المملكة في قلب التصميم العالمي: فن معماري سعودي يطرح الأسئلة ويعيد تشكيل الحلم

د. سمية السليمان لـ«الشرق الأوسط»: لا ينقصنا الإبداع وفخورون جداً بالمواهب والعقول الشابة

جناح السعودية في «إكسبو أوساكا» باليابان يحاكي المدن والقرى في المملكة (واس)
جناح السعودية في «إكسبو أوساكا» باليابان يحاكي المدن والقرى في المملكة (واس)
TT

المملكة في قلب التصميم العالمي: فن معماري سعودي يطرح الأسئلة ويعيد تشكيل الحلم

جناح السعودية في «إكسبو أوساكا» باليابان يحاكي المدن والقرى في المملكة (واس)
جناح السعودية في «إكسبو أوساكا» باليابان يحاكي المدن والقرى في المملكة (واس)

بالنسبة إلى هيئة فنون العمارة والتصميم السعودية جاء عام 2025 حافلاً بالنشاط والفعاليات والمشاركات الدولية وأيضاً بالجوائز. كانت المشاركات متعددة والإبداع واضحاً من خلال جناح المملكة في بينالي فينيسيا والجناح الوطني في ترينالي ميلانو وجناح المملكة في «إكسبو أوساكا» الفائز بالجائزة الذهبية ضمن «جوائز نيويورك للتصميم المعماري»، ومؤخراً جناح المملكة في بينالي لندن للتصميم.

ما ميَّز كل المشاركات كان التنوع والعمق والمعالجة المبتكرة لقضايا مهمة تتعلق بعالم العمارة والتصميم؛ فعلى سبيل المثال تناول جناح بينالي فينيسيا التوسع العمراني مع تحدي الحفاظ على المباني التقليدية.

في ترينالي ميلانو، قررت هيئة فنون العمارة والتصميم أن تكون واحة الأحساء نقطة انطلاق لخطاب بيئي يتجاوز الحدود. عالج الجناح تحولات المكان من خلال تركيبة بصرية ونسيجية متقنة.

«مياه صالحة»... الجناح السعودي في بينالي لندن للتصميم (هيئة العمارة والتصميم)

أما بينالي لندن فكان الموضوع يتمحور حول قضية المياه وإعادة تخيل نظم الحصول عليها وتوزيعها في المملكة. في كل مشاركة كانت المهمة تقع على عاتق مصممين ومهندسين واعدين ترجموا موضوعاتهم وأفكارهم في تصميمات مبدعة واثقة أثارت النقاشات مع الزوار، وطرحت حلولاً وتصورات جديدة لشكل مجتمعات عربية تحلم بالمستقبل.

كونها الجهة المكلفة للأجنحة المختلفة كان من المهم استكشاف دور هيئة العمارة والتصميم في تسليط الضوء على المملكة ومبدعيها، وعلى إبراز القضايا الحيوية للبلاد لجمهور عالمي. ومن هنا كان من المهم الحديث مع الدكتورة سمية السليمان، الرئيسة التنفيذية لهيئة التصميم والعمارة، وجرى الحوار داخل الجناح السعودي في بينالي فينيسيا الذي حمل عنوان «مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط».

من المحلية إلى العالمية

حديثي مع الدكتورة سمية السليمان كان عن تأثير المشاركات العالمية المختلفة في الداخل والخارج أيضاً، إذ ترى في كل مشاركة زيادة في النضج وتراكم للخبرة. تتحدث عن المشاركة في بينالي فينيسيا، وتؤكد أن الجناح الذي يستكشف أساليب العمارة المحلية والتحولات التي تشهدها العمارة النجدية سبقه خمس سنوات من البحث والإعداد من المعماريتين سارة العيسى ونجود السديري. تصف فكرة الجناح بالمميزة، وهو ما دفع الهيئة إلى مساندة وتشجيع العيسى والسديري ومنحهما فرصة تمثيل المملكة في أهم محفل عالمي للعمارة.

صورة من الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الأوسط)

عرض الجناح مبادرة «مختبر أم سليم» البحثية التي أنشأها «مكتب سين»، بإدارة سارة العيسى ونجود السديري، متخذاً من حي أم سليم في وسط الرياض مقراً له، ويقوم بالعمل مع متعاونين لإجراء البحوث الميدانية التي تُعْنَى بدراسة أساليب العمارة المحلية والتحولات التي تشهدها العمارة النجدية. تشير إلى جانب من العرض، حيث نرى توثيقاً لمحاولة قامت بها المعماريتان لترميم منزل من الطين في الرياض، وترى في عرض مراحل البحث وأرشفة العقبات التي واجهتهم، أمراً «لافتاً»: «عندما وصلوا لخط النهاية، ولم يستطيعوا الاستمرار جعلوا من تلك القائمة عرضاً فنياً، وعلقوها على مبنى قديم، لرفع مستوى الوعي، وهذا في حد ذاته كان من الأمور الملهمة للفريق».

عرض الجناح أيضاً المشروع الثاني الذي قام به «مكتب سين»، وهو عن مركز «شمالات» في الدرعية الذي رشح في القائمة القصيرة لجائزة «الآغا خان للعمارة»: «هذا المبنى (الدرعية) مبنيّ بالطين، قاموا بترميم الجزء التقليدي كلّياً، واستكملوا ببناء جانب حديث، اليوم هناك مقهى ومكتبة وغاليري، وفيه توسعة معاصرة».

معمار الرياض

مركز «شمالات» كان النقطة التي تحوَّل فيها حديثي مع الدكتورة السليمان إلى معمار مدينة الرياض. تشير مرة أخرى إلى عرض «مدرسة أم سليم»، وتقول إنَّهم مكتب «سين» قاموا بعملية مسح لأحياء الرياض، ومن خلالها تبين أن هناك عدداً من المباني الطينية وسط التوسع العمراني الحديث، وهو ما حاول الجناح تناوله، وأثار قضية الاستفادة من المباني القديمة المشيدة بالطراز التقليدي وتوظيفها، وهل من المفروض أن تكون متحفية أو أن يتم الاستفادة منها لتصبح جزءاً من حياة الناس؟

تقول: «هناك كثير من هذه المباني التي لم يتم ترميمها أصلاً، وهي غير قابلة للسكن، لكن هناك كثير من الجهود من جهات مختلفة منها هيئة التراث تشمل الترميم وأيضاً البرمجة. النتيجة أن بعضها تحول إلى متاحف أو مراكز، وبذلك أصبحت أصولاً ثقافية يمكن أن يستفاد منها». تشير أيضاً إلى أهمية وجود عملية توعية عامة ليتمكن أصحاب المباني القديمة من الاستفادة منها جيداً.

جناح السعودية في «إكسبو أوساكا» باليابان يحاكي المدن والقرى في المملكة (واس)

على مستوى الدولة تشير إلى الخطط التي تنفّذها هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة والهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض المسؤولة عن استراتيجية العاصمة على نطاق واسع، وتستطرد أن «التعامل مع العمران التقليدي يختلف حسب الجهة المسؤولة، ولكن كلنا متفقون على أهمية المحافظة عليه قدر الإمكان، وليس فقط كأثر قديم متحفيّ. الاهتمام يمتد إلى التقنيات المرتبطة، وبأداء المباني من الناحية البيئية؛ مثل التبريد، لضمان عدم فقدان هذه المباني، ولا أيضاً أن يتم المحافظة عليها كإرث شكليّ فقط».

على أرض الواقع تشير إلى أن الدولة «تهتم كثيراً بالأماكن التي ما زال فيها الإحساس العمراني»، وتضرب المثل بمركز الملك عبد العزيز التاريخي: «المركز يضم مجموعة من قصور الملك عبد العزيز وزوجاته التي رُمِّمت، وبجوار منطقة القصر الأحمر حوّلت المباني لتحتضن المعهد الملكي للفنون التقليدية. هناك تفعيل لهذه الأماكن بحيث تصبح جزءاً من ذاكرة الإنسان، وأيضاً من الحياة اليومية. ولا ننسى المشاريع التي تقام في الدرعية، وهي مدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي».

ميثاق الملك سلمان المعماري

عند الحديث عن معادلة القديم والجديد تشير إلى ميثاق الملك سلمان المعماري الذي يعتمد على خلق منهجية وطنية لتحقيق التميز العمراني وتحسين جودة الحياة من خلال خلق بيئات عمرانية تستند إلى الموروث الثقافي والبيئي، وتحاكي التطورات المستقبلية، تصف الميثاق بأنه «المعادلة التي تضمن الوصول إلى تميز عمراني مع الحفاظ على الهوية: «يعتمد الميثاق على 6 قيم مرتبط بعضها ببعض؛ منها الأصالة والاستمرارية. من ناحية العمران لا بد أن نفهم أي نتاج عمراني هو جزء من سياق تاريخي مستمر. هناك أيضاً جوانب متعلقة بالإنسان والمجتمعات تعتمد على رفع جودة الحياة، أما القيمة الأخيرة فهي الاستدامة والابتكار. تتوقف فكرة كثير من الناس عن العمارة التقليدية عند الترميم والمحافظة عليها مثل التحنيط، لكن ما يهمنا هو إمكانية الابتكار، لأنه حتى أجدادنا في السابق كانت لديهم رغبة في التحسين كلما سنحت الفرصة. وترى أن الميثاق خلق لغة مشتركة بين المعماريين ومتخذي القرار.

د. سمية السليمان خلال الكشف عن تفاصيل مبادرة «ميثاق الملك سلمان العمراني» (واس)

تُحول السليمان الدفة لأفق أوسع، وتتحدث عن الجهد على مستوى المملكة ومبادرة «العمارة السعودية» التي تهدف إلى توثيقٍ مكانيٍّ للعِمَارَة الأصيلة والمتنوعة في مختلف مناطق المملكة، وإبراز التنوع الذي يميز كل منطقة بناءً على خصائصها الجغرافية. وعن الدراسات التي صدرت حتى الآن؛ نتاجاً للمبادرة وإمكانية تطبيقها تقول: «هناك جهود قائمة للوصول إلى طرق لتطبيق هذه الدراسات سواء كانت على المشاريع الحكومية التجارية أو حتى السكنية مستقبلاً».

العمارة التقليدية والتقنيات الحديثة

الحديث عن العمارة التقليدية وأساليبها يأخذنا إلى السؤال عن إمكانية استخدام المواد والطرق التي اعتمدت عليها عملية البناء في السابق، ما مدى إمكانية تطويرها بطريقة تناسب الوقت الحالي؟

«هناك أبحاث كثيرة في هذا الصدد، ولكن لنأخذ مثالاً من منطقة الدرعية التي تخوض عملية تطوير ضخمة. جانب كبير من العمل هناك يتضمن إنتاج الطين بطريقة تقليدية مدعمة بالتقنية، وأيضاً بتوجيه الاهتمام إلى الاستدامة والتعامل مع الوضع البيئي الراهن». تشرح أكثر: «اليوم البيئة المبنية مسؤولة عن 40 في المائة من انبعاثات الكربون، فنحن هنا نتكلم عن مسؤولية ضخمة تقع على عاتق الهيئة، وكذلك على عاتق كل الممارسين في القطاع لأن كل قرار يُتخذ في مرحلة التصميم مهم، وله تبعات طويلة المدى. فاليوم نتكلم عن هذه الأبحاث التي تتناول استخدام الطين المدكوك، مثلاً كيف يمكن استخدام هذه المواد الطبيعية بالشكل المناسب؟ لأن التبعات هي التي تهمنا».

نظرة إلى المستقبل

حديثها عن المعماريين السعوديين يدفعني إلى السؤال عن رؤيتها لوعيهم بالتحديات الحديثة أمامهم، تقول: «أكبر حافز لنا اليوم هو العمل لتحقيق (رؤية المملكة 2030)، والعمل بطريقة ممنهجة وباتجاه واحد. نرى اليوم كمَّ المشاريع الضخمة في المملكة، وأيضاً الاهتمام بالاستدامة والبيئة، كل ذلك أسهم في تكوين جيل كامل يدرك أهمية هذه الأمور. بالنسبة إلينا في الهيئة دورنا أن نوفر الأدوات المختلفة قدر الإمكان سواء من خلال الجوانب التعليمية مثلاً في الجامعات المختلفة أو حتى من ناحية إثراء المعرفة من خلال البرامج المختلفة».

وتختتم حوارها معي بنبرة متفائلة بالمستقبل: «أعتقد أنه اليوم في السعودية لا ينقصنا الإبداع، ولكن ما زالت أمامنا فرصة لتحسين بعض الجوانب من ناحية الربط بين الدراسة الأكاديمية والممارسة، وحتى على مستوى الممارسة دورنا يتضمن كيفية دعم المكاتب الصغيرة والمتوسطة لتصل إلى مراحل نضج تمكِّنها من المنافسة على أعلى المستويات».

«مغرس» جناح السعودية في ترينالي ميلانو للتصميم (واس)

وتضرب المثل بما رأيناه في بينالي فينيسيا: «نحن فخورون جداً بالمواهب والعقول الشابة، ومثال ذلك ما نراه في البينالي من إنجاز لمكتب معماري أنشأته شابتان وصلتا إلى العالمية بهذا المستوى، وحصدتا جوائز. هذا مثال واحد فقط على كثير من المواهب الموجودة داخل المملكة».


مقالات ذات صلة

جائزة عالمية للمكتب المعماري خلف تصميم حديقة الملك سلمان بالرياض

يوميات الشرق تصور رقمي لأحد وديان الحديقة (مكتب جربر للعمارة)

جائزة عالمية للمكتب المعماري خلف تصميم حديقة الملك سلمان بالرياض

حصد مكتب جربر للعمارة جائزة المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين/ الشرق الأوسط لعام 2025، وذلك في فئة المشاريع المستقبلية عن تصميم حديقة الملك سلمان…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تصميم الهرم الزجاجي لمتحف اللوفر (متاحف قطر)

دعوة للدخول في عالم المعماري العالمي آي إم باي مصمم هرم اللوفر ومتحف الفن الإسلامي

«العمارة تشكل الحياة، وهي لها كالمرآة» جملة متداولة للمصمم المعماري الشهير آي إم باي.

عبير مشخص (الدوحة)
يوميات الشرق المسجد الكبير في بخارى وحوار مع تصميم المصلى القادم من السعودية  (سارة سعد-مؤسسة بينالي الدرعية)

«المصلى» وجامع بخارى الكبير... لقاء التصميم المعماري والروحانية

في الدورة الافتتاحية لبينالي بخارى للفن، تحضر المملكة العربية السعودية عبر فنانيها وثقافتها، وأيضاً عبر التصميم الفائز بجائزة «المصلى»

عبير مشخص (بخارى-أوزبكستان)
تكنولوجيا تطبيق «أدوبي فايرفلاي» يتيح تحويل الأوامر النصية صوراً وتصاميم مذهلة باستخدام الذكاء الاصطناعي الآن على iOS و«أندرويد» مجاناً

«أدوبي» تطلق تطبيق «فايرفلاي» على جميع الهواتف الذكية

يتيح النظام إنشاء صور وتأثيرات وتصميمات متكاملة بالاعتماد فقط على الأوامر النصية.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
يوميات الشرق «مغرس» جناح السعودية في ترينالي ميلانو (فالنتينا سوماريفا)

«مغرس»... من الأحساء إلى إيطاليا

تشارك السعودية للمرة الأولى في ترينالي ميلانو الدولي للعمارة والتصميم بجناح عنوانه «مغرس» يناقش التغيرات البيئية وتأثيرها على منطقة الأحساء المصنفة على قائمة

عبير مشخص ( ميلانو)

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
TT

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)

وسط أجواء من الفرح والأنشطة المتنوعة، عادت المدن حول العالم لتزيين شوارعها واستقبال موسم الميلاد بألوان زاهية، من بيت لحم وغزة إلى الأقصر في مصر وسيدني في أستراليا، معبرة عن الأمل وتجدد الحياة رغم التحديات.

قداس عيد الميلاد في كنيسة المهد ببيت لحم مع مسيرة كشافة فلسطينية (أ.ف.ب)

شهدت بيت لحم والأراضي الفلسطينية احتفالات ميلادية بعد عامين خيّم عليهما النزاع في غزة، حيث عادت الحياة تدريجياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار. شارك المئات في ساحة المهد وشارع النجمة في قداس ومسيرة للكشافة، وسط أصوات الطبول وألحان الترنيم الميلادي.

رئيس الوزراء الأسترالي ألبانيزي يقدم الطعام في غداء عيد الميلاد بسيدني (إ.ب.أ)

وقالت كاتياب عمايا، إحدى المشاركات في الكشافة، إن عودة الاحتفالات تمثل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة، وتمنح سكان غزة الأمل في مستقبل أفضل. وأكد السكان أن الاحتفالات تعكس رغبتهم في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح، بعد فترة من عزوف الزوار وارتفاع معدلات البطالة.

في غزة، أحيا المسيحيون قداس الميلاد في الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة بعد وقف إطلاق النار، معبرين عن رغبتهم في عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.

شجرة عيد الميلاد المضيئة في إحدى حدائق بكين (أ.ف.ب)

احتفلت الأقصر التاريخية في صعيد مصر بعيد الميلاد بعروض فلكلورية وألعاب التحطيب، على أنغام الربابة والمزمار، مستعرضة إرث المصريين القدماء في الاحتفال بالأعياد والمواسم. واستمرت الاحتفالات طوال فترة الميلاد ضمن فعاليات الدورة الـ15 للمهرجان القومي للتحطيب، ما أضفى بهجة وفرحاً على السكان والزوار.

أعضاء جوقة أغابي يقدمون عرضاً بمتحف الحضارة المصرية بالقاهرة (أ.ب)

شهد شاطئ بونداي في أستراليا احتفالات محدودة بسبب هجوم إرهابي أودى بحياة 15 شخصاً قبل أيام، حيث حافظ المشاركون على طقوس الميلاد مع احترام ذكرى الضحايا، وسط تعزيز الإجراءات الأمنية، بينما قلل الطقس العاصف من عدد المحتفلين.

وفي الوقت نفسه، تواجه بعض مناطق العالم ظروف طقس صعبة، مثل كاليفورنيا التي أعلنت السلطات فيها حالة الطوارئ تحسباً لفيضانات محتملة، ما يعكس التحديات المتعددة التي تواجه المجتمعات خلال موسم الأعياد.

أوكرانيون يرنمون للميلاد حاملين نجوم بيت لحم وسط مدينة لفيف (إ.ب.أ)

على الرغم من الظروف الصعبة، حملت الاحتفالات الميلادية هذا العام رسائل فرح وتجدد للأمل، سواء في فلسطين أو مصر أو أستراليا. وتجسد هذه الفعاليات قدرة المجتمعات على التعبير عن التضامن والحياة المشتركة، والحفاظ على التراث والثقافة، حتى في أصعب الأوقات.


«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
TT

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

رغم إعلان محافظة القاهرة نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) إلى مقابر الخالدين التي تضم رفات رموز المجتمع المصري من ساسة ومبدعين وعلماء وأمراء، فإن خبر هدم ضريح أحمد شوقي في مكانه التاريخي قوبل بردود فعل غاضبة، جاء معظمها من مهتمين بتراث المقابر ذات الطرز المعمارية المتميزة، وأضرحة الشخصيات التاريخية، والعارفين بقدر شوقي، ومكانته في تاريخ الشعر المصري والعربي الحديث.

ويؤكد الباحث في التاريخ الدكتور مصطفى الصادق أن «هدم ضريح أمير الشعراء أحمد شوقي، يأتي ضمن لائحة طويلة من قبور المشاهير والعظماء التي تمت إزالتها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غضب كبير، إلا أن عملية الهدم نفسها غير مستغرَبة، ومتوقَّعة، فقد سبقه كثيرون، جرفتهم المعاول، حيث سبق هدم ضريح محمود الفلكي، والسردار راتب باشا، وكثيرون آخرين».

وتحدث الصادق عن «وعود لم يفِ بها أحد»، على حد قوله، مضيفاً: «بعد هدم قبة حليم بن محمد علي باشا، أعلن المسؤولون أن أعمال الهدم سوف تتوقف، لكن ما جرى بعدها فاق الوصف، كانت أعمال الإزالة بعد ذلك خرافية»، ولفت إلى أن الحديث الذي يدور حالياً عن «مقابر فاخرة» لا معنى له في ظل هدم أضرحة لا مثيل لها في الفخامة والإبداع والعمارة.

من جهتها أعلنت محافظة القاهرة قرب افتتاح «مقابر تحيا مصر للخالدين»، التي «أقامتها الدولة خصيصاً لنقل رفات الشخصيات التاريخية، وسيخصص جزء منها لعرض التراكيب المعمارية الفريدة ذات الطراز المعماري المتميز».

جانب من أعمال الهدم في المقابر (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

وقالت المحافظة في بيان: «إن المقابر شرفت بإعادة دفن رفات شوقي، إذ تم وضعه في المكان الذي يليق بمكانته الأدبية والتاريخية». فيما قال الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هدم ضريح شوقي جاء على خلاف ما أعلن عنه المسؤولون، فقد كان الحديث عن عدم المساس به، لكننا فوجئنا بنقل رفاته منذ شهور، ثم هدم المقبرة الذي لم يراع مكانة شوقي؛ فهو أشهر شعراء العربية في العصر الحديث».

وأضاف عبد المجيد أن «الخبر مؤلم جداً، خصوصا أنه يأتي في ظل الحديث عن هدم أضرحة رموز إبداعية مهمة في تاريخ مصر، بدءاً من مدفن محمود سامي البارودي، وصولاً إلى ضريح عميد الأدب العربي طه حسين، الذي يختفي الآن تحت الجسر».

ووفق عبد المجيد: «هناك أضرحة عديدة هدموها وكانت بمثابة متاحف زاخرة بالتحف والتماثيل والرسومات والزخارف الفنية المرصعة بالمعادن، تعرضت للسرقة وبيعت في السوق، وبينها شواهد قبور وتركيبات لمشاهير كان يجب حمايتها ومنع المساس بها».

المحزن في واقعة هدم ضريح شوقي، وفق الباحث في التراث إبراهيم طايع، أن «عمليات الإزالة سبقها بشهور نقل رفاته، وقام مجهولون بسرقة تركيبات عدد من المقابر داخل الضريح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الواضح أن مصير الضريح إلى زوال، لأن كل ما حوله من مدافن جرفتها المعاول».

من جهته وصف الشاعر المصري، أحمد عبد المعطي حجازي، إزالة مقبرة شوقي بأنها بمنزلة «هدم جسم حي وكيان باقٍ وخالد بأيدي فانين وعاجزين عن تقدير القيم». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث لمقبرة شوقي يطول الثقافة المصرية كلها، منذ عقود وحتى الآن، ومَن هدموا مقبرة شوقي هم أنفسهم الذين يهدمون الثقافة المصرية».

دُفن أمير الشعراء في مقبرة تخص عائلة زوجته، وتعود لحسين باشا شاهين، وهناك يوجد رفاته أيضاً، ورفات زوجته ووالده. «أكثر من 5 تركيبات اختفت قبل هدم الضريح، ولم يتبقَّ سوى التركيبة الرخامية الخاصة بشوقي، التي ظلت حتى هدم الضريح»، وفق طايع.


«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)