت تمنح المشاهد فسحة للتأمل، وفي كل منحوتة، كانت تزرع أثراً من روحها. أعمالها كانت أقرب إلى رحلات داخل الذات، تنسج عبرها رؤيتها للحياة، رؤية متأنية تلتقط التفاصيل الصغيرة، وتحوّلها إلى رموز تحمل أكثر من قراءة.

سيرة حافلة بالمعارض والجوائز
كانت ألوان الراحلة نجوى تعرف طريقها إلى القلب قبل العين، ومنحوتاتها تنطق بلغة لا تُترجم إلا بالحدس. كانت ترى في الدائرة أكثر من شكل هندسي، بل كوناً صغيراً يحتضن احتمالات لا نهائية، وتحولها في أعمالها إلى رمز يختصر فلسفتها البصرية.

منذ خطواتها الأولى في دروب الفن، استطاعت الهيتمي أن تحجز لنفسها مكانة بارزة في المعارض الوطنية والدولية، فقد عُرضت أعمالها في كبريات الرواقات الفنية من طنجة إلى الدار البيضاء، ومن باريس إلى روما، حيث لفتت الأنظار بأسلوب بصري يمزج التجريد بالرمزية، والحداثة بالعمق التراثي.
بين التجريد والرمز... كانت الحكاية
عُرفت نجوى الهيتمي باستخدامها لغة تشكيلية خاصة، تتجلى في دوائر وأشكال هندسية تحتضن الضوء وتفتح مساحات للتأويل. كانت لوحاتها ومنحوتاتها بمثابة رسائل بصرية تدعو المتلقي إلى إعادة اكتشاف العالم من حوله بروح أكثر صفاء. كانت تمنح عشاق الفن التشكيلي مفتاحاً صغيراً، وتترك لهم متعة فتح الأبواب الموصدة في عوالمها البصرية.

صدمة في الأوساط الفنية
خبر رحيلها وقع كالصاعقة على عائلتها وزملائها ومحبيها، الذين نعوا فنانة لم تكن مجرد مبدعة، بل إنسانة تحمل بين ضربات فرشاتها رسائل حب وسلام.
في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال شقيقها مهدي الهيتمي بصوت يختلط فيه الحزن بالفخر:
«نجوى لم تكن أختي فقط، كانت صديقتي وملهمتي. كانت ترى العالم بطريقة مختلفة، تجعلنا نحن من حولها نعيد النظر في أبسط الأشياء. رحلت جسداً، لكن روحها ستظل حاضرة في كل لوحة، وكل ضوء، وكل لحظة أمل».
وأضاف في تصريحه: «وداعاً أيتها الفنانة... رحلتِ بالجسد، وبقي اللون».
إرث باقٍ في الذاكرة
برحيلها، خسر الفن التشكيلي المغربي إحدى ريشاته النادرة، لكن إرثها باقٍ في كل لوحة ومنحوتة، وفي كل عين توقفت يوماً أمام أعمالها لتكتشف فيها شيئاً من ذاتها.

وستبقى أعمالها شاهدة على موهبة استثنائية طبعت الساحة التشكيلية المغربية بفرادة لا تتكرر، لتظل نجوى الهيتمي اسماً يلمع كلما ذُكرت الريشة التي تحترف رسم الضوء.


