على ارتفاع 3 طبقات فوق المعروضات الموجودة في «متحف فيلد» بمدينة شيكاغو في ولاية إلينوي الأميركية، ثمة صفوف طويلة من السناجب المحنطة، موضوعة ضمن محفوظات الثدييات. وتشير خبيرة الثدييات ستيفاني سميث، إلى اثنين من أقدم المخلوقات في المكان، حيث تلتقط سنجابين وتضعهما في راحة يدها.
وتنقل عنها «وكالة الأنباء الألمانية» وهي تشير إلى السنجابين: «يعود أقدم اثنين لدينا إلى عام 1891، وقد جُمعا في حديقة جاكسون قبل أكثر من 100 عام. ويمكن للمرء أن يرى كم يبدوان جميلين، وهذا هو سرّ جمال هذه المجموعة. إننا نحافظ على هذه المادة لتبقى للأجيال».
وفي كثير من النواحي، تحاكي هذه السناجب المحفوظة بصورة جيدة، تلك التي قد يراها سكان شيكاغو اليوم وهي تركض مُسرعة بين الأزقّة أو تقفز في الحدائق، بخطوطها البيضاء المميّزة وذيولها الكثيفة، وفق ما أوردته صحيفة «شيكاغو تريبيون» الأميركية في أحد تقاريرها. لكنّ دراسة جديدة أعدّها الباحثون في «متحف فيلد»، تحدَّثت عن تطوُّر قوارض شيكاغو في العصر الحديث لتبدو مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل قرن واحد فقط؛ إذ يرجع ذلك على الأرجح إلى التطوّر البشري.
وقد قاست سميث، مع مساعد أمين قسم الثدييات، أندرسون فيجو، واثنين من المتدربين في «متحف فيلد»، جماجم نحو 400 عيّنة من القوارض التي جُمعت في تسعينات القرن الـ19 وحتى يومنا هذا، لمعرفة مدى تغيُّر بنية جماجمها مع الوقت. وركزت الدراسة التي نُشرت في 26 من يونيو (حزيران) الماضي، على السناجب والفئران، بهدف مقارنة تطوّر الأنواع التي تعيش فوق الأرض وتحتها.
وتُشير الصحيفة الأميركية إلى أنّ الباحثين وجدوا أنه بمرور الوقت، ازداد حجم السناجب في شيكاغو بشكل عام، وإنما صفّ أسنانها على طول جانب فكها، صار أصغر.
ويوضح فيجو: «ربما يكون ذلك مرتبطاً بنوعية الطعام الذي تأكله. فالسناجب تكون أكثر تفاعلاً مع البشر، ويمكنها الحصول على أنواع مختلفة من الطعام الذي نتناوله. لذلك نفترض أنها تأكل مزيداً من الطعام اللّيّن، وهو الأمر الذي ينعكس على صفوف أسنانها؛ لأنها تتطلَّب قوة عضّ أقل».
أما في عيّنات الفئران، فقد وجدوا أنّ حجم الحيوانات ظلَّ كما هو إلى حد كبير، وإنما النتوءات في جمجمتها التي تحتوي بداخلها على الأذن الداخلية للفئران، قد تقلَّصت في الحجم. وتقول سميث إنه في ظلّ نمو شيكاغو على مدار مائة العام الماضية، من الممكن أن تكون الفئران قد تكيَّفت مع البيئة من خلال وجود آذان أصغر حجماً لديها، بغرض حمايتها من ضجيج شوارع المدينة.
وقالت خبيرة الثدييات: «هذان الحيوانان من الثدييات الصغيرة، لذلك فإن الأفراد قد يتخيّلونهما في الفئة عينها التي في مخيّلتهم، أليس كذلك؟»، مضيفة: «لكنهما يستجيبان لهذا التغيير البشري للبيئة المحيطة بطرق مختلفة. لذلك فإنّ الحفاظ على الأعداد الطبيعية للحيوانات لا يُعدُّ أمراً واحداً يصلح للجميع. فمع تغيُّر المدينة، وبينما نحاول تسهيل إطالة عمر المناطق الخضراء التي تعيش فيها هذه الحيوانات، فإننا قد نحتاج إلى التفكير في حلول مختلفة لتناسب أنواع الحيوانات».
وتوضح «شيكاغو تريبيون» أنه خلال القرن الـ20، كانت شيكاغو واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم؛ إذ زاد عدد سكانها من 516 ألف فرد في التعداد السكاني الصادر عام 1910، إلى 3.5 مليون بحلول تعداد عام 1950.
وفي ظلّ هذا النمو السكاني السريع، جاء التوسُّع الحضري السريع، إلى جانب زيادة كثافة المباني والطرق السريعة ووسائل النقل. وبينما لم يُستخدَم سوى 6 في المائة من أراضي منطقة شيكاغو للتطوير الحضري عام 1900، ارتفعت النسبة إلى 34 في المائة بحلول عام 1992، وفق ما ورد في البيانات التي جمعتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ووزارة الموارد الطبيعية في إلينوي.
وبسبب قلّة المساحات الطبيعية في المنطقة، اضطرَّت القوارض المحلّية، مثل السناجب والفئران، إلى التكيُّف مع البيئات الحضرية والوصول إلى مصادر جديدة للغذاء والمأوى. وقد استخدم فريق «متحف فيلد» صور الأقمار الاصطناعية العائد تاريخها إلى عام 1940، لتحديد مساحة موئل كلّ قارض التي استُخدِمت من أجل بناء المباني الحضرية في الوقت الذي عاشت فيه.






