أفلام إسرائيلية وفلسطينية ممنوعة والأسباب سياسية

تُعرض في المهرجانات ولا تجد سوقاً أميركية

«لا أرض أخرى» (ياباياي ميديا)
«لا أرض أخرى» (ياباياي ميديا)
TT

أفلام إسرائيلية وفلسطينية ممنوعة والأسباب سياسية

«لا أرض أخرى» (ياباياي ميديا)
«لا أرض أخرى» (ياباياي ميديا)

في ليلة افتتاح الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان كارلوفي فاري في جمهورية تشيك، قبل يومين، تم منح «جائزة الرئاسة» إلى الممثلين فيكي كريبس، وبيتر سارغارد، وسط تصفيق الحاضرين وقوفاً. لكن بينما تحدّثت الممثلة اللوكسبورغية عن مشاعرها حيال هذا الاحتفاء، اختار الممثل الأميركي الحديث عن السياسة، داعياً إلى سينما تُنير العقول وتنفتح على ما يحدث حول العالم دعماً للتقارب وتحقيق السلام.

كلام جميل لم يقم المهرجان بتوفير نصّه على منصّته الرسمية، بعد ما أورد فيه الممثل ملاحظاته حول السياسة الأميركية الخارجية، التي قال عنها إنها «تشهد انسحابها من مسؤولياتها العالمية».

بيتر سارغارد في «كارلوفي فاري» (كارلوفي فاري)

دعا الممثل (رأيناه مؤخراً في «September 5») إلى فعل دولي جماعي لتوفير البيئة الصالحة للسلام العالمي، مشيراً: «بلادي منقسمة بدورها سياسياً ونوعياً وعنصرياً». وأضاف أن اليهود فيها منقسمون حول الحرب الدائرة بدورهم.

مواقف ومنصّات

كلمة الممثل هي دعوة دبلوماسية عامّة ترغب في تضمين كلماتها الدعوة إلى لقاء جديد بين فرقاء النزاعات الدولية، يتحمّل فيها كل منهم مسؤولية كاملة لنشر السلام والمحبة، وختم قوله باستعارة عبارة وردت على لسان الرئيس السابق للجمهورية التشيكية فاسلاف هافل، حول السعي لاتفاق الفرقاء أينما كانوا: «الغرفة لا تستطيع البقاء دافئة إذا كان نصفها الآخر بارداً».

ينضم سكارسغارد لعدد من الممثلين والمخرجين، الذين منذ سنوات غير بعيدة يوظّفون وقوفهم على المنصة، سواء لقبول تكريم أو جائزة، للجهر بآراء سياسية بنّاءة قدر الإمكان. المخرج البريطاني كن لوتش تحدّث عن حاجة أوروبا لمعالجة مشكلات الفقر ومسائل التأمين الصحي والاجتماعي، في كل مرّة وقف فيها على منصّات برلين والبافتا ومهرجان «كان». هذا الأخير بعد فوزه بالسعفة الذهبية عن واحد من أهم أفلامه «I‪, Danel Blake» صعد إلى المنصّة وألقى كلمة استغرقت 10 دقائق عن رسالة الفيلم لمشاهديه.

في العام ما قبل الماضي، حين فاز «منطقة الاهتمام» (Zone of Interest) بجائزة برلين لعام 2023، ثم بالأوسكار في العام ذاته، وقف المخرج جوناثان غلايزر وأعلن موقفه المعادي لما تقوم به إسرائيل في غزّة. وفي العام الماضي، ندّد المخرج الإسرائيلي يوفال إبراهام، من على منصّة الأوسكار حين فاز هو والفلسطيني حمدان بلال (واثنان آخران) بأوسكار أفضل فيلم تسجيلي، بالممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لسنوات قبل الحرب الحالية في قطاع غزّة. في حين انتزع «منطقة الاهتمام» عروضاً محدودة في الولايات المتحدة، بعد جهود مضنية، ما زال «لا أرض أُخرى» محصوراً في عرضين صغيرين في نيويورك ولوس أنجليس.

مشهد من «منطقة الاهتمام» (آي إم دي بي)

نقد فرنسي - فلسطيني

وفي هذا العام، انتقدت رئيسة لجنة التحكيم في مهرجان «كان»، جولييت بينوش، في أول ظهور رسمي لها على المنصّة، الحرب على غزة، داعية إلى سلام عادل وإيقاف الأعمال العدائية.

ما يوحي به كل هذا هو تحوّل المهرجانات والمناسبات السينمائية السنوية إلى فرصة لإطلاق المواقف السياسية التي يصبّ معظمها في الحاجة إلى السلام العادل، وانتقاد الحكومة الإسرائيلية واعتداءاتها على الآمنين.

المخرجان الفلسطينيان عرب وطرزان ناصر فازا في «كان» هذا العام أيضاً بجائزة أفضل إخراج في مسابقة «نظرة ما» عن فيلميهما «ذات مرّة في غزة»، ولم يوفّرا نقدهما لما يحدث في الأراضي الفلسطينية عندما اعتليا المنصّة لتقديم الفيلم.

إنه كما لو كانت المهرجانات، التي عادة ما تفضّل ألا تتحوّل مناسباتها إلى جدالات سياسية، هي الوحيدة التي لا تتيح إلقاء الخطب السياسية فقط، بل الفوز بأفلام ضد الخط السياسي الرسمي للدول الغربية على الأخصّ. أما بالنسبة لعرض الفيلم في المدن الأميركية، فكان في المهرجانات فقط، فشهد عروضاً في مهرجانات بالم سبرينغز ودنفر وشيكاغو وفيلادلفيا وهاواي ونحو 10 مهرجانات أخرى سواها.

نوع من الحصار

ما هو مُلاحظ أن معظم الأفلام التي تفوز بجوائز في المهرجانات الدولية، والتي تتحدّث عما يقع حولنا، في فلسطين وسواها، لا تلقى ما تستحقه من رواج في العروض الأميركية. هذا إذا ما سنحت لها فرصة إيجاد شركات راغبة في توزيعها.

إنه كما لو كان الأمر هو السماح بمن يريد الإفصاح عما يفكّر به في المناسبات العالمية، خصوصاً الأوروبية، لكن حين يصل الأمر إلى عرض الأفلام ذاتها في الولايات المتحدة فإن الأمر يختلف. بالكاد يجد الفيلم موزّعاً يجرؤ على توقيع عقد توزيع مع منتجي العمل. غالباً سيجد الأبواب موصدة كحال «لا أرض أخرى»، علماً بأنه إسرائيلي الإنتاج.

«لا أرض أخرى» (آي إم دي بي)

عروض المهرجانات مهمّة. هناك جمهور لها، لكن العروض التجارية هي الأهم، لأنها تمثّل الرأي العام وعدم تمتعها بالعروض التجارية هو نوع من حصار مفروض، ينتزع من الفيلم موقفه لحجمه ومنع إبداء وجهة نظره.

ما يحدث هو أن الاستديوهات الكبيرة لا تشتري حقوق هذه الأفلام مطلقاً، كونها مملوكة، في معظمها، لسياسات مؤيدة للجانب الإسرائيلي، والشركات الصغيرة لا تستطيع ضمان الرواج، وتفضل ألا تغمس قدميها في مواضيع ساخنة، تنتج عنها خسارة مادية أو مواجهات مع أي لوبي سياسي. لذا تفضل أن تلعبها آمنة.

لا لـ«نعم»

لا يتوقّف هذا النوع من التعامل على أفلام تعبّر عما يحدث في غزّة أو في أي موضع فلسطيني آخر فقط، بل يتعدّى الأمر إلى أي فيلم لا ينقل ما يعبّر عن وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية. في واقع الأمر «لا أرض أُخرى» هو فيلم إسرائيلي، لكنه منافٍ لسياساتها، كذلك الحال في فيلم إسرائيلي عُرض في مهرجان «كان»، في قسم «نصف شهر المخرجين»، عنوانه «نعم» (Yes)، يتولّى وصف الطاقم الحاكم ومحيطه بالسيطرة على عواطف وآراء الغالبية، التي لا تستطيع إلا الموافقة (في الغالبية) على قرارات السُلطات.

ملصق فيلم «نعم»

حين حاول مخرجه ناداف لابيد والشركة المنتجة (AMP) النفاذ به إلى السوق الأميركية بعد افتتاحه في «كان»، حيث يعرضه مهرجان كارلوفي فاري هذا الأسبوع، وجد الصدّ ذاته الذي لاقاه «منطقة الاهتمام» و«لا أرض أُخرى» من قبل. وللغرابة، رفضت 3 مهرجانات أميركية شمالية، هي «نيويورك فيلم فستيفال» وتيليورايد وتورنتو، عرضه.

حالياً يواجه المنتِج الفلسطيني رشيد مشهراوي صعوبة في إيجاد صالة أميركية لعرض فيلمه «من المسافة صفر»، علماً بأن الفيلم المكوّن من 22 فيلماً قصيراً لـ20 مخرجاً، لا يتلو موقفاً سياسياً ولا ينتقد خطاباً إسرائيلياً، ما ألّب عليه عدداً من النقاد في أميركا وأوروبا، بل يعمد لمجرد تصوير الوضع المعاش في غزة قبيل نهاية العام الماضي، عندما كانت الأحوال ما زالت نسبياً مقبولة.

حرية تعبير ولكن...

اللافت أن الأفلام الأميركية التي تنتقد السياسة الأميركية الداخلية منها أو الخارجية لا تواجه الوضع نفسه.

أي فيلم آخر ينتقد الولايات المتحدة، بعيداً عن الموضوع الفلسطيني - الإسرائيلي، مسموح به، خصوصاً إذا كان إنتاجاً أميركياً. العديد من الأفلام الأميركية دارت حول رؤساء جمهورياتها نقداً، وأكثر منها تمحورت حول موضوع الفساد بين رجال الأمن، وصولاً إلى «سي آي إيه» و«إف بي آي»، وأي ركن آخر في الهرم الحكومي. ولا يوجد إحصاء كامل للأفلام التي عرضت أو ناوأت التمييز العنصري في الولايات المتحدة. إلى جانب الأفلام التي فتحت الأعين على المخاطر البيئية أو حذّرت من كوارثها، وتبنّت موقف المندد بقصر نظر المسؤولين حيالها.

لكن ليس من بين أي من هذه الأفلام ما لم يعرض في صالات السينما أو في محطات التلفزيون أو في المنصّات المنزلية المختلفة.

حيال ذلك، ليس عجيباً أن يغيب الممثلون والمخرجون، في غالبيّتهم، عن إبداء الرأي في هذا الصراع الدائر في فلسطين. إذا أيّدوا وجهة النظر الإسرائيلية فسيتعرضون لهجوم كبير من قبل الرأي العام، وإذا رفضوها وأبدوا موقفاً مؤيداً لضحايا غزّة ثارت عليهم المؤسسات.

في الواقع، أنه في الحالتين تلعب شركات الإنتاج الدور الأول في هذا الفيلم القريب من الكوميديا؛ هي لا تشجع على إبداء رأي مناوئ للغزاويين خوفاً من خسارة الممثل لحجم نجوميّته، وبالتالي إيرادات فيلمه المقبل، لكنها بالتأكيد لا تريد للسينمائيين خوض الموضوع نفسه من وجهة نظر تعارض ما يقع. يمكن لهم، كما فعل مارك روفالو وتيلدا سوينتن والمخرج مايك لي والعشرات سواهم، توقيع احتجاجات في بيانات شجب، لكن لا تأثير دامغاً لهذا، كما لو أن أحدهم وقف موقفاً منفرداً وحادّاً، كما فعلت الممثلة سوزان ساراندون، التي أدّى بها الأمر إلى عدم الرغبة في التعاون معها، كما صرّحت في مقابلة لها في «الديلي تلغراف» اللندنية قبل 3 أشهر.


مقالات ذات صلة

«التوليفة الكوميدية» تسيطر على أفلام موسم الصيف في مصر

يوميات الشرق محمد ثروت وتامر حسني (حساب ثروت بـ«فيسبوك»)

«التوليفة الكوميدية» تسيطر على أفلام موسم الصيف في مصر

شهدت أفلام موسم صيف 2025 في مصر، سيطرة التوليفة الكوميدية، بشكل ملحوظ على معظم الأعمال، التي اعتمدت بجانب الشخصيات الرئيسية، على المواقف الكوميدية.

داليا ماهر (القاهرة )
سينما ديڤيد كورينسويت ورايتشل بروسنهان في «سوبرمان» (وورنر)

المخرج جيمس غَن يقدم «سوبرمان» جديداً - قديماً

يحلّق سوبرمان مجدداً فوق عواصم العالم بعدما انطلقت عروضه مطلع الأسبوع الحالي. هذا بعد 3 أفلام رديئة التنفيذ لم تُنجز نجاحاً على أي صعيد، وابتعدت عن روح الشخصية…

محمد رُضا (لندن)
سينما «سيد الخواتم: حرب الروهيريم» (نيو لاين سينما)

شاشة الناقد: أنيميشن جديد من وحي «سيد الخواتم» وعدو سبايدر مان الذي بات بطلاً

THE LORD OF THE RINGS‪:‬ THE WAR OF THE ROHIRRIM هذا الفيلم هو البديل المُتاح، سينمائياً، لهواة مسلسل «The Lord of the Rings».

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الملصق الترويجي لفيلم «روكي الغلابة» (الشركة المنتجة)

دنيا سمير غانم تكسر احتكار الرجال لبطولات أفلام موسم الصيف

حظي البرومو الترويجي لفيلم «روكي الغلابة» الذي طرحته الشركة المنتجة عبر حساباتها «السوشيالية»، باهتمام واسع في مصر.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق أمير كرارة في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«الشاطر» يخوض سباق موسم الصيف السينمائي في مصر

يُعد فيلم «الشاطر» تجربة سينمائية تجمع بين الأكشن والكوميديا والرومانسية، نالت استحسان النقاد.

أحمد عدلي (القاهرة)

أخلاقيات قياس الرأي العام وشعبية الرموز السياسية في كتاب جديد

قياس الرأي العام باستطلاعات الرأي العلمية (الشرق الأوسط)
قياس الرأي العام باستطلاعات الرأي العلمية (الشرق الأوسط)
TT

أخلاقيات قياس الرأي العام وشعبية الرموز السياسية في كتاب جديد

قياس الرأي العام باستطلاعات الرأي العلمية (الشرق الأوسط)
قياس الرأي العام باستطلاعات الرأي العلمية (الشرق الأوسط)

قليلة هي الكتب والدراسات التي تتناول طريقة قياس الرأي العام بشكل منهجي علمي منضبط وفق معايير محددة، ومعطيات تفضي إلى مؤشرات تطمح لتحري الدقة، وتُشير إلى ظواهر حية، وأحياناً إلى تقييمات شعبية للأوضاع والرموز السياسية.

هذا ما يُقدمه كتاب جديد صدر، أخيراً، عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي، تحت عنوان «قياس الرأي العام... بصيرة المجتمعات وصنّاع السياسات» من تأليف الدكتور ماجد عثمان، وزير الاتصالات المصري الأسبق، الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، والدكتورة حنان جرجس، نائب الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة).

يتناول الكتاب المنهجيات الإحصائية المرتبطة بقياس الرأي العام، والاعتبارات العملية لاستطلاعات الرأي العام، والمواءمات التي تنطلق من صعوبة تطبيق المنهجية الإحصائية بحذافيرها في بعض المواقف على أرض الواقع.

عبر 12 فصلاً، يتناول المؤلفان استطلاعات الرأي العام منذ بداية تعريف المصطلح، وما ينبني عليه من اعتبارات عملية في الشارع وسبل توظيفه للتعريف بالتفضيلات المجتمعية، كما يتطرّق إلى مراحل تطور وسائل القياس أو الاستطلاعات، ومجالات استخدامها في المؤسسات العامة ودوائر صنع القرار.

ويؤكد الكتاب أنه يربط بين الدراسة أو المنهجية النظرية، والخبرة العملية، من خلال تقديم دراسات واستطلاعات للرأي العام في مصر وعدد من الدول العربية على مدى سنوات، مع تأكيد تقاطع المنهج الإحصائي أو علم الإحصاء الذي تستند إليه قياسات الرأي العام مع فروع معرفية أخرى، مثل العلوم السياسية والإعلام وعلم الاجتماع وعلم النفس.

ويسعى الكتاب إلى تبسيط التناول الإحصائي لاستطلاعات الرأي بعيداً عن التناول الرياضي المتقدم للأدوات الإحصائية، مع الإشارة إلى إحالات يمكن للقارئ المتخصص الرجوع إليها.

وتكمن أهمية الكتاب، إلى جانب موضوعه الحيوي والثري، في الخبرة الممتدة التي يمتلكها مؤلفه الأول الدكتور ماجد عثمان، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي شغل عدة مناصب مهمة في مجال تخصصه، منها توليه إدارة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء المصري بين عامي (2005-2011)، والذي يُعدّ من الأدوات الرئيسية في صنع السياسات واتخاذ القرارات، كما أسس مؤسسة مستقلة لقياس الرأي العام، وإجراء استطلاعات الرأي بطريقة معيارية، وهو مركز «بصيرة» الذي يتولى رئاسته، إلى جانب توليه منصب الرئيس غير التنفيذي لمجلس إدارة شركة «المصرية للاتصالات»، ومدير المركز الديموغرافي بالقاهرة عام 2004، وهو حاصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2024.

في حين تُعدّ المؤلفة الثانية للكتاب، الدكتورة حنان جرجس، من الخبراء البارزين محلياً وإقليمياً في مجالات الإحصاء والديموغرافيا وقياسات الرأي العام والبحوث الكمية، وقد تم تعيينها عضواً بالمجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر عام 2024، وهي الشريك المؤسس ونائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة «بصيرة».

وقد امتدت أبحاث ودراسات «بصيرة» لتغطي دولاً كثيرة في الوطن العربي، من بينها إجراء دراسات في الإمارات والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والأردن وتونس والمغرب.

ويحيلنا الكتاب إلى الصعوبات التي تواجه قياس الرأي العام في بعض البيئات السياسية التي تستشعر عدم الارتياح لاستطلاعات الرأي، تحسباً لنتائج غير مواتية تكشف مواطن خلل في برامج يجرى تنفيذها، أو تُشير إلى عدم رضا عن سياسات يتم تبنيها أو تعكس تراجعاً في شعبية الرموز السياسية، الأمر الذي يُشكل ضغوطاً ترى بعض الأنظمة السياسية أنها في غنى عنها، وفق ما ورد في مقدمة الكتاب.

ويتناول المؤلفان الاعتبارات الأخلاقية والقانونية لإجراء استطلاعات الرأي العام، مؤكدين أن الاستطلاعات ليست مجرد عملية جمع بيانات، ولكنها تخضع لاعتبارات أخلاقية وقانونية صارمة لضمان حماية المشاركين في الاستطلاع من جانب، ودقة النتائج من جانب آخر.

وتتمثل الاعتبارات الأخلاقية في ضمان سلامة المستجيب، بحيث لا يترتب على إدلائه برأيه ضرر مباشر أو غير مباشر، وضمان خصوصية المستجيب، لأن الهدف من الاستطلاع التعرف على اتجاهات الرأي العام ككل، وليس كل شخص على حدة، وكذلك ضمان حق المستجيب في معرفة الهدف من الاستطلاع والجهة الممولة له، وكيف سيتم استخدام النتائج. ومن الاعتبارات الأخلاقية أيضاً القواعد الواردة في مدونات السلوك المهني والأخلاقي للعاملين في مجال استطلاعات الرأي العام.

ويتضمن الكتاب عدداً من القوانين والنصوص الدستورية التي تنظم مسألة قياس الرأي العام، وتؤكد حرية التعبير، وتنظم أيضاً مسألة التعداد والإحصاء، ليقدم للقارئ العام ما يمكن اعتباره «مانفيستو» متكامل الأركان لقياس الرأي العام عبر الاستطلاعات العلمية والمنهجية المنضبطة التي تُغذي بصيرة المجتمعات، وترسم خريطة طريق أمام صناع السياسات.